تقارير سردیة: المرأة الحديدية… واجهت ظروفها بشجاعة فهزمت إعاقتها وحصدت الذهب !

المرأة الحديدية… واجهت ظروفها بشجاعة فهزمت إعاقتها وحصدت الذهب !

بعد أن أكلت النار ساقيها، أماني نصار تتحدى الإعاقة وتسجل اسمها في منصات التتويج

مرتضى الحدود:

ثلاث سنواتٍ فقط، تفصل بين فقدانها لساقيها وحصولها على ميدالية في بطولة دولية لصالح المنتخب العراقي للبارالمبية، أماني نصار(22 عاماً) من مدينة الناصرية جنوبي العراق، تحولت إلى رمز لذوي الاحتياجات الخاصة لتحديها إعاقتها والإهمال الحكومي ومجتمع يصر على أن مكان المرأة هو سجنُ بيتها، فحصدت ألقاباً محلية ودولية في رمي الرمح والثقل والقرص وتحولت سيرتها المليئة بالتحدي إلى فيلم سينمائي طاف أرجاء العالم. 

تذكرُ أنها أفاقت من غيبوبة طويلة امتدت لستة أشهر، لتجد نفسها محاطةً بقلق والديها وبياض الأسرة والجدران في مستشفى أبن سينا بالعاصمة بغداد وبمواجهة غير متكافئة مع الألم وتحمل خسارتها الفادحة في أن لا تمشي أبداً على رجليها.

ساعة بعد أخرى تشكلت ذاكرتها ومضى شريطهُ بكثير من الوجع أمام عينيها. فقد كانت في ذلك المساء مطلع شباط  2009 يترنم بكلمات نشيدٍ حفظته عن ظهر قلب لتردده في اليوم التالي أمام تلاميذ صفها(الخامس-أ )ابتدائي. والمدفأة النفطية التي قابلتها لتخفف عنها لسعة البرد، آخر شيء رأته، إذ التهمت النار فجأة رجليها وغاب كل شيء من حولها.

كانت قوة أميركية مشتبكة مع مسلحين في حي أور بالناصرية حيثُ منزل عائلة أماني، وتسببت رصاصة من بندقية ثقيلة وجدت طريقها إلى غرفتها لينفجر خزان وقود المدفأة وتلقفت النيران ثوبها وأدخلتها في غيبوبة امتدت لستة أشهر.

نُقلت في اليوم التالي من الحادث إلى مستشفى أبن سينا في العاصمة بغداد واضطر الأطباء هناك إلى  بتر ساقيها دون الركبة بسبب النيران التي أكلتهما وأصابـتها بالغرغرينا.

“أحياناً أشعر بهما وبإمكانية تحريك أصابعي غير الموجودة !” تقول بحزن، وتتابع متجنبة دموعها: “في بعض الصباحات وحين أفيق من النوم، أتوهم بأنني يمكن أن أهبط على قدمي السليمتين. وكثيراً ما أحس بشيء ما يدفعني للنهوض من الكرسي والركض بأقصى سرعة وكأنني تلك الفتاة التي في العاشرة من عمرها والتي كان بوسعها الطيران برجليها وليس فقط  الركض !”.

بعد فترة وجيزة من استعادة وعيها كان يفترض نقلها إلى الولايات المتحدة الأميركية لتحصل هناك على ساقين اصطناعيين غير أن سوء الحظ فوت عليها تلك الفرصة لظروف قاهرة. وتوجب عليها مع أفراد أسرتها التشبث بآمال أخرى ومواجهة مجتمعٍ يظن الكثيرون فيه بأن مصير المعاق ولاسيما الأنثى بقاءٌ أبديٌ في المنزل.

me_ga.php?id=6283

ثلاثة عشر سنة، مليئة بالانعطافات الحياتية والإحباطات والوجع التي تخطتها نحو النجاحات بكرسيها المتحرك وآمالها المحلقة. تعصر أماني يداً بيد وهي تروي كيف رفضت أمها الاستسلام ورافقتها إلى منظمات مجتمع مدني تُعنى بتطوير مهارات الفتيات في الخياطة والتطريز وبعد أيام من تواجدها هناك، قابلت عن طريق الصدفة أعضاء من لجنة البارالمبية في محافظة ذي قار، فتم احضانها بمباركة من عائلتها وسخرت لها الكوادر التدريبية المتخصصة وقتاً مكثفاً لتدريبها وتضخيم طموحها بتشجيع متواصل أخذها بعيداً لتمثل بلادها وتحصد له أول ميدالية فضية لها بعد أقل من ثلاثة سنوات من تجربتها المريرة .

مدرب المنتخب العراقي للبارالمبية أياد رسن، الذي التزم أماني منذ بدايتها وأشرف على تدريبها في ألعاب رمي الرمح والثقل والقرص، قال بأنها اندمجت بسرعة في محيطها على الرغم من البنية التحتية غير المناسبة للتدريبات واستطاعت بفضل إصرارها، تحقيق العديد من الانجازات المحلية التي أهلتها لتمثيل المنتخب العراقي وحصلت في أول مشاركة خارجية على الميدالية الفضية في بطولة فزع الدولية التي أقيمت في الإمارات العربية المتحدة سنة 2012. وعززتها  بثلاثة أوسمة ذهبية في بطولة أسياد آسيا-شباب- لذوي الاحتياجات الخاصة التي أقيمت في ماليزيا سنة 2014.

ماذا لو كانت رجلاي سليمتين !

