تقارير سردیة: أطفال العراق بعد عقدين من التغيير.. لا قانون يحميهم والحروب والفساد أقحمهم في سوق العمل

أطفال العراق بعد عقدين من التغيير.. لا قانون يحميهم والحروب والفساد أقحمهم في سوق العمل

الفساد الحكومي والحرب وراء تواجدهم في سوق العمل وعجز برلماني عن سن قانون لحمايتهم

في السوق الكبير لمدينة الحلة (95كم جنوب بغداد) حيثُ الصخبُ والضجيج، يجاهد محمد كريم في إيصال صوته للعابرين، عارضاً بضاعته التي يجول بها طوال ساعات النهار، من أكياس النايلون والمناديل الورقية في الشتاء، وعبوات الماء في الصيف، على الرغم من أنه لم يتجاوز بعد عامه التاسع.

يجني في اليوم الذي يبتسم فيه الحظ له نحو 10 آلاف دينار، ما يعادل 6 دولارات، يعيل بها مع ما يتحصل عليه شقيقه الأصغر منه بسنة واحدة والذي يعمل في مطعم شعبي، والدهما العاجز ووالدتهما ربة المنزل.

يقول بصوت منهك: “أبي أصيب بمشكلة في الدماغ وهو لا يستطيع تحريك رجلة ويده اليمنى، وأنا تركت المدرسة من الصف الأول، وأعمل هنا” يرفع رزمة من أكياس التبضع ليبين طبيعة عمله، ثم يمضي مخترقاً حشد العابرين وهو يصرخ بأعلى صوته: “علاليك، علاليك” ويعني أكياس.

لا يختلف وضع الطفل محمد عن أوضاع آلاف غيره من الأطفال العراقيين المتسربين من المدارس والمنخرطين في اعمال لا تناسبهم متحملين في وقت مبكر من أعمارهم مسؤولية إعالة عائلاتهم المعدمة.

جملة عوامل تقف وراء ذلك، أهمها فساد النخب الحاكمة بعد 2003 الذي جعل البلاد رغم مواردها النفطية الهائلة تعاني من معدلات فقر مرتفعة تبلغ في المتوسط نحو ربع السكان البالغ عددهم أكثر من 42 مليونا، الى جانب تداعيات الحرب ضد المجاميع المسلحة وآخرها تنظيم داعش الذي سيطرة على ثلث مساحة العراق بين 2014 و 2016، وما نجم عن ذلك من سقوط عشرات آلاف الضحايا ونزوح الملايين من السكان بعيدا عن بيوتهم ومصادر دخلهم وطبيعة حياتهم السابقة.

الفساد والحروب زادتا من وتيرة التدهور الاقتصادي بوجود مشاكل مفصلية في حقول الصناعة والزراعة والتجارة منذ 1991 ما رفع معدلات البطالة خاصة في صفوف الشباب (تبلغ 21%)، خاصة في ظل فشل مؤسسات الدولة في تطبيق خطط التنمية المعلنة بما فيه تطوير البنى التحتية والصحية والتعليمية.

يضاف الى ذلك عجز مجلس النواب عن تشريع قانون لحماية الطفل والأسرة من الاستغلال والعنف، بذرائع شتى، منها تعارضهما مع دين البلاد وهو الإسلام أو التقاليد والأعراف السائدة، لكون المجتمع العراقي بغالبيته مجتمع قبلي.

مشكلة قديمة

الباحث الاقتصادي سلوان عبد العزيز، يرجع تدهور واقع الطفولة في العراق الى ما قبل 2003، ويقول بأن العقد الأخير من القرن المنصرم، شهد رضوخ العراق لحصار اقتصادي شامل امتد لأكثر من عقد كجزء من عقوبات دولية فرضت عليه بسبب غزوه للكويت في 2آب/أغسطس 1990، وسبقها حرب مع ايران استمرت لتسع سنوات التهمت موارد الدولة واحتياطاته من العملة الصعبة وحملته ديون بعشرات المليارات من الدولارات.

عانى العراقيون في تلك الفترة التي امتدت لغاية سقوط النظام العراقي السابق في نيسان/أبريل2003 من مشاكل اقتصادية كبيرة دفعت الكثيرين منهم للاستعانة بكل جهد متوفر من أجل تأمين القوت اليومي حتى لو تطلب الأمر سحب الأطفال من المدارس وإقحامهم في سوق العمل.

