المعارك الانتخابية.. استقطاب للشباب وتحول من الأحزاب العقائدية والقومية الى تحالفات “كل شيء”
ولادة تحالفات وأحزاب "كل شيء" تغير صورة المشهد الانتخابي العراقي وتكسر قواعد الترشيح السابقة مانحة فرصاً للأجيال الجديدة
ولادة تحالفات وأحزاب "كل شيء" تغير صورة المشهد الانتخابي العراقي وتكسر قواعد الترشيح السابقة مانحة فرصاً للأجيال الجديدة

يقف محمد سليم (٣٨ عاماً) أمام بوستر إعلاني كبير في الكرادة وسط العاصمة بغداد، يتصدره صورة زعيم سياسي والى جانبه مرشح شاب معروف بأيديولوجيته العقائدية، في الجانب الآخر من الشارع تبرز على واجهة محل تجاري لافتة تضم صورة الزعيم السياسي ذاته مع مرشح ثلاثيني علماني التوجهات، يُقدم على وسائل التواصل محتوى ساخر.
يتأمل “محمد” الإعلانين، وهو يفتح عينيه على سعتهما، بينما يشير بيده الى صور مرشحين آخرين أغلبهم ينتمي للجيل الجديد، قبل ان يمط شفتيه، ويردد: “الكل يريد استقطاب الشباب، هم لأول مرة يأخذون مساحة في القوائم لكن الى جانب مرشحين ذوي ميول مختلفة وبتوجهات سياسية وفكرية متقاطعة”.
يتوقف للحظات، قبل ان يتابع متسائلاً:”ما الذي يجمع هؤلاء المختلفين في كل شيء الا في رغبة الصعود للبرلمان؟.. كيف تقحم كل هذه التناقضات في قائمة واحدة ولمجرد جمع الأصوات؟!”.
ويشكّل الشباب الكتلة البشرية الأكبر والأكثر تأثيرا في العراق، إذ تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أنهم يمثلون أكثر من 60% من سكان البلاد أي نحو 28 مليون نسمة، وهو ما يجعل هذه الفئة محل استقطاب من قبل القوى والتحالفات المشاركة في انتخابات 11 تشرين الثاني نوفمبر 2025.
هذه النسبة العالية تعد وفق متخصصين، طاقة كبيرة ومتجددة قادرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لو أُتيح لها المجال للمشاركة في صناعة القرار وفُعِل دورها في تبني سياسات تنموية حقيقية تتجاوز قيود الدولة الريعية التي شلت قوى التغيير وتكاد تدفع الاقتصاد الى الانهيار.
ومنذ احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 برز الشباب بوصفهم العنصر المحرّك للتغيير بعد أن قادوا الحراك المدني الأكبر الذي عرفته الدولة منذ عقود للمطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة. حراك لم يقتصر أثره على ساحة التحرير في العاصمة بغداد بل امتد الى محافظات جنوبية وحظي بدعم وتأييد من الفئات المختلفة في كل انحاء العراق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حاولت بعدها القوى السياسية التقليدية، استثمار ذلك الحضور الشبابي اللافت، في الانتخابات البرلمانية في العام 2021 من خلال “الدفع بوجوه جديدة في قوائمها الانتخابية وتجميل صورتها بخطاب شبابي حديث”، يقول الباحث السياسي علي أحمد.
لكن وعلى الرغم من الحضور الشبابي المتنامي في المشهد الانتخابي والسياسي في السنوات 2020 -2025، برز سؤال كبير، بشأن الدور الفعلي للشباب في المشاركة الحقيقية بصياغة القرار السياسي؟
يرى الباحث علي، ان “دور الشباب، وبسبب طبيعة البناء غير المؤسسي للأحزاب والكتل والتحالفات، بقي خاضعا او مرهونا بتوجهات القادة المخضرمين، وظلوا مجرد ادوات لتزين صورة تلك القوى والأحزاب التقليدية، دون ممارسة دور فعلي الا في اطار ظاهرة التوريث المرتبطة بمنح الزعيم موقعه لأبنه”؟.