“إعاقتي حولتني إلى بطلة لأسيا. أسأل نفسي أحياناً ماذا لو لم يحدث ذلك. كيف كان شكل حياتي لو كانت لدي رجلان سليمتان؟ “.

تقول أماني ذلك وهي تنظر إلى ميدالياتها التي فرشتها أمامها، وتتابع: ” أنا محظوظة لأن لدي عائلة تساندني، أعرف فتياتِ غير عزلتهن الاعاقة وأدخلتهن في كآبة دائمة”.

me_ga.php?id=6282

حصولها على الذهب الآسيويي حفز في داخلها مجدداً حلم الحصول على قدمين صناعيين ذكيين. ولم يدم الحلم طولاً. إذ جاء المخرج العراقي فاضل ماهود وحوله الى حقيقة بعد أن أخرج فيلماً يحكي قصتها وحمل أسم (أماني ). دار الفلم ليُعرض في مختلف انحاء العالم. ويوم شاهده الطبيب الجراح منجد المهندس، وهو عراقي مقيم في استراليا، بدأت زهرة حُلم أماني بالتفتح فقد تكفل بتهيئة رجلي أماني جراحياً لقدمين صناعيين على أن تتكفل أي جهة أخرى بشرائهما، وهذا ما فعلته الحكومة العراقية لتستعيد أماني خطوتها بعد نحو عشر سنواتٍ من التجوال على كرسي متحرك.

مخرج الفلم فاضل ماهود، قال بان لقاءهُ بأماني قبل سنوات في نشاط اقامه اتحاد الادباء في ذيقار لم يكن صدفة، وإنما “قدرٌ ما رتب له لكي توصل صوتها  الى العالم عبر الفلم الذي أخرجته لها” وتابع مزهواً بما تحقق لأمأني” لم يكن نص فلم أماني بحاجة إلى أي معالجة درامية، وكل ما فعلناه أننا نقلنا ماحدث لها ومقاومتها لوضعها بعد بتر ساقيها ورغبتها لشديدة في تحقيق النجاح، فأصبح لدينا فلم رائع بحق”.

محددات المجتمع

أماني التي يلقبها معارفها في مدينتها بالمرأة الحديدية، تضع لنفسها لقباً في حسابها على الإنستغرام: ( أماني نصار من ذوي الهمم ). ترى أن على أقرانها من ذوي الإعاقة أن يكونوا مصدرا ايجابيا في الحياة وممارستها بشكل طبيعي. وأن النجاح لا يتوقف على الجسد وحده، فقوة وعزيمة وثقة المرأة بنفسها يمكن ان توصلها إلى مديات أبعد بكثير مما تتخيل.

وتفاخر بأنها برزت من بين (23) ألف معاق في محافظة ذي قار ذات الطابع العشائري الذي يضع محدداته الصارمة أمام المرأة السليمة، فكيف بها وهي معاقة.

شيماء سجاد (27 عام) تسكن هي الأخرى مدينة الناصرية وتعاني من شلل أطفال تقول بأن الحظ والإرادة غير كافيان لكي تحقق المرأة المعاقة طموحها في مدينة كالناصرية. فلا بد وحسب وجهة نظرها أن تكون هنالك عائلة متفهمة ومتعاونة ومجتمع واعي متقبل.

وقالت بأنها كانت تحلمُ منذُ الصغر بأن تصبح رياضية. وكانت والدتها بالفعل تحاول ان تساعدها في ذلك، لكن الأقرباء والجيران كانوا يتحدثون إليها باستمرار ويقولون أنه من غير اللائق خروجي المتكرر من المنزل ” وشيئاً فشيء اقتنعت أمي بذلك وأنا أيضاً ولم يبق أمامي سوى اكمال دراستي والتي تعطلت هي الأخرى بعد المتوسطة لأن العائلة تعتقد بأن المرأة يكفيها فقط تعلم القراءة والكتابة”.

أنا أحب إعاقتي

تحولت أماني منذ 2019 إلى ممارسة رياضة الرمي بالمسدس الهوائي، وحققت إنجازين (الأول والثاني) بطولتين متتاليتين على المستوى الوطني. تشير برضى تام إلى صورتها التي تظهرها وهي تحمل كأساً محلية علقتها في جدار صالة البيت” أنا احب إعاقتي وهي سر نجاحي. وانتقالي الى لعبة جديدة هو لأنني أطمح للدخول في تحديات جديدة وعدم الاكتفاء بما تحقق فقط” .

أماني تحصل على راتب شهري مخصص من وزارة الشباب والرياضة مقداره (90) ألف دينار، أي ما يعادل (84)دولاراً. لذا فهي تتفهم خروج الشباب في بغداد أو مدينتها للتظاهر مطالبين الحكومة المركزية بفرص عمل وحقوق أخر كالخدمات. ونزلت هي بنفسها لتساندهم في(ساحة الحبوبي) وسط المدينة.

قالت وهي على كرسيها المتحرك وسط جموع المتظاهرين بينما العلم العراقي يلف رقبتها:

“السياسيون الفاسدون وراء ما يجري في البلاد من فقر وقلة خدمات” ثم أشارت بيدها إلى رجليها الصناعيتين: “هم كانوا بطريقة او بأخرى السبب أيضاً في فقداني لساقي، ولن يعوضني شيء مطلقاً عنهما. وأنا هنا لا أريد شيئاً لنفسي وإنما للملايين من العراقيين المحرومين من أبسط الحقوق وكذلك لك لا يتكرر ما حدث لي مع أخريات”.

 

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18065}" data-page="1" data-max-pages="1">