تقارير سردیة: فوائده بيئية واقتصادية… حزام كربلاء الأخضر بين حلم إكماله ومخاوف إهماله

فوائده بيئية واقتصادية… حزام كربلاء الأخضر بين حلم إكماله ومخاوف إهماله

على جانب الطريق المؤدي الى قضاء عين التمر، غربي محافظة كربلاء (105كم) جنوب العاصمة بغداد، تظهر مجموعات متراصة من أشجار النخيل والزيتون بعرض 100 متر، وتمتد لعدة كيلومترات مشكلة قوساً يعرف بمشروع الحزام الأخضر الذي يضم مرافق سياحية بسيطة متاحة للعامة.

مشروعُ تبنت تنفيذه أول مرة الحكومة المحلية في كربلاء بالتعاون مع وزارة الزراعة في العام 2011 وأدارته لغاية 2016 وكان مقررا له أن يمتد لـ 76 كيلومتراً ويتحول الى مساحات خضراء تساهم في تحسين البيئة واستقطاب الأهالي الباحثين عن مكان للراحة وسط الطبيعة، قبل أن يتعرض للإهمال بسبب قلة التخصيصات المالية في سنوات الحرب على داعش وحتى العام 2021.

قامت العتبتان الحسينية والعباسية (مؤسستان دينيتان تقدمان خدمات اجتماعية وصحية) في مطلع العام 2022 بدور إنقاذي للمشروع المهدد بالاندثار وأشرفتا على اعادة تأهيله، الأولى على الجزء الشمالي من الحزام والثانية على الجزء الجنوبي. وباشرتا بإعادة إحيائه.

تحاول العتبتان الإبقاء على المشروع الذي يصفه خبراء في البيئة بـ”الجدار الأخضر” لقلة مساحته، وحاجته الى تطوير وتوسيع بما يحوله الى مساحات خضراء تساهم في مواجهة زحف الصحراء وتخفيف الموجات الغبارية وتقليل تداعيات الجفاف الذي يشكو منه العراق منذ سنوات بفعل التغيير المناخي.

ويعيش العراق منذ سنوات تحت وطأة الجفاف وقلة امدادات نهري دجلة والفرات من تركيا وايران، وزيادة قياسية في العواصف الترابية، ومعها تزايدت الدعوات لإيجاد حلول قصيرة وبعيدة الأمد، كزيادة إنشاء السدود الصغيرة واعتماد حصاد المياه وإنشاء أحزمة خضراء واسعة حول المدن.

عودة للحياة

وفقاً لمهندسين في العتبتين، فأن المشروع بقسميه الشمالي والجنوبي يمتدان بطول 47 كيلو متراً وبعرض 100 متر، الجزء الجنوبي يمتد لـ 27 كلم وتتوزع فيه أشجار النخيل والزيتون ذوات الجودة العالية، التي بدأت تطرح انتاجاً تبشيرياً، بينما يمتد الجزء الشمالي لنحو 20 كيلو متر وبعرض 100 متر أيضا، وهو مقسم إلى مرحلتين كل منهما بطول عشرة كيلومترات.

تقدر المساحة الكلية للمشروع بنحو 1000دونم، ويحوي أشجار النخيل بصنفين (الزهدي والخستاوي) فضلاً عن الزيتون، مع خطط وضعتها العتبة الحسينية لزراعة 35 الف شجرة يوكالبتوس ومشروعاً خاصاً لتربية النحل، مع الحفاظ على المرافق الترفيهية وبما يبقيه مكاناً ترتاده العائلات.

وبحسب عاملين في المشروع، يتم السقي بالاعتماد على المياه التي توفرها آبار تم حفرها، وتستخدم فيهما منظومة ري حديثة لترشيد الإستهلاك.

المهندس رزاق الطائي، مدير زراعة كربلاء السابق ورئيس الهيئة الزراعية في العتبة الحسينية، يقول بأن “مشاريع الأحزمة الخضراء بالاساس هي مشاريع بيئية، وفي ذات الوقت تضم الصفة الانتاجية من خلال طبيعة الاشجار المزروعة كالنخيل والزيتون، وهي تحتاج الى تمويل مالي مستمر، نظرا لكون التعامل يكون مع نباتات تحتاج إلى رعاية متواصلة وتنمية مستدامة، ما يتطلب أيدٍ عاملة ومستلزمات زراعية كالمضخات “فضلا عن توفر المياه بنحو مستمر”.