ويتابع:”بعد تغيير النظام السابق بآخر يرفع شعارات الديمقراطية، ورفع الحصار الاقتصادي، لم تعد هنالك مبررات للسماح بعمالة الأطفال وتسربهم من المدارس، لكن وبدلاً من أن تعالج الحكومات المتعاقبة المشكلة، نراها تفاقمت وبنحو كبير، فالشوارع مليئة بالباعة الأطفال الجوالين والمتسولين، ونراهم كذلك يعملون في الورش المختلفة فضلاً عن المتاجر، وحتى كحمالين في نقل البضائع”.

ووفقاً للمؤسسة العراقية لبحوث ودراسات التنمية والتحليل، فقد تجاوزت أعداد الأطفال الذين كانوا يدرسون في المدارس الابتدائية في العام الدراسي 2000-2001 الأربعة ملايين طفل، موزعين على 11709 مدرسة ابتدائية في حين لم يكن عدد السكان وقتها يزيد عن 25 مليون نسمة وأن عدد الأطفال للفئة 5-14 عاماً بلغ حينها ما يقارب الخمسة ملايين طفل.

بينما تشير احصائيات وزارة التخطيط الى أن أعداد الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية للعام الدراسي 2019-2020 أي بعد نحو عشرين سنة، قد تجاوز الستة ملايين ونصف المليون طفل، توزعوا في 17945 مدرسة ابتدائية، في وقت تجاوز عدد سكان البلاد 40 مليوناً (قبل ثلاث سنوات)، والفئة العمرية 5-14 عاماً تجاوزت أعدادهم العشرة ملايين طفل.

الاحصائيات تظهر ارتفاعاً واضحاً يتجاوز الضعف في نسب عدم الملتحقين بالمدارس الابتدائية والمتسربين منها في العقدين الأخيرين، ووجود حاجة ماسة الى بناء أكثر من 5 الاف مدرسة ابتدائية بنحو عاجل.

 ويعزو مدير دار ثقافة الطفل في محافظة بابل سالم حسين سبب ذلك الى الإهمال الحكومي لملف الطفل وانعدام المحاولات الجدية للنهوض بواقع الطفولة في العراق، ويردف قائلاً: “الأطفال العاملون والمشردون هم أبرز مخرجات عدم وجود استراتيجية حكومية لانتشال الطفل العراقي والارتقاء بواقعه، فيد الإهمال طالت ثقافة الطفل علاوة على تعليمه اذ أن مراكز ثقافة الطفل في جميع المحافظات بلا تخصيصات مالية لما يقارب العشرة سنوات”.

تخصيصات مالية لا تلبي الطموح

يتهم متخصصون في المجال الاقتصادي النظام العراقي الجديد بالفساد، وتسببه بحرمان العراقيين من حقهم في المال العام، مما أدى إلى رفع مستويات البطالة وتفشي الفقر الذي انعكس على واقع الطفولة في البلاد، ليس فقط من حيث ترك الكثيرين منهم مقاعد الدراسة وأجبروا على العمل، بل كذلك لارتفاع معدلات العنف ضدهم في ظل عدم تشريع قانون خاص لحمايتهم. 

أما متخصصون تربويون، فيرون بأن الحكومات العراقية أهملت التربية والتعليم في البلاد، ويستدلون في ذلك على ضعف التخصيصات السنوية التي تقررها لوزارة التربية ضمن الموازنة العامة، إذ بلغت خلال العام 2021 نحو 1.7%، وهي نسبة يراها الخبير الاقتصادي جليل اللامي بأنها صغيرة جداً “ولا يمكن ان تكون ملبية لطموح الحصول على تعليم جيد”.

ويشير الى احتمالية تكرار  ذات النسبة في موازنات السنوات اللاحقة او زيادتها بنسبة صغيرة قائلاً “من المتوقع أن تكون مخصصات الموازنة السنوية لوزارة التربية من الموازنة العامة لعام 2023 ذات التي كانت في 2021 وهذه نسبة ضئيلة جداً مقارنة بمخصصات وزارة التربية في أي دولة أخرى من دول العالم المتقدم، كما أنها لا تكفي لسد الاحتياجات اذ يحتاج قطاع التربية لجهود كبيرة من بناء المدارس النموذجية وإعادة تأهيل المدارس الآيلة للسقوط فالعديد من المدارس في المحافظات العراقية (مدارس طينية او كرفانية او آيلة للسقوط) غير مؤهلة لاستقبال التلاميذ”.

