تقارير سردیة: حرب تصريحات ايرانية تركية وتحشيد على الأرض… هل باتت معركة سنجار قريبة؟

حرب تصريحات ايرانية تركية وتحشيد على الأرض… هل باتت معركة سنجار قريبة؟

يحتدم الصراع التركي الايراني في سنجار، مع ترجيحات بعملية تركية قريبة لبسط نفوذها في المنطقة التي تشكل البوابة الرئيسية لأنقرة لفرض حضورها في الولايتين المفقودتين "الموصل وكركوك"، فيما تعتبرها ايران منطقة نفوذ استراتيجية تربطها بسوريا في ظل صعوبة اختراق المناطق الحدودية الأخرى ذات البنية السنية الخالصة.

سامان داود وفريق نينوى/ سنجار

طوال سبع سنوات انتظر “خالد” انتهاء الصراعات المحلية والاقليمية المشتعلة على أرض سنجار المطلة على الحدود السورية منذ طرد مقاتلي تنظيم داعش منها، للعودة اليها وبدء حياة جديدة، لكنه قضى مع احلامه وثلاثة من أطفاله حين التهمت النيران خيمتهم وحولت كل شيء فيها الى رماد.

كان “خالد” في الجوار داخل المخيم حين تصاعد الدخان. لم تمضي سوى لحظات ليكتشف انها خيمته وان اثنين من أطفاله محاصران فيها وسط النيران فتقدم لانقاذهما لكنه لم يخرج منها أبدا. بعدها بساعات لحق به آخر أطفاله متوفيا في المستشفى تحت تأثير الحروق البليغة.

يصف “سعيد” احد الشهود على الحريق الذي اتى على خمس خيم في مخيم بيرسفي شرقي زاخو: “كل شيء حدث خلال لحظات، التهمت النيران الخيم، لم نستطع فعل شيء، لكن خالد أصر على محاولة انقاذ أطفاله فمات معهم”.

ويتابع مبديا يأسه من توقف الصراعات ومعها المآسي التي تلاحقهم:”لا نعرف ماذا نفعل، هنا تلتهم الحرائق خيمنا، وكل بضعة أشهر تقع حوادث مأساوية، وهناك في سنجار حرائق أكبر تطاردنا فالكل يحشد مقاتليه .. الى أين نهرب؟”.

نحو 60% من سكان سنجار التي تعد آخر مناطق انتشار المكون الايزيدي في العراق، لم يعودوا اليها رغم مضي اكثر من اربع  سنوات على استعادتها من تنظيم داعش الذي احتلها في صيف 2014 وارتكب فيها عمليات ابادة جماعية.

يؤكد سعيد (45 عاما) ان “العودة مستحيلة في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي وعدم وجود ادارة موحدة، وتحول المنطقة الى حلبة صراع محلية واقليمية” حيث تتقاسم الأرض هناك سلسلة تشكيلات قتالية مختلفة الولاءات.

 

جبهة قتال تتقاسمها القوى

في شمال القضاء تنتشر قوات البيشمركة الكردية، وفي المدينة التي دمرت الحرب أجزاء واسعة منها كما في محيطها تتمركز قوات الجيش والشرطة العراقية وألوية الحشد الشعبي، وفي جنوبها وغربها الممتدين على البادية والحدود السورية تنتشر فصائل مختلفة من مقاتلي الحشد يتقاسمون مناطق شكلت طوال 15 عاما حواضن للجماعات السنية المتطرفة، وعلى الجبل تتمركز وحدات ايزيدية مسلحة تنتمي عقائديا لحزب العمال الكردستاني لكن مقاتليها عراقيون وهم رسميا جزء من فصائل الحشد.

