تقارير سردیة: في ظل تداعيات كورونا وقوانين غير منصفة .. نساء يطلقن مشاريعهن الخاصة أملا في الاستقلال الاقتصادي

في ظل تداعيات كورونا وقوانين غير منصفة .. نساء يطلقن مشاريعهن الخاصة أملا في الاستقلال الاقتصادي

سعاد عبدالقادر قاسم/ كانون الثاني يناير 2023:

في أوج حمى انتشار فيروس كورونا في آذار مارس 2020، كانت الإغلاقات قد شلت الاقتصاد العالمي، ووصلت تأثيراتها المدمرة الى اقليم كردستان، وجدت سناء رسول (37 عاماً) نفسها بلا عمل بعد أن أبلغتها ادارة شركة الاتصالات التي قضت فيها خمس سنوات الاستغناء عن خدماتها، في ذات الوقت الذي فقد فيه زوجها عمله.

كان خبراً كارثياً لمواطن متوسط الدخل بلا مدخرات، تلاحقه قائمة طويلة من المتطلبات المعيشية وفي ظل أزمة عالمية لا يجد فيها حتى أصحاب الخبرات العالية فرص عمل. ذلك الواقع كان يتطلب تحديا خاصا لتحويله الى فرصة لحياة أفضل، وهو ما فعلته.

بعد نحو عام من ذلك التاريخ انقلبت الأمور لصالح السيدة الكردية التي تعيش في مدينة رانية التي تتبع السليمانية، بعد أن أسست مشروعها الخاص بتدريب النساء على سياقة السيارات، وحققت نجاحا لم تكن تتوقعه.

مئات النساء الأخريات في اقليم كردستان والعديد من المناطق العراقية، بحسب تقديرات لمنظمات محلية، حولن ظروف الحظر والبطالة الى فرص لتحسين حياتهن باقتحامهن مجالات عمل لم يكن يخططن لها، رغم تحديات ظروف العمل وغياب القوانين الساندة، مدفوعات بأهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة الذي لا يرتبط بتأمين حاجاتها المالية وضمان استقرارها النفسي بل أيضا بدورها داخل المجتمع والدولة.

تقول سناء: “طوال أشهر لم تفلح كل محاولاتي لايجاد عمل، الحظر وخوف الناس من العدوى اثر على مجمل الانشطة والاعمال، لم يكن امامي خيار غير أن اجرب العمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم فيديوهات تعليمية في مجال اتقنه وهو السياقة”.

حظيت منشوراتها تلك باهتمام آلاف المتابعين. ومع تخفيف اجراءات الحظر في آب اغسطس 2020 اقتحمت دون تردد عالم تدريب النساء على قيادة السيارات بإحدى مكاتب تعليم السياقة في اربيل، لتدخل مجالا ظل لعقود حكرا على الرجال ولتفتح الطريق امام نساء آخريات.

سناء اليوم تخطط لفتح مكتبها الخاص بتدريب النساء على السياقة بعد حصولها على قرض مالي، تقول “أعاد لي هذا العمل الثقة والأمل من جديد، وجعلني اكتشفَ قدراتي، احيانا نستمد القوة من ظروفنا الصعبة”.

نساء غيرن حياتهن

خلال جائحة كورونا التي امتدت تأثيراتها لنحو عامين، وفي حين استسلمت نساء لواقع خسارة وظائفهن، كن أخريات مع الاصرار والطموح المدعوم بالقدرات التي يمتلكنها، يفتحن عوالم جديدة وينخرطن بوظائف او يطلقن أعمال خاصة بهن.

ليلى يوسف (28 عاما) التي تخرجت من كلية الزراعة، وحصلت على منحة في بريطانيا لاكمال دراستها العليا، قبل ان تحول اجراءات الاغلاق أمام تحقيق هدفها، رفضت فكرة الجلوس لسنوات في انتظار منحة جديدة، واطلقت مشروعها الخاص بزراعة انواع مميزة من الازهار ونباتات الزينة، مستغلة قطعة ارض بجانب منزلها في محافظة اربيل.

تقول ليلى، التي شعرت بالصدمة عقب الغاء المنحة الدراسية التي حصلت عليها بعد سنوات من التدريب والمتابعة، انها قررت استثمار ما تملكه من معلومات وخبرة في مجال تخصصها “أطلقت مشروعي الذي حظي بإقبال جيد رغم صغره، نظرا لقلة هكذا مشاريع، ولرغبة الكثير من الناس بشراء باقات الازهار الطبيعية التي يتم تغليفها وترتيبها وفق ذوق وطلب الزبائن”.