ويشدد اللامي على أن العراق بحاجة ماسة لمواكبة التطور العلمي وإدخال الوسائل التوضيحية ورعاية التلاميذ صحياً واجتماعياً لذا فأن مقرر وزارة التربية في موازنة 2023 “غير مطمئن” للنهوض بواقع التربية والتعليم، حسب وصفه.

غير أن وكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان، لديه رأيي مختلف، ويؤكد بأن قطاع التربية ستكون له الأولوية وبتخصيصات عالية، بهدف تحسين مؤشرات التعليم، وفقاً لتصريحات صحفية أدلى بها.

ووفق أرقام حديثة، لم تتعدى نسبة تخصيصات قطاع التربية والتعليم الـ 4% من الموازنات في البلاد خلال اغلب سنوات العقدين المنصرمين، في حين تصل نسبة تلك التخصيصات في الدول المتقدمة الى نحو 20% وفق الأمم المتحدة.

وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان قد ذكرت في نهاية العام 2021، أن هناك 1775 مدرسة آيلة للسقوط (بينها 275 مدرسة ثانوية) و820 مدرسة طينية وكرفانية في عموم البلاد، وان هناك حاجة إلى أربعة آلاف مدرسة للمرحلة الابتدائية وثلاثة آلاف مدرسة للمراحل الثانوية لحل مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي.

وكان رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني قد ذكر في منتصف شهر حزيران 2023  “حاجة محافظات العراق إلى 8 آلاف مدرسة، قد يستغرق بناؤها سنوات”.

لكن خبراء يشيرون الى ان الحاجة أكبر من ذلك، فحتى في جانب معالجة مشكلة المدارس الكرفانية والطينية والدوامين الثنائي والثلاثي (8-11 صباحا، و12- 3 عصرا، و4-7 مساء) في بناية مدرسية واحدة، فتطلع أن تكون لكل مدرسة بنايتها الخاصة وكوادرها ومستلزماتها الأساسية، أمر لا يمكن ان يتحقق حتى بعد سنوات، وفي حال عدم حصول اي زيادة سكانية، وفق معدلات البناء الحالية للمدارس.

وشهد العام الدراسي الفائت دخول أكثر من مليون و400 ألف طالب جديد، والرقم ارتفع بشكل محدود في العام الجديد (2023-2024) مع زيادة السكان وتحسن الوضع الأمني وعودة النازحين لمناطقهم، وهذا يتطلب توفير المزيد من المدارس بنحو عاجل.

ويعاني ملايين الطلاب سنويا من مشكلة عدم تغطية وزارة التربية لحاجة المدارس من الكتب المنهجية فيضطرون الى شراء نسخها من الاسواق، ففي العام 2022 – 2023 عجزت الوزارة عن تأمين الكتب لعدم توفر تخصيصات كافية لها في ظل عدم اقرار موازنة البلاد للعام المذكور.

معدلات أمية مرتفعة

في العام 2022 أبلغت الأمم المتحدة نقابة المعلمين بأن 12 مليوناً من العراقيين لا يعرفون القراءة والكتابة، أي ما يتجاوز الـ 29% من مجموع السكان الكلي، بينما ترتفع النسبة حسب اليونسكو لتتجاوز الـ 40%.

تخالف هذه النسب ما أعلنته وزارة التخطيط في إحصاءاتها لعام 2021 اذ بلغت نسبة الأمية بموجبها 12% من الذين تزيد أعمارهم عن 15عاماً، غير أن وكيل وزارة التربية، رئيس الجهاز التنفيذي لمحو الأمية علاء الحلبوسي، يؤكد عدم وجود أعداد دقيقة للأميين في البلاد. وأن “العراق يتجه نحو الأمية، وليس محوها!”.

تضارب النسب وانكارها لا ينفي تفاقم الأمية وارتفاع نسبها في ظل انعدام التخصيصات المالية للأجهزة المسؤولة عن ملف التعليم والأمية بما فيها الجهاز التنفيذي لمحو الامية.

يؤكد ذلك مدير المركز العراقي للطفل كاظم عبد الزهرة ويشير الى الفساد كعامل أساسي في نفشي الأمية قائلاً :”لم تُصدر المحاصصة التي طرأت بعد 2003 سوى مسؤولين غير متخصصين في وزارتي التربية والثقافة والمؤسسات الحكومية المعنية بالطفل، ما سبب تراجعاً مستمراً في جودة التعليم في العراق وتراكم المشاكل على مختلف الأصعدة ووصولها للحد الذي لا يمكن تداركها أو حلها بسهولة”.

