

تتراصف على جوانب الطرق وأرصفة الشوارع في مدينة الموصل (405 كم شمال بغداد) ثاني أكبر المدن العراقية، آلاف من صور المرشحين المنتمين لتحالفات مختلفة (عربية سنية، كردية، شيعية، ومسيحية) والمتنافسين على الفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، ما يميز المنافسة في نينوى عن باقي مناطق البلاد.
لكن هناك تفصيل آخر يميز الانتخابات في المحافظة المعروفة بتنوعها القومي والديني والمذهبي، والتي خرجت قبل اعوام قليلة من حرب مدمرة مع تنظيم داعش، فالاعلانات الكبيرة الموزعة في أبرز مناطق نينوى تحمل الى جانب صور المرشحين وشعارات قوائمهم وأرقامهم الانتخابية صورة رئيس القائمة الانتخابية التي تنافس في نينوى ومحافظات أخرى. وجل هؤلاء القادة هم شخصيات سياسية من خارج المحافظة.
جابر فيصل (52 سنة) الذي يدير مكتباً هندسيا انشائياً في المدينة، يرصد من نافذته تزاحم اعلانات المتنافسين، يعبر عن شعوره بالاستغراب من “التشوهات البصرية التي خلقتها في الشوارع”، وايضا من انتشار صور شخصيات لا علاقة لها بنينوى، شخصيات من الأنبار او بغداد او حتى ميسان أو صلاح الدين وغيرها. يتساءل مبتسماً “ماذا تفعل في نينوى؟”.
يوجه سبابته نحو رأسه ويواصل:”أفكر في هذا دائما، هل هنالك في شوارع المحافظات الأخرى صور لقادة سياسيين من نينوى؟ بكل تأكيد لا”.
ويضيف:”لامشكلة بالنسبة لي ماداموا عراقيين، المشكلة هي انني وغيري من اهالي نينوى نعرف يقينا بأن هؤلاء (قادة الاحزاب والكتل) فاسدون وهدفهم الرئيسي ليس خدمة نينوى التي لا ينتمون لها ولا يعرفونها، بل الاستحواذ على قرارها السياسي والاداري، على الاستثمارات والعقارات والأراضي وإدارة المؤسسات الحكومية بما تضمه من أموال مشاريع”.
ويتابع:”من اين يأتون بأموال هذه الاعلانات الضخمة، وأموال كلف الحملات والعزائم والهدايا؟ من أين يأتوون بأموال أرتال مركبات الحماية باهظة الثمن، والقصور والفنادق والمولات والمطاعم والجامعات والمستشفيات التي يملكونها؟”.
يشير الى صف طويل من اللافتات والصور على جانب الطريق في الشارع المؤدي الى حي الزهور في الجانب الأيسر للموصل:”بعض من هذه الوجوه اقيل اصحابها من مناصبهم السابقة لأسباب مختلفة، بعضهم ارتبطت اسماؤهم بقضايا فساد كبيرة، ويظهر باستمرار من يتهمهم بالسرقة والمحاصصة والاستيلاء على عقارات الدولة، ومع ذلك صورهم في شوارعنا وكأن شيئا لم يكن!”.
يزيد اعداد سكان محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، ويتنافس فيها وفقا لمكتب مفوضية الانتخابات في نينوى، 1047 مرشحاً بينهم 282 من النساء، يمثلون 37 قائمة انتخابية تعود لأحزاب و9 تحالفات، يتنافسون على 34 مقعدا هي حصة المحافظة في مجلس النواب، ثلاثٌ منها مخصصة للكوتا.

