تقارير سردیة: أمهات مطلقات وسط جحيم معارك الحضانة: “أحزاب دينية تريد تقليص مدة حضانتنا لأطفالنا”

أمهات مطلقات وسط جحيم معارك الحضانة: “أحزاب دينية تريد تقليص مدة حضانتنا لأطفالنا”

هي حرب يشنها الرجال المطلقون ضد طليقاتهم، بقصد الانتقام والتَخلص من النفقة التي تفرضها المحكمة على الرجل على الرغم من أنها لا تتجاوز 175 الف دينار، والتي قد لا تكفي حتى لزيارة الطبيب لمرة واحدة!

بنين الياس/ رصيف 22:

غزل خالد حسن (37سنة)، معاونة مدير مدرسة ابتدائية بمنطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، تعيش حالة قلق مستمرة من أن يعدل مجلس النواب العراقي قانون الأحوال الشخصية النافذ، بتقليص حضانة الأم لطفلها، وفقاً لما تطالب به أحزاب دينية بين حين وآخر.

دخلت هذا الصراع النفسي منذ عام 2015، حين انفصلت عن زوجها بعد ثلاثة أشهر فقط من وضعها مولودها الوحيد، وقد حظيت حينها بقرار قضائي منحها حق الحضانة.

تقول بشيء من الغضب مشيرة إلى حملات يقوم بها آباء مطلقون لتقليص مدة حضانة طليقاتهم لأطفالهم:” لقد تحول الأمر الى تجارة، بعض الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي يجمعون مبالغ من آباء يرغبون بتغيير القانون، يحدث ذلك كل أربعة سنوات مع بدء أي دورة انتخابية جديدة”.

وتعتقد غزل أن إجراء أي تغيير في سن الحضانة سيكون على حساب مستقبل الأطفال، لأنهم “سيحرمون من أمهاتهم” وتصف الحملات المستمرة بـ”حرب يشنها الرجال المطلقون ضد طليقاتهم، بقصد الانتقام والتَخلص من النفقة التي تفرضها المحكمة على الرجل على الرغم من أنها لا تتجاوز 175 الف دينار، التي قد لا تكفي حتى لزيارة الطبيب لمرة واحدة” على حد تعبيرها.

غزل لا تكتفي بالقلق والخشية من سن قانون تحديد سن الحضانة، بل تعمل جاهدة لمواجهته، من خلال مشاركتها في مظاهرات عديدة نظمتها منظمات مجتمع مدني وسط العاصمة بغداد خلال السنوات الأخيرة، ورافقت ناشطات أخريات في مقابلات أجرينها مع شخصيات برلمانية لتأكيد حق الأمهات المطلقات بالحضانة لغاية سن البلوغ أو منح الأطفال حق الاختيار عند بلوغهم سن 15 سنة كما هو معمول به حالياً بموجب قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ.

تأخذ نفساً عميقاً، ثم تقول بنبرة حزن:” هل الأمهات معامل؟ ينجبن الأطفال، ويبقون تحت رعايتهن لسنتين أو سبع سنوات كما تريد بعض الأحزاب، وبعدها يتم تقديمهم كهدايا لأباء لا يستحقون، لأن معظمهم لا يسألون أصلاً عن الأطفال خلال فترة حضانة الأم المطلقة لهم وبالكاد يدفعون النفقة وبعضهم يتهرب منها بطريقة أو بأخرى، أين العدالة في هذا؟” تتساءل وهي تضع يداً على الأخرى.

ثم تضيف باستياء: “ما يزيد الأمر صعوبة بالنسبة الينا أن القانون لا يمنحنا نحن الأمهات المطلقات الحاضنات لأطفالنا حقَ مراجعة الدوائر الحكومية لاستخراج البطاقة الموحدة أو جواز السفر على سبيل المثال الا بوجود الأب” وتتساءل مرة أخرى “كيف سيكون حال الأم إذا تم تعديل القانون؟”.

وترى بعض الاتجاهات السياسية ذات الطابع الديني، أن حضانة الأم المطلقة للأطفال لحين بلوغ السن القانونية، تشكل ظلماً تجاه الآباء، ولا بد من تعديل القانون العراقي. وتظهر قبيل كل انتخابات تشريعية دعوات مماثلة، ويتبنى مرشحون نيابيون مقترح التعديل، لكنه يظل عند هذا الحدود دون قراءة في مجلس النواب، بسبب حملات مضادة تقوم بها منظمات نسوية وأخرى محلية ودولية معنية بحقوق الإنسان.

