تحقيقات استقصائية: داعش والميليشيات والجيش اشتركوا في تغييبهم.. مفقودو نينوى تتجاهلهم الحكومة ويستغلهم الساسة انتخابياً

داعش والميليشيات والجيش اشتركوا في تغييبهم.. مفقودو نينوى تتجاهلهم الحكومة ويستغلهم الساسة انتخابياً

سيف العبيدي/ نينوى/ كانون الاول ديسمبر 2023:

حفيدي الصغير وليد، كان في عز شبابه، يوم أعتقله عناصر التنظيم ليختفي الى اليوم. حصل ذلك في منطقة 17 تموز غربي الموصل في نيسان/أبريل2017 أثناء العمليات العسكرية التي كانت تنفذها هناك القوات العراقية مدعومة من قوات التحالف الدولي لاستعادة المدينة (405كم شمال بغداد) من سيطرة داعش.

خلاصة سريعة إعتاد جده لأمه، على تقديمها مراراً للموظفين في المنظمات الإنسانية والمؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية التي راجعها منذ تحرير الموصل في صيف 2017 ومازال يفعل ذلك متمسكاً بأمل الحصول على أي معلومة تقود إلى سِبطه (وليد علي أحمد)، رافضاً الاستسلام إلى فكرة موته، طالما ظل دليل الوفاة غائبا.

يقول الجد بنبرة حزن: “اعتقلوه بتهمة التخابر مع أبيه الضابط في الشرطة الإتحادية، هذا ما قيل لنا، وبعد انتهاء عمليات التحرير حصلنا على معلومة بأنه مازال حياً وأنه محتجز في سجن سري للقوات العراقية قرب مطار المثنى ببغداد، وذلك بعد أن داهمت قوة عسكرية معتقلاً للتنظيم كان يحتجز فيه المئات”.

تلك المعلومة رفعت سقف التفاؤل لدى العائلة، وحاول والد الشاب المفقود استثمار علاقاته بحكم وظيفته للوصول إلى السجن السري المزعوم، لكنه لم يعثر عليه أبداً، الأمر الذي جعله متيقناً بأن التنظيم قام بتصفيته ودفنه مع آلاف آخرين في 97 مقبرة جماعية أحدثها في أنحاء متفرقة من نينوى قبل طرده منها.

غير أن الجد يرفض ذلك، ويصر على أن سبطه، موجود في مكان ما، يشاركه في ذلك عشرات من ذوي المفقودين في نينوى، الذين يتهمون المسؤولين في الحكومتين المحلية والمركزية ومعهم أعضاء مجلس النواب، بعدم مساعدتهم بشكل حقيقي على الرغم من أن شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية تضع معالجة قضية المفقودين على رأس الأولويات.

مشكلة (المفقودين والمغيبين) ظهرت في نينوى بعد إعلان الانتصار على تنظيم داعش في تموز/يوليو2014 اثر معارك طاحنة استمرت لنحو ثلاث سنوات وأوقعت عشرات آلآف الضحايا.

وشعبياً، يقصد بالمفقودين أولئك الذين أعتقلهم عناصر داعش إبان سيطرته على المحافظة بين 2014 و2017. أما المغيبون، فهم الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن العراقية وميليشيات الحشد الشعبي، أثناء محاولتهم الفرار من المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها، وباتت مصائرهم مجهولة، وجلهم من المكون السني وكانوا موظفين متقاعدين أو مرضى وكبار سن، وفقاً لمنظمات إنسانية.

ولا توجد إحصائية رسمية بشأن أعداد المفقودين، وتقدم كل جهة غير رسمية رقماً مغايراً، لكن الأرقام المسلجة تتراوح بين 6 ألف و 11 ألفاً. وحتى بالنسبة للمغيبين، هنالك من يقول بأن أعدادهم 350 شخصاً، وآخرون يؤكدون بأنهم يزيدون عن 800 شخص.