صديقات ليلى ساعدنها على انجاح مشروعها بالمساهمة في الترويج له، الى جانب متابعي حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي وصلت الى اكثر من عشرة الاف متابع .

ظروف الاغلاق بسبب كورونا وحالة التوجه عالميا نحو العمل من المنزل، والتي جاءت متزامنة مع تزايد كبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل العراقيين للحصول على الأخبار والمعلومات والتسلية كما الاطلاع على تجارب مميزة فضلا عن التسويق للمشاريع المختلفة، دفعت بفتيات وسيدات كثر في كردستان الى الاستفادة منها لاطلاق مشاريعهن الخاصة.

نارين اسعد (36 عاما) التي تعيل عائلة مكونة من خمسة افراد، خسرت خلال الجائحة عملها في شركة سياحية بالسليمانية، وبالتالي مردود مادي اساسي كانت تعتمد عليه، واجهت الواقع الصعب بفتح متجر لتسويق السلع النسائية على شبكات التواصل الاجتماعي.

تقول: “لقد تأثرنا كثيرا بالاغلاق ولم نعد نملك ما يكفينا لنعيش بكرامة، بحثت عن فرصة عمل في الكثير من الجهات دون جدوى، حينها قررت العمل في مشروع تسويقي يركز على بيع الملابس والاكسسوات النسائية”.

تضيف :”في البداية لم اوفق وواجهتني صعوبات كثيرة، لكن مع استمرار حالة الاغلاق وتزايد حاجة الناس الى السلع عبر الاونلاين بدأت الامور تتحسن وتمكنت من توسيع عملي، والآن انا ادير متجرا وبين فترة واخرى نعرض بضائعنا واعمال يدوية في البازارات التي تقام في السليمانية واربيل ودهوك، والتي تشهد اقبالاً واسعاً”.

تؤكد نارين، ان ما حصل غير حياتها تماماً، ووفر لعائلتها أمانا نفسيا وماليا طالما حلمت به. وتردد وهي تبتسم “رب ضارة ناقعة”.

النجاح محكوم بالإمكانيات والظروف

في ظل أجواء الحجر الصحي، أطلقت عشرات النساء مثل نارين اعمالهن وانشطتهن في العالم الافتراضي (اونلاين) ساعدهن في ذلك دعم العائلة داخل المنزل، لكن نساء أخريات انقطع مصدر دخلهن بشكل كلي، ولم تتوفر لديهن الامكانات لاطلاق مشروعاتهن او ايجاد فرص عمل تناسبهن عبر الانترنت في ظل جملة تعقيدات تفرضها رعاية الاطفال.

وبرز جانب آخر من الاشكالات خلال الجائحة تمثل في عدم وجود قوانين واجراءات تحمي العاملات في القطاع الخاص اللواتي وجدن أنفسهم بدون عمل في ظل غياب العقود التي تنظم العمل او عدم الالتزام بها.

هلات عمر (38 عام) التي عملت محاسبة في احدى الشركات التجارية، تقول “أنا كأم عاملة، لم اتمكن من مواصلة العمل في ظل عدم توفر المكان الملائم والآمن لأطفالي الصغار الذين وجدوا انفسهم في البيت بعد اغلاق المدارس، ولم يتوفر لديهم مكان عند أهلي خلال ساعات عملي”.

وتشير إلى أن كثيراً من النساء اللواتي تعرفهن اضطررن مثلها إلى ترك العمل لرعاية أطفالهنّ، وكبار السن من العائلة، نظرا لتوقف العمل في جميع  دور الرعاية التي كانت تتيح للأمهات فرصة الذهاب للعمل او فسح المجال امامها للقيام بالعمل من البيت. وهي مشكلة لم تساهم السلطات في ايجاد حلول لها.

توافقها نوال عزت (46 عاما)، وهي عاملة في معمل لخياطة الملابس والمفروشات وام لثلاثة أطفال.

تم الاستغناء عن خدمات نوال مع بدء انتشار الجائحة، لتجد نفسها وسط العديد من الضغوط النفسية والاقتصادية. تقول: “كنت اعمل في الصباح الى حين عودة الاطفال من المدرسة، وكانت الامور تسير على نحو جيد نسبيا، لكن مع توقف الدراسة اصبحت ملزمة بالبقاء في المنزل لرعاية الأطفال، حاولت ان اعمل في مجال الخياطة في المنزل لكن متطلبات البيت والأطفال كانت عائقاً امامي”.

