علاج السرطان في العراق: الإشعاع للأغنياء والكيمياوي للفقراء
لا توجد إحصائية دقيقة لمرضى السرطان في محافظة نينوى العراقية التي دمرت حرب تحريرها من داعش بنيتها التحتية الصحية بشكل شبه كامل، ويمنع الفساد وفقر الموازنة الاتحادية إعادة أعمارها
لا توجد إحصائية دقيقة لمرضى السرطان في محافظة نينوى العراقية التي دمرت حرب تحريرها من داعش بنيتها التحتية الصحية بشكل شبه كامل، ويمنع الفساد وفقر الموازنة الاتحادية إعادة أعمارها
يونس عيسى:
يقضي عدي (41عاماً) ساعات عديدة في مستشفى الأورام بمدينة الموصل، ماداً ذراعهُ للحقن بجرعة كيمياوي تغرس إبرتها تحت جلد يدهِ وفي رأسه أفكار محتدمة بشأن المصير الذي ينتظره مع سرطان العظام الذي كشفت الفحوصات إصابته به قبل نحو سنة.
يفعل هذا مرة واحدة كل ثلاثة أسابيع، بحسب جدول طبي أعد لهُ بعد خضوعهِ قبل أشهرٍ لعملية جراحية رفعت ورماً سرطانياً خبيثاً من قفصه الصدري.
مثولٌ موجعٌ لسلطة دوائية “كان بالوسع تخطيها لولا افتقار الموصل لجهاز المعجل الخطي-الإشعاع” يقول عدي مستذكراً.
الشاب العاجز في ظل عدم توفر الجهاز في ثاني اكبر المدن العراقية، حجز موعداً للعلاج في محافظة البصرة أقصى جنوبي البلاد، لكن المكوث لأشهر طويلة بانتظار دوره لم يكن قراراً حكيماً إزاء السرعة التي يمكن أن يتفشى بها السرطان في جسمه، لذا غير وجهته نحو السليمانية في شمالي شرق البلاد وهنالك أيضاً كان عليه الانتظار لنحو ثلاثة أشهر ليحظى بعلاج إشعاعي.
“أدفع 1000 دولار إضافية لتحصل على موعد قريب” هي خلاصة تجربتهِ التي أتت من تجواله المكوكي بين المستشفيات الأهلية والحكومية في طول البلاد وعرضها.
ولأنه غير قادر على تحمل الكلف الباهظة التي يمكن لجلسات عدة أن تراكمها في ذمته، يحاول عدي إستجماع طاقته والصمود أطول فترة ممكنة على مقعده في مستشفى الأورام بالموصل على أمل أن يكون العلاج الكيمياوي مجدياً.
كانت ضريبة سيطرة تنظيم داعش على الموصل، مركز محافظة نينوى، في 10 حزيران 2014، ومن ثم حرب تحريرها منه بين سنتي 2016- 2017، كبيرة جدا على المدينة، فقد أتت القذائف بشكل شبه كامل على البنية التحتية الصحية فيها.
خرجت خمس مستشفيات كبيرة عن الخدمة، ثلاثة منها كانت فيما يعرف بمدينة الطب في الجانب الأيمن للمدينة والتي كانت تضم مستشفيات ابن سينا والجمهوري والبتول وكلية الطب والطب الذري، وجميعها سويت بالأرض.
ذلك الواقع دفع بالميسورين ولاسيما المصابين بأمراض مزمنة إلى طلب العلاج في مستشفيات محافظات أخرى أو في دول الجوار، فيما يحاول المرضى من أصحاب الدخل المحدود التكيف مع العلاجات المتاحة في المدينة كما هو الحال مع عدي.
بسام عبد الرزاق (62)عاما، أكتشف هو الآخر اصابته بالسرطان، لكن في الرئة، هو يخطو خطوات العلاج الأولى بجرع كيمياوية، وقد جاور عدي في إحدى جلساتها بمستشفى الأورام غير أن خارطة تنقلاته العلاجية بدت مختلفة عنه.
سيجري بسام العملية الجراحية في مستشفى البصرة وسيخضع للعلاج بالإشعاع هناك، وهما أمران لا يمكن تحققهما في محافظة نينوى بسبب الافتقار الى العلاجات والأجهزة الطبية كما يقول، على الرغم من أن عدد سكانها يفوق الآن الأربعة ملايين نسمة.
البيروقراطية تحرم المرضى من العلاج
يتلقى مرضى السرطان في نينوى العلاج بمراكز ثلاثة، الأول في مستشفى الأورام والطب النووي التخصصي والتي تستقبل حالات السرطان الصلب وكل أنواع السرطان باستثناء سرطان الدم للمصابين بأعمار فوق ثمانية عشر سنة.
