تحليل: “الحرير” و”التنمية”..  طريقان للوصول إلى “اللا شيء”

“الحرير” و”التنمية”..  طريقان للوصول إلى “اللا شيء”

مضى طريقا "الحرير" و"التنمية" على أرض مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام كمنقذين للعراق كلّه.. لكن ثمة أسئلة عديدة ومتشعّبة لم يُجبْ عليها أحد، وهناك تناقضات وتقلّبات تثير شكوكاً عديدة.. عن طريقين أمام العراق للوصول إلى "اللا شيء"..

علي خنجر/  حزيران يونيو 2023:

مضى طريقا “الحرير” و”التنمية” على أرض مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام كمنقذين للعراق كلّه.. لكن ثمة أسئلة عديدة ومتشعّبة لم يُجبْ عليها أحد، وهناك تناقضات وتقلّبات تثير شكوكاً عديدة.. عن طريقين أمام العراق للوصول إلى “اللا شيء”..

في التاسع والعشرين من أيار، ومن على قناة العراقية الحكومية، نسف رزاق محيبس، وزير النقل العراقي التابع لفصيل بدر المسلح، خمس سنوات من الجهود الإعلامية والخطابية الجبّارة لأصدقائه من الفصائل المقربة من إيران.

كان الحوار مخصصاً لمشروع “طريق التنمية”، وفي سياق مدحه المشروع، ألغى طريقاً آخر كان واحداً من مبرّرات القتل الجماعي الذي مارسه أصدقاؤه بحق المتظاهرين أواخر عام 2019، وهو “طريق الحرير”.

تحدث محيبس بقطعية لا لبس بها، ونفى وجود أية أوليات في وزارته عن المشروع الصيني الوحش. نفى أيضاً أن تكون الصين دعت العراق للتفاهم بشأنه أو أرسلت له مذكرة أو عقدت معه اتفاقاً، ما يتنافى تماماً مع سيل المواقف الرسمية والسياسية التي سبقت تصريحات محيبس، كتصريح مدير عام الموانئ بوزارته في كانون الأول 2021 إذ قال إن “ميناء الفاو جزء من طريق الحرير”، وتصريحات سلفه ناصر الشبلي بأن العراق سيكون محطة رئيسة بمشروع الطريق الدولي البري والبحري “طريق الحرير”.

سبق “محيبس” ومقابلته التلفزيونية، بيوم واحد، نحو عشرين شخصاً، تظاهروا في ساحة التحرير البغدادية، يتقدّمهم حسن سالم النائب عن كتلة صادقون التابعة لفصيل “عصائب أهل الحق”، وسعود الساعدي، النائب عن فصيل “كتائب حزب الله”.

احتجّ هؤلاء على تبني حكومتهم التي يرأسها محمد شياع السوداني مشروع طريق التنمية، بحجة الإضرار بالمشروع الأهم: طريق الحرير والاتفاقية الصينية. وكان حسن سالم وصفَ المشروع بالانتحار السياسي قائلاً بأنه تفريط بفرصة الارتباط “بمبادرة الحزام الاقتصادي للحرير” حسب تعبيره، وجازماً -وكل هذا بتغريدة واحدة على تويتر- بأنه نتيجة ضغوط وإملاءات أمريكية.

القصة رقم 1 “الحرير“

تعود تسمية “طريق الحرير” بصورة فعليَّة إلى الطرق البرية والبحرية التي تربط آسيا بأوروبا. واشتق الاسم من التجارة المربحة في الحرير والخيول التي نَمَت على طول هذه المساحات الشاسعة من العالم.

صبّت الإمبراطورية الصينية تركيزها خلال الفترة (207 ق. م حتى 220م) على تنمية طرق التجارة المارة في آسيا الوسطى، حيث كانت أوزبكستان الحالية بمدينتيها الشهيرتين بُخَارَى وسَمَرقَند ومنطقة آسيا الوسطى مركزاً لطريق التجارة العالمي الأوَّل.

ولعبت شبكة هذه الطرق دوراً في تنمية العلاقات السياسية والاجتماعية وسهّلت تبادل الثقافات بالإضافة للبضائع، كما أنها كانت مسلكاً لمرور الأمراض أيضاً، كالطاعون الذي ضرب آسيا وأوروبا في الفترة بين 1346 – 1353 م.