على بعد نحو 100 كلم شمالا تراقب تركيا بحذر واهتمام كبيرين سنجار وتتخذ من وجود المجموعات المسلحة القريبة من حزب العمال والتي تعتبرها “خطرا على أمنها القومي” حجة لدخول المنطقة واقامة مراكز أمنية فيها قد تشكل بوابة لما يطلق عليه القوميون الأتراك “ولاية الموصل” المقتطعة من تركيا، فيما تبدي ايران اهتماما كبيرا بالقضاء الذي يضم الى جانب الايزيديين والكرد المسلمين وبينهم شيعة نسبة صغيرة من العرب السنة، وتأمل جعله قاعدة نفوذ وبوابة نحو سوريا وهو ما دفعها لنشر العديد من المجموعات المسلحة الموالية له هناك.

حرب تصريحات وتهديدات

حوَل تقاطع المصالح الاقليمية سنجار الى نقطة خلاف تركية ايرانية وساحة صراع ساخنة تتسابق فيها الدولتان رسم الخطط وتحريك البيادق. فالأولى لا تتردد في اعلان نيتها اقتحام المنطقة، والثاني تواصل الانتشار فيها فعليا عبر مواليها من وحدات الحشد وتهدد بأنها “لن تسكت على اي محاولة احتلال تركية”.

نهاية شباط فبراير 2021 تبادل السفيران الايراني والتركي في العراق الهجمات الاعلامية على خلفية التدخل في سنجار، وكاد الأمر يتطور الى أزمة دبلوماسية.

بدأ الأمر حين رد السفير الإيراني إيرج مسجدي على سؤال بشأن التهديدات التركية بالتدخل في سنجار، قائلا ان “إيران لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق، وترفض التدخل العسكري. يجب أن لا تكون القوات التركية بأي شكل من الأشكال مصدر تهديد للأراضي العراقية ولا أن تقوم باحتلالها.. .يجب على الأتراك الانسحاب إلى خطوط حدودهم الدولية، وأن تتولى القوات العراقية توفير الأمن بنفسها”.

بعد ساعات رد السفير التركي لدى العراق فاتح يلدز: “أعتقد أن السفير الإيراني آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درسا في احترام حدود العراق”.

وسط ذلك التراشق الاقليمي، دعا رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، السفيرين الى عدم التدخل فيما لا يعنيهما، وكتب: “ممثلو البعثات الدبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى بعض ممثلي تلك البعثات أن يعي جيدا واجباته، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحترم سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل”.

بعدها بأيام أطلق زعيم عصائب “أهل الحق” قيس الخزعلي، وهو فصيل معروف بقربه من ايران وله كتلة برلمانية قوية وذراع عسكري نافذ، تهديدا صريحا لتركيا اذا دخلت سنجار، قائلا “هناك معلومات عن نية أردوغان الهجوم على سنجار الصيف المقبل، اذا حصل ذلك فأنا مستعد شخصيا لحمل السلاح ضد القوات التركية”.

وحذر الخزعلي من ان “التواجد التركي سيكون أكثر تعقيدا في المستقبل من التواجد الاميركي الحالي”، مبينا أن “تركيا تسعى لاحتلال سنجار وتلعفر وسهل نينوى وجزء كبير من كركوك”، وان أردوغان “يعمل على تثبيت وجوده في كل منطقة تم احتلالها من قبل العثمانيين سابقاً”.

وطالب زعيم عصائب أهل الحق، رئيسَ الوزراء العراقي بـ”تسليح المنظومة العسكرية الجوية لمواجهة الاحتلال التركي وشراء منظومة جوية من أي دولة حتى لو كانت اميركا للحفاظ على السيادة”.

ليست العصائب، وحدها من هددت بالرد على أي تدخل تركي، فحركة النجباء المدعومة من ايران ايضا توعدت “بمهاجمة القوات العسكرية التركية في شمال العراق”.

 

تحركات على الأرض

حرب التصريحات تلك لم تكن الأولى، فقبلها باسبوعين اعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف رفض بلاده لأي وجود تركي في العراق، واصفا سياسة أنقرة بـ”الخاطئة”. وذلك بعد ان هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 22 كانون الثاني، بشن عملية عسكرية في سنجار “لتطهيرها” من مقاتلي حزب العمال.

