تحقيقات استقصائية: حصر السلاح بيد الدولة … مشروع لمكافحة السلاح المنفلت أم بوابة جديدة للفساد؟

حصر السلاح بيد الدولة … مشروع لمكافحة السلاح المنفلت أم بوابة جديدة للفساد؟

انتشرت الأسلحة في أعقاب الغزو الأميركي للبلاد وانهيار النظام السابق في نيسان 2003 حين استولى مواطنون ولاحقا قوى حزبية على مخازن السلاح الذي وجد طريقه الى كل بيت خاصة بالمناطق ذات البنية العشائرية التي حمل أبناؤها السلاح كما حمله افراد الجماعات المسلحة كاداة لفرض هيمنتها، في وقت فشلت كل الخطط الحكومية لمنعه او حصره.

رسول محمد/ ذي قار:

في الساعة العاشرة من مساء يوم الأحد 3 آذار/ مارس 2024، ضجّ قسم الطوارئ بالمستشفى التركي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، بالفوضى مع دخول مجموعة من عناصر الأمن المذعورين وهم يحملون شخصاً مصاباً بطلق ناري في بطنه وينزف بشدة.

لم يستطع الكادر الطبي فعل شيء للمصاب، الذي عرفوا هويته سريعاً، (مدير استخبارات وإرهاب المحافظة)، فالرصاصة مزقت أحشاءه ليلفظ أنفاسه الأخيرة هناك. 

العميد عزيز شلال، المعروف في كل أرجاء المحافظة الجنوبية، لم يفقد حياته نتيجة مواجهة مباشرة مع مجموعة إرهابية أو خارجين عن القانون، بل لأنه وُجد مع مجموعة من عناصره في منطقة أبو جولان (5 كم غرب قضاء الإصلاح) بهدف وضع حد لنزاع مسلح اندلع بين عشريتي “آل رميض” و”آل عمر”، فتلقى وسط التبادل الكثيف للنار بين العشيرتين، رصاصة طائشة أودت بحياته.

تقف السلطات متفرجة عاجزة، بينما تتحول خلافات عشيرتين على مناصب ادارية الى معارك تستخدم فيها اسلحة خفيفة ومتوسطة مخلفةً ضحايا بينهم ضابط كبير!

الخلاف بين العشيرتين بدأ في 2020، إثر تنافسهما على تقديم مرشح لمنصب قائمقام القضاء البالغ عدد سكانه نحو 65 ألف نسمة، إذ رأت عشيرة آل عمر التي تسكن مركز القضاء والقرى المحيطة به، بأنها تشكل الغالبية، ووفق ذلك فإن أحد أبنائها أولى بالمنصب، وهذا ما رفضته عشيرة آل رميض التي شغل فرد منها المنصب لغاية 2023. 

الخلاف على المنصب وامتيازات أخرى، وفقاً لمصادر أمنية من ذي قار، أدى إلى نشوب واحد من أطول النزاعات المسلّحة في المحافظة، والتي فشلت كل تدخلات التهدئة من كبار الشخصيات السياسية في الدولة بل وحتى المرجعية الدينية في النجف، في إنهائه وإحلال السلام بين العشيرتين على الرغم من الإجراءات الأمنية التي اتُّخذت ضد أفراد مسلّحين منهما. 

لجنة فض النزاعات في محافظة ذي قار، ذكرت في بيان لها، أن حرب العشيرتين تدخل عامها الثالث، وقد وقعت خلالها 30 معركة مسلحة، قتل على أثرها 7 أشخاص وأصيب 15 آخرين من الجهتين، وتسببت بنزوح 114 عائلة إلى قرى ومناطق قضاء الفهود الذي يبعد بضعة كيلومترات عن قضاء الإصلاح.

وأكدت اللجنة في بيانها، أنها ساهمت في عام 2023 في وقف 157 نزاعاً عشائرياً مسلحاً في المحافظة، لكنها عجزت عن وقف النزاع القائم بين عشيرتي آل رميض وآل عمر.

بعد ساعات من مقتل العميد عزيز شلال، تمكنت القوات الأمنية من مصادرة 21 قطعة سلاح خفيف ومتوسط، واعتقلت 105 أشخاص من طرفي النزاع في قضاء الإصلاح، بينما أعلنت حكومة ذي قار المحلية عن تشكيل لجنة عليا للتحقيق في الحادثة، في محاولة لامتصاص غضب الشارع، فيما توعدت وزارة الداخلية بملاحقة مرتكبي الجريمة التي وصفتها بـ”العمل الإرهابي الإجرامي”.

