تحليل: انتخابات مجالس المحافظات… المال والسلاح والعزل وتمدد القوى الشيعية!

انتخابات مجالس المحافظات… المال والسلاح والعزل وتمدد القوى الشيعية!

ماذا يبقى من انتخابات المجالس في ظل غياب التشرينيين وانسحاب الصدريين؟ 

د.علي بشار اغوان/ 03 كانون الأول ديسمبر 2023:

لم تفرز مجالس المحافظات في ثلاث دورات انتخابية تجارب ناجحة يمكن الاعتداد بها ومحاججة المجتمع العراقي بنجاحها لإثبات أهميّتها.. لكن هل يُلغي الفشل أهمية مجالس منتخبة في المحافظات؟ عن الانتخابات وخرائطها للسياسيين، وعطلة الاقتراع للمجتمع..

تنفيذاً لاتفاق سياسيّ شكّل حكومة محمد شياع السوداني، تجري في 18 كانون الأول الجاري انتخابات مجالس المحافظات، إلا أن التحديات ما تزال شاخصة أمام عملية الانتخاب أو حتى أمام عمل المجالس التي ستفرزها، وبمقدمتها عزوف التيار الصدري عن السياسة ومقاطعته للاقتراع، وعزل رئيس البرلمان وتجريده من عضويته في البيت التشريعي بقرار من المحكمة الاتحادية.

هو تعقيد يستدعي توضيح مجموعة نقاط مهمة تتعلق بالطبيعة القانونية والإدارية والتنظيمية التي تخص مجالس المحافظات، فضلاً عن شكل التحالفات التي سجلت، وطبيعة الاستقطابات، والمؤثرات المباشرة على الناخب العراقي.

دور وأهمية مجالس المحافظات

وفق قانون 21 لسنة 2008 لإدارة المحافظات غير المنتظمة بإقليم، تمارس مجالس المحافظات دوراً كبيراً في صياغة الحياة الخدمية المحلية وتنظيمها عملياً ضمن رؤية عامة للقوانين والتشريعات البرلمانية. تكمن أهمية المجالس في إقالة وانتخاب رئيس مجلس المحافظة بالأغلبية المطلقة (نصف +1) خلال أول جلسة يعقدها المجلس ضمن مدة 15 يوما بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية، لتلعب الدور الرقابي المباشر على الدوائر ومدراء هذه الدوائر المرتبطة بالمحافظة والذين تختارهم الوزارات المعنيّة بعد ترشيح وتوصية المجالس، فضلاً عن انتخاب مجلس المحافظة المحافظَ الذي يمثل أعلى سلطة إدارية وتنفيذية في المحافظة، وانتخاب نائبيه وخلال مدة 30 يوماً من انعقاد أول جلسة بالأغلبية المطلقة (نصف +1)، بالإضافة الى إعداد مشروع الموازنة الخاصة بالمحافظة ثم المصادقة عليها، وإصدار التشريعات المحلية العامة لتنظيم الحياة الإدارية داخل المحافظة بما لا يتعارض مع الدستور وتشريعات مجلس النواب وفق الصلاحيات الممنوحة في قانون 21.

التجربة المشوّهة

لم تكن تجربة مجالس المحافظات مكتملة لدرجة تمكّن من الحكم عليها إن كانت حلقة مهمة أم زائدة في الحياة السياسية والإدارية والتنظيمية العراقية، إذ كانت ميداناً آخر للصراع السياسي الذي عصف بالبلاد منذ أول انتخابات جرت لتشكيل هذه المجالس في كانون الاول عام 2005 من ثم انتخابات كانون الثاني عام 2009 من ثم آخر انتخابات جرت في نيسان عام 2013، وساعد الواقع الأمني والسياسي المضطرب بتعثراتها وفشلها، فدخل العامل السياسي والأمني على أدوار هذه المجالس وقادها لتشوّه كبير فاقمته صفقات فاسدة لاختيار المحافظين وإقالتهم واختيار رؤساء مجالس المحافظات وإقالتهم فضلاً عن مدراء الدوائر، كل هذا بينما لم تكن ظاهرة الانتخابات مألوفة على المجتمع العراقي لكي ينتخب بطريقة موضوعية بعيداً عن التأثير المذهبي والقومي والديني والعشائري، لهذا لم تفرز المجالس تجارب ناجحة يمكن الاعتداد بها ومحاججة المجتمع العراقي بنجاحها لإثبات أهميتها.