تؤكد المحامية والناشطة المدينة سيران احمد (31 عاما) ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية الصعبة التي افرزتها جائحة كورونا، و في ظل ماتم اصداره من قرارات الحظر الشامل والجزئي التي فرضت تواجد جميع أفراد العائلة معظم الوقت في المنزل “زادت من الجهد والضغوطات النفسية على العديد من النساء العاملات اللواتي خسرن اعمالهن، الى جانب تعرض بعضهن الى العنف الأسري في ظل تواجد الرجال في البيت”.

لا ضمانات قانونية للعاملات

لا تتمتع النساء العاملات في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي في العراق بالمزايا والضمانات التي يوفرها القطاع العام، رغم وجود نصوص قانونية تؤكد على ضمان الكثير من تلك الحقوق والاستحقاقات، إلا أن ضعف الرقابة واستغلال الكثير من اصحاب الاعمال للظروف والأوضاع الاقتصادية، يحول دون تطبيق ذلك، خاصة في فترة الازمات.

فاطمة حسين (50 عاما) عاملة تنظيف في احدى الفنادق بمدينة دهوك، تم تبليغها مع بدء الحظر بالاستغناء عن خدماتها عبر اتصال هاتفي، ودون ان يُقدم لها اي تعويض مادي او ضمان للعودة للعمل من جديد بعد تحسن الاوضاع. تقول “بعد عشرة سنوات من الخدمة وجدت نفسي بدون عمل. لم يسأل احد: كيف لي ان اعيل اطفالي؟”.

تضيف السيدة: “العمل بالقطاع الخاص في ظل غياب رقابة ومتابعة الجهات المعنية يشكل خطورة علينا ويحرمنا من ابسط حقوقنا، لكننا لا نملك خيارا غيره”.

وترى المحامية سيران ان المشكلة “ليست في غياب القوانين العادلة التي من شأنها حماية حقوق العاملين والعاملات في القطاع الخاص، وانما في تنفيذ هذه القوانين من قبل اصحاب الاعمال والتحايل والاستغلال الذي يمارسونه في ظل الروتين السائد، وما ينطوي عليه من استنزاف للمال والوقت والجهد في المؤسسات الحكومية وخاصة المحاكم في حالة المطالبة بالحقوق والمستحقات، وهو ما يدفع الكثير من العاملين الى عدم المطالبة بحقوقهم”.

تؤكد ذلك المحامية ئافا نعمان، مبينةً ان خروج بعض الشركات من سوق العمل بسبب حالة الركود الاقتصادي انعكس على النساء بشكل خاص اللواتي كن يعملن بتلك الشركات، الى جانب وجود اعداد كبيرة من النساء العاملات في القطاع غير الرسمي.

وتضيف :”مع الغاء الحظر لم تجد الكثير من النساء فرص عمل للعودة من جديد الى سوق العمل، الامر الذي ساهم بزيادة معدلات البطالة”.

وتنبه ئافا الى ان قانون العمل العراقي لا يتطرق في بنوده الى ما يحمي العاملات في هكذا ظروف، مقترحة اضافة مواد “تُمكن العاملات من التفاوض مع اصحاب العمل في حالات الأزمات والظروف القاهرة والاحداث المفاجئة، لخلق حالة من التوازن بين مصالح كلا الطرفين، وفي حال تعذر ذلك يتطلب الامر تحويل المشكلة الى القانون”.

في هذا الصدد يقول مدير قسم العمالة المحلية في مديرية العمل كامران احمد ميرزا، ان مديريته تتابع أوضاع العمال في القطاع الخاص وتجري مقابلات وزيارات مع أصحاب وصاحبات الاعمال عن قرب من خلال جولات التفتيش الدورية للتأكد من تطبيق القانون والالتزام بضمان حقوق العاملين.

ويضيف:”نحن نتابع حقوقهم واستحقاقاتهم من رواتب شهرية واجور عمل الساعات الإضافية، والحق في العطل والاجازات، ونؤكد على اهمية الالتزام بها”.

ويستدرك ميرزا:”لكن جميع أصحاب الأعمال لا يلتزمون بذلك، خاصة في ظل حاجة الكثير من العاملين الى ذلك الراتب”، مبينا أنهم يتلقون شكاوي قليلة في هذا المجال.

المشاركة الفعلية للنساء بسوق العمل

تظهر الأرقام العالمية ان النساء العاملات هن الضحية الأكبر للأزمات، فرغم أن النساء يشغلن 39% فقط من اجمالي الوظائف على المستوى العالمي، إلا أنهن تحملّن الخسارة الأكبر بسبب الجائحة، إذ تكبَّدن 54% من إجمالي الوظائف المفقودة بحسب منظمة أوكسفام الدولية.

وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن النساء حول العالم فقدنَ مايقارب  64 مليون وظيفة في عام 2020، وبهذا كلفت هذه الجائحة النساء حول العالم 800 مليار دولار، وهو ما يساوي الناتج المحلي الإجمالي لـ98 دولة مجتمعة وفقًا لمنظمة أوكسفام.

وفي العراق حيث تبلغ نسبة النساء نحو 49 بالمئة من إجمالي السكان، ومع حقيقة ان فرصهن في سوق العمل بقيت ضئيلة طوال العقود الماضية إذ لا تتجاوز نسبة النساء العاملات بحدود 15% وفقا لاحصائيات منظمة العمل الدولية لعام 2022، غالبيتهن في القطاع العام، فان الجائحة اثرت على أعداد النساء العاملات.

تتوافق هذه الاحصائيات مع نتائج المسح الذي قامت به منظمة العمل الدولية ومؤسسة فافو النرويجية لأبحاث العمل والدراسات الاجتماعية نهاية عام 2020 بالتعاون مع مجموعة العمل الخاصة بالدعم المالي للمستحقين في العراق (CCI). ضم المسح  أكثر من (3000) أسرة ونحو (1100) منشأة لمعرفة أوضاع أسواق العمل وأوضاع المنشآت الصغيرة الحجم في ظل جائحة كورونا.

وقد أظهر ارتفاع معدلات البطالة بين النساء والشباب، فضلاً عن ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم، كما وصلت نسبة المسرًحين إلى ما يقارب (36%) في الفئة العمرية (18-24) عاماً.

وبلغت نسبة بطالة النساء في العراق ككل نحو 30% نهاية العام 2022 بحسب وزارة العمل العراقية. اما في اقليم كردستان فان معدل مشاركة النساء في القوى العاملة تعد من أدنى المعدلات في العالم بنسبة لا تتجاوز 14%.

وفي هذا الصدد يبين كامران احمد ميرزا ان معدلات البطالة اخذت تتزايد، ففي عام 2018 تم تسجيل 474 حالة من بينها 212 حالة بطالة للنساء، لتظهر الزيادة بشكل واضح في عام 2021 حيث تم تسجيل 2837 حالة منها 1120 حالة بطالة للنساء.

اما في العام 2022 “فقد بلغت حالات البطالة 6819 حالة من ينها 2279 حالة بطالة للنساء” بحسب ميرزا.

ووفقا للاحصائيات الصادرة من وزارة العمل في حكومة اقليم كردستان فان نسبة البطالة في محافظة السليمانية قد بلغت 35% منها17% للنساء مقارنة ب 11% للنساء نهاية عام 2019.

تعلق الدكتورة وفاء صباح، المختصة في التنمية الاقتصادية، على تلك الأرقام وأسباب زيادة نسبة تسريح النساء عن العمل، بالقول ان “النساء يشغلن أكثر من نصف الوظائف في ثلاثة من القطاعات الأربعة الأكثر تضرراً من الجائحة، وهي قطاع الخدمات (فنادق ومطاعم)، القطاع السياحي والقطاع الصناعي”.

وتضيف التدريسية في جامعة دهوك:”بالتالي المرأة من أكثر المتضررين، وهي إما ستخسر وظيفتها وإما ستضطر إلى القبول بظروف عمل قد تكون غير منصفة وملائمة لها”.

يضاف الى ذلك ما يرتبط بالعقبات الاجتماعية، فالعادات والتقاليد وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، تدفع باتجاه تحجيم دور النساء في المجتمع عموما وسوق العمل خصوصا، الى جانب ضعف القطاع الخاص في العراق وعدم مساهمته في توفير البيئة الملائمة للعمل بالشكل المطلوب”.

وتنبه الدكتورة نسرين محمد، الى جانب آخر من تأثيرات جائحة كورونا، يتمثل في ان غياب المرأة لمدة طويلة عن سوق العمل وتحولها الى ربة بيت يجعل من الصعب عليها لاحقا ايجاد عمل تعود بها الى السوق.

تقول التدريسية المتخصصة في ادارة الموارد البشرية ان “التطور التكنولوجي يحدث تغيرات عديدة في اساليب العمل وانماطه، كما ان متطلبات السوق تفرض نفسها، ولا بد من وجود تكيف ومواكبة للعاملين معها، الأمر الذي يجعل من المتعذر على الكثير من النساء العودة لسوق العمل والحصول على فرص ملائمة، خاصة مع ما تفرضه متطلبات العائلة من التزامات على النساء”.