أستاذ العلوم السياسية الدكتور نجم الغزي، قدم قراءة تحليلية بشأن توجه الاحزاب العراقية وبنحو أكبر في استقطاب الفئة الشبابية، يقول:”هي باتت تدرك ثقل هذا الجيل انتخابيا واجتماعيا، فأعدادهم ارتفعت في الكثير من القوائم، لكن دون منحهم مفاتيح القرار الحقيقي”.
ويشير إلى أن الأحزاب توجهت نحو الشباب عبر ترشيحهم أو استقطابهم كناشطين ضمن حملاتها الانتخابية، محاولين تصحيح شيء من مساراتها:” فعدد كبير من مرشحي تلك القوى الذين وصلوا إلى البرلمان في دورات سابقة فشلوا في الاستمرار أو لم يحظوا بقبولٍ واسع لأسباب عدة أهمها عدم تحقيق مطالب الشعب، وتحديدا تطلعات شريحة الشباب”.
ويرى الغزي، أن هنالك تحوّلا لافتا في سلوك بعض القوى السياسية، يتجسد في استقطاب الشباب من جهة والاقتراب مما يُعرف في الغرب بـ”أحزاب كل شيء” من جهة ثانية :”وهي أحزاب تسعى لتلبية مطالب الجمهور على اختلافها دون الالتزام بأيديولوجيا محددة، تحاول أن تكون كل شيء للناس او تمثل كل شيء، وتقدّم ما يريده الجمهور من وعود”.
ويستدرك:” قد يكون هذا توجها جيّداً من حيث المرونة السياسية، لكن الإشكال يبقى بمدى سماح القرار الحزبي للوجوه الشابة أو المستقلة بالمشاركة الفعلية في صناعة القرار.. هل ستظل أدوارهم محدودة ام ستكون لهم مساهمة أكبر؟”.
ويعتقد أن ثمة إشكالية كبيرة في النظام السياسي العراقي، وهي أن “القرار النهائي في الأحزاب لا يصنعه النواب ولا القواعد التنظيمية بل يبقى بيد الزعامات الكبرى، واغلب الزعماء ليسوا أعضاء في البرلمان لكنهم من خارج المجلس يطلقون القرارات ويحددون الاتجاه السياسي للبلاد بغض النظر عن تعهدات وتوجهات نوابهم ومرشحيهم”.
هل تعطي ظهور تحالفات “كل شيء” أملا للشباب بالفوز وتمنحهم فرصا لاتخاذ القرارات؟
هذا الواقع جعل النظام السياسي “محكوماً بثمان او عشر شخصيات نافذة فقط تتحكم بالمسار العام، على الرغم من ان بعض الشخصيات حاولت في فترة معينة التمرد والانتقال من حزب الى آخر، ولكن بقي القرار فاعلاً بأيدي الزعامات” على حد قوله.
كما يرى بأن الكثير من الأحزاب “لم تعد تراهن على الأيديولوجيا والأفكار والبرامج، بقدر ما تعتمد على اطلاق شعارات عامة، واستقطاب شخصيات قادرة على جلب الأصوات، مثل شيوخ العشائر وبعض الأكاديميين الذين برزوا في الاعلام، والوجوه الاجتماعية المستقلة”.
وهذا القبول الواسع لمختلف المتبنيات، من قبل بعض الأحزاب والقوى، خلق ما يمكن تسميته بـ”حزب كل شي”، ودفع باتجاه بناء قوائم تحاول فهم او مجاراة ما يريده الناس، وتعلن عن سعيها لتحقيق ذلك “وهذا الشي جيد في العمل السياسي”.

هذا النوع من القوائم، التي إن تحولت مستقبلا الى أحزاب حقيقية ذات بناء مؤسسي وبمتبنيات واضحة، وليس مجرد تكتلات اعلانية انتخابية مؤقتة، فستمثل رؤية جديدة، وهي تستطيع أن تستقطب الشباب وبقية الشرائح الطبقية والفئات المهنية التي لها مطالب مختلفة دون ان تتبنى افكارا سياسية معينة.