 لكن فساداً في مجالس المحافظات، لا يعني فساد الفكرة.

تجميد المجالس

وقعت الجماهير الغاضبة في تظاهرات تشرين 2019 بفخ كبير بمطالبتها ومعها نخب عامة في البلاد، ضمن ما طالبت به، بإلغاء مجالس المحافظات، فقدمتها القوى السياسية قرباناً في سبيل تهدئة الغضب الجماهيري. وعلى هذا الأساس، جمّدت أعمال مجالس المحافظات التي انتخبت عام 2013 بقرار مباشر من مجلس النواب، الذي حوّل صلاحيات المجالس لنفسه -عبر الرقابة البرلمانية المباشرة من قبل أعضاء مجلس النواب كلٌ حسب محافظته على المحافظ والدوائر الخدمية-، وبذلك تعطلت الحياة الإدارية والخدمية والدستورية في جميع المحافظات وتحولت إلى حلقة مساومة جديدة، وتبين بعد ذلك أن الاطاحة بمجالس المحافظات على أنها حلقة زائدة، كان قراراً غير دستوري مما اضطر المحكمة الاتحادية لإصدار قرار يخص هذه الحالة وتفسير ما قام به مجلس النواب بأنه قرار تجميد وليس حلاً أو الغاءً، وهو قرار سياسي واضح.

بعد تجميد عام 2019، تحوّلت عملية إقالة وتنصيب المحافظين ومدراء الدوائر إلى جهات غير دستورية مما عمق التدخل السياسي في عمل المحافظ والدوائر الخدمية التي تعمل ضمن إدارته وتحولت حلقة فساد مجلس المحافظة إلى حلقة أكثر تعقيداً.

قانون الانتخابات

عاد البرلمان من جديد عام 2022 إلى إلغاء قانون انتخابات الدوائر المتعددة والفائز الأعلى الذي جرت على أساسه انتخابات 2021 البرلمانية. وساعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان في الرجوع إلى قانون سانت ليغو المعدل عراقياً بواقع 1.7 لكي يكون القانون النافذ في انتخابات مجالس المحافظات ثم انتخابات مجلس النواب متخذاً المحافظة على أنها دائرة انتخابية واحدة. غيرت هذه العودة خارطة التحالفات وآليات الترشح، إذ سيؤدي قانون سانت ليغو، وتعديلاته العراقية، إلى شبه انعدام فرص المرشحين المستقلين في الصعود إلى مجالس المحافظات كما حدث في انتخابات 2021 حين وصل للبرلمان أكثر من 60 نائباً مستقلاً عبر الانتخاب المباشر ضمن الدوائر المتعددة على أساس الفائز الأعلى، بيد أن عودة سانت ليغو أرغمت المرشحين على تشكيل أحزاب أو الانخراط في أحزاب أو قوائم ولوائح انتخابية للتنافس في الانتخابات؛ وسيعمق فكرة المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات عند مجاميع مجتمعية وسياسية عديدة.

خارطة الاستقطابات ومداخل تحريك الناخب

يعيش العراق منذ عام 2003 استقطاباً انتخابياً معقداً، من منطلقات معقدة هي الأخرى يغيب عنها المنطلق الوطني:

  1. استقطابات العشائر المحصورة في مناطق محلية مباشرة: إذ تكون آلية الانتخاب عبر الاستمالة العصبية والعشائرية المباشرة، وهي واحدة من أكثر طرائق التصويت شيوعاً في العراق، وتشهد تطورات مختلفة حيث كان لشيخ العشيرة دور كبير في اختيار المرشحين وتوجيه رجال العشيرة إليهم.

