تقارير سردیة: ماذا يعني حصول الإطار التنسيقي الشيعي على الأغلبية في محافظة نينوى السنية؟

ماذا يعني حصول الإطار التنسيقي الشيعي على الأغلبية في محافظة نينوى السنية؟

انقلابات وانسحابات ومصالح سياسية تضع كبرى المحافظات السنية في قبضة قوى الاطار التنسيقي

نيسان ابريل 2024

أفضت انتخابات مجلس محافظة نينوى، التي جرت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهي الأولى بعد مرحلة داعش (2014-2017) إلى ولادة أول مجلس بأغلبية تقودها “كتل شيعية” بعد وصول مقاعد القوى المرتبطة او الموالية للإطار التنسيقي الى 16 مقعداً من اصل 29 مقعدا يضمها المجلس.

هذا التحول السياسي الكبير الذي شهدته ثاني أكبر محافظات البلاد، والتي غالبية سكانها من العرب والكرد المنتمين للمذهب السني، سيحمل انعكاسات قد تتجاوز بآثارها ما هو سياسي وادارة وأمني الى ماهو اجتماعي وثقافي وربما ديني مستقبلا. 

قصة التحول بدأت بحصول حزب “نينوى لأهلها” على خمسة مقاعد، وهو الحزب الذي يتزعمه محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، الذي  منع من الدخول في الإنتخابات بعد شموله بقرار الاجتثاث (اجتثاث البعث) الذي أصدرته هيئة المساءلة والعدالة في تشرين الثاني/نوفمبر2023.

فاستغل شعبيته التي حظي بها خلال حرب “التحرير” من داعش، وفترة توليه منصب المحافظ بما تضمنته من اطلاق مشاريع اعمار، ليدفع بأبنه “مهند” بدلاً عنه في الانتخابات، ويحصل الأخير على أعلى نسبة من الأصوات بلغت 55747 صوتا.

فيما لم تتجاوز حصص كل من تحالفات “تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي، و”السيادة” بزعامة خميس الخنجر، والحسم بزعامة أسامة النجيفي وثابت العباسي، مقعدين فقط لكل منها، بينما ذهب مقعد واحد لكل من كتلتي “عزم” بزعامة مثنى السامرائي، و”تجديد” بزعامة فلاح الزيدان.

الكتل السياسية هذه التي استحوذت على 13 مقعداً في مجلس المحافظة، عرفت بأنها قوى عربية سنية، وتحالفت فيما بينها مشكلة تحالفاً باسم (كتلة نينوى الموحدة) لكنه فقد لاحقاً العديد من المقاعد بسبب انسحابات متلاحقة لعدد من الأعضاء.

أما القوى التي يديرها الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في البلاد، فحققت التحالفات التابعة له او القريبة منه 10 مقاعد، ثلاثٌة منها لتحالف العقد الوطني بزعامة فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، ومقعدان للهوية الوطنية بزعامة ريان الكلداني قائد كتائب بابليون التابعة للحشد الشعبي.

ومقعدان لتحالف “الحدباء الوطني”، بزعامة رئيس ائتلاف دولة القانون، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وثلاثُة مقاعد منحت لكوتا المكونات الثلاثة (الشبك، الإيزيدية، المسيحيين) وكانت من نصيب مرشحين تابعين للإطار التنسيقي أيضا.

في حين حصلت القوى الكردية على 6 مقاعد، أربعٌ منها للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ومقعدان لكتلة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني الذي دخل ضمن تحالف (اتحاد أهل نينوى)، وبسبب الخلاف السياسي القائم بين الطرفين الكرديين داخل الاقليم وخارجه، ومع تناغم المواقف السياسية “للاتحاد” الكردي مع “الاطار” الشيعي في بعض الملفات، إلتحق عضوا الإتحاد الوطني بتحالف قوى الإطار التنسيقي في المجلس، ليصبح مجموع أعضائه 12 عضوا.