سن الحضانة

الأصل بموجب قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 أن تكون الحضانة للأم المطلقة، ومدتها عشر سنوات، سواء كان المحضون ذكراً أو أنثى، وللمحكمة تمديد الحضانة سنة أو اثنتين أو لحين إكمال المحضون الخامسة عشرة من عمره حسب مصلحة الطفل، ويحق للطفل بعدها اختيار الشخص الحاضن.

وهذا القانون وضع عدداً من الاستثناءات بخصوص الحضانة، بمنح الطفل المراهق(15 سنة) حق الاختيار مع من يقيم، والدته أم والده، كذلك تتم الاستعانة باللجان الطبية لتثبت مصلحة الصغير ويمكن للمحكمة ان تضع المحضون بيد حاضنة تراها أمينة إذا لم يكن الوالدان مؤهلان للحضانة، كما يجوز للمحكمة أيضا أن تضع الطفل في دور حضانة معدة من قبل الدولة.

وفقاً لاتهامات ناشطات معارضات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، فأن رجال مطلقون مدعومين بأحزاب إسلامية، حاولوا على مدى خمس دورات برلمانية انتخابية تعديل سن الحضانة للأم، كان آخرها في الأول من تموز/يوليو سنة 2021، حين تلي مشروع قانون تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 لقراءة أولى في مجلس النواب العراقي لتقليص حق الحضانة الممنوح للأم وجعلها سبعة سنوات فقط.

وفي كل مرة، أثارت التعديلات المقترحة غضباً عارماً لدى الأمهات المطلقات، ووقفت منظمات المجتمع المدني إلى جانب الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة بالضد منها، وشرعن بحملات إعلامية أكدن فيها بأن تعديل سن الحضانة سيكون قراراً مجحفاً بحق الأطفال الذين يعانون ابتداءً من عدم الاستقرار النفسي بعد طلاق الوالدين، وحاجتهم الماسة الى الام في مرحلة الطفولة.

ورد الرجال بحملات إعلامية معاكسة ووقفات احتجاجية محاولين التأكيد فيها على مقدرتهم على تحمل مسؤولية رعاية صغارهم، ومقدرتهم على توفير حياة كريمة لهم أكثر من أمهاتهم، وبعضهم يرى بأن القوانين العراقية تغلب مصلحة النساء على الرجال ولا سيما فيما يخص مسألة الحضانة للأطفال، وطالبوا بقراءة ثانية لتعديلات القانون وإقراره في أقرب، لرفع الظلم عن الرجال، وفقاً لهم.

أهداف سياسية ومادية

د. بشرى العبيدي أستاذة القانون الجنائي بجامعة بغداد، تقول بأن “من أشعل هذه الفتنة “وتقصد بها محاولات تعديل سنة الحضانة، “هم مجموعة من الآباء، بحجة انهم مظلومون، وإن المادة 57 مجحفة بحقهم، وهم يعتقدون أن القانون حرمهم من حق التواصل مع أولادهم والمشاركة في تربيتهم، وتقديراً منا لمشاعر الآباء قدمنا مقترحا للجنتين القانونية، والمرأة والطفل في البرلمان، لزيادة عدد ساعات المشاهدة للآباء على أن تكون بعيدة عن قاعات المحاكم لمراعاة مشاعر الأطفال والآباء معا”.

وعلى أساس هذا المقترح وجه مجلس القضاء الأعلى بزيادة عدد المشاهدات إلى أربع مرات في الشهر الواحد، ولمدة 9 ساعات في كل مرة (من 9 صباحاً حتى 6 مساءً)، ويتم الاتفاق على مكان المشاهدة بين الطرفين.

وبحسب العبيدي، فإن “القرار الجديد أنهى حجة الرجال، لكنهم مازالوا ممتعضين” وهي ترى أن سعيهم في الأصل لم يكن زيادة أوقات بقائهم مع أطفالهم بل هدفان “سياسي ومادي”.