  1. استقطابات طائفية: إذ يذهب فيها الناخب إلى صندوق الانتخابات بناءً على الموقف المذهبي للقائمة والمرشح. وللمنصات الدينية دور كبير في توجيه الجماهير نحو قوائم مذهبية معينة، حتى مع تراجع سطوتها أو شعبية وقدرة رجال الدين على توجيه الناخبين-بمعزل عن التيار الصدري-، وهي من الاستقطابات الأكثر فاعلية في العراق.

  1. استقطابات قومية في المناطق المتنازع عليها: إذ يذهب الناخب عادةً في هذه المناطق لاسيما من نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين لانتخاب قومي مباشر، غير أن القوائم واللوائح السياسية التي تعمل في هذه المناطق بدأت تطور من أدواتها، حيث أن بعض القوائم الكردية بدأت تستقطب مرشحين وناخبين عربا وكذلك بعض القوائم العربية بدأت تستخدم مرشحين وناخبين كردا.

  1. استقطاب برغماتي مباشر: وهو ذهاب الناخب إلى صندوق الاقتراع بناءً على الخدمات المباشرة التي حصل عليها كتبليط شوارع وتوفير فرص عمل ووظائف وعقود مدنية وعسكرية فضلاً عن عملية شراء مباشر للأصوات تقوم بها الأحزاب عبر الدفع النقدي المباشر للناخب من أجل التصويت كمصالح برغماتية واضحة بين الطرفين.

  1. التصويت العقابي: وهو ذهاب الناخب للتصويت بالضد من نائب أو حزب فاز في انتخابات سابقة ولم يف بوعوده، هذا التصويت يحتاج لظروف خاصة لا تتكرر كل دورة انتخابية وقد تتكرر على مستوى حالات فردية مع نواب أو أعضاء مجالس محافظات معينين.

شكل التحالفات الانتخابية

أعلنت مفوضية الانتخابات تسجيل أكثر من 200 حزب سياسي للمشاركة بالانتخابات بشكل منفرد، من دون تحالفات، بينما أعلنت من جهة ثانية عن تشكيل أكثر من 50 تحالفاً سياسياً للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات 2023 تضم أكثر من 300 حزب منضوٍ ضمن هذه التحالفات الموّزعة مناطقياً ضمن خارطة نفوذ عكستها طبيعة التحالفات التي شكلت حكومة محمد شياع السوداني، وبواقع 13 تحالفاً سنياً، و11 تحالفاً شيعياً، و26 تحالفاً مختلطاً في 15 محافظة (عدا اقليم كردستان) بأكثر من 6 آلاف مرشح.

 جاءت التحالفات الأبرز على النحو الآتي:

  1. سُنّياً: حزب السيادة بزعامة أمينه العام خميس الخنجر وتحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان المقصيّ محمد الحلبوسي والعزم بزعامة النائب مثنى السامرائي وقمم بزعامة وزير الصناعة خالد بتال وتجديد بزعامة النائب فلاح الزيدان والحسم بزعامة وزير الدفاع ثابت العباسي.

  1. شيعياً: تحالف ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وتحالف إبداع بزعامة نصيف الخطابي وتحالف نبني بزعامة هادي العامري وتحالف الصفوة بقيادة قيس الخزعلي وتحالف العقد الوطني بزعامة فالح الفياض وتحالف نصحح بزعامة همام حمودي وتحالف خدمات بزعامة أحمد الأسدي وتحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم.

  1. مدنياً: وهي تحالفات انبثقت عن قوى الاحتجاج الشعبي التشريني بالإضافة الى تكتلات للنواب المستقلين الذين برزوا بعد انتخابات 2021، حيث سيشارك في الانتخابات عن القوى المدنية كل من تحالف قيم والتي تضم الحزب الشيوعي العراقي وحركة نازل أخذ حقي وحزب البيت الوطني ومجموعة سياسية مدنية أخرى، بينما تشكل تحت عنوان تحالف الأساس بزعامة نائب رئيس مجلس النواب محسن المندلاوي والذي يضم كلّاً من حزب الوعد وحزب الوتد وحركة واثقون وحركة الأكثرية ومجموعات سياسية أخرى ذات طرح مدني، فضلاً عن تحالف القوى المدنية الذي يضم حزب الأمة العراقية ومجموعة سياسية أخرى.