والثاني في مستشفى ابن سينا الذي يستقبل حالات سرطان الدم (سرطان سائل) للكبار.
والأخير في مستشفى أبن الاثير، الوحيد تقريباً الذي لم يتضرر خلال الحرب ويستقبل جميع حالات السرطان للمرضى دون سن الثمانية عشر عاما.
الدكتور عبد القادر سالم مدير مستشفى الأورام والطب الذري في الموصل نبه إلى أن مستشفاه تقدم الآن فقط الجرع الكيمياوية للمصابين بالسرطان وهي مجانية، وحتى هذه تنفد أحياناً لكون حصة المستشفى محدودة منها.
في حين أن هنالك مرحلتان أساسيتان في العلاج مفقودتان وهما المعجل الخطي (جهاز الاشعاع) والعلاج بكبسولة (الايودين المشع) وذلك بسبب الدمار الكبير الذي لحق بأبنية المستشفى خلال حرب التحرير من داعش.
وأشار إلى أنهم يقومون بإحالة المرضى إلى مستشفيات المحافظات الأخرى لغرض استكمال العلاج، عل الرغم من أن لدى المستشفى أجهزة محفوظة في مخازن وزارة الصحة، لكن ما يحول دون استلامها وإدخالها الخدمة هو انتظار اكمال بناء بناية المستشفى التي دمرتها الحرب في الجانب الأيمن من الموصل وقد يستغرق ذلك من سنة ونصف السنة إلى سنتين.
وأجهزة مثل المعجل الخطي وكبسولة الايودين المشع تحتاج إلى أبنية ذات مقاييس ومواصفات خاصة كمساحة ونسبة عزل معينة وغيرها من المتطلبات الفنية التي لا تتوافر في المقر البديل الذي تحتله مستشفى الأورام في الوقت الراهن.
الغريب انه على بعد كيلومترات قليلة عن المقر البديل لمستشفى الأورام، هنالك مركز بحثي يتبع جامعة الموصل التي تتبع بدورها وزارة التعليم العالي، فيه جهازا معجل خطي لم يتم تشغليهما مطلقاً ولا تسمح البيروقراطية المتبعة في المؤسسات العراقية باستخدامهما لمعالجة المرضى. ((اضافة مصدر المعلومة))
ويعد العلاج الإشعاعي أحد أهم مراحل علاج مرضى السرطان إذا يتم خلالها تسليط أشعة من موجات عالية الطاقة على الجزء المصاب من جسم المريض للقضاء على الخلايا السرطانية فيه، مما يؤدي لإيقاف انتشار المرض وإنقاذ حياته.
لا احصائيات كاملة بإعداد المرضى
احصائيات مستشفى الأورام تشير إلى أن (190) مصاباً بالسرطان أحيلوا خلال الأشهر الثلاث الأولى من هذا العام 2021 إلى مستشفيات أخرى خارج نينوى. (116) حالة بسبب نقص في مكونات الجرع الكيميائية و(55) حالة لتلقي العلاج بجهاز المعجل الخطي و(19) حالة للعلاج بجهاز الأيودين المشع.
ويلفت الدكتور عبد القادر إلى أن المستشفى يسجل بين (100-150) حالة مرضية جديدة بالسرطان شهرياً وقال بأن هذا يدخل ضمن المعدل الطبيعي للإصابات قياساً بالنسبة السكانية في المحافظة.
وكانت مستشفى الأورام والطب الذري قد سجلت في العام 2020 ما مجموعه (1493)حالة سرطانية وقبلها بعام سجلت (1341) حالة، فيما كانت الحصيلة لسنة 2018 (1339) إصابة.
وبحسب الإحصائيات التي أطلعنا عليها تباينت نوعية الإصابات بين الذكور والإناث، إذ الاصابات الأكثر شيوعا للرجال هي في (الرئة، القولون، البروستات) أما النساء فالإصابات الأكثر شيوعا كانت في (الثدي، القولون، المستقيم،عنق الرحم) وتشيع أيضاً حالات الإصابة بسرطان الدم اللمفاوي الحاد في فئة الأطفال تليها أورام الدماغ بصورة عامة.
وهذه الإحصائيات لا تشمل حالات الإصابة بسرطان الدم التي تسجل في مستشفى آخر هو (أبن سينا). ولأنها من المستشفيات التي دمرت خلال الحرب فكوادرها تمارس العمل في موقع بديل وهناك رفض مديرها منحنا احصائية بالحالات المسجلة.