وفيما يخص الهدف السياسي، فهي تؤمن بان أحزاباً دينية تدفع بالرجال نحو المطالبة الملحة لتعديل سن الحضانة، والضغط على مجلس النواب عبر وسائل الإعلام المختلفة والندوات والتظاهرات، لكن الحراك النسائي المعارض الذي سلط الأضواء على معاناة المرأة المطلقة وحقها في الحضانة حال دون ذلك، وفقاً لما ذكرت.

وأشارت إلى أن “منذ أصدرا مجلس الحكم سنة 2003 القرار 137القاضي بـ إلغاء قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 وإحلال منظومة روابط دينية طائفية بدلاً عنه تتحكم في سير الإجراءات القانونية الخاصة بشؤون المرأة، والرجال يطالبون بتطبيقه الا أن أحلامهم لم تر الشمس، ولن ترها”، تقول العبيدي بحدة.

وتضيف “الرجال سعوا بعد ذلك الى تجيير المادة 41 من الدستور العراقي التي تنص على أن العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك لصالحهم)، ثم انتقلوا الى مقترح قانون الأحوال الشخصية لعام 2014، الذي تمكن المعارضون من إيقاف تشريعه، ومنه الى مقترح الأحوال الشخصية 2017- 2018 ولم يفلحوا ايضا، وصولا الى البدعة الأخيرة الخاصة بتعديل المادة 57 من القانون النافذ بحجة أنها مادة بعثية وحجج تافهة أخرى، وهذه البدعة هي عبارة عن رغبة بعض الكتل السياسية بفرض قانون الأحوال الشخصية الجعفرية”، على حد تعبير العبيدي.

الهدف الثاني وفقاً لرأيها، هو مادي، وتقول “هذا الجانب هو المرجح لدى أغلبية الرجال للتملص من النفقة، فالرجل يفضل أن يضع أموال النفقة في محفظته، كما يظهر ذلك في تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وتؤكد بأنها رصدت حالات كثيرة لا يعتني فيها الآباء بأبنائهم بعد الانفصال عن الزوجة، بل يسلمون مهام التربية الى الزوجة الجديدة أو إلى إحدى قريباتهم.  وتقول أيضاً: ” ناهيك عن حالات التلويح بسحب الحضانة من الأم إن أقبلت على الزواج من رجل آخر، فهم يستكثرون على المرأة أن تعيش حياة جديدة بعد الانفصال عنهم، لقد سعى الرجال ابتداءً الى تشريع قانون يمنحهم حق الحضانة لأطفالهم في سن الثانية، لكنهم تراجعوا عن ذلك بعد أن وجدوا الامر في غاية الصعوبة، فهم يدركون في قرارة أنفسهم أن المرأة وحدها قادرة على حضان الأطفال، لذلك قرروا المطالبة بالحضانة في سن السابعة”.

جاء في نص هذه المادة 57 من قانون سنة 1959: “الام أحق بتربية وحضانة ولدها حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة (الطلاق او الوفاة) مالم يتضرر المحضون”.

وتشترط اذه المادة، أن “تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون”.

كما تنص الفقرة الخامسة من المادة 57 على أنه “إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار”.

الناشط علي حيدر سجاد، يقول بأن أكثر من ستين سنة مضت على تشريع قانون الأحوال الشخصية، وجرت تعديلات عليه في زمن حكم حزب البعث، وأنه لم يعد الآن متوافقاً مع روح العصر، وينبغي وفقاً لما يرى أن تكون هنالك موازنة عادلة بين النساء والرجال: “لأن الرجل أيضاً له الحق في أن يعيش أطفاله برعايته، وبكل تأكيد سيكون بوسع من يرغب منهم، تحمل تلك المسؤولية، ويمكن للأم أن تحصل على حق مشاهدة الأطفال تماما كما يحدث للآباء المطلقين الآن؟”.

وترد د. بشرى العبيدي، على ما قاله الناشط على بقولها: “من خلال دراستي لقوانين الأحوال المدينة في المنطقة يقف القانون العراقي النافذ في المرتبة الرابعة، وهو من أفضل القوانين بعد المغربي، ثم التونسي، فالمصري، وحينما شرع القانون كان الأفضل من نوعه في حينه، لكن تشريع قوانين الأحوال الشخصية في الدول الثلاثة المذكورة عاد به الى هذه المرتبة”.