ووفقاً لدراسة أجراها المركز العراقي للطفل فإن 17% فقط من الأطفال في المدارس الابتدائية قادرين على القراءة والكتابة بصورة جيدة. وهي نسبة يبررها عبد الزهرة بانهيار المؤسسة التربوية قائلاً “لا تشمل الأمية الأطفال خارج المدارس بل تشمل الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية اذ أثر انهيار المؤسسة التربوية وبناها التحتية على تقدم التعليم، وبالتالي فإن ضرر الفساد يطال الأطفال داخل وخارج المدارس ويحول دون الارتقاء بالمستوى العلمي للأطفال”.

وشدد عبد الزهرة على ضرورة التدخل الحكومي العاجل لإنقاذ ما تبقى وإصلاح الخلل العام في المؤسسات المعنية بالطفل حسب قوله.

حروب وصراعات

بلغت أعداد النازحين الأطفال إثر سيطرة داعش على عدد من محافظات العراق في 2014، ما يقارب المليون والنصف مليون طفل أي ما يشكل نسبة 25% من عدد النازحين الكلي بحسب احصائيات وزارة التخطيط لعام 2015 وتخلى 8.2% من النازحين عن التعليم بسبب النزوح.

الطفلة زينب من محافظة كركوك(13 سنة)، لم يتسن لها الالتحاق بالمدرسة، إذ زامن دخول تنظيم داعش الى كركوك في 2016 بلوغها السادسة من العمر، وهو سن الدخول للمدرسة الابتدائية في العراق، لكن بدلاً من ذلك نزحت مع عائلتها الى محافظة السليمانية في أقليم كردستان.

تقول: “كنا نسكن في بيت صغير حصل عليه والدي كإرث عن جدي، لكن داعش فجره ولم نستطع العودة بعد عمليات التحرير”. تمتلئ عيناها بالدموع وهي تواصل روايتها:”كان والدي يبع السجائر في كركوك وبالكاد كان دخله يكفينا أنا وأخوي اللذين تركا الدراسة مثلي ويعملان في بيع اكياس النايلون، بينما يعمل والدي بنحو متقطع كعامل بناء”.

تضع يدها على صدرها وتقول: “أنا فأبيع المعجنات التي تصنعها أمي في المنزل، أجلس على الرصيف في شارع سالم (وسط السليمانية) وأعرض المعجنات في حافظة بلاستيكية على صندوق خشبي”.

تساهم زينب بذلك في توفير دخل لأسرتها التي لم تحتمل العيش في مخيمات النزوح، فعمدت على تسخير إمكانيات كل أفرادها للعمل من اجل تأمين السكن والمعيشة داخل مدينة السليمانية.

يرى الناشط في مجال التعليم علي حاكم، بأن الحروب والصراعات في العراق أثرت على المستوى التعليمي، لما سببته من مشاكل اقتصادية وأدت الى تسرب عدد كبير من الأطفال من مدارسهم.

ويوضح: “عدم وجود خطوات جادة لمعالجة ملف داعش وتعويض المتضررين منه والنازحين أدى الى تسرب عدد كبير من الأطفال من مدارسهم وعدم التحاق آخرين بالتعليم ما زاد من انخراطهم في سوق العمل وبالتالي زيادة نسبة الامية”.

ويضيف “ترك عدد لا يستهان به من الطلاب مدارسهم بسبب النزوح ومن المفترض أن يجدوا فرص تعليمية متساوية لكن التهاون في حل ملف النازحين وانعدام البرامج التعليمية التكميلية أدى الى تخلفهم عن التعليم”.

بينما يرى الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر أن خطر ولادة جيل جديد من الإرهابيين قائم بسبب تفشي الأمية التي تعد الأم الولود لغياب الوعي والادراك حسب وصفه، ويوضح وجهة نظره “المدخل الرئيسي أو الوجه الآخر للإرهاب والمخدرات وصناعة اللصوص والمتسولين هي الأمية فغير المتعلم لا يحتاج الى غسل دماغ يجره الى طريق الإرهاب اذ يمثل لقمة سائغة للجماعات المتطرفة كونه ورقة بيضاء ينقش عليها الإرهاب ما يشاء”.