العودة إلى الحياة

عام 2013 أعلن شي جين بينغ، الرئيس الصيني، عن إنشاء ممر تجاري مزدوج جديد لإعادة فتح القنوات بين الصين وجيرانها في الغرب، وعلى الأخص: آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأوروبا، تحت عنوان “الحزام والطريق”.

ووفقاً لخطة عمل المشروع، والذي بات يُعرف باسم “طريق الحرير الجديد”، الصادرة عام 2015، تهدف المبادرة إلى تحسين العلاقات التجارية في المنطقة من آسيا الوسطى لأوروبا، من خلال استثمارات البنية التحتية.

في خطابٍ ألقاه في جامعة الدفاع الصينية عام 2013، قال شي جين بينغ إن مبادرة “حزام واحد وطريق واحد” لبلاده هي “استراتيجية ضد تحرّك الولايات المتحدة شرقاً نحو آسيا”.

ببساطة، يمثل المشروع طُموحاً صينياً صريحاً بإعادة تشكيل المشهد الجيو سياسي بالمنطقة والعالم لمصلحتها، في محاولة لمزاحمة النفوذ الأمريكي بالمناطق التي تعتقد أن بإمكانها منافسة واشنطن بها، خصوصاً مع سيطرة الولايات المتحدة على طرق التجارة الأهم في البحار والمحيطات من خلال أساطيلها البحرية.

الحرير في التحرير

بدأت قصة الحرير العراقية خلال عهد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق. حضّرت الآلة الإعلامية الرأي العام منذ توليه المهمة في تشرين الأول 2018 حتى زيارته إلى الصين وتوقيعه 8 اتفاقات ومذكرات تفاهم معها في أيلول 2019.

كان أبرز اتفاق فيها هو “الائتمان الحسابي”، الذي يكفل النفط مقابل الإعمار باستقطاع 100 ألف برميل يومياً إلى الصين، مقابل تنفيذ الشركات الصينية مشاريع في العراق، وهذا حسب الرواية الحكومية.

مطلع تشرين الأول الذي تلاها، انفجرت التظاهرات العراقية بوجه عبد المهدي وحكومته والعملية السياسية، واشتدّت أكثر مع القمع المميت الذي واجهته. حينها كانت تُساق الاتهامات للمتظاهرين ومن أبرزها أنهم أدوات وعملاء للولايات المتحدة، يفعلون ما يفعلونه لإفشال الاتفاقية الصينية وقطع طريق الحرير.

صوّر دعاة الاتفاقية الصينية أنها المنقذ الأكبر للاقتصاد العراقي وللبنية التحتية، وسوّقوا أن واشنطن تعمل ليل نهار لإخراج العراق من طريق الحرير، وأن الصينيين على استعداد لفعل أي شيء من أجل إتمام الاتفاقية مع العراق، والحقيقة أن 100 ألف برميل نفط لا تساوي شيئاً، إذ يتجاوز متوسط استيرادها 10.5 ملايين برميل يومياً، وتستهلك ما يزيد على 13.5 ملايين خلال اليوم الواحد.

في سياق التسويق الجبّار للاتفاقية، رُبِط كلّ شيء بها، كل المشاريع، في شتى المجالات، ووضع سياسيون من قادة الفصائل المُقربة من إيران خصوصاً، بالإضافة للاتفاقية الصينية، وضعوا الخراب خياراً آخر، أو هذا ما سوقوه.. لكن خَيراً آخر ظهر في ظل حكومتهم التي يقودها محمد شياع السوداني يتمثل بطريق التنمية.

القصة رقم 2 “التنمية“

في 27 أيار، أعلن العراق خلال مؤتمر حضره ممثلو 10 دول، عن مشروع “طريق التنمية” وهو طريق بريّ يربط الإطلالة البحرية العراقية في أقصى جنوبه بأقصى شماله ويرتبط، من هناك، بطرق أخرى تمتد حتى موانئ تركيا، ويتكون المشروع من قناتين: سكك حديد لنقل البضائع بسعة 3.5 ملايين طن في المرحلة الأولى بطموح الوصول إلى 7.5 ملايين طن بمرحلة ثانية، وطريق بري بالتوازي، ينطلقان من ميناء الفاو قيد الإنشاء.