استحواذ شيعي وخيبة أمل كردية

في الخامس من شباط فبراير 2024 عقد مجلس محافظة نينوى جلسته الأولى، وانتخب أحمد الحاصود المرشح عن تحالف العقد (الإطار التنسيقي) رئيسا له، كما انتخب محمد الجبوري المرشح عن كتلة نينوى الموحدة (التحالف العربي السني) نائبا لرئيس المجلس، وفي ذات الجلسة صوت المجلس بالأغلبية المطلقة لعبد القادر الدخيل محافظا، بعد ترشيحه من كتلة نينوى الموحدة، إذ أن المنصب وبحسب العرف السياسي السائد هو من حصة العرب السنة.

وكان الدخيل، قد كلف أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 من قبل رئاسة الوزراء لتولي منصب المحافظ خلفاً لنجم الجبوري، وحظي بعدها بدعم قيادات الإطار الشيعي في بغداد، وأبرزهم نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي، كما حظي بتأييد القيادات السنية والكردية، ليكون مرشحا توافقيا بين القوى الفائزة في انتخابات نينوى.

وفي العاشر من شباط، فبراير 2024، انتخب مجلس نينوى سيروان الروزبياني (مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني) لمنصب النائب الأول للمحافظ للمرة الثانية، وانتخب عمر نامق المولى (مرشح قوى الإطار) لمنصب النائب الثاني للمحافظ.

وفيما يبدو أنه رد فعل من الحزب الديمقراطي الكردستاني على تراجع عدد ممثليه بمجلس محافظة نينوى الحالي مقارنة بالسابق حيث كان يحصل مع شركائه على ثلث مقاعد المجلس ومنصب رئيس المجلس ما مكنه من لعب دور مهم في ادارة المحافظة، أعلن فارس البريفكاني عضو المجلس عن الحزب، إستقالته، مبرراً خطوته هذه بأسباب شخصية.

وسهل تراجع مقاعد الحزب الديمقراطي، مقارنة بالدورات السابقة (كانون الثاني 2005، كانون الثاني 2009، نيسان 2013) في ضرب التوازنات التي كانت قائمة في المجلس منذ العام 2005 والتي كانت تمنح القوى العربية السنية المنبثقة من المحافظة الحضور الأكبر في الحكومة والمجلس المحليين، وتمنح الكرد جزء مهما من القرار الاداري والسياسي في نينوى.

ومع الانتهاء من توزيع المواقع العليا في حكومة نينوى المحلية بعد اسابيع من الصراعات وتعثر الجلسات، صوت مجلس المحافظة في منتصف آذار/مارس 2024 على اللجان المختلفة في المجلس والتي ضمت  20 لجنة حصل تحالف “نينوى المستقبل” الذي ضم القوى الشيعية، على رئاسة 11 لجنة هي: النزاهة ، الامن والدفاع ، الخدمات، الاستثمار، التخطيط، القانونية، الاقضية والنواحي ، التعويضات، والهجرة ، العمل والشؤون الاجتماعية ، الثقافة والسياحة .

وذهبت رئاسة 9 لجان لتحالف “نينوى الموحدة” والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهي: الاعمار والاسكان، الطاقة ، التربية ، المالية ، الزراعة ، الصناعة ، الرياضة والشباب، حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني ، الاوقاف والشؤون الدينية.

انتقادات للمجلس

الاستقطاب على أساس التكتلات الطائفية ومن ثم عملية توزيع المناصب العليا وآلية تقسيم اللجان من قبل رئاسة مجلس المحافظة، واجهت الكثير من الانتقادات من شخصيات سياسية ونشطاء ونخب، ذكرت بأنها جرت وفقاً للمصالح الحزبية الضيقة ومبدأ المحاصصة السياسية دون الالتفات لمصحلة نينوى باعتماد أسس الكفاءة والاختصاص.

يقول الناشط لازم حميد: “كان من المفترض أن يتم توزيع اللجان وفق أساس الكفاءة والتخصص الوظيفي او الخبرة مع مراعاة تمثيل القوى السياسية المختلفة في تلك اللجان”، لافتا إلى أن لجنة الصحة منحت لعضو في المجلس هو مختص بالقانون، بينما حصل عضو هو طبيب بالأصل على لجنة الزراعة”.