والأمر ذاته حدث لدى مراجعتنا لمقر مستشفى أبن الأثير للأطفال في الجانب الأيسر لمدينة الموصل، إذ رفضت الإدارة تزويدنا بإعداد إصابات الأطفال بسرطان الدم ممن يتلقون العلاج فيها.
ويرى أطباء وعاملون في الحقل الطبي ان الاحصاءات الخاصة بالاصابات السرطانية في نينوى حتى لو جمعت من كل مستشفيات المدينة فانها تظل ناقصة لأن نسبة غير قليلة من سكانها يتلقون العلاج خارج المحافظة.
العلاج الكيمياوي للفقراء فقط
ويؤكد طبيب متخصص طلب عدم ذكر أسمه تجنبا للمساءلة، أن حالات الإصابة بالسرطان في نينوى أكثر بكثير مما يتم الإعلان عنه لسببين أولهما تعليمات مركزية من إدارة صحة نينوى منعت بها تداول أعداد المصابين وهو نهج متبع في نينوى منذ سنوات وليس أمراً جديداً.
والسبب الثاني هو أن المصابين يلجأون مباشرة لطلب العلاج في مستشفيات ومراكز صحية في العاصمة بغداد أو أقليم كردستان أو حتى أبعد من ذلك في تركيا والهند. وهم الغالبية العظمى بحسب الطبيب المتخصص الذي يضيف:”المرضى من الفقراء المعدمين هم من يراجعون لتلقي العلاج في مستشفيات نينوى لأنهم لا يقدرون على تحمل كلف النقل والإقامة والعلاج في أماكن أخرى”.
ويستدرك: “إزاء نقص العلاجات والأجهزة الطبية في نينوى، الكثير من المرضى يموتون بصمت”.
جلسة العلاج بالإشعاع في المستشفيات العراقية خلال الدوام الصباحي مجانية في حين تكلف الجلسة الواحدة 40 ألف دينار (28 دولاراً) في الدوام المسائي. وعدد الجلسات يقدرها الأطباء بحسب كل حالة مرضية.
ويتلقى مرضى السرطان العلاج بالجرع الكيميائية مجانا في مستشفى الاورام بالموصل في حال توافرها ويضطرون إلى شراء بعض الأدوية والتي تندرج ضمن الجرعة الواحدة من الصيدليات الخارجية في حال عدم توفرها بالمستشفى والتي احيانا لا تقدم مواد الجرعة كاملة اذ تكتفي بتقديم حوالي(70%) أو أقل من ذلك بسبب نفاذ الكمية المخصصة للمستشفى.
وبحسب الصيدلاني عمر سالم، تتراوح أسعار المواد المكملة للجرعة الكيميائية بين 10 الى 3000 دولار، بحسب الشركة المنتجة سواء كانت أميركية أو سويسرية او هندية او ألمانية وهي الشائعة في المذاخر. كما تختلف باختلاف حاجة المريض أو التنظيم العلاجي له فضلا عن درجة مرضه.
بشار صديق (54 عاما) الذي تعاني زوجته من سرطان الثدي، قال انه كان يضطر قبل تفشي كورونا للسفر بها الى العاصمة الاردنية عمان لإجراء الفحوصات وتلقي العلاجات اللازمة، لكن الوجهة تغيرت الآن نحو تركيا.
هو لا يجد مشكلة في ذلك مادام قادرا على تحمل النفقات وهو أمر لا يقوى عليه آخرون يقوم هو شخصياً بتكفل علاج بعضهم على سبيل الإحسان، ويقول: “بسبب احتكاكي بالوضع القائم بحكم حالة زوجتي، أعرف كم هو صعب أن يصاب المرء بالسرطان في مدينة كالموصل لا تتوفر في مستشفياتها أحيانا ولا حتى حبة دواء”.
تلوث البيئة
يشير الباحث في شؤون البيئة د. غسان هاني عناد، إلى أن مدينة الموصل فيها نحو 2500 مولدة كهرباء ديزل أهلية لتزويد منازل المواطنين بالكهرباء تعويضاً عن النقص الحاصل في امدادات الكهرباء الحكومية.
تلك المولدات تعمل لنحو عشر ساعات يومياً داخل الاحياء السكنية ومنذ ثلاثة عقود متسببة بتلوث الجو بما يصدر عنها من انبعاثات ولاسيما أن الكثير منها تلجأ إلى استخدام النفط الخام او وقود بمواصفات خطرة على الصحة، هذا فضلاً عن تواجد عدد كبير من المركبات مختلفة الأحجام للاستخدام الخاص والعام في المحافظة.