ظهر اسم “طريق التنمية” لأول مرة خلال زيارة محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا، في آذار 2023، وتحديداً في مؤتمر صحفي مشترك مع رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، لكن الجديد في المشروع كله هو اسمه فقط، حيث تظهر وثائق من الشركة العامة للسكك الحديد في وزارة النقل أن العقد وُقِع في كانون الأول 2021 وبدأ العمل به منذ حزيران 2022.

تسوّق حكومة السوداني بأن الطريق سيكون فرصة للاقتصاد المستدام غير النفطي: سيوفر المشروع 100 ألف فرصة عمل في البدء وسترتفع الفرص إلى مليون، وسوف يدرّ حوالي 4 مليارات دولار ونصف من الإيرادات، كل ذلك بتكلفة تتجاوز 17 مليار دولار.

مضى المؤتمر الذي عُقد في العاصمة بغداد من دون الالتفات للشركات الرائدة عالمياً في مجال النقل التجاري، ولم يتّضح ما إذا كانت الحكومة نسقت في سبيل ذلك أم لا، كما لم يتّضح الموقف التركي أو السوري الصريح من المشروع، خصوصاً في ظل خطورة ووعورة المناطق الحدودية التركية التي من الممكن أن يمر بها الطريق، حيث يخوض الجيش التركي هناك، وحتى في الداخل العراقي، حرباً مفتوحة مع تشكيلات حزب العمال الكردستاني المعروف بـ(PKK) والشيء نفسه ينطبق على سوريا، حيث تنقسم المناطق التي من الممكن للطريق أن يمر بها وصولاً للحدود التركية شمالي سوريا أو لميناء طرطوس-في حال كان ماضياً نحو طرطوس أو ماراً بسوريا أصلاً- تنقسم بين جهات عديدة ومتناقضة كقوات سوريا الديمقراطية وبعض تشكيلات المعارضة السورية والنظام بقيادة بشار الأسد، وكل هذا في ظل عقوبات دولية حادّة على سوريا. وليس مضموناً أن بغداد ستسيطر على منافذ الطريق الجديد الحدودية، حيث تعجز عن ذلك منذ 20 سنة، وخصوصا تلك التي تقع في إقليم كردستان.

ليست جدوى المشروع واضحة، وليست دراستها التي أعدتها وزارة النقل وتسرّبت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا تتجاوز صفحة ونصف الصفحة، كافيةً لمشروع ضخم كالذي تتحدث عنه الآلة الإعلامية الحكومية، كما أنها لم تتطرق بتسويقها للمشروع إلى الاتفاقية الصينية أو الطريق الآخر -الحرير-.

البناء في مواقع التواصل

مضى الطريقان على أرض مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، كمنقذين للعراق كلّه، وتقاطعا في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام أيضاً، كخصمين يجيء الأول من الصين فيجد أنصاراً مدجّجين بالسلاح والقداسة، ينصرونه على حساب الضحايا مسلمي الإيغور، ويمضي الآخر بأنصار من النوع المدجّج بالسلاح والقداسة أيضا، لكن على أرض الواقع ليس الطريقان حلاً للمشكلة العراقية العصيّة على القياس، وواحدة من أوجهها قادته المتناقضون الكُثر، الذين حتى وإن اجتمعوا فكل ما سيخرجون به هو الطموح لأن يكون العراق مجرد شيء على الطريق، ممراً لتجارة الآخرين وصناعاتهم وتكنولوجياتهم.

تتلخص فكرة هذا النوع من التناقض في العراق بشيء واحد فقط: المصلحة، حيث تخمد الحروب الإعلامية وقد تتحول صواريخ الكاتيوشا إلى تغريدات تويتر لطيفة اللغة بمجرد تحقق “مصلحة”.

* انجزت المادة من قبل شبكة “نيريج” ونشرت على موقع “جمار”

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20686}" data-page="1" data-max-pages="1">