وسبق لمركز توثيق الجرائم في العراق، أن أعلن بأن أعداد المفقودين في محافظة نينوى يبلغ أكثر من 8000 آلاف اختفوا منذ عام 2014. وتقول مستشارة المركز فاطمة العاني “تعددت الجهات الخاطفة وضاعت حقوق ذوي الضحايا فضلا عن المصير المجهول للمفقودين رغم محاولة جهات دولية ومحلية معرفة مصيرهم ولكن جميع هذه المحاولات لم تفلح”.

وتعزو العاني ذلك: “لأن السلطات عادة ما تتحجج بأن الأشخاص غيبوا واختفوا على أيدي عناصر تنظيم داعش، بينما يؤكد الأهالي أن معظمهم قد غيبوا عن طريق الأجهزة الحكومية والميليشيات”.

ولم تقم الحكومة العراقية بعمل محدد وموحد لإحصاء اعداد المغيبين والمفقودين، وتوثيق اسمائهم وتواريخ اختفائهم ومكان حصول ذلك واسبابه والجهة التي تقف وراءه. وهذا يضع السلطات في محل انتقاد دائم واتهام بأنها تقوم بالتمييز بين المكونات في هذه القضية خاصة ان غالبية المغيبين من المكون السني.

وتقول العاني: “إلى هذا الوقت لم تتحرك الأمم المتحدة بشكل صحيح للبحث عن المفقودين والمغيبين العراقيين ويقابل ذلك عدم جدية الحكومة في إعطاء المعلومات الدقيقة عنهم وبالتالي يبقى ملف المغيبين من الملفات التي لا تحل بطريقة سهلة، وحتى تدويل القضية في الوقت الحالي يبقى رهينا بالملفات السياسية الدولية الساخنة”.

تقصير حكومي

مفوضية حقوق الإنسان العراقية شبه الرسمية فتؤكد عبر مدير مكتبها في نينوى ياسر ضياء، عدم توفر أرقام نهائية لأعداد المفقودين أو كما يصفهم بالمختفين قسراً والمختطفين في نينوى من العام 2003 ولغاية الآن، ويقول: “هناك من يتحدث عن عشرة آلاف أو أقل وهناك من يتحدث عن عشرات الآلاف”.

والسبب وراء ذلك وفقاً لرأيه هو لعدم “وجود قاعدة بيانات موحدة لدى الأجهزة الأمنية، فضلا عن عدم وجود تنسيق بين مؤسسة الشهداء والجهات الأمنية المعنية بهذا الأمر “.

وتابع: “قدر تعلق الأمر بمكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في نينوى، فقد سجلت لدينا 5150 شكوى عن فقدان أشخاص، اعتبارا من بداية تحرير محافظة نينوى في 2017 إلى نهاية شباط 2023″، وأن(8%)منهم فقط عرفت مصائرهم، إذ تبين أنهم موقوفون أو يقضون مدد أحكام قضائية صدرت ضدهم في سجون محافظات أخرى، وتم إبلاغ ذويهم بذلك.

ويتهم ضياء، الحكومة الاتحادية بالتقصير في معالجة ملف المفقودين، إذ يرى بأنه توجب عليها الإسراع في إنهاء معاناة ذوي المفقودين، مشيرا إلى أن مكتب المفوضية في نينوى طالبها فضلاً عن مجلس النواب العراقي بحث الخطى نحو تشريع قانون حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي تمت قراءته قراءة اولى في 2019  ثم في 2020، ولم يشرع لحد الآن، رغم اهميته لمعالجة هذا الملف.

كما دعا إلى الإسراع في فتح المقابر الجماعية، التي تضم الضحايا الذين أعدمهم التنظيم. ويتوقع أن عصابات داعش قد أعدمت أكثر من ألفي شخص وغيبتهم في هذه المقابر، ومنها موقع مقبرة (الخسفة) جنوبي مدينة الموصل، إضافة إلى مقابر أخرى، مثل (علو عنتر) في قضاء تلعفر ، وسجن بادوش ، وأخرى للايزيديين في قضاء سنجار، وكلها تقع غرب الموصل.

والفقد في القانون الدولي يسمى بـ(الإختفاء القسري) ويعرف بأنه: “توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلاء للدولة، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته”.