تسببت النزاعات العشائرية بقتل وإصابة 3000 شخص في المحافظات العراقية المختلفة باستثناء إقليم كردستان، خلال النصف الأول من عام 2023، بينهم 120 امرأة.

رصاص الخلاف العشائري

الرصاصة التي أصابت مدير استخبارات ذي قار، لم تكن الأولى التي تصيب رجل أمن بسبب نزاع عشائري، فواحدة أخرى كانت قتلت في نيسان/ أبريل 2022 مدير استخبارات عمليات “سومر” العسكرية العميد علي جميل، أثناء محاولته فض نزاع عشائري في قضاء الشطرة شمال الناصرية.

بينما نجا ضابط برتبة لواء في وزارة الداخلية من محاولة اغتيال في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بعدما هاجم مسلحون منزله في قضاء قلعة سكر شمال مدينة الناصرية، وكان ذلك أيضاً جزءاً من خلاف عشائري.

وفقاً لإحصاء لدائرة الطب العدلي اطلع عليها معد التحقيق، تسببت النزاعات العشائرية بقتل وإصابة 3000 شخص من مختلف المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، خلال النصف الأول من عام 2023، بينهم 120 امرأة.

يفتح هذا التحقيق، انطلاقاً من ذي قار، ملف ما يعرف في العراق بالسلاح المنفلت، أي الواقع بأيدي قوات وجماعات غير نظامية، وأسباب تحوّله إلى ظاهرة، والإجراءات الحكومية في مكافحته، وكيفية تسخيره من أحزاب وقوى سياسية لمصلحتها في صراعاتها البينية.

أسلحة في كل مكان

انتشرت الأسلحة بين العراقيين بنحو كبير أعقاب الغزو الأميركي للبلاد وانهيار النظام العراقي السابق في 2003 وقرار الحاكم الأميركي على العراق بول بريمر، إلغاء تشكيلات القوات الأمنية، ليستولي الكثير من العراقيين على مخازن ومشاجب السلاح، حسبما يقول اللواء المتقاعد والخبير الأمني عبد الجليل خلف. 

يشير خلف إلى أن أفراداً ومجاميع استولوا على مخازن ومستودعات السلاح في معسكرات الجيش  ومقار الأمن والاستخبارات والمراكز التنظيمية لحزب البعث، التي كانت منتشرة في جميع المدن والأقضية والنواحي، فضلاً عن تدفق السلاح من سوريا وإيران خلال فترات مختلفة في إطار التهريب والصفقات التي يقول إن تجار وسماسرة وزعماء أحزاب يبرمونها فضلاً عن قوى مسلحة.

ويضيف:”أصبح السلاح في كل مكان وتحول الأمر إلى ظاهرة، وأصبحت العشائر التي يتحد أفرادها لضمان مصالحهم، تخوض اشتباكات مسلحة في ما بينها، وتدخل في نزاعات بعضها يستمر لسنوات، ويسقط خلالها ضحايا أبرياء”.

يرجع خلف نشوء تلك النزاعات واستمرارها الى الخلافات على ملكية الأراضي أو “رداً على وقوع حوادث تفضي إلى الموت فيتم تفعيل عرف الثأر، أو تنفجر نتيجة مشاكل اجتماعية”.

ويتهم الخبير الأمني سرمد البياتي، بعضاً من مسؤولي هيئة المنافذ والجمارك وحرس الحدود بالوقوف وراء تفشّي السلاح في المجتمع بتغاضيهم عن تهريبه وعدم اعتقال المتورطين في تلك التجارة القاتلة.

انتشرت الأسلحة بنحو كبير في أعقاب الغزو الأميركي للبلاد وانهيار النظام العراقي السابق في نيسان 2003 وقرار الحاكم الأميركي على العراق بول بريمر، إلغاء تشكيلات القوات الأمنية، ليستولي الكثير من الناس على مخازن ومشاجب السلاح

يحمّل البياتي القوى السياسية المسؤولية، قائلاً: “ساهمت هي الأخرى في تنمية ثقافة عسكرة المجتمع من خلال قطع الأسلحة التي تعطيها كهدايا وهبات للشيوخ والأفراد الموالين لها”، منبهاً الى أن تدخلات السياسيين أضرّت بالعمل الأمني، “بالتالي لا حصر للسلاح إذا طُبق على الجميع من دون استثناء”.

ووفقاً لموقع  GunPolic الذي يوفّر قاعدة بيانات واسعة تخصّ الأسلحة، فإن العراق يحتل المرتبة 153 من أصل 200 دولة، في امتلاك المدنيين أسلحة خاصة بهم، على رغم أن القانون لا يسمح بامتلاك سلاح من دون ترخيص.