ويُعرف، حزب كل شيء أو “الحزب الشمولي- الجامع” بأنه الذي لا يتقيد بايديوجيات معينه ويسعى إلى استقطاب قاعدة واسعة من الناخبين دون النظر إلى الانتماءات الفكرية أو الطبقية.
وقد صاغ هذا المفهوم عالم السياسة الألماني أوتو كيرشهايمر في ستينيات القرن الماضي، حين لاحظ أن الأحزاب التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية – مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) – بدأت تميل إلى البراغماتية السياسية بدلا من التمسك بالخطاب الأيديولوجي التقليدي.
وتتميّز هذه الأحزاب بأنها تُقلّل من الطابع العقائدي، وتتبنّى خطابا عمليا واقعياً يلقى صدى واسعا لدى الجمهور، مع تعزيز دور القيادة الحزبية على حساب البُنى التنظيمية الوسيطة أو العضوية القاعدية، كما تسعى إلى جذب الناخبين عبر قضايا عامة جامعة مثل التنمية الاقتصادية، مكافحة الفساد، تحسين الخدمات، وتعزيز الهوية الوطنية، بدلاً من الاعتماد على الانتماءات الطائفية أو الطبقية كأساس للدعم الانتخابي.
ويرى مراقبون ان ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، ربما حاول مبكرا الاستفادة من تلك الرؤية لأغراض انتخابية فلم يعتمد على الرصيد السياسي والامكانات التنظيمية لحزب الدعوة فقط بل توسع الى خارج ايديولوجيته العقائدية والسياسية. وبعض شخصياته يصفون تحالفهم الحالي بأنه “خيمة واسعة جامعة” كونه يضم عناصر من طيف اليسار واليمين السياسي، ويجمع شخوصا من خلفيات متباينة تحت بناء واحد.
وفعلت ذلك أيضا حركة تقدُّم التي يقودها محمد الحلبوسي، فأسس لقائمة سنّية كبيرة تضم سياسيين وشخصيات عشائرية، وسعى الى ضبط ايقاع عمل حركته من خلال أسس تنظيمية، لكي لا تظل مجرد كتلة جامعة قد تواجه التفتت بعد فترة حين تتضارب مصالح شخصياتها، كما حصل مع قوائم وتحالفات سنية سابقة.
وتوصف قائمة تقدم، من قبل مراقبين للمشهد الانتخابي، بأنها “قومية وشمولية” تسعى لجذب أصوات فئات مختلفة من المجتمع. هي خط تأسيسي جديد لم ينضج بعد، لكنه كبر سريعا بعد ان نجح في تجاوز مرحلة “الاحزاب الاسلامية السنية المنغلقة”. وهي تعد نفسها بديلا وطنيا عن الأحزاب التقليدية.
هذه التحالفات الجامعة، بغض النظر عن خلفياتها السياسية وأهدافها، تتميز بقدرتها على استقطاب الشباب ودمجهم ضمن مسار برامجها وعملها، لأنها قادرة على تجاوز التراتبية التنظيمية الى جانب تجاوز القيود الفكرية والعقائدية.

يقول، نور نبيه جميل، وهو باحث شارك ضمن فريق في إعداد تقرير لصالح مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أن عددا من القوى الناشئة والمرشحين المستقلين، ولا سيما من فئة الشباب، اختاروا الانضمام إلى قوائم القوى التقليدية في الانتخابات الحالية “بهدف الاستفادة من التسهيلات الدعائية والدعم اللوجستي الذي توفره الأحزاب الكبرى”.
هذا الدعم أساسي لفوز اي مرشح في ظل الدور الكبير للترويج الاعلامي، والذي يتطلب ماكنات اعلانية ممولة بسخاء.
ويرى العديد من المرشحين الشباب في هذه القوائم، ان وجودهم يمثل فرصة لكسب خبرات، وربما التقدم في دائرة المساهمة في القرار، بدل الانضمام الى أحزاب ناشئة فقيرة الإمكانيات، ولا تحظى بأي فرص حقيقية للفوز والاستمرار.
يقول المرشح الشاب مهند حسين الغزي، من محافظة البصرة، ان حمل هموم الشباب العاطلين والخريجين منهم هو الدافع الأساس وراء ترشحه للانتخابات.