والعراق كان من بين سبعين دولة وقعت على اتفاقية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وأصدر قانون انضمامه، ونشر في الوقائع العراقية بالعدد4158 بتاريخ 12كانون الثاني/يناير2010.

وصار ملزماً بموجبها أن ينظم قانون يتعلق بالاختفاء القسري ضمن قانون العقوبات، مع توجيه الجهد الحكومي لتتبع مصير المفقودين وعقد مؤتمرات سنوية بهذا الخصوص.

لكن ووفقاً للخبير القانوني محمد هاشم، فإن (الإختفاء القسري) كمصطلح، لا يوجد  في أي من القوانين العراقية، على الرغم من تأكيده على أن لجنة تضم أكاديميين متخصصين في القانون ينجزون قانوناُ جديداً للعقوبات بدلاً من الساري رقم 111 لسنة 1969، وقال بأنه سيتضمن مصطلح (إخفاء قسري) “لأنه أصح من الاختفاء القسري لغوياً”.

وأضاف بأن القانون العراقي تعامل مع فقد الأشخاص وخصصت له مواد، منها المادة 36 / الفقرة 1 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951، التي تعرفه بأنه: “من غاب بحيث لا يعلم إن كان حياً أم ميتاً، يحكم بكونه مفقوداً بناء على طلب كل ذي شأن”.

ويوضح:”هذا ينطبق على المفقودين بالمطلق، سواءً فُقِدَ أو اختفى قسرياً أو غير ذلك”.

(داعش) المتهم الأول

في تموز/يليو 2014 أي بعد نحو شهرٍ من سيطرته على الموصل، أطلق التنظيم حملة لإستدراج منتسبي الأجهزة الأمنية(جيش وشرطة و شرطة اتحادية)عبر ما يصفه أهالي المدينة بالفخ، تمثل بإعلان التنظيم عن عفو عنهم في مقابل توقيعهم على وثيقة(التبرئة) في مراكز تابعه له، يتعهد فيها المنتسب  بعدم العودة للعمل مع الحكومة العراقية مرة أخرى.

وبما أن التعهد تضمن معلومات كاملة عن المنتسبين، لذا فقد كان سهلاً على التنظيم تتبعهم واعتقالهم، ومن ثم تصفيتهم بنحو جماعي، ويعتقد أن جثثهم القيت في مقبرة جماعية كبيرة جنوبي الموصل يطلق عليها(مقبرة الخسفة) وهي حفرة طبيعية بعرض 50 متر وعمق يصل إلى عشرات الأمتار، يقال في الموصل أنها تضم جثث الآلاف من أهالي المدينة، قام التنظيم بردمها قبل طرده، وتفتقر الجهات العراقية المعنية إلى القدرات الفنية لفتحها على الرغم من مطالبات الأهالي الكثيرة.

عمران عواد (46 سنة)من سكان ناحية القيارة جنوب مدينة الموصل، يقول بأن شقيقه الأصغر(عبد الله)كان منتسباً لدى الشرطة المحلية، وأنه ذهب في 21 تموز/يوليو 2014، إلى مقر تابع للتنظيم، ووقع على وثيقة التبرئة، ليتجنب القتل أو الملاحقة فيما بعد “لكنه لم يكن يعلم بأنه ذهب إلى فخ نهايته في ذلك اليوم).

ويتابع: “بعدها بعدة أسابيع داهم عناصر التنظيم منزل عبد الله واعتقلوه، بتهمة التخابر وتقديم المعلومات إلى أجهزة الأمن العراقية، أو كما كانوا يسمونها بقوات الردة”.

تأخذه لحظة شرود، ثم يقول بنبرة غضب: “الحكومة لا تصدق روايتنا هذه، مع أنها ذاتها التي حدثت مع مئات آخرين أيضاً من زملاء عبد الله، في ناحيتنا أو باقي مناطق نينوى، لذلك لا تعتبره شهيداً فبقيت أرملته وطفلاه اليتيمان بلا حقوق مالية”.

ودعا الحكومة إلى التحقيق في ملفات المفقودين والبحث عنهم بنحو جدي واتهمها بانها:” لا تمنح ذوي المفقودين حقوقهم ولا تعمل على فتح المقابر الجماعية لقطع الشك باليقين”.