وتعتقد العبيدي أن “القانون النافذ فيه الكثير من الثغرات التي تنتهك حق المرأة وانسانيتها، لكن الوضع الحالي غير مهيأ لأجراء التعديلات المطلوبة، وأي مقترح بهذا الاتجاه سيدفع بقانون الأحوال الجعفري الى الواجهة، ومن ثم الحنفي وهكذا”.

وتختم الأستاذة الجامعية حديثها بالقول: “الأفضل حالياً المحافظة على القانون النافذ أما التعديلات التي تحاول سلب الحضانة من الأم بعد السبع سنوات أو عندما تتزوج المطلقة مهما كان عمر المحضون، وإن كان الاب متوفى فستؤول الحضانة الى الجد أو الجدة أو العم أو العمة، وان لم يتوفروا فسيكون مصير الطفل الى دور حضانة الايتام، وهذا ما نسعى لمنعه”.

وكانت عضو لجنة المرأة والطفولة النيابية السابقة، ريزان شيخ دلير، قد وصفت مقترح تعديل سن الحضانة بغير الإنساني، وانه مخالف للمواثيق والأعراف الدولية وانه يسلب الطفل من أمه. وذكرت دلير في تصريحات صحفية أن هدف التعديل هو: “جعل سن الحضانة حتى عمر السبع سنوات في حال تزوجت الأم من رجل غير طليقها، وفي حال وفاة الأم أو فقدانها أحد شروط الحضانة، تنتقل الحضانة إلى الأب إلا إذا اقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك، وعندها تنتقل الحضانة إلى الجد الصحيح”.

ورأت النائبة السابقة أن المقترح يعكس طريقة تفكير داعمي المشروع الذين وضعوا الأم في الدرجة الأخيرة، وفقاً لنص تعبيرها.

المحامي عادل مجيد، يقول بأن الأم هي الأحق بالحضانة في حال قيام الزوجية أو الفرقة وفقاً للمادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، بشروط هي “البلوغ، العقل، الأمانة، القدرة على تربية المحضون”. ويؤكد بأن المحكمة ستميل معظم الأحيان إلى إبقاء الحضانة للأم في المنازعات القضائية وفق مبدأ مصلحة الطفل.

ويضرب على ذلك مثالاً: “الأم لو مثلت بين يدي القاضي ووقعت أمامه عن تنازل عن حضانتها للطفل، وخرجت من المحكمة ثم عادت لتغير رأيها وتطالب باستعادة الحضانة، فستمتثل المحكمة لطلبها في حال كانت الشروط مازالت متوفرة فيها كحاضنة، لأن مصلحة الطفل هي بالتواجد في حضانة أمه، هكذا هو الأمر لدينا”.

وبهذا يجد المحامي عادل، أن هنالك مساحة حق أكبر، ممنوحة للزوجة المطلقة على حساب الرجل المطلق، وأن الأوان قد حان لمنح الرجل المطلق حقوقاً إضافية، ويرى أنه لا بأس لو تم تخفيض سن الحضانة، “لأنه ليس من العدل، أن يظل الطفل في كنف المرأة 15 سنة، وبعدها نأتي وبكل بساطة لنسأله أين يريد أن يعيش الآن بعد كل تلك السنين، بالتأكيد سيختار الأم، وفي حالات نادرة جدا يختار الأب، لأنه لا يعرف والده كما يجب، وساعات المشاهدة المحددة قانونا غير كافية”.

ويعتقد المحامي كذلك أن تخفيض سن الحضانة، سيمنع الكثير من الزوجات من المطالبة بالانفصال خوفاً من فقدان حضانتهم للأطفال، مما يعني تقليل حالات الطلاق.

ويعود للقول :”أنا مع أن الطفل مع أمه أفضل بالنسبة اليه، لكن ينبغي أن لا يكون هذا الحق مطلقا، وأن يتم وضع استثناءات فعلية، فما ذنب الرجل الذي يحرم من أطفاله لمجرد أنه لم يعد يريد العيش مع زوجته ؟!”.

مضار نفسية

تقول المستشارة النفسية، اخلاص جاسم جبرين، أن “المحضون القاصر الذي يعيش بعيداً عن والدته سيعاني من مضار نفسية شديدة، أبرزها الشرخ العاطفي وهو ناتج عدم تقبله للبيئة المحيطة به -زوجة أب، جدة، عم- ما يولد لديه شعوراً عميقا بعدم الارتياح، والخجل عند تناول الطعام، والتردد بطلب احتياجاته، وسيشعر بأنه ضيف ثقيل، كل ذلك سيؤثر على سلوكياته في المستقبل”.

