تقارير سردیة: “كورونا” يضرب رئة السياحة بين العراق وإيران: قطاع بأكمله يختنق!

“كورونا” يضرب رئة السياحة بين العراق وإيران: قطاع بأكمله يختنق!

الفيروس يشل السياحة ويلحق عشرات الآلاف بجيش العاطلين

محمد الزيدي

“كورونا” أصاب رئة السياحة بين البلدين، وأصبح تنفّس العراقيين كما الإيرانيين دونه صعوبات، وقد ألحق الفايروس أضراراً جسيمة بشركات السياحة وبقطاع الفنادق والمطاعم وحتى المتاجر في البلدين وأحال عشرات آلاف العمّال إلى جيوش العاطلين من العمل.

في حديقة صغيرة ملحقة بمنزله في قضاء قلعة سكر شمالي محافظة الناصرية قرب الحدود مع إيران، يقضي المزارع علاء حسين ساعات من وقته هرباً من أجواء المنزل الحارة والانقطاع المتكرر للكهرباء. هناك يسترجع ذكريات سفراته إلى المدن الإيرانية في هذا الوقت من كل عام “حيث المتعة والأجواء الباردة”.

علاء الذي انهمك بسقي شجيراته واضعاً فوق رأسه منديلاً يقيّه حرارة الشمس، واحد من مئات آلاف العراقيين الذين يقصدون سنويا المدن الايرانية بقصد السياحة خاصة في أشهر الصيف، في المقابل هناك ملايين الايرانيين الذين يقصدون المدن العراقية المقدسة.

ذلك الواقع الذي فرضه انتشار فيروس كورونا الذي سجل اصابات في البلدين هي الأكبر على صعيد المنطقة كلها، ألحق اضرارا جسيمة بشركات السياحة وبقطاع الفنادق والمطاعم وحتى المتاجر في البلدين وأدى الى اضافة عشرات آلاف العاملين الى جيش العاطلين.

يقول علاء “اعتدت سنوياً السفر برفقة أصدقائي إلى الأماكن الترفيهية في المدن الإيرانية القريبة هرباً من صيفنا اللاهب، لكن هذه السنة اختلف الأمر بسبب انتشار فيروس كورونا الذي أوقف السفر وأصاب حياتنا بالشلل التام”.

يرطب علاء المنديل بالماء ويعيده إلى رأسه “تحتاج الى اقل من 50 دولارا لتقضي ثلاثة أيام في بلدات إيرانية حدودية كـ إيلام المجاورة، على سبيل المثال”.

مئات آلاف السياح

في مقارنة رقمية لأعداد المسافرين قبيل انتشار coved 19 وبعده، يؤكد علي الحمداني المدير المفوض لشركة الروز للسفر والسياحة في واسط، أن “الشركات السياحية المحلية في المحافظات الجنوبية نقلت صيف 2019 مئات الآلاف من السياح إلى إيران وفقاً لبرامج سياحية منوعة، لكن عملها توقف تماماً في الصيف الحالي بسبب غلق الحدود بين البلدين”.

ويعتقد الحمداني أن” أكثر من نصف مليون عراقي حرموا من السفر ومتعة السياحة هذا الموسم”، لافتاً الى أن “الصيف الحالي مثل انتكاسة كبيرة للحالمين بالسياحة خارج البلاد، اضافة الى الباحثين عن العلاج في ايران”.

وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت في التاسع عشر من شباط/فبراير 2020 عن تسجيل حالات إصابة بفيروس كورونا في مدينة قم، وما لبثت أرقام الاصابات أن ارتفعت وبنحو كبير لتأخذ مساراً تصاعدياً خارج السيطرة في عموم مناطق البلاد.

إثر ذلك علقت وزارة النقل العراقية رحلاتها إلى إيران، وبعدها أصدرت وزارة الداخلية قراراً بإيقاف منح التأشيرة السياحية للقادمين من إيران، ومنع الوافدين منها من دخول الأراضي العراقية.

وقبل تفشي فيروس كورونا كانت مواسم الصيف في العراق من أكثر مواسم انتعاش السياحة مع إيران، في ظل تأشيرة دخول تبلغ 40 دولاراً وشركات تتبنى برامجا متنوعة لاستقطاب مختلف السياح وبأسعار متدنية مقارنة بالسياحة في تركيا او لبنان.

ولطالما مثلت السياحة بين محافظات العراق والمدن الإيرانية، متنفساً جيدا وبيئة ملائمة ورخيصة الثمن للعراقيين بنحو عام ولسكان المحافظات الجنوبية والوسطى على وجه الخصوص، وشكلت مورداً جيداً للشركات السياحية.