خطة لحصر السلاح

الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، أعلنت مراراً عن خطط لـ”حصر السلاح بيد الدولة”، آخرها قرار مجلس الوزراء في الثالث من كانون الثاني 2024، بتخصيص مبلغ 15 مليار دينار (نحو 11.5 مليون دولار) لشراء السلاح من المواطنين، بواقع مليار دينار لكل محافظة وعددها 15 محافظة باستثناء محافظات إقليم كردستان العراق.  

خُصِّص المبلغ من احتياطي الطوارئ، استناداً إلى أحكام قانون الموازنة العامة للسنوات المالية الثلاث من 2023 لغاية 2025، تنفيذاً للبرنامج الحكومي لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، حسب بيان صدر عن مجلس الوزراء.

وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، ذكر أن البرنامج يتضمن مرحلتين، الأولى تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة القريبة من سكن المواطنين، والثانية شراء الأسلحة الثقيلة والمتوسطة منهم، مؤكداً أن ذلك سيستمر طيلة عام 2024 .

وتهدف خطة حصر السلاح بيد الدولة، وفقاً لتصريحات مسؤولين أمنيين، إلى “تنظيم انتشاره في جميع محافظات البلاد، وتقليل مظاهر عسكرة المجتمع حفاظاً على السلم المجتمعي ومحاربة مظاهر التسلح الاجتماعي وتداعياته”.

كما تسعى الى تفعيل النصوص المتعلقة بمكافحة ما يعرف بـ(الدكة العشائرية)، وهي قيام أتباع عشيرة ما بالتجمع أمام منزل أحد الخصوم وإطلاق النار لترهيبه ومطالبته بجلسة عشائرية يلتزم فيها بما يفرض عليه.

وأحد النصوص التي شرّعت للتصدي لهذا العرف العشائري، هو المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، والتي تصل عقوبتها إلى السجن لما يزيد عن 15 عاماً. إذ تنص على: تُعد الأفعال الآتية من الأفعال الإرهابية، العنف أو التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو تعرض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر وتعريض أموالهم وممتلكاتهم للتلف أياً كانت بواعثه وأغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إرهابي منظم، فردي أو جماعي.

حكومة محمد شياع السوداني، شكلت 14 لجنة متخصصة بحصر السلاح، تضم في عضوياتها ممثلي وزارات الداخلية والعدل والخارجية وجهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني والمخابرات والوقفين الشيعي والسني وممثلية بعثة الأمم المتحدة في العراق. وانبثقت منها لجان فنية ومالية مهمتها تحديد أسعار شراء السلاح المتوسط والثقيل من المواطنين.  

المتحدث باسم وزارة الداخلية مقداد الموسوي، ذكر أن وزارة الداخلية افتتحت 697 مكتباً داخل مراكز الشرطة المنتشرة في عموم محافظات البلاد، لتسجيل الأسلحة الخفيفة فقط “مسدس، بندقية كلاشنكوف”.

ويوضح:”من حق كل رب أسرة في دار مستقلة، الاحتفاظ بقطعة سلاح خفيفة واحدة فقط على أن يملك إجازة بالحيازة، ولا يسمح بإخراج قطعة السلاح تلك خارج الدار مطلقاً، وبخلافه يعامل معاملة السلاح الخارج عن القانون”. 

المتحدث باسم وزارة الداخلية يشرح آلية تسجيل السلاح ضمن المرحلة الأولى من الخطة بقوله، إنها تتم عبر استمارة إلكترونية أطلقتها وزارة الداخلية في شهر كانون الثاني 2024، فيما سيتم في المرحلة الثانية شراء الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وستعقب ذلك مرحلة ثالثة تتمثل في التفتيش والبحث عن السلاح المتوسط والثقيل ومصادرته. 

ويشير إلى أن وزارة الداخلية لن تستحصل على رسوم لقاء تسجيل أسلحة المواطنين، أما أسلحة عناصر الأجهزة الأمنية فسترمز، والأسلحة المحورة التي سيُعثر عليها ستصادر على الفور من دون تسجيلها. 

ويتابع:”بعد الانتهاء من عملية التقديم الإلكتروني لتسجيل الأسلحة، سينتقل فريق متخصص من مراكز الشرطة في المحافظات الى دور المواطنين المسجلين عبر الاستمارة الإلكترونية لفحص السلاح الخاص بهم”.

إغلاق متاجر السلاح

قبيل بدء المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح، كانت هناك إجراءات تحضيرية، بحسب العميد منصور علي، سكرتير ومقرر لجنة تنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، الذي يقول:”تم غلق 119 متجراً لبيع الأسلحة غير المجازة ومصادرة 25 طناً من الأسلحة المخالفة للقانون، واتخاذ إجراءات قضائية ضد 385 شخصاً يروجون لبيع الأسلحة في مواقع التواصل الإجتماعي، ونعمل مع الانتربول على تعقب واعتقال البعض ممن يوجدون خارج البلاد”.