  1. كردياً: يتنافس الكرد في انتخابات مجالس المحافظات ضمن المناطق المتنازع عليها فقط، حيث تجري في الإقليم عادةً انتخابات برلمانية خاصة بالإقليم تمثل صورة شبيهة لمجالس المحافظات، حيث من المتوقع أن تجري انتخابات برلمان الإقليم عام 2024. وتبدو القوى الكردية المتنافسة واضحة بشكل كبير في المناطق المتنازع عليها ضمن محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي يحصل عادةً على أعلى المقاعد في المناطق المتنازع عليها، يليه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، ثم تأتي الأحزاب الكردية الأخرى التي تكاد لا تحظى بمقاعد في هذه المناطق كالحركة الإسلامية الكردية وحركة التغيير والجماعة الإسلامية الكردية التي تتنافس في عمق محافظات الإقليم أكثر منه في المناطق المتنازع عليها.

بالعموم وضمن دائرة الاهتمام الأكثر وضوحاً، تعكس هذه التحالفات شكل التنافس الحاد الموجود داخل الوسط السني والشيعي والمدني والكردي، حيث تشير خارطة التحالفات، قبل قرار المحكمة الاتحادية إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، إلى أن أغلب القوى السياسية السنية تستهدف زعزعة نفوذ رئيس المجلس الشاب وقضم شيء من حصته الانتخابية المتوقعة (عدا السيادة المتفاهم مع تحالف تقدم)، وكان العمل على ذلك يسري في المحافظات ذات الغالبية السنية (نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى، وجزء من بغداد وكركوك) من أجل الاستعداد لتشكيل واقع سياسي جديد في انتخابات البرلمان القادمة، غير أن حضور تحالف “تقدم” حتى بعزل زعيمه من رئاسة السلطة التشريعية، يغطي المساحة الأكبر للساحة السنية والأقرب لحيازة مقاعد ستمكنه من السيطرة على محافظة الأنبار بشكل كبير مع تحقيق شراكات مباشرة ومؤثرة في محافظات أخرى مثل نينوى وكركوك وصلاح الدين واقل منهم في ديالى والبصرة وبابل.

وتعيش التحالفات الشيعية هي الأخرى حالة من التنافس التي سترسم مواقع القوى السياسية من جديد على مستوى النقاط التي سيجمعها كل تحالف بعد الانتخابات، إذ يتصدر تحالف دولة القانون الحظوظ في الأوساط الشيعية في جزء من بغداد ومناطق جنوبي العراق بينما تحل بالمرتبة الثانية التحالفات ذات البعد الفصائلي في ظل غياب التيار الصدري.

من الواضح إن أغلب التحالفات الكبيرة في العراق بقيت تستخدم الاستقطاب المناطقي والمذهبي والقومي على حساب رؤية وطنية، فعلى الرغم من وجود تحالفات وطنية مدنية عابرة لحدود المحافظات والمكونات، الّا إنها بلا حظوظ تقريباً.

التيار الصّدري.. مقاطعاً ومنعزلاً

بعد الانسحاب الذي قرره زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عام 2021 على إثر الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المنطقة الخضراء ومحيطها مع الفصائل الشيعية المسلحة، يعيش التيار عزلةً سياسية كبيرة، عمّقها زعيمه مقتدى الصدر في 13 تشرين الثاني بدعوته أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها، ليزيد ضغطه السياسي والاجتماعي على أطراف العملية السياسية، وعلى مكونات الإطار التنسيقي الشيعية بوجه الخصوص، حيث يمتلك التيار الصدري 4 محافظين في وسط وجنوبيّ العراق كمخرجات لانتخابات 2013 أو تغييرات بقرارات تنفيذية، من المتوقع أن يخسرها مع عشرات المناصب الإدارية الأخرى. لكن التيار الصدري، رغم ذلك، يمتلك الورقة الأكثر ضغطاً وقلقاً على العملية السياسية وهي ورقة الاحتجاجات الشعبية، إذ من المتوقع استخدامها مع أول سقطة للأحزاب الحاكمة والتي، إن جرت الانتخابات، ستحكم أكثر.