انقسام المجلس الى فريقين وتوزيع المناصب على أسس محاصصاتية وما رافقه من انسحابات أعضاء في كتل، يثير قلق النخب السياسية والثقافية في نينوى من عودة الصراعات داخل المحافظة ما سيصعب على السلطات المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي، الإضطلاع بمهام اعادة البناء وتقديم الخدمات وإعمار المناطق المتضررة من الحرب على داعش وإنهاء ملفات تعويض المتضررين والمفقودين وغيرها من الملفات بما فيها الأمنية.

يقول التدريسي في كلية الاقتصاد بجامعة الموصل أحمد المشهداني، بأن “الموصل تترقب تنفيذ مشاريع البنى التحتية الرئيسية، فهي مدينة بلا مطار ولا مستشفيات ومراكز طبية تخصصية أو حتى مشاريع مجاري وصرف مياه، الى جانب افتقاد مشاريع الطرق الحديثة التي تنظم الحركة في محيط المدينة وتربطها بالداخل”.

ويضيف إلى ذلك وجود أزمة سكن، وإرتفاع كبير في أسعار الأراضي، وفشل محاولات توسيع التصميم الأساسي للمدينة منذ أكثر من 24 سنة، إضافة إلى “سوء الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن ضعف الاستثمار بأنواعه وتوقف المصانع عن العمل، واهمال القطاع الزراعي الذي تراجع في المحافظة بدل ان يتم تطويره وتحديثه”.

ويرى المشهداني بأن هذه الملفات تتطلب جهداً إستثنائيا من قبل مجلس محافظة نينوى وإدارة المحافظة “ما يدور حاليا بين القوى الفائزة من خلافات على تقاسم المناصب والمغانم لا يمنح الأمل لتجاوز مشاكل نينوى في المرحلة القليلة المقبلة”.

أغلبية لصالح الإطار

بعد أسبوعين من توزيع المناصب ضمن الاستحقاقات الانتخابية في نينوى، انسحب نائب رئيس مجلس نينوى محمد الجبوري، وعضو المجلس مروان الزيدان، من كتلة “نينوى الموحدة” وإنضما إلى كتلة الإطار، بحسب عضو مجلس النواب والقيادي في حركة تجديد يوسف السبعاوي.

كما أن تحالف “تقدم” الذي يملك مقعدين، وهو أحد أقطاب كتلة نينوى الموحدة، قرر الانسحاب من الكتلة والانضمام إلى كتلة الإطار أيضا، وهذا يعني  بأن كتلة الإطار في مجلس نينوى باتت تملك الأغلبية بـ16 مقعداً، وهي المرة الأولى التي تحصل فيها القوى الشيعية على الأغلبية في مجلس  محافظة نينوى، الأمر الذي يجعلها قادرة على تغيير منصب المحافظ اذا أرادت، أو أي منصب في المؤسسات الحكومية، فترشح من تريد وترفض من تريد وفقا لرغبتها، بمعنى انها باتت تسيطر على القرار الأول والأخير.

“بداية لا تبشر بخير” هكذا يصف أحمد عبد الغني (44 سنة) مهندسٌ من الموصل، الوضع الحالي لمجلس محافظة نينوى بعد فترة وجيزة من تشكيله، إذ يرى بأن الخلافات السياسية والتقلبات واستراتيجية تقسيم المناصب على الأحزاب وإدارة مؤسسات الدولة وفق ذلك التوجه هي الصفة الأبرز للمرحلة القادمة.

يقول عبد الغني إن “الشعار الذي رفعته القوى السياسية خلال مرحلة الانتخابات ركز على تجاوز الخلافات والعمل من أجل مصلحة نينوى، ودعم المشاريع المهمة بقطاعات الصحة والتعليم والاعمار، وإعادة كرامة المواطن التي تنتهك خلال مراجعته مؤسسات الدولة، ولكن الجلسات الأولى للمجلس والخلافات التي دارت فيها والانشقاقات التي حدثت في بعض الكتل يؤكد عدم مصداقية الشعارات التي كانت ترفع”.

ويشير الى أن نينوى من “أكثر المحافظات بؤسا في ملف الخدمات” بعدما تعرضت له من تدمير شبه كامل جراء سيطرة تنظيم داعش عليها والعمليات العسكرية التي جرت لإستعادتها، لذا هي بحاجة الى حكومة محلية منسجمة يتكاتف أطرافها لتلبية حاجات مواطنيها، معربا عن شكوكه بقدرة المجلس الحالي على تقديم ذلك “أعضاؤه يعملون لصالح الأحزاب التي ينتمون إليها وليس لنينوى” .