ويذكر أيضاً بأن وزارة الداخلية تواصلت مع جميع شيوخ العشائر في العراق، وحصلت على 600 توقيع لوجهاء وشخصيات عشائرية “تعهدوا بدعم مشروع تنظيم وحصر السلاح بيد الدولة”. 

وكانت وزارة الداخلية قد نفذت في آذار/ مارس 2023 حملة لسحب الأسلحة من موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية غير الأمنية كافة، بلغت حصيلتها 25462 قطعة، تنوعت ما بين الخفيفة والمتوسطة، بكلفة تقديرية قاربت الـ 10 ملايين دولار.

العميد منصور، يكشف عن منح الوزارة في عام 2018 إجازة لـ 119 شخصاً لفتح متاجر لبيع الأسلحة في عموم المحافظات، لكن على أرض الواقع وجدوا 420 متجراً، “هؤلاء حصلوا على الإجازات من بعض المحافظين أو قادة العمليات في المحافظات”.

ويلفت إلى أن أصحاب بعض المتاجر تجاوزوا حدود الإجازات الممنوحة لهم، عبر قيامهم باستيراد الأسلحة من الخارج والمتاجرة غير المشروعة بها، “كما أن البعض افتتح متاجر لبيع أدوات وأسلحة الصيد، لكنهم استغلوها في بيع أسلحة نارية متوسطة وثقيلة”.

تلك المحال التي كانت تعمل من دون رقابة طوال سنوات، سهلت حصول المواطنين على مزيد من الأسلحة وتكديسها والمتاجرة بها، ما فرض التحرك لتشديد تطبيق تعليمات حيازة السلاح واستخدامه.

تم غلق 119 متجراً لبيع الأسلحة غير المجازة ومصادرة 25 طناً من الأسلحة المخالفة للقانون، واتخاذ إجراءات قضائية ضد 385 شخصاً يروجون لبيع الأسلحة في مواقع التواصل الإجتماعي

يحدد العميد منصور تلك التعليمات وفقاً للمادة 10/ أولاً من قانون الأسلحة رقم 51 لعام 2017، قائلاً إنها تنص على “حق كل عائلة في حيازة قطعة سلاح خفيفة واحدة مثل مسدس مع 50 طلقة، وبندقية مع 200 طلقة، وتتم مصادرة ما يزيد عن ذلك”. 

ويعرّج على الشروط الواجب توافرها في حائز السلاح المنزلي:”أن يكون عراقياً لا يقل عمره عن 25 سنة، غير محكوم عليه بجناية، ولا يمتلك قيداً جنائياً، فضلاً عن وجوب خضوعه إلى اختبار تعاطي المخدرات”.

ويستدرك: “في حال عدم أهلية رب الأسرة في حيازة السلاح، فإن من حق الابن الأكبر أو ربة الأسرة حيازته”، منوهاً الى أن السلاح الذي سيُضبط خارج التعليمات “سيكون في عهدة وزارة الداخلية وسيصبح مورداً مهماً من مواردها وتسليح قواتها”. 

ووفق وزارة الداخلية، ستحدَّد أسعار الأسلحة “المتوسطة والثقيلة” التي سيتم شراؤها من المواطنين من “لجنة فنية ومالية”، وتشمل أسلحة الـ”بي كي سي” والأسلحة الساندة وقذائف الـ “آر بي جي” وغيرها. 

يرجح مصدر أمني تخصيص ما بين مليونين ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين دينار (1910 – 2290 دولار) لشراء القطعة الواحدة من سلاح البي كي سي.

ويتوقع أن يكون بوسع كل محافظة شراء نحو 400 قطعة من هذا السلاح، بمبلغ المليار دينار التي خصصت لها، مشيراً إلى أن “الشراء سيعتمد على نظافة السلاح وقدرته وكفاءته، لأن السلاح المطمور والمتهالك لا يمكن شراؤه” وفق تعبيره.

المصدر الأمني يقدّر الأسلحة المتوسطة التي في حوزة عشائر (لم يحددها) بنحو 200 قطعة “بي كي سي” ومقاومة طائرات (احادية) تصل لمدى 12 كم، إلى جانب امتلاكها مدافع الهاون وقذائف الـ “آر بي جي”، مبيناً أنها حصلت عليها من مستودعات الجيش العراقي السابق ومن عمليات التهريب التي حصلت بعد العام 2014 أثناء سيطرة تنظيم داعش على مناطق غرب البلاد.