يعاني ذوو الكثير من المفقودين في نينوى من ذات المشكلة، فالدوائر الحكومية المختصة، تخبرهم أنها لا تملك معلومات كافية عن كيفية حصول الفقدان، ولا تستبعد احتمال أن يكون الكثير منهم منتمين أصلاً لتنظيم داعش، لذلك تتعامل مع ملفاتهم بحذر شديد.

وهذا تحديداً ما يشير إليه جابر محمود، وهو والد منتسب في الجيش مفقود منذ أواخر 2014، إذ يقول: “التنظيم لم يكن يعطي الأهالي وثائق تفيد باعتقال أبنائهم، والحكومة لا تفتح المقابر الجماعية، لكي نعثر على جثث أبنائنا، نتلقى الوعود الكاذبة من قبل المسؤولين وننتظر تحقيقها والسنوات تمر مع جراح لا تندمل”.

(الميليشيات) متهم ثانٍ

https://www.facebook.com/watch/?ref=embed_video&v=470526254267878

خلال سيطرة تنظيم داعش على الموصل، فر آلاف الأشخاص عبر طريق تحفه المخاطر يمتد من جنوب المدينة باتجاه غربي محافظة صلاح الدين، ثم  جنوباً نحو الأنبار وصولاً لمحافظة كربلاء وشمالي بابل ومنها انتقلوا إلى العاصمة بغداد وأماكن أخرى.

والمخاطر على هذا المسار الذي كان يسمى(طريق الموت) تمثلت أولا بوجود عناصر التنظيم الذين كانت لديهم أوامر مشددة بمنع خروج الأهالي من المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وثانيا لوجود مجموعات مسلحة “غير منضبطة” تابعة للحشد الشعبي كانت انتشرت في المناطق الفاصلة بين تلك الخاضعة لداعش والأخرى التي تسيطر عليها القوات العراقية النظامية.

ذهب مئات الأشخاص الهاربين من الموصل ضحايا لهذا الطريق، واختفوا بعد وصولهم الى مناطق سيطرة المسلحين “يفترض أنها قوات عراقية تعمل تحت أمرة القائد العام للقوات المسلحة، لكن بعضها كانت تفرض سلطتها في واقع الحال على جميع القوات الموجودة هناك أياً كان صنفها” يقول هذا(ن،ب- 67 سنة) من أهالي شمالي مدينة الموصل.

ويضيف بنبرة حزن: “ولدي ميسر 33 سنة، قرر في آذار سنة 2015 الخروج من الموصل باتجاه الطرق السالكة حينها جنوبا وغربا على الرغم من اعتراضي خوفاً عليه، وكان في سيارة مع ثلاثة آخرين متجهة من منطقة الرزازة في محافظة الأنبار صوب محافظة كربلاء، وقامت قوة تابعة لكتائب حزب الله بإيقافها، واعتلقت ابني مع شخص آخر، وسمحت للإثنين الآخرين بالمرور”.

الشخصان اللذان كانا في ذات السيارة مع ميسر يومها، أخبرا والده أن عناصر تلك القوة كانوا يشكون بأن ميسر ورفيقه عنصران من تنظيم داعش ويحاولان التسلل للقيام بأعمال مسلحة، وقالوا بأنهم سيجرون تحقيقات معهما ويطلقون سراحهما إذا لم يثبت عليهما شيء.

تنهمر الدموع من عيني الوالد: “لكن أبني لم يرجع أبداً، بحثت عنه في جميع السجون التابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة العدل، وذهبت الى قيادة الحشد الشعبي، لكن لم أعثر على ميسر”.

رحلة البحث المضنية تلك، بدأها الأب فور تحرير الموصل من داعش صيف 2017، وقبلها لنحو سنتين، كان مطمئناً أن أبنه وفي أسوأ تقدير معتقل في سجن ما وسيذهب الى الجهة التي سجنته ليؤكد لها أنه كان “مجرد مواطن بسيط يدير ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية، ويكره داعش وأي شيء يتعلق به” يقول هذا ويستسلم لنوبة بكاء.