وما تزال نينوى بعد سبعٍ سنوات على استعادة السيطرة عليها وإنهاء نفوذ داعش فيها، تعاني من آثار الدمار الذي تعرضت له خلال العمليات العسكرية، إذ خرجت أغلبية المؤسسات الحكومية والمرافق الخدمية والمنشآت العامة والبنى التحتية عن الخدمة، وكثير منها ما زالت تنتظر إعادة الإعمار في وقت تواجه المشاريع مشاكل في التمويل والاحالة وسط مخاوف من الفساد وسيطرة قوى ذات اذرع مسلحة على بعض المؤسسات ومطالبتها بحصص في كل مشروع.

الأمر الذي يجعل الحكومة المحلية الجديدة أمام اختبارات صعبة لإعادة الاستقرار ودعم الخدمات وإنهاء ملف الإعمار الذي شهد تلكؤا خلال السنوات الفائتة.

أما منير عصام (61 سنة) وهو مدرس متقاعد، فيحذر من أن تكون الخلافات في مجلس المحافظة بداية لخلافات مقبلة أكثر حدة لاسيما أن بعض أطرافها على صلة بفصائل مسلحة لها تواجد عسكري في نينوى.

ويوضح وجهة نظره “الخلافات السياسية التي كانت تحدث في نينوى قبل سيطرة داعش، ربما نرى ما يشبهها من جديد بكل ما سيحمله ذلك من مخاطر”.

وبدوره يرى عضو مجلس محافظة نينوى سعدون الشمري، أن الخلافات “ستوثر سلبا على عمل المجلس”، وهو ما يدفعه للدعوة للتركيز على الأولويات، بعيدا عن المصالح السياسية، بما فيها إعادة الإعمار وتفعيل الاستثمار، وتحسين الواقع الصحي في المحافظة.

الناشط والمراقب للأوضاع في الموصل سعد الوزان، يتحدث عن “خيبة أمل” تسود الشارع، بسبب الصراعات التي تجري في المجلس على النفوذ والمناصب والمكاسب.

ويقول ان الناس كانوا يأملون من المجلس الجديد أن يكون “عاملا لدعم الاستقرار والتماسك المجتمعي، ويركز على أولويات الإعمار والخدمات، لكن النتائج التي أفرزت عدم وجود أغلبية داخل المجلس دفعت الى اعتماد التحالفات والتوافقات ما بين الكتل لتشكيل الحكومة بكل ما يحمله ذلك من آثار سلبية”.

ويرى ان تلك التوافقات يفترض أن تكون من أجل تشكيل الحكومة المحلية ومن ثم يتم الانطلاق ويوضع برنامج خاص يتضمن أولويات المواطنين “غير أن الانشقاقات بدأت تنخر هذه الكتل من أجل مصالح حزبية وشخصية بعيداً عن مصلحة نينوى”.

ويشير الوزان إلى أثر سلبي آخر للتوافقية يتمثل في “ضعف رقابة المجلس او غيابها التام على أداء الحكومة المحلية”.

محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، المحكوم غيابيا بالسجن لسبع سنوات، توقع أن تتعاظم الخلافات والانقسامات داخل مجلس نينوى خلال المرحلة المقبلة، لكنه مع ذلك وصف ما يحدث من حراك وتقلبات “بالحالة السياسية الإيجابية”.

وقال النجيفي، الذي يشغل نجله عبد الله، عضوية مجلس نينوى إن “الحراك السياسي في نينوى كان متوقفاً منذ عام 2017 لأن المجتمع كان في حالة انكسار كبير بعد أحداث داعش، وقبلها بين 2003 – 2014 كان الحراك السياسي يعاني من ضغوط كبيرة بسبب وضع المجتمع الرافض للعملية السياسية حينها”.