ويضيف ان البصرة تمتلك ثروات نفطية وموانئ استراتيجية “لكن شبابها يواجهون الإقصاء من فرص العمل بذريعة قلة الخبرة، ما يفتح الباب أمام العمالة الأجنبية في المشاريع النفطية. هذا غير مقبول ولا يمكن السماح باستمراره”.
ذلك الواقع، دفع الغزي قبل أشهر إلى تنظيم “برنامج تدريب مهني” بالتعاون مع شركات متخصصة “لتطوير قدرات الشباب”، يقول انه نجح في تشغيل نحو 600 شاب بصري في الشركات النفطية وان “هذا يثبت ان الشباب قادرون على صناعة التغيير وخلق الفرص”.
الغزي أشار الى توجه العديد من القوائم نحو استقطاب الشباب، مبينا أن كتلة “صادقون” الانتخابية في البصرة، أكثر من 50% من مرشحيها هم من فئة الشباب، وان مجموعة من المرشحين الشباب من كتل مختلفة “اتفقوا على العمل المشترك بعد الفوز على ملفات مهمة كالتربية والصحة وتمكين الشباب”.
لكن المرشح الشاب، يقر بانهم كشباب في منافسة صعبة وغير متكافئة في مختلف القوائم، لأن “المنافس هو المال السياسي..مال الفاسدين، هؤلاء يقومون بشراء الذمم”.
ويقول الدكتور علي صبار، وهو مرشح شاب عن تحالف بارز في محافظة ذي قار، إن الإخفاقات المتكررة في الدورات البرلمانية السابقة دفعت إلى فقدان الثقة بالعملية السياسية “والبرلمان أصبح شبه معطل بسبب المحاصصة، ولولا ظهور بعض الوجوه الشبابية الفاعلة من ميسان والبصرة وبابل، لكان المشهد أكثر قتامة”.
ويرى ان هؤلاء النواب الشباب أعادوا الأمل في إمكانية التغيير “وماقاموا به حفزنا لخوض التجربة، على امل تصحيح المسار السياسي وتلبية طموحات الناس”.
ويعتمد صبار في ترشحه على قاعدة مدعومة من العشائر والمجتمع المدني والموظفين على حد سواء، كما يقول، لذا هو يؤمن بأن فرصته جيدة للفوز، مشيرا إلى أن التحالف الذي ترشح من خلاله ضم نسبة شباب وصلت الى 40% “يمتلكون رؤى واقعية وطموحة لتجديد الحياة السياسية في البلاد”.
مراجعة القوائم الانتخابية البارزة في محافظات جنوبي العراق، مثل ذي قار والبصرة والديوانية، تظهر حضورا جيدا لجيل جديد من المرشحين، تتراوح أعمارهم بين أواخر الثلاثينيات ونهاية الأربعينيات، في مؤشر على تغير نسبي في رؤية القوى التقليدية لدور الشباب.
وسيشكل فوز جزء من هؤلاء، تجديدا في المشهد الانتخابي سيساهم في تنمية دور الجيل الجديد داخل الكتل السياسية التقليدية. في المقابل سيعني فشلهم على نحو واسع، انتكاسة، خاصة ان ضعف امكاناتهم المالية وقلة تجربتهم في التحشيد الاجتماعي تمثلان تحديين كبيرين في مواجهة المرشحين الكبار ممن يملكون المال والوجاهة الاجتماعية.
ومن ناحية نسب المرشحين الشباب، تبرز قائمتين كبيرتين هما ائتلاف “الاعمار والتنمية” بزعامة محمد شياع السوداني، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وتصل نسب المرشحين الشباب فيهما لنحو 40%، فيما تظهر قائمة حركة “سومريون” و”البديل” نسب عالية تتجاوز الـ 60%.
في محافظة البصرة تبرز بعض الأسماء الشبابية النشطة ضمن قوائم كبيرة متنافسة، من بينهم إيمان المالكي عن “ائتلاف دولة القانون”، وحيدر الحسان عن “منظمة بدر”، ومهند الغزي عن “كتلة صادقون”، وأحمد داغر الموسوي ورجب المظفر عن “ائتلاف التنمية والإعمار”، كما يشارك أسعد العبادي ضمن “تحالف تصميم”، وعلي عدنان العبادي عن “تحالف قوى الدولة الوطنية”، إضافة إلى علي مهدي عن “حركة حقوق”.