أبواب جديدة للفساد

لا توجد إحصاءات رسمية بأعداد الأسلحة المنتشرة خارج إطار الدولة، لكن تقديرات أمنية تشير إلى أنها تتراوح بين 7-10 ملايين قطعة سلاح.

إزاء هذا العدد الكبير، يشكك الباحث في الشأن السياسي فلاح المشعل، في أن تؤدي عملية شراء الأسلحة من المواطنين إلى القضاء على ظاهرة السلاح المنفلت، ويعتقد أنها “ستفتح نوافذ جديدة للفساد” عبر عمليات بيع وشراء تشكل صفقات. 

ويرى المشعل أن شعور المواطن بالأمان هو ما يمكن أن يحفزه ليسلم سلاحه لقاء المال أو من دونه، “وهذا الأمر لا يتحقق إلا بقوة سلطة القانون والدولة ونفاذها اجتماعياً وانحسار سلطة الميليشيات والسلاح السياسي وسلاح العصابات الإجرامية”.

‏ويتساءل: “ألا يعلم أصحاب المبادرة أن بعض العشائر بما تملكه من أسلحة، تنتمي الى تنظيمات ومكاتب وجهات تمثل الدولة العميقة وأذرعها، وبعضهم ينتمي الى مؤسسات الدولة الرسمية؟”. 

ويضيف:”بغداد أصبحت مدينة بلا سلام وأمن مجتمعيين، والرصاص يهدد الناس في الطرقات، والأجهزة الأمنية أضعف من ردع ما يحدث من جرائم يومية، لإدراكها  أن وراء حاملي السلاح تنظيمات مسلحة ومكاتب سياسية”.

منحت وزارة الداخلية في عام 2018 موافقات لـ 119 شخصاً لفتح متاجر لبيع الأسلحة في عموم المحافظات، لكن على أرض الواقع وجدت الوزارة 420 متجراً عاملاً

بدوره، يؤكد علي البياتي، العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، أن سحب السلاح من المواطنين “يفوق قدرات وزارة الداخلية، وأنه بحاجة إلى توافق سياسي”، ويشترط إضافة الى ذلك لنجاح الخطة، إجراء حوارات مع الدول التي لها نفوذ في العراق (لم يسمها) لإتمام السيطرة على السلاح.

ويقول إن فرق مفوضية حقوق الإنسان السابقة كما الحالية تسجل بنحو يومي تزايداً في أعداد الأسلحة الخارجة عن القانون، وانتشاراً مستمراً للمجاميع المسلحة التي تقوض فرض القانون في جميع مفاصل الدولة. ويشكل ذلك “خطراً على مستقبل العراق السياسي”، على حد تعبير البياتي. 

مصدر رفيع في وزارة الداخلية، طلب عدم الإشارة إلى اسمه، يبدي عدم قناعته بجدوى خطة شراء الأسلحة من المواطنين، كاشفاً عن منح وزارة الداخلية خلال العامين 2021-2022 قرابة 90 ألف هوية حيازة وحمل سلاح للمواطنين وشيوخ العشائر المقربين من الأحزاب السياسية، ما ساهم في “عسكرة المجتمع”.

ويرى أن خطة شراء السلاح “إجراء وقائي” يمكن أن يحد بنحو محدود من انتشار السلاح، لكنه ليس حلاً نهائياً “لأن الوزارة لا يمكنها الدخول الى كل بيت، ولا يمكنها اعتقال كل الشيوخ الذين يحمل أفراد عشائرهم مختلف أنواع الأسلحة”.

ويتساءل عن فرص نجاح الخطة “والحكومة تعلم جيداً أن من يمتلكون الأسلحة من الخارجين عن القانون ويستخدمونها في تهديد المواطنين وترويعهم بنحو شبه يومي، يقف خلفهم قادة كبار بالدولة بغية تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية”.

ويكشف المصدر عن أن 191142 قطعة سلاح تابعة للوزارات والمؤسسات الحكومية استولت عليها جماعات وجهات نافذة، وهي ما زالت مفقودة لغاية الآن، على حد قوله. 

ويشير إلى عدد الأسلحة التي صودرت والدكات التي حصلت خلال العامين المنصرمين استناداً الى إحصاءات وزارة الداخلية: “ضُبطت في العام 2022 نحو 24 ألف قطعة سلاح متنوعة بين الخفيفة والمتوسطة وأعتدة مختلفة. وفي العام 2023، ضبطت 37 ألف قطعة سلاح وأعتدة، وسجلت في عموم البلاد خلال 2022 نحو 450 دكة عشائرية، و300 دكة خلال 2023”.