ويتسبب الشرخ العاطفي لدى الأطفال وفقاً للمستشارة، بسلوك عدواني تجاه زملائهم في المدرسة وعند البلوغ هناك احتمالية كبيرة أن يكون الشخص نرجسيا (وهو شخص معادي للمجتمع نتيجة مايسمى بترسبات الطفولة) .

وترى المستشارة النفسية، أن “الطفل قد يتعرض للعنف والشتم، بعد أن يفقد حماية أمه، وقد يصاب بإعاقات ذهنية نتيجة التعامل السيء، ويفقد القدرة على التركيز والتفوق في الدراسة، فضلاً عن فقدان الأمان الأسري، وبهذا يكتسب عادات وسلوكيات سيئة تنعكس على تفاصيل حياته العامة والخاصة، وقد يتعلم الكذب والسرقة، ويصبح عرضة للتحرش الجنسي نتيجة الإهمال وانشغال الأب الحاضن بالعمل دائما”.

وعن رأيها بفقدان الطفل بعمر (1-3) سنوات لحضانة أمه تقول إخلاص:” استبعاد الأم في هذا العمر قد يؤثر على مراحل النمو، كتأخر النطق وطول القامة، وكلها مرتبطة بأسباب نفسية، ويعاني الطفل من سلوك العناد والكآبة والانعزال، بل يرفض الطعام والشراب، وفي المستقبل تكون ردود أفعاله عنيفة وهجومية، وقد يمرض من قلة النوم أو يفكر بالانتحار حين بلوغه سن المراهقة”.

وتختم مستشارة الصحة النفسية بالقول: “لا يمكن أن يبتعد الطفل عن حضن أمه، فهي الداعم الوحيد له، ومن لديها القدرة على تعليمه وتهذيبه والوصول به إلى بر الأمان”.

هاجس الخوف مستمر

“أريد أن تبلغ ابنتي الخامسة عشر من عمرها بسرعة قبل ان يتمكنوا من تعديل سن الحضانة، فهي ستختارني أنا بكل تأكيد، كما فعل شقيقها الأكبر منها” تقول هذا حنان عبد الكاظم حسن (31 سنة)تسكن حي الجامعة في بغداد، وتدير متجراً للملابس، مطلقة منذ 2011، ولها أبنة بعمر 14 سنة وابناً بعمر 16 سنة، حصلت على حضانتهما منذ طلاقها، وخاضت تجربة وصراعاً مريرين من أجل حضانة ابنتها.

والقصة وفقاً لروايتها، أنها سافرت الى تركيا في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2021 من اجل شراء بضاعة جديدة لمتجرها، وبعد سفرها بيومين اتصل بها طليقها، ليخبرها بأنه يرغب باصطحاب ابنته والتي كانت موجودة حينها في منزل والدتها، أي جدة الفتاة.

تقول حنان: “وافقت على ذلك لأنه أخبرني برغبة أمه برؤيتها، ومن الطبيعي أن تحظى ابنتي ببعض الوقت مع أسرة أبيها، ووعدني بإعادتها الى بيت والدتي بعد ساعات ليتسنى انجاز واجباتها المدرسية، لكن ذلك لم يحصل، اتصلت به عدة مرات ولم يجب على الهاتف، وفي اليوم التالي اتصلت بابني وطلبت منه ان يذهب لبيت والده، ويعود بأخته الى المنزل، ومن هناك اتصل بي ليخبرني بأن اخته قد تزوجت”.

لم تكتف حنان بإقامة دعوى قضائية ضد طليقها لقيامه بتزويج ابنتهما القاصر والتي لم تكن قد تجاوزت عامها الثاني عشر بعد، بل تحدثت عن الأمر في مقابلات تلفزيونية عديدة، وحظيت بدعم منظمات مجتمعية تدافع عن حقوق الطفل والمرأة، وتحولت مأساتها الى قضية رأي عام.

وبعد شهر من مساعيها الحثيثة، والتفاعل الشعبي معها، تدخل رئيس الوزراء العراقي آنذاك مصطفى الكاظمي في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وأعاد إليها ابنتها.