وقال اردوغان: “بخصوص إخراج الإرهابيين من سنجار: لدي وعد دائم يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة”.

وأضاف: “نحن مستعدون دائما للقيام بعمليات مشتركة، لكن هذه العمليات لا تتم بالكشف عنها”، مؤكدا: “يمكن أن نأت ذات ليلة على حين غرة “.

وفي منتصف شباط فبراير ، قال الرئيس التركي: “لا (جبال) قنديل ولا سنجار ولا سوريا. من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين”.

تصريحات اردوغان تزامنت مع زيارة أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في 18 كانون الثاني وبرفقة رئيس الأركان يشار غولر إلى بغداد وأربيل ناقشت ملف سنجار. وأعلن آكار في ختامها التوصل إلى “تفاهمات” مع العراق ضد حزب العمال دون الكشف عن طبيعتها وهل تشمل عملية مشتركة والسماح لتركيا باقامة مراكز أمنية بالمنطقة.

حين كان الايرانيون والأتراك يتبادلون التصريحات، كان الحشد الشعبي يعزز وجوده بثلاثة الوية جديدة ارسلت الى المنطقة على نحو عاجل ونشرت في عدة مواقع بما فيها داخل جبل سنجار.

وبحسب مصادر ايزيدية، جاءت تلك التعزيزات لمواجهة اي تدخل تركي، ووزعت في مناطق متفرقة حول المدينة وفي تلعفر ومابين سنجار ربيعة غربا على الحدود السورية.

في ذات الأثناء لم تنقطع زيارات كبار المسؤولين الأمنيين العراقيين عن المنطقة. قائد أركان الجيش الفريق الركن عبد الأمير يار الله زار المدينة في 15 شباط فبراير، سبقه بيوم واحد رئيس هيئة الحشد الشعبي “ابو فدك” للوقوف على انتشار الأولية الجديدة للحشد هناك.

الاتفاقية المعطلة

عملية نشر مزيد من مقاتلي الحشد الشعبي في سنجار، أحرجت الحكومة العراقية واثارت قلق حكومة اقليم كردستان، اللتين كانت قد توصلتا الى اتفاقية في اكتوبر 2020 لتثبيت الاستقرار في سنجار، تنص أهم بنودها على ابعاد الحشد الشعبي والوحدات الموالية لحزب العمال عن المنطقة، وتولي قوات الشرطة الاتحادية والجيش بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان مهمة حفظ الأمن، الى جانب تطويع 2500 شاب من ابناء سنجار للمساهمة في تعزيز الأمن.

اتفاقية سنجار التي حظيت بدعم دولي هدفت لتثبيت الاستقرار الأمني لاعادة النازحين، وهي اتفاقية أمنية مشتركة مع حكومة إقليم كردستان بشأن البلدة الإيزيديّة الواقعة غرب محافظة نينوى، التي سقطت في قبضة تنظيم داعش في 2014، وشهدت حينذاك إبادة جماعية ضد الإيزيديين.

“الاتفاقية بقيت حبرا على ورق كما توقع الكثيرون. كلمة الحشد في سنجار هي العليا، وايران وتركيا القويتان كل لها دوافعها لبسط نفوذهما هناك.. وسط هذه الصراعات كيف يمكن لنا العودة والاستقرار؟” يقول النازح اسماعيل أحمد (45 عاما) وهو من سكان مجمعات جنوب سنجار ذات الغالبية العربية السنية، ويضيف وهو يبتسم بسرخية “ليس هذا فقط فداعش ايضا يحاول استعادة نشاطه… يبدو اننا سنظل هنا الى الأبد وستتحول هذه المخيمات الى مدن دائمية”.

عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني والنائب عن نينوى “شيروان الدوبرداني” يرجع السبب وراء عدم تنفيذ الاتفاقية الى وجود “قوات غير شرعية وغير نظامية إضافة الى مقاتلي حزب العمال تهيمن على القضاء بشكل كامل”.

 

جمر البقاء ونيران العودة

في المخيمات المؤقتة التي بنيت سريعا في 2014 لاستقبال نازحي سنجار، يعيش نحو 200 الف شخص او في بيوت صغيرة مؤجرة او هياكل غير مكتملة البناء، بعد أن فقدوا كل ممتلكاتهم ومدخراتهم في الأيام الأولى من اجتياح التنظيم لمناطقهم.

هناك لا تتوقف عمليات انتحار الشباب والفتيات التي تسجل بشكل اسبوعي، وتتكرر بلا حل حرائق الخيم، ويتواصل نزيف الهجرة الى خارج البلاد، في ظل الفقر وانتشار البطالة وتداعيات جروح وآلام الابادة.

يذكر مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في احصائية له صدرت مطلع العام أن 150 الف نازح ايزيدي عاد من اصل نحو 360 ألف إيزيدي، فيما بلغ عدد الذين هاجروا خارج العراق أكثر من 110 ألف إيزيدي.

تحصي دائرة اوقاف الايزيديين أكثر من 70 مقبرة جماعية تنتظر رفع جثث ضحاياها لتحديد هوياتهم، ذلك سيتطلب سنوات من العمل، فقرية “كوجو” التي جرت فيها أكبر عمليات القتل الجماعية، استقبلت في السادس من شباط اولى وجبة من ضحاياها الذين حددت هوياتهم، وضمت 104 ايزيديا اقيمت مراسم خاصة لمواراة جثامينهم بحضور المئات من عائلات الضحايا بعضها قدمت من اوربا لالقاء الوداع الاخير.

لا تقتصر مآسي سنجار على الايزيديين، فعشرات آلاف المسلمين الكرد أيضا مازالوا نازحين ويخشون العودة للمدينة التي يحتدم الصراع فيها وتغيب عنها الخدمات الأساسية.

يقول الاعلامي “ماهر شنكالي” الذي يستبعد فكرة العودة: “أحياء المدينة والبنية التحتية لها مدمرة بنسبة 80%، والعديد من المجمعات السكنية لم يتم تنظيفها الى الآن من المخلفات الحربية، ولا توجد حكومة محلية حقيقية تدير القضاء”.

ويشير “شنكالي” الى الصراع السياسي والعسكري في المنطقة كسبب يحول دون عودة الأهالي: “هناك سبع مجموعات عسكرية تتقاسم السيطرة على القضاء وتدعي جميعا تمثيلها او دعمها للقضية الايزيدية”.

ويردف “النازحون في اقليم كردستان يفضلون الخيمة المهترئة على العودة المخيفة بسبب احتمالية نشوب صراع او انضمام أطفالهم الى صفوف حزب العمال او اي فصيل عسكري آخر”.

ويؤكد “شنكالي” ان غالبية النازحين لن يعودوا “الا اذا فرضت سلطة الدولة من خلال الشرطة والجيش والبيشمركة، مع دمج الفصائل الاخرى بالقوى الرسمية للدولة وإبعادهم عن الأحزاب”، منبها الى خطر جديد يهدد العودة يتمثل بالتهديدات التركية باجتياح سنجار.

بدوره يورد “فلاح حسن” رئيس المجلس الايزيدي في سنجار الذي تشكل مؤخرا، لائحة طويلة من الأسباب التي تعيق العودة “الوضع الأمني المتأزم في ظل التهديدات التركية، قلة فرص العمل، والبيوت المهدمة التي لم يتم اعادة بنائها، وغياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، الى جانب الصراعات السياسية بين اربيل وبغداد”.