وشكلت تلك السياحة في السنوات الأخيرة ومع تدهور الاقتصاد الايراني، موردا اساسيا للدخل لقطاع واسع من الايرانيين العاملين في مجال الفندقة والنقل والمطاعم والكافيهات والكثير من اصحاب المتاجر.

يقول خسرو محمدي، الذي يعمل في احدى شركات السياحة الايرانية: “هناك كساد غير مسبوق في عملنا، الفنادق والمطاعم والأسواق التي كانت تعتمد على السياح العراقيين باتت فارغة.. غياب السياح عمق من أزمتنا الاقتصادية في ظل استمرار انهيار العملة”.

يوافقه الرأي شوان بانيي، الذي كان ينشط في هذا المجال قبل ان يضطر للبحث عن عمل في السليمانية. يقول “فقدت عملي مع انقطاع السياح، لذا أنا هنا.. آلاف آخرون يبحثون عن أي عمل بعد تأثر أو توقف أعمالهم السابقة التي كانت ترتبط بالسياح العراقيين”.

يضيف:”بعض أصدقائي كان يتركز عملهم على نقل العراقيين الى المدن الايرانية ومرافقتهم في جولاتهم سواء للسياحة العلاجية او الترفيهية. كانت السياحة رائجة عقب تراجع التومان، لكن كل ذلك انتهى”.

كساد سياحي في كربلاء والنجف

في الجانب الإيراني كذلك، مازالت العيون تتطلع الى الحدود العراقية المغلقة، فهناك مئات آلاف الايرانيين يتشوقون لزيارة المراقد الدينية. وحاول المئات منهم إجتياز الحدود عنوة شهر آب/أغسطس 2020 لأداء الزيارة السنوية المعتادة الى الأضرحة المقدسة بكربلاء والنجف، لكنهم منعوا بالقوة.

يقول محمد عبد الزهرة، المتحدث الإعلامي باسم النقابة العامة للخدمات السياحية والنقل في كربلاء بأن “النشاط السياحي في المدينة المقدسة تراجع الى أدنى المستويات الصيف الحالي”.

وأوضح أن “الجائحة تسببت بإغلاق 537 فندقا في المدينة نتيجة الانكماش التام للسياحة الدينية اثر منع دخول الأجانب خاصة الوافدين من إيران ما أدى الى تسريح ثمانية آلاف و468 عاملاً في قطاع السياحة بالمدينة”.

ووفق تقديرات نقابة الخدمات السياحية والنقل فأن عدد الزوار الإيرانيين الذين كانوا يدخلون كربلاء والنجف قبل جائحة كورونا كان يقدر بنحو خمسة آلاف زائر يومياً، وترتفع الأعداد لتبلغ مائة ألف يومياً خلال زيارة اربعينية الامام الحسين.

ويكشف عبد الزهرة الذي يدير بذات الوقت شركة للسياحة والسفر في كربلاء عن وجود “107 شركة للسفر والسياحة و84 شركة لنقل المسافرين تعطلت جميعها وأقفلت أبوابها ما دفع  أغلب أصحابها للعمل في مهن أخرى”.

الدليل السياحي في شركة “شفق النور” بمدينة كربلاء حسين محمد الجبوري، يتحدث عن طبيعة البرامج السياحية التي كانوا يقدمونها والانعكاسات الاقتصادية لتوقفها، قائلا ان “الشركة نقلت في الصيف الماضي خلال شهر واحد فقط أكثر من اثني عشر ألف سائح من كربلاء الى ايران عبر سلسلة من المجاميع السياحية التي لم يعد لها وجود هذا الصيف بسبب غلق الحدود جراء وباء كورونا”، مبينا ان البرامج متنوعة وتستهدف عدة مدن وان هناك مجاميع تبقى اسبوعا وأخرى لفترات اطول.

ويشير إلى أن “75% من عمل شركات السفر والسياحة في كربلاء يتركز مع الشركات الإيرانية، والباقي يتوزع بين سوريا وتركيا واذربيجان وماليزيا ودبي وبعض الدول الاخرى”.

وكما منيت كربلاء بخسائر باهظة في قطاع السياحة بسبب الجائحة، انعكست الآثار الاقتصادية للوباء على محافظة النجف التي يقصدها المسلمون الشيعة من مختلف البلدان لزيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب في الأغلب عبر مطارها الدولي الذي عطلته هو الآخر القيود الحكومية الصارمة المفروضة بسبب جائحة كورونا.