بغداد أصبحت مدينة بلا سلام وأمن مجتمعيين .. الرصاص يهدد الناس في الطرقات، والأجهزة الأمنية أضعف من ردع ما يحدث من جرائم يومية

وفي ما يخص سلاح الفصائل التابعة للحشد الشعبي، يقول المصدر: “خطة حصر السلاح لم تتضمن في أي من مراحلها شيئاً يتعلق بسلاح الفصائل، ونحن نعتقد أن من الصعب التعامل مع هذا السلاح، وأي محاولة بهذا الخصوص ستؤدي إلى نشوب صراع مسلح دامٍ، لذلك نرى أن هذا الملف بحاجة إلى مشاورات واتفاقات سياسية خاصة”. 

مسؤولون ونواب تواصل معهم معد التحقيق، لإبداء رأيهم بخطة شراء الأسلحة، إما رفضوا التعليق أو أبدوا عدم قناعتهم بجدوى الخطوة.

عضو مجلس النواب رعد الدهلكي، عبّر عن اعتقاده بأن السلاح المنفلت منذ 2003 أصبح ظاهرة لا تقابلها إرادة حقيقية للسيطرة عليه، “في ظل وجود جهات ترى أنها فوق الدولة ولا تنصاع لقراراتها”.

وحمّل الدهلكي الأحزاب السياسية مسؤولية فشل الدولة في التصدي للخارجين عن القانون من خلال “الحصانة التي منحتها للفصائل المسلحة”، وفق تعبيره. 

السوق الرائج لتجارة السلاح

تنتشر أسواق بيع الأسلحة في جميع المحافظات العراقية، بعض تلك الأسواق علني وتعرض موجوداته من أسلحة وأعتدة في متاجر خاصة، والبعض الآخر سري يخفي ما يبيعه، وتُجرى عمليات البيع والشراء عبر تجار ووسطاء يتواصلون مع بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

من بين أشهر أسواق السلاح في البلاد، سوق (مريدي) في بغداد، وسوق الأسلحة في محافظة ذي قار جنوب البلاد، حيث يمكنك أن تشتري كل ما تريد من أسلحة، وفق ما يقوله باعة.

للوقوف على أنواع الأسلحة التي يتم التعامل بها في تلك الأسواق، وطرق التجارة والنقل، قابل معد التحقيق، سبعة تجار من ست محافظات (ذي قار، بغداد، ميسان، وسط، البصرة، الديوانية) أكدوا جميعاً وبإصرار أن الخطة الحكومية لشراء السلاح ستفشل وأن المبالغ المخصصة “ستذهب لجيوب السياسيين والقادة الأمنيين الفاسدين”على حد تعبير أحدهم.

زيدون مناف (اسم مستعار) هو تاجر أسلحة من ذي قار المحافظة الجنوبية التي تشهد بشكل يومي صراعات مسلحة، فضّل أن يخفي اسمه الحقيقي لاعتبارات أمنية، وقدم نفسه على أنه “أبرز تاجر سلاح بالتجزئة في ذي قار”.

يقول مناف، الذي كان يعمل مزارعاً في إحدى قرى المحافظة، قبل أن يتحول إلى تاجر سلاح بعد العام 2003، إنه يجني نحو 5 آلاف دولار(6.550.000 دينار) شهرياً من عمله في تجارة الأسلحة والأعتدة داخل المحافظة وخارجها.

يضيف وهو يبتسم: “تجارتنا تنتعش، باتساع رقعات النزاعات المسلحة، هناك حالياً إقبال كبير على شراء السلاح أو العتاد من أفراد العشائر المتنازعة”.

ويسخر الرجل الستيني الأب لخمسة أولاد، من إمكان نجاح خطة حصر السلاح بالدولة وأفرادها: “أي مجنون هذا الذي يعتقد بأن العشائر أو حتى المواطنين، والفصائل المسلحة ستقدم على بيع أسلحتها بهذه الأثمان البخسة التي خُصصت ضمن البرنامج”.

يصمت قليلاً قبل أن يتابع: “الوضع الأمني منفلت، وجدلاً إذا قررت أي من تلك الشرائح بيع سلاحها، فإنها ستبيع للدولة القطع القديمة والمتهالكة فقط وستحتفظ بالجيدة”. 

ويكشف مناف عن استمرار تدفق الأسلحة الى داخل البلاد، “تصل من إيران وسوريا وحتى روسيا عبر الحدود من خلال عمليات تهريب منظمة ومعقدة”، مشيراً الى وجود ورش لتحوير السلاح الصوتي والخفيف في بغداد وإقليم كردستان، على حد قوله. 