خلافات واتهامات

يرى القيادي في الحشد الشعبي “عارف شنگالي” ان الايادي السياسية لعبت بملف عودة النازحين لتستغله لمصالحها “العودة الطوعية كانت جيدة مطلع ومنتصف العام الماضي، وعاد الكثيرون خلال وقت قصير، قبل ان تتوقف بشكل شبه كامل مع اعلان اتفاقية سنجار”.

“شنكالي” انتقد وزارة الهجرة والمهجرين ومكتب الأمم المتحدة وقال انهما لعبا دورا سلبيا في ملف العودة. كما اتهم الحزب الديمقراطي “بتحويل النازحين لورقة سياسية تستخدم ضد الحكومة الاتحادية تارة وضد خصومه السياسيين تارة أخرى، ويفعل كل شيء لإبقاء النازحين كرهائن الى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة”.

يتناغم موقف قيادات الحشد، مع موقف “فارس حربو” عضو لجنة العلاقات في الإدارة الذاتية المعلنة من قبل القوى الايزيدية الموالية لحزب العمال في سنجار، الذي اتهم بدوره الحزب الديمقراطي بالوقوف وراء عدم عودة النازحين، وذهب ابعد من ذلك بالقول: “الديمقراطي يهاجم ادارة سنجار باستمرار ويصف الفصائل المتواجدة بغير الشرعية، ويعمل مع جهات اقليمية على زعزعة الاستقرار في المنطقة”.

ويكشف الدكتور “علي آغوان” وهو باحث سياسي من نينوى، عن مهلة لتنفيذ الجزء المتعلق بمغادرة حزب العمال الكردستاني لسنجار بالاتفاقية: “من المفترض ان تنتهي المهلة نهاية آذار 2021  وما يعزز ذلك التوجه هو وصول ثلاثة ألوية من الحشد الشعبي الى المنطقة من أجل مسك الأرض، وهناك تواصل بين العمال والحشد لتأكيد ان هذه المنطقة تابعة لبغداد”.

ويعتقد استاذ العلوم السياسية أن هناك توجها لدى بغداد واربيل والتحالف الدولي، وباشراك الجانب التركي من الناحية المعلوماتية، لفرض سلطة بغداد على معظم المناطق داخل القضاء، على ان يكون لأربيل السيطرة على الجزء الآخر (شمالا) من القضاء المتنازع عليه دستوريا بين الحكومتين.

ويرجح “اغوان” ان يكون هناك تحرك خاطف باتجاه جبل سنجار ومحيطه ، قائلا ان السياسة التي ستتبعها بغداد واربيل لمعالجة الملف اذا وافق العمال الكردستاني عليها فلن تحصل مواجهة، اما اذا رفضها فسيكون قادرا على تحريك الخلفاء المحليين وشن حرب عصابات تبقي المنطقة في حالة عدم استقرار.

ويلفت الى ان الأمر ربما سيرتبط بقرار الحكومة الاتحادية “هل ستقطع المنافذ والمعابر غير الرسمية التي توصل سنجار بسوريا والتي تخضع لسيطرة العمال، وهل ستدمر الأنفاق التي تمتد في جبل سنجار والتي يستخدم العمال”.

ويعرب عن قناعته بأن الجانب العراقي بشقيه المركزي والكردي “لا يملكون القدرة على الدخول الى عمق الجبل بتضاريسه الوعرة التي تناسب بيئة عمل حزب العمال ونظام نشر مقاتليه بمجموعات صغيرة ومتفرقة تتنقل بشكل دائم كالأشباح بين مواقع متناثرة. اذا حصلت المواجهة فستكون هناك خسائر وحرب مكلفة”.

ويستدرك “اغوان” ان هناك “تكتيكات” قد تمنع المواجهة المحتملة التي تريدها أنقرة واربيل، خاصة ان الجانب الايراني والفصائل الموالية له داخل الحشد الشعبي “لا تريد تلك المواجهة التي ستفكك او تضعف العلاقات القوية التي بنتها في المنطقة”.