تتباين الأرقام التي تقدمها منظمات وناشطون مدنيون عن أعداد المغيبين أو ما يطلقون عليهم أحياناً (مختطفين)، إذ تقول الناشطة داليا المعماري، التي ترأس مؤسسة الخط الإنساني، أن أعداد المختطفين، تبلغ 430 شخصاً، في حين يقول آخرون غيرها أن أعدادهم تزيد عن 800 شخص، وربما أكثر من ذلك، والأرقام المقدمة هذه، تخص جهات ناشطة غير رسمية قامت بواسطة جهود أعضائها الطوعية بالتواصل مع ذوي مفقودين، وهي قطعاً لاتغطي جميع المفقودين في نينوى.

وتشير المعماري، إلى أن  الكثير من ذوي المفقودين يخشون التقدم ببلاغات خشية أن يتهموا بالانتماء لداعش، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام وفقا لما قالت.

وبناءً على إفادات لناشطين عديدين تواصلنا معهم، فان الفصائل الرئيسية المتهمة بخطفهم هي عصائب أهل الحق وسيد الشهداء والإمام علي والخرساني ورساليون والنجباء.

وفي وقت سابق، أقر أحد القياديين في فصيل “كتائب الإمام علي” المنضوية في الحشد الشعبي بتصفية المختطفين والمغيبين من المناطق السنية بعد أن أصحبوا في قبضة قوات الحشد. القيادي هذا يدعى(أبو عزرائيل) قال بأنه “تلقى اتصالات من مواطنين عرب سنة يسألون عن ذويهم المفقودين، فأكد أنهم قتلوا وتمت تصفيتهم بدوافع طائفية. وقال أنها أي الطائفية “أحرقت الأخضر واليابس”.

رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، الذي استبعدته المحكمة الاتحادية عن منصبه وعضوية البرلمان، تحدث خلال لقاء تلفزيوني عن مقتل المختطفين العراقيين الذين اقتادتهم فصائل مسلحة الى جهات مجهولة بين عامي 2014 و 2017.

وقال الحلبوسي: “يجب أن نصارح الناس بحقيقة المغيبين ونغير اسمهم أولا إلى المغدورين وليس المغيبين: “مغدورين فارقوا الحياة”، وأضاف: “على الدولة إنصاف ذويهم وشمولهم بقانون ضحايا الإرهاب، وبالتعويض، أما الاستمرار بتضليل عوائلهم منذ 2014 ولغاية الآن، هو امر غير صحيح، لقد غُيّبوا وتمّ اغتيالهم في تلك الفترة” يقول مصراً.

وتابع: “لأكون أكثر جرأة مع الناس الذين خسروا ذويهم وأبنائهم، لا ينبغي أن يُستخدم الملف للقدح السياسي، ومنح أهلهم أملا بعودتهم”.

(قوات الأمن العراقية) متهم ثالث

بدأت القوات العراقية ومع قوات دولية متحالفة، عملية لاستعادة الموصل في الـ 17 من تشرين أول/أكتوبر 2016 واستمرت العملية حتى منتصف شهر تموز/يوليو2017، واعتقلت خلال دخولها إلى مناطق المدينة المختلفة تباعا، مئات الأشخاص بشبهة انتمائهم لتنظيم داعش.

نفذت الاعتقالات بناء على قاعدة بيانات بأسماء المطلوبين تارة، وشكاوى قدمت من قبل مواطنين متضررين تارة أخرى، بينما نفذت بعض الاعتقالات خارج هذين النطاقين وطالت مدنيين لا تربطهم علاقة بالتنظيم المتشدد، وفقاً لذويهم.

وخلال المعارك، كانت هنالك تسريبات مصورة تظهر بين حين وآخر، عمليات إعدام تنفذها قوات عراقية ضد أشخاص في الموصل خارج القانون، بتهمة الانتماء لداعش، ومن بينها مقطع فديو أظهر عناصر من الجيش العراقي وهم يطلقون النار على نحو عشرين شخص قرب قلعة باشطابيا الأثرية المطلة على نهر دجلة وسط المدينة.