ويتابع “المشروع أصبح من المشاريع المهمة والرائدة في منطقة شمال غرب محافظة كربلاء، وأصبحت الاشجار منتجة، وهناك توجيه لدى العتبة الحسينية لجعل الحزام الأخضر واحة خضراء لاهالي كربلاء، والمحافظات الأخرى”.

وذكر بأن ادامة المشروع تتطلب تسميد الفسائل والأشجار، واعتماد منظومة ري حديثة بالتنقيط، وتوفر الأيدي العاملة من فنيين وخرجي معاهد زراعية ومهندسين زراعيين، وحتى أطباء بيطريين للعناية بالحيوانات الأليفة التي خصص لها جانب، ما ساهم في تقليل نسبة البطالة، على حد تعبيره.

مدير القسم الجنوبي من المشروع ناصر حسين، الذي تشرف عليه العتبة العباسية، يورد تفاصيل أخرى عن المشروع وخطط توسعته وادامته، موضحا أنه يحتوي على (17) واحة منجزة تضم (17) الف نخلة و(23) الف شجرة زيتون و(17) الف شجرة يوكالبتوس، وان المجموع الكلي للواحات سيبلغ (34) واحة تضم خدمات ترفيهية.

ويقول ان المشروع مدعوم بنحو 50 منظومة ري حديثة، تأخذ المياه من 50 بئراً محفورة هناك، ويتم العمل من قبل 350 عاملا بمختلف الاختصاصات من فلاحين وفنيين ومهندسين.

ورغم الجهود التي تبذلها العتبتان الحسينية والعباسية لادامة وتطوير المشروع، الا ان خبراء يرون ان الوصول الى حزام أخضر وفق المواصفات العالمية يحتاج الى خطط أدق وأوسع وتمويل أكبر وهو أمر غير متاح لمحافظة كربلاء، الأمر الذي يحول دون نجاحه وتحقيق الفوائد الكاملة البيئية والاقتصادية والسياحية المرجوة منه.

يقول جاسم الاسدي، رئيس مجموعة الحفاظ على بيئة العراق، وهي منظمة غير حكومية، بأن الحزام الاخضر في كربلاء “يعد واحداً من المشاريع المهمة” جرى التخطيط له منذ 2006 وبوشر به في 2011 بعد سنوات من التلكؤ، غير أنه تعثر مجددا مع توقف التخصيصات المالية والتي جعلت الحكومة المحلية عاجزة عن مواصلة تنفيذه.

ومن هنا لا يخفي الأسدي قلقه من توقف تنفيذ المشروع وفق ما خطط له، او عدم نجاحه بسبب قلة التخصيصات وتعثر المتابعة وزحف الرمال اليه في بعض الأجزاء وقلة الموارد المائية لإدامته.

لكنه يعود لذكر مزاياه المتعددة :”هو مهم كمشروع زراعي، وأيضاً ترفيهي، ويمثل سوراً بيئياً لحماية كربلاء من زحف الصحراء ويساهم في تخفيف موجات العواصف الترابية القادمة من المنطقة الغربية، كما يدعم تشغيل أيدٍ عاملة من الشباب خريجي الكليات والمعاهد والاعداديات الزراعية”.

ويخلص الأسدي الى القول، ان حزام كربلاء كان من المؤمل ان يكون مشروعا كبيرا من الناحية البيئية، لذا تحقيقه يحتاج الى متطلبات “مالية، ومائية” عدم ضمانها يعني تعثر انجازه، مشيرا أيضا الى أهمية اقامة مشاريع بيئية مماثلة في محافظات كالمثنى والانبار.

مخاوف واتهامات

على الرغم من استعادة مشروع الحزام الأخضر للمسار الذي خطط له، ورعايته منذ عامين بنحو يؤمن ديمومته، بعد ان كان مهدداً بالاندثار بشكل شبه كامل وهدر الأموال التي صرفت عليه، إلا أن هنالك مختصين يتهمون الحكومة بعدم التخطيط الجيد لهكذا مشاريع وعدم انجازها وفق المعايير البيئية العلمية، والبعض يصفها بأنها “حبر على ورق”.