 

تطلعات توسعية وتهديد جدي

قادة الحشد ومسؤولي بعض الفصائل الايزيدية مثل “فارس حربو” يحذرون من ان تركيا وبعد ان توغلت لمسافة 40 كلم في اقليم كردستان تريد “احتلال المنطقة عبر اقامة قواعد جديدة داخل الأراضي العراقية ما يشكل إنتهاكا للسيادة والدستور”، مشيرين الى ان تركيا لا تخفي “أطماعها التوسعية العثمانية باحتلال الموصل وكركوك” وفرض نفوذها على منطقة سنجار الاستراتيجية والتي يعبر منها خط نفط (البصرة-الموصل- سوريا) ويرجح ان تكون معبرا لخطوط التجارة العالمية الممتدة بين العراق والمتوسط.

بينما يشير مسؤولي الحزب الديمقراطي وبينهم النائب “شيروان الدوبرداني” من ان وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار هو السبب وراء تهديدات تركيا باجتياح سنجار فهم يعتبرون حزب العمال تهديدا لأمنها القومي، ولذا تشن غارات مستمرة على المنطقة، والحل يكمن في اخراج الحكومة الاتحادية لتلك القوات.

ويرى الخبير الأمني “سرمد البياتي” ان الظاهر من خطط تركيا هو مواجهة حزب العمال وابعاده عن حدودها، لكن سنجار بعيدة عن حدودها فعليا، وهذا يرجح وجود اسباب اخرى من ضمنها الصراع التركي الأوربي ومحاولة فرض الهيمنة على هذه المناطق.

ورغم ذلك يستبعد البياتي، حصول مواجهة بين الحشد وتركيا لأن الأخيرة تعلم ان الحشد “يمثل أي دولة لذا لا تريد ان تدخل في حرب اقليمية”، مبينا أن الحشد يعتبر انه قام بعمل كبير في سنجار ويتواجد منذ سنوات هناك وفعليا هو خارج مركز المدينة.

مصدر امني عراقي رفيع المستوى، رفض الكشف عن اسمه، قال ان الدوائر الأمنية العليا تنظر للتحركات التركية “كتهديد جدي لمناطق واسعة من شمالي العراق بما فيه سنجار التي تعيش وضعا معقداً جداً بسبب تعدد المرجعيات والجهات الفاعلة مثل الحشد وحزب العمال وفصائل أخرى مسلحة، في حين ان موقف الحكومة الاتحادية ضعيف جداً ويقتصر على عقد الاجتماعات ومناقشة حلول لكن على ارض الواقع لم يتحقق شيء”.

 

الضحية أهالي سنجار

وسط صراع فرض الارادات المحلية والاقليمية، تدفع مكونات سنجار المختلفة الثمن. يقول الناشط الايزيدي البارز “ميرزا دنايي” الحائز على جائزة “أورورا للنهضة الإنسانية” ان من المؤلم أن تتحول سنجار التي نالها ارهاب داعش وعانى ابناؤها من الابادة الجماعية الى “ساحة صراع اقليمي على النفوذ والسلطة”.

ويضيف، ان تركيا “تتحجج بوجود مناصرين لفكر حزب العمال بسنجار من أجل بسط نفوذها على لواء الموصل التاريخي دون ان تراعي مأساة هذا الشعب الذي ما يزال مشرداً في الخيم، رغم أن سنجار وشعبها لم يكونوا خطراً يوما على تركيا مهما كانت افكارهم وتوجهاتهم السياسية”.

يستدرك دنايي :”الصراع هو ايراني تركي بامتياز، وهناك صراع مشابه في نفس الوقت على الساحة السورية بين الدولتين عبر وكلائهما، وصراع روسي أمريكي بشكل غير مباشر، ينعكس بشكل وآخر على الوضع في سنجار التي تعتبر ايرانيا منفذاً وحيداً لربطها بسوريا فالمناطق الحدودية الاخرى هي سنية عربية لا يمكن اختراقها”.