لكن سيطرة الإطار التنسيقي على مجلس محافظة نينوى، لايشكل “حالة صحية” بالنسبة للكثيرين من أبناء نينوى، خاصة ان الموصل التي يزيد سكانها عن مليوني نسمة وغالبيتهم الساحقة من المكون السني، ليس لديها تمثيل في المجلس سوى بمقعدين يتيمين، ويشغلهما شابان بلا خبرة، أحدهما نجل النجيفي.

وهذا سيؤدي كما يعتقد البعض إلى تغييب إرادتي الموصل ونينوى عموما، وتمكين المكاتب الاقتصادية المرتبطة بالأحزاب الشيعية من تعزيز قوتها في المحافظة، مع تغليب المصالح الفردية والحزبية الضيقة على المصلحة العامة.

إرادة مغيبة

ويرى الباحث السياسي غانم العابد أن “إرادة أهالي نينوى غائبة عن التمثيل في الحكومة المحلية ومجلس المحافظة الحالي، على اعتبار أن أغلب القوى الفائزة في الانتخابات مرجعيتها في بغداد أو تقودها أطراف من الأنبار ومحافظات عراقية أخرى” على حد تعبيره.

وبدوره توقع أن ترتفع حدة التجاذبات في المحافظة “بسبب عمل القوى السياسية المشكلة للمجلس على ضمان مصالحها الحزبية قبل كل شيء، إذ أن صراعاتهم لا تتعلق بخدمة أهالي نينوى”.

ويشير إلى أن آلية انتخاب عبد القادر الدخيل، لمنصب المحافظ تؤكد أن هنالك طرفا كان “ضابط ايقاع لتمرير انتخاب المحافظ”، مبينا أن الانشقاقات والمشاكل ظهرت في المجلس مع انتخاب نائبي المحافظ.

وتوقع اشتداد الخلافات داخل المجلس في المرحلة المقبلة:”لأن أعضاء المجلس لا يمتلكون الخبرة السياسية الكافية من جهة، كما أنهم مرتبطون بكتل سياسية مختلفة التوجهات”.

تعدد القوى والاحزاب الممثلة في مجلس نينوى بتوجهاتها المختلفة ستغذي حالة عدم الاستقرار التي يتوقعها مراقبون وسياسيون، ما قد ينعكس سلبا على الأداء، وبالتالي عدم رضا من الشارع الموصلي المتوجس أساسا من عدم توازن التمثيل بين أطراف المحافظة ومركزها (مدينة الموصل) الممثل بعضوين إثنين فقط رغم ثقلها السكاني الكبير، والذي حصل نتيجة عزوف سكان المدينة عن المشاركة في الانتخابات، مقارنة بسكان الأقضية والنواحي.

ويعزو عضو جمعية العلوم السياسية في جامعة الموصل مصطفى الطالب، العزوف لأمرين:”ألأول نقمة الشارع الموصلي على الطبقة السياسية التي نكثت بجميع الوعود التي أعطتها لجماهيرها في الانتخابات السابقة، والثاني ميول المدينة البعيدة عن العشائرية أو التدين نسبيا، وهو ما جعل تأثير العامل الديني والقبلي في تحريك الشارع في الموصل لدعم مرشحين محددين ضعيفا أن لم يكن معدوما، مقارنة بالأقضية والنواحي الأخرى في المحافظة والتي فيها أغلبية قبلية”.

ووصف “الطالب” ما حصل مع أهالي الموصل، بأنه معالجة خطأ بخطأ آخر، ويوضح: “بدل أن يحاولوا التغيير من خلال ترشيحهم لممثلين أكفاء في المجلس، تركوا الساحة بالكامل لقوى من خارج المدينة، إضافة إلى القوى القادمة من بغداد والأنبار وصلاح الدين”.

يورد رئيس مركز رصد للدراسات محمد غصوب، جملة ملاحظات عن انتخابات نينوى، مبينا أنها أفرزت ظاهرتين:”الأولى وجود قوائم وأحزاب وهمية، والثانية توريث المناصب السياسية والإدارية”.

ويقصد بالقوائم والأحزاب الوهمية، تلك التي شكلتها قوى وأحزاب من خارج محافظة نينوى للحصول على مواطئ قدم في المحافظة، والتي نجح بعضها في الحصول على تمثيل، كما نجح بعض الزعماء السياسيين في ايصال أبنائهم وإخوانهم وأقاربهم للمجلس “من أجل الحصول على مناصب في الحكومة المحلية”.