ويتوافق ما ذكره د. غسان مع تقرير للبنك الدولي صدر في العام 2014 بشأن كثافة ثاني أكسيد الكربون وهو واحد من الملوثات الخطرة المسببة لأمراض كثيرة بينها السرطان. كشف عن تصدر العراق قائمة الترتيب عن دول آسيا وشمال أفريقيا وبمعدل 3.4.
في حين يقف العراق في المركز الثاني عالمياً بعد منغوليا في كثافة انبعاث الكربون، متفوقا على كل من الصين وكوريا الجنوبية.
الى جانب الوقود الملوث للبيئة، هناك النفايات المنزلية التي يقدر د. غسان معدلها اليومي بأكثر من 200 طن تتكدس في الأزقة والشوارع لفترات قد تمتد لأيام قبل نقلها إلى مكبات ومطامر غير نظامية أو معالجة بنحو صحي.
ويرى بأنها من مسببات تفشي العديد من الأمراض بما فيها السرطانية، الى جانب باقي الملوثات، كمياه نهر دجلة التي تصب فيه مياه الصرف الصحي مباشرة في بعض المناطق، أو التلوث الحاصل للمياه التي تصل الى المنازل للاستهلاك اليومي نتيجة تكسرات الشبكة الناقلة تحت الأرض.
وأيضاً غياب الوعي الصحي في المجتمع وعدم وجود رقابة على السلع والمواد الغذائية أو السلع المنزلية المباعة في الأسواق وكلها أسباب وعوامل مستمرة يرى د. غسان أنها ترفع معدلات الاصابة بالأمراض السرطانية المختلفة.
الأسلحة القاتلة
يضيف المخبري علاء جمعة سعدون، سبباً آخر لتفشي الأمراض السرطانية في محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل يتعلق بالأسلحة التي استخدمت لنحو سنة كاملة في الحرب التي شهدتها المدينة ضد عناصر داعش المتحصنين فيها وكانت نتيجتها تدمير 11 ألف وحدة سكنية الى جانب البنية التحتية العامة.
ويقول الكثير جداً من القنابل والصواريخ فجرت خلال هذه الحرب وأيضاً عدد لا حصر له من العبوات الناسفة والسيارات المفخخة خلال فترة نشاط الجماعات المسلحة داخل الموصل منذ سنة 2004 ولغاية سيطرة داعش عليها في حزيران 2014″.
وبعضها كما يعتقد المخبري، محرمة دولياً، وستظهر نتائجها وتتصاعد على المدى المتوسط والبعيد، واختتم قوله: ” لو أن هنالك بحث وتحر دقيقين في هذه المسألة، سنكون أمام نتائج صادمة”.
تلك النتائج المخيفة هي التي تمنع دائرة صحة نينوى من تداول الأرقام والإحصائيات السرطانية، بحسب خبير في الشأن السياسي حجبنا أسمه بطلب منه. لأن من شأنها أن تدين الحكومة العراقية التي اتخذت من المدينة الآهلة بالسكان مسرحاً للحرب.
غير أن الدكتور صالح خضير وهو مختص بأمراض الدم يرفض تأكيد أو نفي أن تكون حرب تحرير الموصل سبباً في ارتفاع معدلات الحالات السرطانية وذلك لعدم وجود دراسات معتمدة في هذا الجانب مع إقراره بزيادة أعداد الحالات بعد سقوط النظام العراقي السابق في نيسان 2003.
ويتوقع الدكتور صالح ان تظهر نتائج حرب التحرير من داعش “بعد نحو ثمانية أعوام”، فتداعيات الأسلحة بما تسببه من أمراض خطرة تظهر متأخرة.
المستشفيات للحالات الحرجة
ولا تتوقف معاناة مرضى السرطان عند عدم توافر جهاز الاشعاع في مستشفيات نينوى فحسب، بل تتعدى ذلك الى الطاقة الاستيعابية في المستشفيات إذ يقول دكتور صالح أن مستشفى ابن سينا على سبيل المثال كان بطاقة (600 )سرير قبل الحرب ولا تزيد الآن طاقته الاستيعابية في مقرها البديل عن (100) سرير.
لذلك فهي تستقبل الحالات الحرجة فقط، فيما يتردد المرضى من ذوي الحالات الأقل حرجاً على المستشفى بنحو شبه يومي دون رقاد لحين إكمال فتراتهم العلاجية.
ستٌ وأربعون شهراً مرت على انتهاء حرب تحرير الموصل من داعش، ومع ذلك مازالت آثارها ماثلة للعيان ويد العمران لم تمتد نحو البنى التحتية الرئيسية، الصحية منها بوجه الخصوص أما التي وجدت لها أبنية بديلة مؤقتة فتفتقر إلى الأجهزة الطبية المهمة الأمر الذي يقلل من كفاءة الخدمات المقدمة.