وقد أشارت هيومن رايتس ووتش إلى توثيق اعدامات جرت قرب المدينة القديمة في الموصل، في تقرير نشرته في تموز/يوليو2017.

https://www.hrw.org/ar/news/2017/07/19/306814

سلمى إبراهيم(58سنة)من سكان حي الزنجلي، بالجانب الأيمن لمدينة الموصل، اعتقلت قوة تابعة للجيش العراقي في حزيران/يونيو2017 ابنها الشاب ياسر. تقول عن ذلك:” هربنا مع عائلات أخرى عندما دخلت قوات الجيش وفقد تنظيم داعش السيطرة على محلتنا في الزنجيلي، وعند حاجز للتفتيش أقامه الجيش في حي الرفاعي المجاور، اعتقل ابني بدعوى ان اسمه مشتبه به”.

وتضيف: “راجعت مختلف السجون ومقار الأجهزة الأمنية، لكنني لم أجد اسمه موجوداً ضمن أسماء المعتقلين”، تمتلئ عيناها بالدموع وهي تتساءل بحرقة “هل يعقل أن هذا المظلوم قد قتل؟”)

تشير سلمى إلى أنها لم تصدر له بعد شهادة وفاة، وأنها وبعد أن أيقنت باستحالة كونه باقيا على قيد الحياة، نظمت معاملة في مؤسسة الشهداء، لشموله بحقوق مالية تقدمها الحكومة لذوي الشهداء، لكن لم توافق المؤسسة على طلبها كونه ليس ميتا في نظر الدولة، وهذا يعني أن عليها إقامة دعوى قضائية أمام محكمة البداءة وتنتظر مرور المدة القانونية لتحصل على حكم قضائي بالوفاة، لتحاول بعدها اثبات استحقاقه لحقوق الشهيد.

يقول المحامي على محمود، تعليقا على ذلك، ان “المدة المقررة قانونا لاعتبار المفقود ميتاً هي أربع سنوات، لكن محكمة استئناف نينوى جعلتها سنتان فقط من تاريخ تقديم طلب بذلك لدواع إنسانية، ولاسيما أن نحو ست سنوات مرت على تحرير الموصل من داعش ولا أثر للمفقودين”.

ومن منطقة حاوي الكنيسة في الجهة اليمنى لمدينة الموصل، يقول نشوان محمد(49سنة- شرطي) أن قوة من الجيش اعتقلت شقيقه الأكبر ثامر في أواخر 2017 ومازال مصيره مجهولاً.

ويبين: “ثامر اُعتقل بسبب دخوله في مشاجرة مع ضابط برتبة نقيب في الفرقة الـ 16 للجيش، على خلفية سرقة عناصر كانوا تحت أمرته، مبلغاً مالياً من منزل عائلتنا في منطقة حاوي الكنيسة، فتم اتهامه ظلماً بالتعاون مع داعش، ولم نسمع أي خبر عنه طوال السنوات الخمس الماضية، وليس لدينا أية معلومات عن مكان اعتقاله”.

ويؤكد نشوان أن الفترة التي شهدت معارك مع الجماعات الارهابية، كانت تكفي وشاية من مخبر ولو كانت كاذبة، أو شجار مع ضابط أو حتى عنصر بسيط في الأجهزة الأمنية أو الميليشيات، لاعتقال أشخاص وتغييبهم وقتلهم حتى وإن كانوا أبرياء، على حد تعبيره.

مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، يرجح عدم بقاء أي من المفقودين إبان حقبة داعش، على قيد الحياة، ويقول: “لقد تمت تصفيتهم”.

ويؤكد بأن جميع لجان تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومات العراقية بشأن المختفين قسراً والمفقودين، لم تأت بأية نتائج، وبالتالي “غُيبت وضاعت حقوقهم وحقوق ذويهم”.

كما يشير إلى أن العمليات العسكرية لتحرير المدن من تنظيم داعش بين 2015 و2017 شهدت اختفاء آلاف المدنيين في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وأن المرصد العراقي لحقوق الإنسان وثق في محافظة نينوى لوحدها أكثر من 250 حالة لأشخاص لا يُعرف مصيرهم حتى الآن.