الحرمان من الاستقلال الاقتصادي

ويحمل تراجع نسب النساء العاملات، تداعيات كبيرة لا تقتصر على وضعها المالي بل تمتد الى حريتها والى دورها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي، لما للاستقلال الاقتصادي من اهمية، بحسب الباحثة الاقتصادية الدكتورة ندى سعيد التي ترى ان المرأة “لا تتحرر الا اذا تحررت اقتصاديا”.

وتقول ان “تجربة العمل والاستقلال المادي تعطي المرأة دفعة قوية للنهوض بذاتها والتفكير الإيجابي، ويبعدها عن التبعية التي تفقدها القدرة على ادارة شؤون حياتها واتخاذ القرارات الخاصة بها، مما يفسح المجال امامها لمشاركة أكثر فاعلية في الاقتصاد وبالتالي المجتمع والدولة”.

وترى النائبة في برلمان اقليم كردستان هلز احمد بوتاني، ان ذلك الاستقلال يدعم تنمية قدراتها “الأمر الذي من شأنه تغيير الصورة النمطية عن المرأة في مجتمعنا، والمساهمة في احداث التوازن داخل المجتمع”.

وتعتقد بوتاني ان معظم المشاكل التي تحصل في الكثير من العائلات “تعود الى اختلال التوازن بين دور الرجل والمرأة في الاقتصاد”، لذلك تدعو برلمان كردستان الى ايلاء هذا الموضوع اهمية اكبر من خلال اصدار قوانين تحمي حقوق النساء العاملات في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي.

وأفرزت جائحة كورونا بما فرضته من اغلاقات وبالتالي من ضغوطات اقتصادية واجتماعية، حالة من التوتر والخوف على كلا الجنسين، بيد ان الأمر زاد اكثر بالنسبة للمرأة.

صحة النساء والتحدي الاقتصادي

تشرح كبيرة مستشاري الشؤون الجنسانية لدى الأمم المتحدة نهلة فالجي، ذلك بأن حالة عدم المساواة بين الافراد تاخذ مسارا متزايدا ابان الأزمات، وبالتالي تتأثر النساء في جميع أنحاء العالم بشكل أكبر بالآثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة.

وتوضح “النساء يحصلن على اجور ورواتب اقل من الرجال من ناحية، ويدخرن أقل، وهن أكثر عرضة للعمل في وظائف غير مستقرة مع القليل من الأمن أو الحماية، ويزداد الامر سوءاً في القطاع غير الرسمي، الذي لا تتوفر فيه حماية على الإطلاق. هذا الى جانب عملهن في البيت ورعايتهن للاطفال ومسؤولياتهن تجاه العائلة، وهذا يعني أن لديهن قدرة أقل على تجاوز الصدمات الاقتصادية”.

ويؤكد الدكتور عبد الستار عبدالله، وهو اختصاصي علم النفس، بأن “صحة المراة تصبح اكثر هشاشة خلال الأزمات الاقتصادية، فتدهور الوضع المالي للكثير من النساء يقلل من احساس المرأة بالأمان داخل العائلة، لأن فقدان الوظيفة والدخل يزيدان من اعتمادها على الرجل سواء كان زوج او أخ او شخص آخر في الحصول على المأوى والدعم المالي، الامر الذي يثقل كاهلها”.

وتتفق مع هذا التحليل الدكتورة سناء عبدالعزيز، في جامعة الموصل ومختصة بالجانب النفسي، قائلة ان “زيادة حالة القلق والتوتر والآرق نتيجة لما تعيشه النساء في البيت مع ابتعادهن عن وظائفهن، يؤدي الى الاجهاد النفسي”.

وينبه الى ان التوقف عن العمل بالنسبة للمرأة “يزيد من الاضطرابات لديها خاصة في ظل تراكم المسؤوليات عليها في البيت”.

الحقائق التي تظهر أهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة، وتأثيره على دورها في المجتمع والدولة، تفرض على النساء البحث عن فرص عمل حتى في فترات الأزمات والظروف الاستثنائية.

وهو تحدي واجهته مئات النساء في العراق، اللواتي برزن خلال العامين 2020 و2021 عبر اطلاق مشاريع خاصة متخطيات فرص العمل التقليدية، فانطلقت عشرات المشاريع من صناعة الأطعمة والحلويات، مرورا بأعمال الخياطة ذات التصاميم الخاصة، الى الأعمال اليدوية التي تتطلب حرفية مثل الرسم على الزجاج والسيراميك وانجاز اللوحات.

انجز التقرير ضمن مشروع “أما بعد” بدعم من الوكالة الفرنسية لدعم الاعلام cfi

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20149}" data-page="1" data-max-pages="1">