أما في محافظة ذي قار، فتخوض السباق وجوه شابة بعضها معروفة على الساحة، فيضم تحالف “أبشر يا عراق” علي صابر علي فهد وسجاد رياض، ومن “ائتلاف دولة القانون” يعقوب رحم و ضياء الناصري وسجاد يوسف وعلي منجل، كما يخوض السباق عن “ائتلاف التنمية والإعمار” كل من جاسم حسن حسن صكبان ومحمد خالد ودنيا ربيع، فيما تضم قائمة “تحالف قوى الدولة الوطنية” كلا من مظفر الزيدي، قسطل الحجامي، ومعتز الحبيب.
وفي محافظة الديوانية يتقدم عدد من المرشحين الشباب المشهد الانتخابي، من بينهم عن تحالف “قوى الدولة الوطنية” عباس عزيز وطارق البرقعاوي، وعن “ائتلاف الإعمار والتنمية” كل من حسن سلمان آل مكوطر وحيدر حسن مانع القصير وعلا المحنا ونور نافع”.
كشف المرصد النيابي العراقي عن إحصائية رسمية بأعمار أعضاء مجلس النواب في دورته المنصرمة التي جرت انتخاباتها في العام 2021، اشارت إلى أن الغالبية العظمى من النواب ينتمون إلى الفئات العمرية المتقدمة، مقابل تمثيل محدود للشباب الأصغر عمرا داخل البرلمان.
وبحسب التقرير، فإن عدد النواب الذين تجاوزت أعمارهم السبعين عاما بلغ تسعة نواب فيما بلغ عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 60 الى 69 عاماً نحو 48 نائبا.
أما الفئة الأكبر عددا فهي التي تتراوح الاعمار فيها بين 50 الى 59 عاما بواقع 126 نائباً، تليها الفئة العمرية من 40 إلى 49 عاماً والتي تضم 110 نائباً.
وجاء في التقرير أن النواب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما بلغ 36 نائباً، ما يعكس فجوة عمرية واضحة داخل المؤسسة التشريعية، ويطرح تساؤلات بشأن محدودية تمثيل الجيل الشبابي في الحياة السياسية رغم كونه يشكّل أكثر من 60% من سكان العراق، وهم يمثلون فرصة لتحقيق “التنمية الاقتصادية” اذا انتهجت سياسات بناءة لقيادة البلد “بعيدا عن فكرة الدولة الريعية المتعبة حاليا، والتي عززتها المحاصصة والرغبة في الاستمرار بالسلطة من خلال كسب الأصوات عبر رشوة المجتمع”، كما يقول الباحث علي أحمد.
الدكتور علي العتابي، من مركز “البوصلة” للدراسات والحوار، يرى بأن حرص القوائم الانتخابية التي تمثلها أحزاب وقوى مختلفة على تقديم وجوه جديدة وشابة في انتخابات 2025 ليس بالخطوة العفوية أو مجرد تجميل شكلي، بل هو “تحرك استراتيجي لإعادة التموضع السياسي وكسب النفوذ المفقود في الشارع العراقي”.
ويوضح ان “معظم القيادات الكلاسيكية فقدت بريقها بعد أكثر من عشرين عاما من التجربة السياسية دون أن تحقق تطلعات المواطنين” مما جعل القوى السياسية تفتح أبوابها لوجوه جديدة علها تقنع الجمهور الذي يبحث عن “بدائل جديدة تعبر عنه وتفهم واقعه”.
ويؤكد العتابي ان “إعادة تدوير الوجوه القديمة لم تعد خيارا آمنا للأحزاب، بل تهدد بفقدان ما تبقى من حضورها الجماهيري، لذلك نراها اليوم تتجه نحو الشباب وببرامج وخطابات جديدة أكثر قربا من الشارع”.