وكانت محافظة نينوى قد شهدت خلال الأشهر الأخيرة حملات اعتقال شملت موظفين حكوميين كبار بتهم تتعلق بالفساد طالت احداها المحافظ السابق نوفل العاكوب الذي صدر بحقه حكم بالسجن فضلاً عن آخرين في مؤسسات ودوائر حكومية عدة.
وبحسب اقتصاديين فأن هذا كان سببا في تحديد الميزانية السنوية للمحافظة على الرغم من حاجتها الماسة لتمويل مشاريع اعادة الإعمار ومن بينها المستشفيات التي تعتمد لتنفيذ عدد منها وبدرجة كبيرة على المنظمات الدولية، وهي بطبيعة الحال غير كافية وتسير الأعمال فيها بنحو بطيء جداً.
أجهزة خارجة الخدمة لغياب التنسيق
قمنا ولمرات عدة بزيارة دائرة صحة نينوى للحصول على معلومات بشأن مشاريعها المتعلقة بمرضى السرطان لكن إدارتها رفضت الإدلاء بتصريحات بهذا الخصوص أيضا، مما يزيد من هالة الغموض بشأن السرطان والتصدي له في نينوى.
خلال تقصينا عن الموضوع خارج مكاتب هذه الدائرة اكتشفنا أن في نينوى وبالفعل جهازا معجل خطي لكنهما يستخدمان لأغراض البحوث في جامعة الموصل وهنالك موانع قانونية وإدارية تحول دون امكانية استخدامهما لعلاج المرضى في نينوى بدلاً من تكبدهم عناء السفر إلى محافظات ودول أخرى للعلاج بالأجهزة ذاتها.
الدكتور عبد القادر سالم مدير مستشفى الأورام والطب الذري أكد الأمر وقال بأنه تواصل مع الجامعة من أجل استخدام الجهازين، لكن عوائق عديدة تعترض ذلك لكون الجامعة ترتبط بوزارة لتعليم العالي والمستشفى بوزارة الصحة وهو ما يحتاج إلى تنسيق بمستويات عالية لإستحصال موافقات رسمية قبل أن يتمكن المرضى من الافادة منهما.
وتمتلك جامعة الموصل مركزا طبيا للأبحاث(المركز البحثي الذكي) والذي تم تأسيسه في 2012 وقبيل افتتاحه بأيام قليلة سيطر تنظيم دعش على مدينة الموصل وكان هذا في حزيران 2014. يحتوي المركز على أجهزة طبية متطورة بما في ذلك جهاز المعجل الخطي(الاشعاع).
وهذا المركز أيضاً لم يسلم من تبعات حرب التحرير من داعش، إذ تعرض لأضرار كبيرة شملت منظومة الكهرباء والتبريد والمنظومة الميكانيكية في الأبنية والمرفقات.
وأرجعت جامعة الموصل عدم استخدام الجهاز من قبل مرضى السرطان إلى تلك الأضرار التي قدر “منير سالم” معاون رئيس جامعة الموصل للشؤون العلمية كلفتها بخمسة ملايين دولار، مشيراً إلى أن الجامعة فاتحت جهات ومنظمات عدة للحصول على تمويل من اجل إعادة تشغيل المركز.
ولا يجد معاون رئيس الجامعة منفذاً قانونياً لاستقبال مرضى السرطان في المركز إلا في حال تحويلهِ إلى مركز استشاري وهو ما يتطلب تكييفاً قانونياً سيحتاج إلى مخاطبات وقرارات قد تستغرق سنوات، وهو وقتٌ طويل لا يملكهُ مرضى السرطان في نينوى.
وتدخل الموصل ضمن خطة متعثرة بسبب فقر الموازنة العامة والفساد المستشري في القطاع الحكومي، لبناء مستشفيات جديدة إلى جانب مدن أخرى كالبصرة والأنبار والنجف تؤكد وزارة الصحة أنها ستضم ثمانية مراكز علاج إشعاعي بطاقة 400 سرير.
تلك المشاريع المتلكئة او المعطلة والتي يأمل المتخصصون ان تساهم في سد الفجوة العلاجية الحاصلة في بلد يبلغ فيه عدد المصابين بالسرطان نحو 350 ألفاً ولا توجد مراكز علاج كيماوي وإشعاعي كافية لاستيعابهم إذ يصل عدد المراجعين للمركز الواحد الى نحو اثني عشر ألف مراجع سنوياً، بمعدل 41 مريضاً في اليوم الواحد لكل مركز.
أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للصحافة الاستقصائية