ويبين رئيس رابطة الفنادق والمطاعم السياحية في النجف صائب أبو غنيم إن “إجراءات مواجهة كورونا، أدت الى غلق 350 فندقاً في مدينة النجف، بعد أن كانت تلك الفنادق لا تكفي لاستيعاب الزائرين الأجانب في الأعوام السابقة، خاصة في أوقات الذروة”.

ويذكر أبو غنيم أن” موجة الكساد السياحي ضربت أيضاً المطاعم السياحة في المدينة والتي يقترب عددها من  600 مطعم اضطر أصحابها إلى غلق أبوابها أو العمل بما لا يزبد عن 10% من قدرتها مع تحمل الرسوم والضرائب وفواتير الماء والكهرباء والخدمات الاخرى”. وبالمحصلة فان نحو خمسة آلاف عامل التحقوا بجيش البطالة المتنامي في المدينة.

برامج سياحية قصيرة ومربحة

في مواسم الصيف اللاهبة اعتادت الشركات السياحية في المحافظات الجنوبية والوسطى إِعداد برامج سياحية قصيرة الأمد وغير مكلفة لموظفي الدولة، لزيارة محافظة إِيلام الإيرانية الواقعة على الشريط الحدودي بين البلدين، لكن حتى هذا البرنامج السياحي “توقف بعدما بدأ الناس يخشون من تفشي الاصابة” حسبما يقول الدليل السياحي عبد الجبار خضير الصفراني، مشيرا إلى “اختصار تلك البرامج بمحافظة ايلام جاء لقربها ورخصها، وكثرة الأماكن الترفيهية فيها”.

وبحسب الصفراني فأن البرنامج السياحي الأسبوعي المختصر بعدة أيام كان يدر أرباحاً عالية للشركات العراقية والإيرانية على السواء فسعر البرنامج لم يكن يكلف سوى 35 دولاراً.

ويربو عدد الشركات التي تعمل في قطاع السياحة والسفر في المحافظات الجنوبية على 400 شركة ومتعهد، تعمل أغلبها من غير تراخيص رسمية من رابطة شركات السياحة والسفر في العراق، بينما تدفع الشركات المسجلة بصورة رسمية الرسوم والضرائب المستحقة عليها، ما جعلها تتأثر بخسائر كبيرة بعد غلق الحدود وتوقف حركة السياحة والسفر مع الدول الاخرى خاصة ايران التي تعد أنشط وجهة سياحية أمام تلك الشركات.

في البصرة خسائر وتسريح من العمل

لا يختلف الوضع في البصرة أكبر مدن جنوب العراق، عما هو عليه في النجف وكربلاء، رغم ان المحافظة لا تستقطب سياحا ايرانيين، فقد تراكمت خسائر الشركات السياحية التي تنضم برامج للسياحة الدينية والترفيهية في ايران.

يقول عودة خميس عباس المدير المفوض لشركة “الأطياب” للسياحة والسفر وخدمات الحج والعمرة في محافظة البصرة، إن “تداعيات الوباء وتوقف عجلة السياحة أسهم بتحمل شركات السياحة العراقية في المحافظة خسائر كبيرة، ما اضطرها الى تسريح المئات من موظفيها”.

ويضيف إن “نشاط الشركات السياحية تعرض منذ آذار/ مارس الماضي وطوال أشهر الصيف الى شلل تام، وتسبب بخسائر فادحة للقطاع الذي استمر بدفع الرسوم والضرائب وبدلات الايجار”، مبينا أن الوضع سيستمر خلال فصلي الخريف والشتاء.

ويتابع المدير المفوض قائلاً ان الشركات السياحية “تعمل بثلاثة اتجاهات هي، قطع تذاكر السفر، وتسهيل الحصول على تأشيرة الدخول للراغبين بالسفر من بعثات وقنصليات البلدان التي يقصدونها، والاتجاه الأهم هو تنظيم القوافل السياحية وإعداد برامج سياحية تتضمن جانبي السياحة الدينية والترفيهية، وجميع هذه الاتجاهات توقفت”.

عباس الذي يقرُّ بأنه سرح عدداً من موظفيه بسبب الضائقة المالية يقول إن “غلق الحدود بين العراق وايران شكلَ صدمة للشركات التي تعرضت لخسائر كبيرة بعد مواسم من الانتعاش في الأعوام السابقة”. ويضيف:”لا نعرف هل يمكننا الاستمرار في تكبد الخسائر الى عام آخر قبل ظهور لقاح”.