ضُبطت في العام 2022 نحو 24 ألف قطعة سلاح متنوعة بين الخفيفة والمتوسطة، وفي العام 2023، ضبطت 37 ألف قطعة سلاح، وسجلت في عموم البلاد خلال العام 2022 نحو 450 دكة عشائرية وفي العام التالي 300 دكة رغم الاجراءات الحكومية

معد التحقيق انضم إلى إحدى قنوات “تليغرام” الخاصة ببيع وشراء الأسلحة وفتح قنوات تواصل مع 11 تاجراً للسلاح في بغداد، جميعهم رفضوا الرد على الرسائل التي وجهها إليهم عبر الخاص، باستثناء شخص يسمي نفسه (فلاح محمد) اشترط معرفة الهوية الدقيقة للمتصل قبل الحديث، خشية أن يكون من جهة أمنية تلاحقه. 

بعد خمسة أيام من الانتظار، قرر فلاح التحدث مفصحاً عن الأسعار المتداولة لبيع الأسلحة في السوق، “السعر يتحدد من خلال المواصفات، فقطعة سلاح الـ BKC يرتبط سعرها بمعايير النظافة وتاريخ التصنيع وبلد المنشأ، فيبدأ السعر من مليوني دينار (1350 دولاراً) وصولاً إلى 10 ملايين (7000 دولار أميركي)، فيما تبلغ أسعار مدافع الهاون نحو مليون ونصف المليون، وسعر قذائف الـ RBG تتراوح ما بين 350 ألف إلى 500 ألف دينار (320 دولاراً) أما سعر الأحادية، فيصل الى سبعة ملايين (4500 دولار).

تواصل معد التحقيق عبر وسيط، مع تاجر سلاح من محافظة البصرة جنوب العراق، قال إن “الأهالي لا يثقون بالحكومة ويرون أنها تكيل بمكيالين في حصر السلاح، لذا سيرفضون تسليم أسلحتهم، بخاصة مع غياب الاستقرار الأمني”. وأشار الى ضعف الحكومة في تطبيق القانون بحق “الأحزاب والميليشيات والمتنفذين”.

وشرح تاجر السلاح البصراوي، كيفية نقل الأسلحة بين المحافظات:”طرق النقل متعددة، فتتم تارة عبر عجلات الحمل الكبيرة، وطوراً عبر سيارات الأجرة، بينما يعتمد تجار على عناصر في القوات الأمنية يسهلون مهمة النقل وتجاوز نقاط التفتيش”. 

قوانين فضفاضة

بعد أقل من شهرين من إطلاق الخطة الأمنية لتنظيم السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، حصل معد التحقيق على وثيقة تثبت موافقة وزير الداخلية عبد الأمير الشمري في 21 شباط 2024، على إصدار بطاقات حيازة سلاح داخل الصيدليات والمذاخر والمكاتب الطبية لفئة الصيادلة.

ولا يشكل ذلك خروجاً عن نص قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017، الذي يسمح بحيازة أو حمل أي شخص مسدساً أو بندقية أو كلَيهما لحماية النفس أو المال، كما وأتاح لوزير الداخلية منح أي فرد إجازة حيازة وحمل لأكثر من قطعة سلاح. 

لكن القانون نفسه يمنح استثناءات بالجملة لرئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس النواب وطواقمهم وأيضاً لأفراد المؤسسة الأمنية، وللحشد الشعبي الذي يضم جماعات مسلحة تمتلك أسلحة مختلفة بينها طائرات مسيرة قادرة على حمل قنابل صغيرة، وتملك أيضاً صواريخ متوسطة وبالستية، وهي عادة ما تستعرض أسلحتها في شوارع بغداد والمحافظات حال نشوب صراع أو خلاف سياسي في البلاد. 

تصل الأسلحة من إيران وسوريا وحتى روسيا عبر الحدود من خلال عمليات تهريب منظمة ومعقدة

في 27 أيار/ مايو 2021، اعتقلت قوة أمنية خاصة القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، بتهمة اغتيال الناشط  إيهاب الوزني خلال تظاهرات تشرين 2019 بمحافظة النجف، ما دفع فصائل من الحشد الى محاصرة مواقع حيوية في قلب المنطقة الخضراء وسط بغداد، بينها منزل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وكاد التحرك يفجر نزاعاً دموياً.

وأثار تحرك قوات الحشد حينها انتقادات محلية ودولية واسعة النطاق، قبل أن يطلق القضاء سراح مصلح، بعد مدة احتجاز استمرت لـ12 يوماً، وذلك لـعدم كفاية الأدلة الموجهة ضده.