ويلفت الشاهر الى أن الفساد الذي أثر على فرص التنمية وعطل مشاريع البناء والخدمات، لم يستشر بهذا الشكل غير المسبوق الا بسبب الجهل والتجهيل لذا فمن الضروري الحد من الأمية للحد من الفساد والإرهاب كما يقول.

يُذكر أن أعداد الأيتام في العراق ارتفعت لتصل الى 5 مليون يتيم بحسب احصائيات اليونسيف لعام 2022 وهذا ما يشكل 5% من اجمالي ايتام العالم. والسبب الأبرز هو تدهور الأمن بعد 2003 وانتشار الجماعات المسلحة المتشددة والحرب ضدها.

عمالة متفاقمة وقانون غير مفعل

يوضح تقرير وقائع التعليم في العراق الصادر عن اليونسيف في 2020 أن حوالي %7 من جميع الأطفال بسن 5-17 منخرطون في سوق العمل، ويشير التقرير الى أسباب اقتصادية واجتماعية تحول دون الالتحاق بالمدارس الابتدائية واكمال التعليم.

كفل الدستور العراقي النافذ لعام 2005 حماية الطفل في مادته التاسعة والعشرون\ ب، لكنه لم يشر الى تجريم عمالة الاطفال صراحة، وحدد القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل سن الثامنة عشر كسن رشد في المادة 106 منه، وعرف المادة اولاً\20 من قانون العمل المعدل رقم 37 لسنة 2015 الطفل العامل بـ “العامل الحدث: ولأغراض هذا القانون، كل شخص ذكراً  كان أم انثى بلغ  الخامسة عشر من العمر ولم يتم  الثامنة عشر” أي أنه اجاز عمل الحدث استثناءً وبأحكام خاصة في المواد (95-105) ، ثم عرف الطفل في المادة اولاً\21 بـ “الطفل: أي شخص لم يتم  الخامسة عشر من العمر” ونص في المادة 11 /ثانياً : “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة اشهر وبغرامة مالية لا تزيد عن مليون او بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف احكام المواد الواردة في هذا الفصل والمتعلقة بتشغيل الاطفال والتمييز والعمل القسري والتحرش الجنسي وفق كل حالة”.

وعلى الرغم من وجود مواد خاصة بعمالة الأطفال الا أن ظاهرة تسربهم من المدارس وعمالتهم مازالت في اتساع واضح في ظل الازمات الأمنية والاقتصادية المتتالية وعدم تفعيل قانون العمل العراقي.

ووفقا للحقوقي محمد جمعة فأن سبب عدم تفعيل قانون العمل هو لعدم تقديم الشكوى من قبل المتضررين وهم الأطفال أو ممثلين عنهم، والتلكؤ في عمل دائرة التفتيش التابعة  لوزارة العمل، والتي يقع على عاتقها رصد الخروقات القانونية لقانون العمل.

ويتابع قائلاً “يشترط في الشكوى أن يقوم المتضرر أو ولي أمره بتقديمها، لكن الأطفال لا يحق لهم تقديم شكوى في القانون العراقي، وأصلا، أولياء أمورهم هم من زجوا بهم في سوق العمل وبالتالي فمن سيقدم الشكوى الى محكمة العمل؟”.

ويشير جمعة إلى أن هنالك مواداً قانونية تهين الطفل العراقي وتحرمه من حقوقه كالمادة 3 من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 التي تمنع التبليغ عن الانتهاكات التي يتعرض لها الطفل الا من الطفل أو ذويه. “وقد آن الأوان لتغييرها والتعامل مع الطفل على أنه مواطن عادي، أو في الأقل جهة ما تدافع عن حقوقه وتحميه من العنف والاستغلال”.

عنف أسري قد يصل الى القتل

أم علي (40 سنة) تسكن في محافظة الديوانية، عانت لسنوات من تعنيف زوجها الوحشي كما تقول لأطفالها الثلاثة:”كثيراً ما يتعاطى زوجي الكحول وعندما يثمل يبدأ بضرب الأطفال وربطهم، في إحدى المرات تسبب بجرح ابني الكبير في رأسه ولم أستطع نقله الى المشفى خوف الفضيحة والملاحقة القانونية فقمتُ بتضميده بنفسي”.

تأخذ نفساً عميقاً ثم تقول هامسة وهي تتلفت: “ما أن اتدخل حتى يبدأ بضربي وشتمي فاضطر أحياناً الى الدخول مع أطفالي الى أحد الغرف وغلق بابها علينا لغاية صباح اليوم التالي لأتجنب تكرار ذات المسلسل”.