اتفاقيات في أدراج الرياح

بموجب اتفاق بين طهران وبغداد جرى في الحادي عشر من آذار/مارس 2019 الغيت رسوم تأشيرات الدخول بين البلدين ابتداء من الأول من نيسان/أبريل 2019 بعد اقتراح تقدم به الإيرانيون ووافق عليه الجانب العراقي، إذ تبلغ رسوم تأشيرة الدخول الى إيران 40 دولاراً وهي تأشيرة معمول بها بالمثل بين البلدين، لكنها ترتفع في العراق خلال الموسم السياحي الى 50 دولاراً بسبب الطلب المتزايد عليها من قبل الشركات السياحية.

وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2019 أعلنت السفارة الايرانية في بغداد إلغاء تأشيرات الدخول للرعايا العراقيين وعدت الختم الذي تسجله دائرة الجوازات عند منافذ الدخول الى الأراضي الإيرانية على انه يمثل تأشيرة إقامة لمدة شهر، في خطوة لتشجيع ملايين السياح العراقيين سعيا لدعم الاقتصاد الايراني الذي يعاني من عقوبات امريكية مشددة.

هذه الاتفاقيات السياحية يراها علي عبد الواحد الوحيلي مدير شركة “نبع ميسان” للسفر والسياحة في محافظة ميسان على أنها كانت عاملاً مشجعاً لإزدهار السفر قبل ان يُفسد فيروس كورونا كل شيء، منوها إلى أن “البرامج السياحية التي تتراوح عادة ما بين عشرة أيام الى 15 يوماً تكلف السائح العراقي نحو 250 دولارا كحد أعلى”.

يوضح: “نظمت شركتنا أكثر من 22 برنامجاً سياحياً إلى إيران ونجحنا في الوصول الى مختلف الاماكن السياحية في أردبيل وتبريز وكيلان وهمدان وجزيرة كيش بعد أن كان النشاط السياحي سابقا يقتصر على قم ومشهد واصفهان وجالوس ورامسر ونمك أبرود وكلاردشت شمال إيران”.

 

الهروب من الضغوط وانهيار التومان

وشهدت السياحة الى ايران انتعاشا في العام الأخير، وتم تسجيل ارتفاع في أعداد الشركات السياحية والمتعهدين في المحافظات الجنوبية بنحو لافت بسبب الرغبة المتزايدة للعراقيين بالسفر على مدار السنة هروباً من الضغط اليومي الذي فرضته الأوضاع الموتورة أمنيا وسياسيا في البلاد وتداعياتها على الخدمات والحياة بنحو عام.

وجاء تراجع العملة الأيرانية (التومان) مقابل الدولار الأمريكي والدينار العراقي كعامل مساعد على دعم شركات السياحة التي تركز نشاطها في ايران فوسعت من دائرة المدن التي تنضم جولات فيها.

الوحيلي أكد ان كورونا تسبب بالحاق خسائر كبيرة بالشركات العراقية “كل ذلك الانتعاش والآمال التي علقنا عليها ذهبت أدراج الرياح”، مضيفا ان الأمر ذاته حصل بالنسبة للايرانيين فهناك مئات الفنادق والمطاعم والمواقع السياحية كانت تعتمد في عملها على العراقيين.

يقول علي صالح حسوني وهو ضابط في دائرة جوازات معبر زرباطية الحدودي، ان السياحة انهارت ومن الطبيعي ان تتكبد شركاتها خسائر كبيرة، مبيناً أن “معدلات عبور المسافرين من المعبر وصلت الصيف الماضي الى أكثر من عشرة آلاف عراقي يومياً، في حين لم يجتزها أحد منذ أواخر شباط/ فبراير 2020 بعد تفشي الوباء”.

ويعد معبر زرباطية الحالي أحد أهم المنافذ العراقية مع إيران ويشهد منذ افتتاحه في نيسان/أبريل 2003 حركة نشيطة في عملية التبادل التجاري، إضافة إلى دخول وخروج مواطني كلا البلدين لغرض السياحة.

وترتبط المحافظات الجنوبية في العراق مع إيران بثلاثة معابر هي زرباطية في محافظة واسط والشيب في محافظة ميسان والشلامجة في محافظة البصرة، اضافة إلى مطاري البصرة الدولي ومطار الناصرية المتوقفين هما كذلك.

*انجز التقرير بدعم شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":18130}" data-page="1" data-max-pages="1">