وتتكرر استعراضات الفصائل المسلحة التي تتبع مرجعيات حزبية، بين فترة وأخرى، من دون رادع.

في هذا الإطار يستبعد الخبير الأمني اللواء المتقاعد عبد الجليل خلف، إمكان نجاح الحكومة في مسعى حصر السلاح، معرباً عن اعتقاده بأن الدولة لا تزال ضعيفة وليس بمقدورها السيطرة على سلاح الفصائل التي تمتلك ترسانة كبيرة ومتنوعة.

ويشير إلى تقديرات تفيد بسرقة أكثر من 10 ملايين قطعة سلاح من معسكر الرشيد ومعسكرات أخرى بعد عام 2003 وجميعها تسربت إلى المواطنين، وبالتالي فعملية حصر السلاح “تحتاج الى جيش وقوات أمنية قوية لا تخضع لجهات حزبية أو ميليشيا ما”. 

ويعتقد الخبير العسكري أن “الحكومة قد تُحرج إذا فكرت في السيطرة على سلاح العشائر التي أصبحت ذات ارتباطات سياسية ببعض دول الجوار”، مبدياً مخاوفه من محاولة مافيات السلاح “استغلال خطة شراء الأسلحة لتحقيق أرباح مالية كبيرة من خلال بيع الأسلحة الى الدولة، ومن ثم إعادة شرائها من الشارع بأسعار أقل”.

وعن نوعيات الأسلحة التي تمتلكها الفصائل العراقية المسلحة، يقول الخبير العسكري إن “ذخيرة الفصائل أكثر بكثير من ذخيرة الجيش العراقي في ظل وجود نحو 60 فصيلاً مسلحاً خارج إطار الدولة، وهي باتت تملك صواريخ بالستية وطائرات مسيرة”.

يشير اللواء المتقاعد خلف، الى حالة من فقدان الثقة بين الحكومة والمواطن الذي “يخشى تسجيل أسلحته خوفاً من مصادرتها في ما بعد من الأجهزة الأمنية”.

وتعاقب المادة رقم 51 من قانون الأسلحة لعام 2017 بالحبس مدة لا تزيد عن سنة واحدة كل من حمل أو باع أو اشترى أسلحة نارية أو عتادها من دون إجازة من سلطة الإصدار، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف دينار (350 دولاراً) ولا تزيد عن مليون دينار (700 دولار أميركي).

“ذخيرة الفصائل أكثر بكثير من ذخيرة الجيش العراقي في ظل وجود نحو 60 فصيلاً مسلحاً خارج إطار الدولة، باتت تملك صواريخ بالستية وطائرات مسيرة”

مخازن في أحياء سكنية

وفقاً لمصادر أمنية، فإن الفصائل المسلحة تُخزّن عشرات آلاف القطع من الأسلحة في أماكن غير رسمية داخل الأحياء السكنية. ومع عدم ملاءمة تلك المواقع للتخزين، وقع أكثر من 30 انفجاراً فيها بين عامي 2016 و2022 في بغداد وبعض المحافظات وخلّفت عشرات الضحايا.

وذكرت تلك المصادر أنه في عام 2019 كان معدل الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية في العراق أعلى من تلك المسجلة في الولايات المتحدة، والأعلى أيضاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقاً لإحصاءات جامعة واشنطن. 

مع الانتقادات التي توجّه الى الحكومة ووصفها بالضعيفة في مواجهة ظاهرة السلاح المنفلت، يرى مجيد الحسناوي (57 سنة) وهو أحد وجهاء قضاء الإصلاح في محافظة ذي قار، أن الدولة هي من تغذي السلاح المنفلت. يضيف بانفعال وهو يمجّ سيكارته: “بقاء هذا السلاح يطيل عمرها، فهي تعتاش على الأزمات وعدم الاستقرار في البلاد”.

يفترض الحسناوي القوة في مواجهة الدولة الظواهر الخطرة. يبقي السيكارة بطرف فمه ويشبك يديه ببعضهما قائلاً: “ما يحصل في البلاد بسبب السلاح القاتل والإطلاقات العشوائية يثبت تواطؤ الحكومة مع تجار العنف والسلاح”. 

يلقي عقب السيكارة بعيداً، ويتابع مشيراً إليها: “علي أن أبتعد عن هذا المكان، فلم أعد أحتمل البقاء في ظل فوضى السلاح وجرائم القتل التي تحدث كل يوم”. يصمت قليلاً ثم يواصل: “من يدري من ستكون الضحية التالية، أحد أبنائي، حفيد لي، وقد أكون أنا!”.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":23837}" data-page="1" data-max-pages="1">