والان بعد مرور أقل من سنتين على تلك الواقعة، ماتزال حنان تعيش هاجس الخوف من أن تفقد ابنتها مجدداً وهذه المرة بالقوة: “أبنتي تم تزويجها بعقد سيد، خارج المحكمة، ووالدها وزوجها المزعوم يسعيان لتصديق عقد الزواج في المحكمة، وعلى الرغم من أنني أعدتها الى المدرسة، واخضعتها لمرحلة علاج نفسي، إلا أن مخاوفنا مستمرة من يتم تعديل المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية، ويقللوا مدة حضانة الأم أو اسقاط حضانتي لها بتصديق عقد الزواج”.

تضع يديها على وجهها ثم تمدهما أمامها وتقول بتصميم “لن أتخلى عن ابنتي مهما كلف الامر، كما لن أقبل بأن تكون ضحية لأعراف بالية تسمح بزواج القاصرات”.

القانون العراقي والنساء !

هالة صباح مهدي (41 عاما) طبيبة اختصاص أنف وأذن وحنجرة، تسكن في منطقة الكرادة وسط بغداد، لم تحصل على الطلاق إلا بشق الأنفس، فعلى الرغم من خلافات زوجية حادة عاشتها بمرارة مع شريكها لكنها لم تفكر بالانفصال إلا بعد ان هجرها ليعيش في المانيا، وهذا التحول كان “القشة التي قصمت ظهر البعير” وفقا لتعبيرها.

تقول هالة: ” لم أحصل على الطلاق بسهولة، فالمحاكم العراقية لا تتعاطف مع رغبة المرأة، ولابد من وجود سبب قهري كالتعنيف الذي يصل بها الى غرفة العناية المركزة في إحدى المستشفيات”.

واجهتْ الطبيبة أعباءً شتى وكان أشدها كما تقول: “الاستغلال المادي للمحامين، والطرق الملتوية التي يلجؤون اليها، وقد تصل حد التزوير من أجل الحصول على الطلاق”.

استمرت معاناتها برغم أنها أخبرت القاضي بأن زوجها مقيم خارج العراق، لكنه حضر فجأة ذات يوم ومثل أمام القاضي في واحدة من جلسات الدعوى، تقول عن ذلك:”كانت حركة انتقامية، فقد أخبر القاضي بأنه لم يهجرني، وأنه مقيم في العراق، وهنا عدت إلى المربع الأول”.

لم تحصل هالة على الطلاق من المحكمة، ولجأت الى رجل دين علّه يكون عوناً لها لكن(السيد) أخبرها بأنه “لا يستطيع مساعدتها مادام زوجها لا يرغب بالطلاق”.

بعد عامين ونصف العام من المحاولات المستمرة اتفقت مع زوجها على الطلاق شريطة أن تتنازل عن حقوقها الشرعية والقانونية، تواصل هالة حديثها بالقول: “أدركت زيف حقوق المرأة في بلدي، وكل ما سمعته عنها مجرد شعارات رنانة غير موجودة على أرض الواقع، حصل الطلاق في نهاية عام 2016، ومنذ اللحظة الأولى وجدت نفسي انتقل من مأزق الطلاق الى دوامة الحضانة”.

أنجبت ولداً واحدا قبل طلاقها وهو الآن في السابعة من عمره، لكنها مازالت تعيش قلقاً متواصلاً لأن طليقها يهددها بسلب الحضانة منها لأنه يحمل الجنسية الألمانية، ومع أن ذلك قد لا يعني شيئاً لأنها تعيش في العراق وتسري القوانين العراقية عليها وعلى طفلها إلا أنها لا تستطيع التخلص من أفكار تراودها في أن يتم تعديل سن الحضانة فيفصلها عن أبنها أو أن يقوم ذات يوم بأخذه معه إلى المانيا دون علمها.

حملت مخاوفها هذه الى المحكمة، لكنها لم تحصل على إجابة شافية، فأنظمت إلى المعارضات لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية وقابلت شخصيات سياسية وبرلمانية وقضاء معبرة في كل مرة عن قلقها العميق من القراءة الأولى لمجلس النواب لتعديل القانون.

تقول هالة بعد اطلاعها على قصص أمهات غيرها: “الكثيرات منهن تعرضت للعنف والاهانة والإساءة، وفوق كل ذلك يعشن فقراً مدقعاً، انا طبيبة ذات مكانة اجتماعية وإمكانية المادية جيدة جداً وتعرضت الى كل هذا، فكيف يكون حال النساء المعدمات في ضل مجتمع وقوانين تساند الرجال؟”.