ويقول أيضاً: “السلطات العراقية لم تسأل ولو لمرة واحدة افراد قواتها أو الجماعات المسلحة المساندة لها عن مصير الأشخاص الذين اعتقلوا بعشوائية وبمجرد الاشتباه، ولم تلتقِ بذويهم للتقصي في ملفاتهم أو ترسل لجاناً إلى المناطق التي اقتيدوا منها لجمع الشهادات والأدلة التي تكشف عن مصيرهم”. مشدداً على أن “الحكومات المتعاقبة كانت تكافئ الجناة بإهمال هذا الملف”.

وبحسب المرصد فإن أكثر من 11 ألف عائلة عراقية أبلغت عن مدنيين فقدوا خلال الثماني سنوات الماضية.

ودعا سعدون، مجلس النواب العراقي إلى تشريع قانون يلزم السلطات التنفيذية القيام بواجباتها إزاء ملف المغيبين والمختفين قسراً وتشكيل لجنة بصلاحيات واسعة تتولى المراجعة والتحقيق وجمع شهادات حية لإنصاف الضحايا في حقهم بالحياة وإنهاء معاناة عائلاتهم وتعويضهم أيضاً.

تحرك برلماني واستغلال سياسي

تؤكد لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي أن ملف المغيبين ما يزال يعرض في مداولات القوى السياسية وآخرها اجتماعات تحالف إدارة الدولة الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني.

رئيس اللجنة أرشد الصالحي، نفى أن يكون هذا الملف منسياً كما يتهم البعض، لكنه في ذات الوقت يقر  بتقصير الحكومة المركزية ومعها الأجهزة الأمنية في حله، حسبما ذكر.

وأكد الصالحي أن لجنة حقوق الإنسان تتابع ملف المغيبين مع السلطات الحكومية، لكن هذا الأمر لم يحسم، واوضح أن أعضاء لجنته التقوا مؤخرا بأعضاء لجنة تضم خبراء دوليين وتم الاتفاق مع الحكومة على إصدار بلاغ رسمي عن قضية المختفين قسرا.

وأشار إلى أن لجنة حقوق الإنسان اقترحت على الحكومة حسم قضايا المفقودين وتحديد من هم المغيبين والمختفين قسرا، فضلا عن الإسراع في تقديم قانون الإخفاء القسري للبرلمان لغرض التصويت عليه وتمريره بغية اعتبارهم ضحايا يشملون بحقوق من الدولة العراقية.

وفي خضم المأساة الإنسانية التي تعيشها عائلات المفقودين والمغيبين، تحاول جهات سياسية تحقيق مكاسب في صراعها مع منافسيها عبر هذا الملف وفقاً للناشط والباحث في الشأن العراقي مهند وليد، الذي اتهم كتلاً سياسية شيعية وسنية باستغلال الأمر بغية تحقيق مكاسب لها، ولاسيما في فترة الانتخابات.

ويقول عن القوى السنية أنها:” تحاول الترويج الإعلامي لموضوع المفقودين لكسب أصوات ذويهم في الانتخابات من جهة، ولتحقيق ضغط على القوى الشيعية من أجل الوصول لمناصب مهمة في الدولة مقابل التخلي عن نشر هذا الموضوع في وسائل الإعلام”.

أما بالنسبة للقوى الشيعية فيقول بأنها تستغل الأمر عبر الترويج الإعلامي لفكرة مفادها أن المفقودين جميعهم كانوا مقاتلين في داعش او متعاونين معه، وأن القوى العربية السنية تحاول الدفاع عن المتهمين بالانتماء لداعش، على حد تعبيره.

ويتهم الباحث مهند، القوى الشيعية التي لديها فصائل مسلحة بتغييب مدنيين من العرب السنة خلال فترات الصراع الطائفي، وأنها: “تعمد في كل مرة إلى الضغط على القوى السياسية السنية واتهام قادتها بقضايا تخص الإرهاب مما يجبرها على الدفاع عن قادتها وبالتالي ترك ملف المفقودين”.

 

  • أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":21307}" data-page="1" data-max-pages="1">