يقول الاكاديمي والخبير البيئي د. شكري الحسن، ان “الحديث يكثر عن وجود أحزمة خضراء من اقصى شمال العراق الى جنوبه لكنه هو فقط كلام في كلام، لايوجد شيء على الأرض نفذ وفق المعايير العالمية للأحزمة الخضراء”.

ويضيف:”هنالك فقط مخططات ومقترحات وأحلام، أما شيء حقيقي على الأرض فلم يحدث”، معبراً بذلك عن عدم رضاه عن واقع الحزام الأخضر، مثله مثل آخرين كانوا يأملون أن يكون حزام كربلاء أكبر من المنجز ويشكل غابات تمثل رئة صحية للمدينة.

ويرى الحسن ان الأحزمة الخضراء تعتمد على مفهوم “الاستدامة من جميع النواحي” بما فيه اختيار الأشجار المقاومة للجفاف والرياح، ودراسة قدرتها على صد العواصف الغبارية؟ ويستدرك قائلا:”تحول مثل هذه الأسئلة دون وصف ما يتم تشييده في العراق بالأحزمة الخضراء”.

ويؤكد الحسن، حاجة العراق إلى مشاريع لأحزمة خضراء وفق المعايير العالمية:”ليس فقط لتجنب قسوة المناخ بل وأيضاً لتنقية الهواء من الانبعاثات والملوثات الغازية التي تؤدي الى تردي نوعية الهواء، فالأشجار تقوم بامتصاص ثاني اوكسيد الكربون واطلاق الاوكسجين بدلا عنه، بالتالي تمثل عامل ملطف ومنظف”.

ويعدد التحديات التي تواجه الأحزمة الخضراء في العراق :”التحدي الاول يتمثل بالتمويل، سواء كان هذا التمويل من منظمات غير حكومية أو من المؤسسات الحكومية، والثاني يتعلق بتوفير المياه لادامة هذه الاحزمة والغطاء النباتي الذي يزرع”.

ويشير إلى أن العراق في الأصل لديه مشكلة في تأمين الكميات المطلوبة من المياه للتجمعات السكانية في ظل مشكلة الجفاف، لذا فهو غير واثق من نجاح مشاريع الأحزمة الخضراء “هي تحتاج الى رعاية لسنوات حتى تبلغ الأشجار عمرا يمكنها فيه ادامة نفسها”، الى جانب المعوقات الادارية وغيرها التي تحول دون رعاية وحماية هكذا أحزمة والمحافظة عليها.

دعم وادامة متواصلة

وينتقد مراقبون للشأن البيئي، غياب التخطيط الدقيق المرتبط بانشاء الأحزمة الخضراء في العراق، فالصحفي عادل فاخر الذي يكتب في المجال البيئي، يرى ان حزام كربلاء كاد أن يتلاشى بسبب غياب المتابعة والاستدامة، مشيرا الى أهمية دراسة كل التحديات فأي تعثر أو تأخير في أي مفصل للمشروع سيهدد بفشله ويتسبب بهدر الأموال المنفقة.

الى جانب التخطيط الدقيق لكل مراحل المشروع، يشير “فاخر” الى أهمية توفير الأموال اللازمة بعيدا عن البيروقراطية الادارية “حين حدثت ضائقة مالية في فترة محددة خسرنا الأحزمة الخضراء، كان حرياً بالدولة تأمين الأموال قبل الشروع، ووضع البدائل للحالات الطارئة”.

ويرجع جاسم الأسدي، رئيس مجموعة الحفاظ على بيئة العراق، ما يصفه آخرون بالاهمال الحكومي للقضايا البيئية الملحة، الى انشغال الدولة بالملفات السياسية التي تضغط على صاحب القرار ليكون انحيازه لها اكثر من بقية الجوانب، معرباً عن أسفه لعد “أخذ الاهتمام بالوضع البيئي حيزه المطلوب” رغم ان اول وزارة للبيئة انشأت مباشرة بعد العام 2003.