القوى الشيعية ومن خلفها ايران، قررت التمركز بقوة في سنجار مستثمرة عدة نقاط تخدمها، فالمنطقة هي الوحيدة التي يمكن ان لا يتحسس شعبها من الوجود الشيعي فلا حساسية عند ابناء سنجار الاصليين من الشيعة، ووقوف الشيعة الى جانب الايزيديين خلال محنتهم في مواجهة العدو المشترك (داعش) خلق تعاطفا بين الجانبين.

قاعدة للتحالف وقوات لحفظ السلام

لمواجهة الصراع المحتمل يقترح “دنايي” الذي التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مطلع شباط الماضي، ان الحل الأفضل لاستعادة الاستقرار للمنطقة ومنع اشتعال صراع فيها هو بناء قاعدة عسكرية للتحالف الدولي أو لقوات حفظ السلام الدولية ولو بشكل رمزي “هذا يمكن ان يحمي سنجار، في ظل ضعف الحكومة العراقية التي تحتاج الى دعم صريح من الولايات المتحدة والتحالف الدولي”.

لكن عضو الحزب الديمقراطي شيروان الدوبرداني، يرى ان الأمر يتجه إلى التدخل العسكري لأن حزب العمال لن يترك سنجار “نتمنى ان لا يكون الاحتكام الى السلاح هو الحل، وأن يسلموا القضاء إلى أهله كما هو متفق بين اربيل وبغداد”.

ضعف الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل النافذة كما التدخلات الاقليمية في سنجار، يجعلها تكتفي بالتحرك الدبلوماسي. يقول الخبير الأمني سرمد البياتي “ميزان القوة اختل بعد 2003 والحكومة ضعيفة عسكريا، وليس أمامها سوى الحلول الدبلوماسية للوصول الى حلول”.

نشاط ايزيديون يرون ان الحل يكمن في “توحيد القوى العسكرية الايزيدية وتسليمها الملف الأمني وابعاد قوى الحشد والعمال”. لكن الاعلامي ميسر الأداني يرى ان ذلك “أمر بعيد المنال بسبب التقاطع الحاد بين تلك الفصائل مختلفة التوجهات”.

“المواجهة” او “التدخل الأمريكي” او “الحلول الاقليمية”، هي المسارات الحالية لأزمة سنجار في ظل حكومة لا تملك القوة لفرض القانون ولا تسيطر فعليا على المدينة.

صيف لاهب

قرب باب خيمته، يجلس النازح “سعيد” مع اثنين من أصدقائه، يقول مازحا “انه الربيع علينا أن ننعم باستراحة قصيرة، فأمامنا صيف لاهب”.

يصمت لبرهة وهو ينظر الى موقع الخيم التي احترقت، ويلتقط سيجارة جديدة قبل ان ينهي أخرى كانت بين اصابعه، ويتابع “هذه هي حياتنا، تطاردنا الحرائق أينما كنا، هنا نعاني من الفقر والبطالة والكآبة وينتحر الشباب والفتيات… وهناك تسود الفوضى وتغيب الخدمات ويخشى العائدون من انهيار الأمن واندلاع معارك دامية”.

يقول زميله “ستتواصل الحرائق، وسنسمع يوميا قصص الانتحار وغرق شبابنا في بحر ايجة وهم يبحثون عن أوطان بديلة وحياة جديدة”.

لكن فرصة النجاة لا تتوفر لغالبية الايزيديين وربما بينهم زوجة “خالد” الناجية الوحيدة من الحريق، والتي ماتزال تحت وقع الصدمة وآلام حروق جسدها مثل غالبية الايزيديين الذين يعلو صراخهم معها “احترقنا واحترق كل شيء”.

 

*انجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للصحافة الاستقصائية ونشر على موقع درج

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18562}" data-page="1" data-max-pages="1">