حلول في مصلحة الرجال

لينا علي (32 سنة) من أهالي بغداد، متزوجة منذ 2012 تقول: “عانيت من التعنيف وقلة الاحترام، في مطلع عام 2019 قررت الانفصال لكن زوجي رفض ذلك إلا في حال تنازلت له عن حق حضانة أطفالي”.

بعدها بأشهر قررت لينا الانفصال عن زوجها دون طلاق، وانتقلت مع طفليها (دارين 9 سنوات، ويوسف 5 سنوات ) للسكن في بيت أهلها، وبعد مدة وتحديداً في شهر أيلول،سبتمبر2019، طلب منها زوجها أن يأخذ الطفلين للبقاء معه عدة أيام في منزله، لكنه في الحقيقة كان يخطط للسفر بهما الى تركيا، تضيف لينا: “القانون يمنح الأب حق السفر مع أولاده، دون الأم التي إن سافرت مع أبنائها ستتعرض للمساءلة، وقد تُمنع من السفر  بدون وكالة من الأب”.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 رفعت لينا دعوى قضائية، وحصلت على حكم يقضي بإلزام الأب بإعادة الطفلين اليها. لكن معركتها للحصول على الطلاق مازالت مستمرة، وتصر على القول أن الحلول كلها في مصلحة الرجال دون النساء ” لأن المجتمع ذكوري”..

وتستدرك: “حتى وإن حصلت على الطلاق فسابقى كغيري من النساء في حالة من الترقب والخوف من محاولات تعديل سن الحضانة، وهذا ما دفعني إلى الخروج في تظاهرات النساء، والمشاركة بندوات واجتماعات معارضة”.

ثم قالت بغضب وهي تهتف كأنها في واحدة من مظاهرات الاحتجاج:” لن يأخذوا مني  دراين ويوسف إلا إذا داسوا على جثتي”.

يترقب الكثير من الآباء المطلقين إقدام مجلس النواب العراقي على قراءة مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية خلال الدورة الحالية، لكنهم يشكون في ذلك، لأنهم يعتقدون بان أعضاء مجلس النواب المؤيدين لهم يستخدمون قضيتهم في الدعاية الانتخابية.

يقول نزهان مصطفى غازي(42 سنة)مهندس معماري من بغداد، أن تعديل قانون الأحوال الشخصية “يظهر على السطح مع اقتراب كل انتخابات برلمانية، وينشط مرشحون للحديث عن مظلوميتنا، ويطلقون الوعود بإنصافنا بمجرد فوزهم بالمقعد البرلماني، لكن بمجرد أن يفوزوا يلتزمون الصمت ويتجاهلوننا تماماً”.

تفرق نزهان عن زوجته قضائياً سنة 2014، ولديه طفلان دون الخامسة عشر من العمر يعيشان مع والدتهما، وهو مستاء من مسألة المشاهدات بأوامر قضائية: كيف يمكن أن يحسبوا لي وقتا من أجل مقابلة أطفالي أي إنسانية في هذا؟ إنه ظلم وجريمة يقترفها القانون بحقنا، في وقت كان يفترض به أن يقف إلى جانبنا نحن الآباء”.

ويتساءل مستغرباً: “لماذا يتم الافتراض دائما بأن الأب مخلوق سيء ولن يقدر على رعاية أطفاله؟، وهذا هو الأساس الذي يتعامل به القانون معنا، أننا الطرف غير الموثوق به في المعادلة، ثم كم 15 سنة في عمر الإنسان، حتى يقضيها منتظراً احتضان ابنه او ابنته؟”.

ثم يقول بأنه يعرف جيداً أن أعضاء مجلس النواب سيتجاهلوننا حالياً، لأن القراءة الثانية لتعديلات القانون او اقراره سيدفع منظمات دولية تدعي الدفاع عن حقوق النساء لتوجيه الانتقادات اليهم” لكن ذلك لن يوقفنا وسنستمر بالمطالبة بتخفيض سن الحضانة، مادام لا يخالف الدين ولا القانون، نحن نطالب بحقوقنا لا غير”.

 

  • أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ونشر على رصيف 22.

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20836}" data-page="1" data-max-pages="1">