وتعزو أم علي، عدم لجوئها للقضاء الى البيئة العشائرية التي تحيطها وتمنعها من اتخاذ أي أجراء ضد زوجها “اول من سيلومني هم أخوتي إضافة الى أن أشقاء زوجي لن يتركوني وشأني ولا استبعد ان يأخذوا اطفالي مني لو تم سجن شقيقهم بسبب شكوى مني”.

علي، وهو الابن الأكبر (15 سنة) نال الحصة الأكبر من التعنيف بسبب دفاعه عن أمه وشقيقيه “منذ أن فتحتُ عيني على الدنيا وأبي على حالته هذه عندما يواجه اي مشكلة يصرخ في وجوهنا ويضربنا”.

يمسك ذقنه ويقول: “والآن بدأت لحيتي بالظهور وما زلتُ أُتعرض للضرب، وبلا سبب في كثير من الأحيان سوى لأنني أحاول منعه من ضرب أمي وأخوي”.

يسكتُ لبرهة وكأنه يسترجع شريط ذكريات طفولته المبكرة مع والده، يكسر صمته ويشيح بوجهه نحو النافذة قائلاً: “أحاول عبثاً منع تكرار ما حدث لي مع اخوتي وهذا ما منع بناء علاقة جيدة مع والدي، كثيراً ما أتمنى الهرب لكن لا أعلم الى اين؟”.

تزايدت حالات العنف الأسري بعد 2003 للحد الذي حذرت منه الأمم المتحدة ودعت إلى تشريع قانون يحمي الطفل والاسرة في 2020 وكررت الدعوة في 2022، لكن القانون المقترح مازال معلقا في اروقة البرلمان ربسبب خلافات بشأن بعض بنوده.

وتأتي دعوات الأمم المتحدة والمنظمات المدنية المحلية مع تكرر وقوع حوادث موت أطفال جراء تعرضهم للضرب المبرح من قبل أفراد عائلاتهم، ويتم تداول الكثير من تلك القصص عبر وسائل التواصل الإجتماعي، كان أبرزها مقتل الطفل موسى ولاء البالغ سبع سنوات بعد تعذيبه على يد زوجة والده بالضرب واستعمال الكهرباء ومن ثم السكين وانتهاء بالخنق في مدينة الشعلة بالعاصمة بغداد.

وعلى الرغم من الضغوط الدولية والمحلية لتشريع قانون العنف الاسري منذ 2019 الا أن مشروع القانون لم يذهب الى أبعد من قراءة أولى في مجلس النواب أواخر 2022 ولم ينظر فيه مجدداً بسبب جدال احتدم بشأن بعض بنوده بين مؤيدين وهم أقلية في المجلس، ومعارضين وهم الأكثرية يريدون قانوناً بنسخة عراقية تراعي التقاليد والأعراف السائدة فيه.

وتكمن أسباب عدم تشريع قانون يحمي الطفل من وجهة نظر المحامية ضحى الزبيدي الى الطبيعة العشائرية لغالبية أعضاء مجلس النواب في جميع دوراته، وتقول “يقدم أعضاء مجلس النواب المعارضون للقانون حججاً واهية لعدم تشريعه كعدم رغبتهم في تحول المجتمع العراقي الى مجتمع غربي يسجن فيه الابن أباه، أو أن القانون يخالف تعاليم الإسلام”.

الخبير القانوني علي التميمي، يرى بأن الحاجة باتت ملحة لتشريع قانون يحد من الجرائم التي تمارس ضد الأطفال خصوصاً وأنها تخالف اتفاقيات حقوق الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الانسان، حسب قوله.

 ويجد بأن مشروع قانون حماية الطفل يؤكد على مواد وردت في الدستور العراقي وميثاق العهد الدولي وقوانين عراقية منها رعاية الأحداث والقاصرين والعقوبات، لذا “فهو خطوة إلى الأمام بكل الأحوال لأن الطفولة هي المستقبل”. ووسط تخلف القوانين، وتزايد نسبة الأمية في ظل ضعف الدعم الحكومي لقطاع التعليم الأساسي والثانوي، وتداعيات الحروب والعقوبات السابقة، تواجه الطفولة في العراق، بحسب خبراء، وضعا حرجا يتطلب استراتيجية معالجة حازمة دونها لا يمكن الحديث عن أي فرصة لتطوير البلاد وتنميتها. 

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":23053}" data-page="1" data-max-pages="1">