العزل لا العزلة.. الحلبوسي مقصياً

بعد يوم واحد من تغريدة زعيم التيار الصدري ودعوته لمقاطعة الانتخابات، أنهت المحكمة الاتحادية عضوية محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان وزعيم أكثر الأحزاب السنية حظوظاً، ثم ألحق رئيسها القاضي جاسم العميري ذلك بأن القرار باتّ لا يقبل الطعن، بينما وصف الحلبوسي القرار بـ”الغريب” متهماً المحكمة بالخضوع للوصاية، وكردة فعل، قدم 3 وزراء من حزبه استقالاتهم من الحكومة (رفض رئيس الوزراء الاستقالات)، وعلق برلمانيوه مشاركتهم في جلسات المجلس النيابي وانسحبوا من رئاسات اللجان البرلمانية، وبالتوازي بدأ البيت السني، منذ اللحظة الأولى للقرار، يتعامل مع ازاحة الحلبوسي على أنها فرصة، سارع لاستغلالها وملء الفراغات التي سيخلفها السياسي الشاب، فرَصَّ قائمة من المرشحين ليخلفوه، ولن يترددوا باستغلال النفوذ الذي سيوفره المنصب، أو النفوذ الذي تجرّد منه خصمهم الأقرب.

ولن يكون غريباً، أن تتفق الأطراف على تأجيل الانتخابات إلى موعد يرتضيه الصدر، كي يخفف ضغطه عليهم، أو يرجئ شيء منه مع الاقتراع، وهنا، الأمر يتعلق بالصدر لا بالحلبوسي، بالصدر وما يمتلكه من أدوات داخل المجتمعات الشيعية وسلاح وأنصار مستعدون لاستخدامه، مع الأخذ بنظر الاعتبار الاحتمال الدائم لعودة مرجعية النجف المتمثلة برجل الدين السيد علي السيستاني، إلى اتخاذ موقف من هذه الانتخابات من خلال وكلائه. بالنتيجة فإن عملية تأجيل الانتخابات المحلية التي لا تقنع المجتمعات العراقية جدواها أو نزاهتها، هي عملية شيعية بامتياز، ستبحث بين جدران شيعية، وتُوَقع بأقلام شيعية، ولن يكون لاعتراض الأطراف الأخرى، إن اعترضت، أيّة قيمة أو اعتبار، بالضبط، كما أن لا قيمة أو اعتباراً لإقصاء زعيم من مكون آخر، وإن كان شريكاً لكل أركان البيت الشيعي بالتناوب. فالسطوة الشيعية هي صاحبة القرارات كلها.

تمدُّد التحالفات الشيعية بالمناطق السنية

على الرغم من كل الطروحات الوطنية التي يتم تداولها في وسائل الإعلام وعبر أدبيات الأحزاب المتنافسة في العراق، إلّا أن السطوة السياسية والعسكرية الشيعية تغلغلت في مناطق ومساحات غير شيعية، حيث يخوض ائتلاف دولة القانون مع باقي القوى السياسية الشيعية تنافساً مباشراً وقوياً في المحافظات ذات الأغلبية سنية كنينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، بينما تغيب القوائم السنية عن التنافس في محافظات الغالبية الشيعية، إلّا في حصة ضئيلة في البصرة وسيأخذها سنة خاضعون بالكامل لقرار شيعي. ومن غير المتوقع أن يحصل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على مقاعد في محافظة بابل أو واسط، بينما من المتوقع أن يكون هناك نفوذ قوي للقوى السياسية الشيعية في نينوى وكركوك وديالى، ويعود ذلك لأسباب أهمها أن الأقليات المكوناتية السنية والشيعية في هذه المحافظات ماتزال تعتمد على التغذية الطائفية القادمة من محافظات ثانية لكي تشارك وتحصل على تمثيل مباشر ضمن فكرة التحدي والاستجابة، لكن الملفت للنظر أن القوى السياسية الشيعة استطاعت أن تحتوي في نينوى مثلاً أحزاباً غير شيعية وضمّتها للإطار السياسي الشيعي كحزب الهوية الوطنية بزعامة ريان الكلداني -المسيحي- الذي يتمتع بعلاقات كبيرة مع القوى السياسية الشيعية ويمتلك فصيلاً مسلحاً، حيث أن أغلب مرشحيه هم من المكون السُني يعملون ضمن قيادة مسيحية وتحالف شيعي مباشر، فضلاً عن سيطرة القوى السياسية الشيعية على الكوتا في نينوى (كوتا المسيحيين والشبك والايزيديين) إذ أنه من المتوقع أن تكون حصة الكوتا في نينوى قريبة بنسبة مقعدين او بنسبة ثلاثة مقاعد الى الإطار التنسيقي الشيعي.