ويتهم غصوب، قيادات سياسية، لم يسمها بالأسم، باللجوء إلى “استغلال نفوذها في الدولة، والمال السياسي، وتبعية بعض الدوائر الحكومية لها وبوجود الحشود المحلية في دعم وصول المرشحين -الورثة- إلى المناصب المهمة”.

مكاتب اقتصادية وميليشيات !

مصدر في ديوان محافظة نينوى،  طلب عدم الإشارة إلى أسمه، ذكر بأن احدى أكبر مشاكل نينوى في الوقت الراهن “تكمن في هيمنة المكاتب الاقتصادية التابعة للفصائل المسلحة والأحزاب السياسية، على جوانب اقتصادية عديدة، بدءا من إرساء عقود المشاريع، ومرورا بسيطرتها على حلقات اقتصادية، وانتهاء بمساعدتها على تهريب المشتقات النفطية، والكبريت من حقول منطقة المشراق جنوبي الموصل”.

ويشير أيضاً إلى أن هذه المكاتب “تفرض نسباً على الأرباح الخاصة بجميع المعامل المنتجة في نينوى وفي مقدمتها معامل الإسمنت، كمعامل إسمنت بادوش وحمام العليل وسنجار، إضافة إلى حصولها على نسب من جميع المشاريع والمقاولات التي تحيلها السلطات للتنفيذ، وهو ذات الأمر الذي كان يحصل في الموصل خلال فترة نفوذ التنظيمات الإرهابية التابعة لداعش قبل عام 2014” على حد تعبيره.

وبحصول قوى وأحزاب ترتبط بها المكاتب الاقتصادية، على أغلبية في مجلس المحافظة ممثلة بقوى الإطار التنسيقي، تصبح نينوى مباحةً بالكامل لتلك المكاتب حسبما يقول الكاتب والباحث عادل كمال، الذي يؤكد بأن المكاتب الاقتصادية “أصبحت مسنودة بسلطة تشريعية ولا أستبعد ان يصدر قرارات لصالحها بنحو مباشر او غير مباشر”.

تلك السيطرة على مفاصل الاقتصاد وتقاطعها مع أسس ضمان البيئة الصحية لاستقطاب الاستثمارات، تُعقد فرص النهوض الاقتصادي، في وقت يشدد متخصصون ان انقاذ نينوى من أوضاعها مرهون بتطوير اقتصادها، في ظل ارتفاع معدلات الفقر كما البطالة التي بلغت 33% سنة 2023، بحسب مدير احصاء المحافظة نوفل سليمان الذي أكد بان الفئة الأكبر من العاطلين هم الشباب بين 15 و 24 عاما.

وللتقليل من هذه النسبة، يؤكد رئيس اتحاد نقابات العمال في نينوى شفاء طه، أهمية إنعاش القطاع الصناعي الذي قال بأنه في مرحلة “موت سريري” على حد توصيفه.

ودعا الحكومة المحلية إلى إعادة تشغيل المعامل الحكومية المعطلة ومساعدة اصحاب المعامل الخاصة، مبينا أن العشرات من المعامل الحكومية متوقفة عن العمل أو مدمرة،  مثل معامل “المشروبات الغازية والغزل والنسيج والأدوية والألبان وغيرها”.

وينبه طه، الى ان 1200 معملاً ضمن القطاع الخاص توقف عن العمل والانتاج مع الدمار الذي لحق بالمدينة خلال حقبة داعش. وطالب بدعمها عبر منح أصحابها سلفاً وقروضا لحين الوصول إلى تشغيلها، مؤكداً بأن إعادة تشغيلها سيوفر 100 ألف فرصة عمل في نينوى.

لكن اعادة تلك المشاريع واطلاق غيرها، تحتاج الى دعم مالي وتوفير بيئة المنافسة الصحية، في حين ان الاحتكار وسياسة فرض رسوم وحصص مالية من قبل قوى نافذة على اصحاب المشاريع تعطل تماما فرص النهوض بنينوى التي مازالت ترزح تحت ركام معارك التحرير من داعش.

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":24640}" data-page="1" data-max-pages="1">