والشباب بما يشكلونه من ثقل سكاني في العراق، يمثلون القوة المحركة الأكبر في المجتمع، وأثبتوا خلال السنوات الماضية، بحسب العتابي “قدرتهم على تغيير المعادلات السياسية”، مستشهداً بـ حراك تشرين الذي قال بأنه نجح في إسقاط حكومة كانت تمثل مصلحة احزاب نافذة و”فتح الطريق أمام وصول شخصيات مستقلة إلى البرلمان”.
ويخلص الى القول ان “جميع القوى اليوم تدرك أن الرهان على الشباب لم يعد ترفا سياسيا بل ضرورة وجودية، ومن يكسب ثقة هذه الشريحة سيكون صاحب اليد الطولى في رسم المشهد المقبل”.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كشفت عن تسجيل 7768 مرشحاً للانتخابات البرلمانية للعام 2025. رقمٍ يُعد الأعلى في تاريخ الانتخابات العراقية منذ عام 2005، بحسب تقرير مركز المنير للدراسات والتنمية المستدامة.
ووفقاً لإحصائية المركز، فإن من بين المرشحين 5520 من الذكور و2248 من الإناث، ما يعكس زيادة ملحوظة في نسب المشاركة النسوية مقارنة بالدورات السابقة. ويلاحظ مراقبون ان النساء بأعمار الشباب في القوائم الانتخابية في بغداد والمحافظات الشمالية والغربية، يشكلون نسبة كبيرة، فهن يبدين جرأة أكبر لخوض المنافسة الانتخابية خاصة مع حصولهن على تعليم افضل مقارنة بالأجيال السابقة.
وأشار المركز إلى أن هذه الأرقام تُظهر قفزة بنسبة تفوق 41% عن انتخابات عام 2021 التي بلغ عدد المرشحين فيها 3227 شخصا، وهو “يعكس حالة حراك سياسي وانتخابي غير مسبوقة في البلاد”.
ويوضح التقرير أن المفوضية لم تُفصح حتى الآن عن بعض التفاصيل الإحصائية الدقيقة، خصوصاً ما يتعلق بتوزيع المرشحين بحسب الفئات العمرية والخلفيات المهنية والانتماءات الحزبية السابقة، وهي مؤشرات ستكشف طبيعة التحولات داخل المشهد الانتخابي ومدى حضور الجيل الشبابي والمرشحين المستقلين في المنافسة المقبلة.
على الرغم من استقطاب القوائم المتنافسة لمرشحين شباب في انتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وسعي الأحزاب والقوى النافذة الى تسويق الوجوه الجديدة لجذب الناخبين المقاطعين والمترددين، إلا أن مؤشرات العزوف ما تزال مرتفعة مدفوعة بحالة الإحباط العام وتوجيهات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لأنصاره بعدم المشاركة في الاقتراع.
وبحسب بيانات مركز البيان للدراسات والتخطيط فإن منحنى المشاركة الانتخابية في العراق يشهد تراجعا متواصلا منذ عام 2010 إذ بلغت نسبة المشاركة حينها 62% لتنخفض إلى 60% عام 2014 ثم 52% في انتخابات 2018 وصول إلى 41% في اقتراع عام 2021. أما انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023 فقد سجّلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ العراق الحديث عند 39% فقط.
هذه الأرقام كما يوضح المركز، تعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطن والنظام السياسي، إذ لم تعد الوعود الانتخابية ولا تغيير الوجوه كافيين لإقناع الناخبين بالمشاركة، بينما تتصاعد الحاجة إلى إصلاح سياسي حقيقي يعيد ثقة الشارع بالعملية الديمقراطية.
ومع أمل صغير، بصعود عشرات الوجوهٍ الشابة التي ترشحت في المنافسة وظهرت خلال الحملات الانتخابية وهي ترفع شعاراتٍ تعدُ بالتجديد والإصلاح، يظل الشك قائماً بشأن امكانية أن تسمح زعامات وقيادات القوى التي ستحصد العدد الأكبر من المقاعد، للجيل الجديد أن يصنع قراره، وسط غلبة عقلية ادارة اللعبة من خلف الستار.