دور المال والسلاح والإعلام والمناصب

ما يزال المال والسلاح والسلطة والنفوذ السياسي هي الأدوات الحاكمة الفعلية للانتخابات في العراق. ويؤثر المال السياسي في التنافس بين القوى السياسية التي تمتلكه وبين القوى الجديدة والناشئة التي تحاول الحصول على مساحات تأثير جديدة في إطار محدود. وتستخدم القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، فصائلها وسلاحها لأغراض انتخابية عبر مساومة منتسبيها بقطع رواتبهم أو فصلهم من العمل إذا لم يقوموا بالترويج ويجلبوا بطاقات انتخابية وينتخبوا مرشحي هذه الفصائل والفواعل المسلحة، فضلاً عن استخدام النفوذ السياسي كسيارات الدولة ومال الدولة ودوائر الدولة لأغراض انتخابية لاسيما من قبل الأحزاب التي تمتلك هذه المفاصل الادارية والسياسية، حيث إن الفرق واضح بين المرشح الذي يتبع لحزب لديه وزارات ومناصب خدمية وبين مرشح آخر لا يستطيع تقديم خدمات مباشرة كونه لا يمتلك أي منصب هو أو حزبه، فتُستخدم حركة تعبيد الشوارع وجلب محولات الكهرباء وإنشاء مشاريع الماء والمجاري وتسجيل رواتب الرعاية الاجتماعية والتطوع في بعض أجهزة الدولة الأمنية والوعود بوظائف حكومية مدنية كأداة للتنافس السياسي مما يضيف نوعاً من أنواع عدم العدالة واللامساواة الديمقراطية في التنافس، هذا مع امتلاك الكثير من القوى السياسية الكلاسيكية قنوات فضائية وصفحات فاعلة على منصات التواصل الاجتماعي، وجيوشاً إلكترونية تروّج لها.

في هذه البيئة التنافسية، وتوزيع القوى والنفوذ وسطوة السلاح، إن جرت، من غير المتوقع، أن تقود انتخابات مجالس المحافظات لتغييرات جذرية كبيرة في المجتمعات المحلية والبنية التحتية لهذه المحافظات، بل، إن جرت، ستكون -أكثر من سابقاتها- منزوعة الشرعية المجتمعية على الأقل، فحتى، إن جرت، وصادقت المحكمة الاتحادية على نتائجها، إن أفرزت نتائج، وباركتها القوى الدولية وبمقدمتها واشنطن وطهران، ستبقى مهددة بالنسف لأن جداراً شيعيا كبيراً قاطعها، وزعيماً سنياً صاعداً بقوة أقصي من منصبه قبيل إجرائها، والأهم، لأنه ليست في العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال الأمريكي 2003 وتغلغلت بها إيران، مساحة لإنتاج جديد يدعو للتفاؤل، ولا ينتظر الطيف الأكبر من العراقيين، الذين سيعتبرون يوم إجرائها عطلة لا أكثر، شيئا منها.

  • نشرت هذه المادة بالشراكة مع موقع “جمار”

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":21224}" data-page="1" data-max-pages="1">