ويقول ان مشاريع الأحزمة الخضراء تحتاج الى تخطيط مسبق من حيث “الأثر البيئي واستراتيجيات التنوع البيولوجي والمياه، وكذلك من ناحية الادارة والاستدامة وسبل التنفيذ، ورصد الأموال اللازمة لكل ذلك”.

اشراك الخبرات الدولية

الواقع البيئي الحرج في العراق في ظل التغيرات المناخية الحادة، دفعت بالعديد من الخبراء الى المطالبة بإبعاد ملف “المشاريع البيئية” عن العشوائية واشراك المؤسسات والمنظمات الدولية من ناحية التخطيط والتنفيذ تحت غطاء حكومي عراقي.

في هذا الصدد يقول الخبير البيئي والمدير الفني لمنظمة المناخ الاخضر الدكتور عمر الشيخلي، ان الأحزمة الخضراء تدخل ضمن مشاريع التكيف الـ(Adaptation) التي تنص عليها الاتفاقية الاطارية للتغير المناخي،:”أي هي من المشاريع التي تتكيف مع التغير المناخي العالمي، وتلك تتضمن اضافة (أحزمة نباتات شجرية) تساعد على صد حركة الكثبان الرملية، ومواجهة التصحر الحادث في المناطق التي تشهد شحة في المياه وبالتالي تدهور في الارض، كما تساهم الاحزمة الخضراء على تقليل درجة حرارة المحيط بشكل نسبي”.

ويشترط لنجاحها، أن تضم الأحزمة الخضراء “نباتات عراقية اصيلة وليست نباتات دخيلة، والا ستضاف مشكلة بيئية جديدة بسبب ادخال نباتات دخيلة على البيئة، ومن الممكن ان تنتشر وتسبب ضررا في التنوع البايلوجي النباتي بالنسبة للعراق”.

ويؤكد الخبير البيئي على ان الأحزمة الخضراء يجب ان تعتمد استراتيجية واضحة، تساهم في زيادة مستوى التنوع البيولوجي في العراق، وبالتالي تُمكّن البيئة العراقية بأن تزدهر مرة أخرى، خاصة اذا كانت النباتات التي يجري زرعها هي من البيئة العراقية ذاتها، وحينها ستقوم بجذب مختلف الكائنات الحية خاصة الطيور والملقحات واللافقريات، ذلك انها تشكل موئل في بناء مجتمعاتها والتكاثر فيها، وبالتالي سيكون هذا المشروع له تأثير مزدوج في صد التغير المناخي وصون البيئة والتنوع البايلوجي في البلاد، حسب قوله.

واقترح أن يكون هنالك تعاون وشراكات بين البرامج الحكومية وتلك التي تنفذها منظمات المجتمع المدني، ذلك ان المشاريع غير المخطط لها بشكل جيد، لا تصل الى أهدافها المعلنة. ويقصد بذلك كما يقول: “وضع استراتيجية واضحة لبناء الأحزمة الخضراء تكون متينة وقوية من خلال الجهد التشاركي بين المنظمات الاممية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في ملف التغيير المناخي وبتوجيه ودعم من الحكومة العراقية. هذا العمل التشاركي يعزز نجاح الأحزمة الخضراء، بدل العشوائية والأعمال المتفرقة التي لا تصل الى النتيجة المرجوة”.

بعيدا عن المتطلبات العلمية والفنية لانجاح الأحزمة الخضراء، بما تقدمه من وظائف بيئية وصحية وسياحية، يأمل علي جابر (34 سنة) وهو سائق سيارة أجرة من أهالي كربلاء يمر بشكل شبه يومي من مشروع حزامها الأخضر، أن تنجح جهود التشجير وتتحول المساحات الجرداء الى غابات من الأشجار توقف زحف كثبان الرمل وتلطف الجو اللاهب في أشهر الصيف.

يقول بعد ان أوقف سيارته على حافة الطريق: “هذا حلم بالنسبة لي ولأبناء المنطقة.. محافظات الجنوب تحتاج الى عشرات الأحزمة المماثلة”. يصمت للحظات ثم يتابع “آمل أن يكتمل، وأن لا يهدده ضعف التمويل وغياب الإستدامة كما حصل في 2014”.

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":23949}" data-page="1" data-max-pages="1">