يوجد من بين تلك القوائم 14 قائمة “كوتا” تمثل الأقليات في نينوى، وهي المسيحيين والشبك والايزيديين، سيتنافس مرشحوها لشغل ثلاثة مقاعد نيابية.
وتظهر تصريحات المرشحين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ووسائل التواصل الإجتماعي، أن هنالك صراعات كبيرة بين القوائم عموما وداخل المكون الواحد، أفرزت الكثير من الاتهامات المتبادلة بشأن الولاءات والمصالح، وكشفت عن حقائق بما فيها ما يرتبط بإدارة تلك القوائم من قبل أحزاب من خارج نينوى، كما أظهرت مؤشرات وجود خطط تستهدف تقسيمها.
وهذه الحقائق والاتهامات، كانت تتكرر وبأصوات عالية خلال السنوات الثمان المنصرمة، أي بعد تحرير المحافظة من سيطرة داعش في صيف 2017، ولاسيما أن أحزابا سنية وشيعية وكردية كبيرة من خارج نينوى، تنافست فيما بينها بعد تشكيلها قوائم انتخابية في 2018 و2021 وتستعد لفعل ذلك مجددا وعلى نحو أوسع في 2025.
ويرى سياسيون وباحثون من نينوى، أن ذلك أدى فعليا الى سيطرة تلك القوى على الحكومة المحلية ومجلس المحافظة، وادارات المؤسسات الحكومية والأمنية، بعد اخضاع المقاعد الممثلة لنينوى في مجلس النواب الى إرادتها، عبر نواب من المحافظة لكن ولاءهم لخارجها.
أحزاب دخيلة
عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى محمد العبد ربو قال في مؤتمر انتخابي، أن هنالك نحو 24 قائمة انتخابية ستشارك في نينوى بالانتخابات البرلمانية، وهي ليست من المحافظة. ثم تحدث عن وجود صراع سياسي خارج نينوى للسيطرة على المحافظة ومقدراتها.
وذكر أن هنالك أسباباً عدة لهذا الصراع منها، رغبة بعض الأحزاب في السيطرة على اقتصاد المحافظة، واشار الى امثلة تعلقت باستحواذ احزاب من خارج المحافظة على أراض فيها، وكذلك وجود مكاتب اقتصادية تابعة للأحزاب. وهي تحصل على جزء كبير من المشاريع الحكومية.
أما محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، وهو مرشح بارز في قائمة “نينوى لأهلها”، فيتحدث عن وجود أكثر من 20 قائمة انتخابية رئيسية بنينوى فقط اربعة منها من المحافظة، والبقية من خارجها.
ويقول:”أنا أتلمس الخطر على هوية نينوى، فعندما تمشي في شوارع المحافظة سترى صوراً لقادة لا يمتون بصلة لنينوى، وهي موجودة في كل مكان”.
الشيخ عبدالله عجيل الياور، الذي يترأس ذات القائمة الانتخابية، أدلى بتصرحات مماثلة، قال فيها ان “قرار نينوى يأتي من خارجها وليس بيد أبنائها” وان في المحافظة 24 قائمة انتخابية، اثنان منها فقط من المحافظة والباقي من خارجها “نعم المرشحون فيها من نينوى لكنهم مكبلون بإرادات كتلهم الأكبر”.
https://www.facebook.com/watch?v=1513846513374323
مدير اعلام مكتب انتخابات نينوى سفيان الجبوري، قال في تصريحات صحفية، ان هنالك بالفعل قوائم رؤساؤها من خارج محافظة نينوى، لكن عددها سبعة فقط: “غير ان المرشحين فيها هم من داخل محافظة نينوى”.
الكاتب والباحث السياسي عادل كمال، يقول بأن وجود احزاب دخيلة وبعدد غير قليل من محافظة أخرى تتصدر المشهد في محافظة ما، هي سابقة تحدث في نينوى فقط، وقد نجم عن ذلك جملة من النتائج السلبية على رأسها طبيعة تمثيل المحافظة على المستويين التشريعي والحكومي.
ويشير إلى أن مركز نينوى، مدينة الموصل وبعض الاجزاء الاخرى من المحافظة عانت منذ 2003 ولغاية تحريرها من احتلال تنظيم داعش لها في 2017، من تدهور أمني، واستهداف للكفاءات وللتجار والسياسيين فيها قتلا وخطفا وتهديدا.
تلك الظروف أدت الى اهمال وتردي في الخدمات العامة بعموم المحافظة، الى جانب نشوء صراع بين الحكومتين المحلية والمركزية، وحصلت فجوة بين القوى الأمنية المنتشرة في نينوى والمرتبطة ببغداد، وبين الحكومة المحلية “استغلتها الجماعات المسلحة باستمرار في زعزعة الأمن” حسب قوله.
ويتابع:”كنتيجة لكل ذلك، فقد اهالي الموصل الذين يزيد اعدادهم عن مليوني نسمة ثقتهم بالطبقة السياسية، وقاطعوا اول انتخابات تشريعية جرت بعد تحريرها وكانت في 2018″.
ويلفت إلى أن قوى سياسية من خارج نينوى تقودها شخصيات من محافظة الانبار أو صلاح الدين، فضلا عن قوائم شيعية تتبع قوى الاطار التنسيقي، استغلت ذلك لمصلحتها وأخذت تقدم المغريات لمرشحين في نينوى للدخول في قوائمها الانتخابية، وعندما حصلوا على مقاعد نيابية أو مناصب في الوزارات والمؤسسات العامة “كان ولاؤهم لتلك القوى ويأتمرون بأمرها”.
ويوضح:”عند قبول المرشح في الانتخابات في قائمة ما، يوقع على بياض للحزب او التحالف، ويكون مجبرا في حال حصوله على منصب ما، بتقديم الامتيازات واموال المشاريع وسواها، وإلا يتم عزله او إجباره على الاستقالة، وهنالك اقرارات واضحة بذلك من قبل بعض رؤساء الاحزاب والسياسيين”.

نفوذ السلطة والمال والفصائل
الناشط السياسي بدر علي محسن، يوضح كيف يمكن لقوى خارج نينوى من السيطرة على نينوى: “القوائم الانتخابية التي يتزعمونها تمتلك النفوذ والسلطة، فهي تستثمر وجودها في رئاسة الوزراء او مجلس النواب او أحدى الوزارات، أو تعتمد على قوة السلاح من خلال الميليشيات التي تتبعها، وهذه القوى جميعا تملك المال السياسي لشراء الأصوات” على حد قوله.
وعن تفسيره، لسبب انتخاب مواطنين في نينوى لمرشحين موالين لقوائم من خارجها، يقول بدر، ان اللعبة تحكمها الامتيازات والوعود، الى جانب ان “نينوى متهمة على المستوى العراقي بانها كانت حاضنة للتنظيمات الارهابية آخرها تنظيم داعش، لهذا يحاول البعض في نينوى تصحيح هذا المفهوم من خلال فتح الأحضان لقوائم من خارجها وتأكيد عراقية محافظتهم”.
ويستدرك:”لكن هذا الأمر غير مسموح به لقوائم ومرشحين من نينوى في محافظات أخرى، وهنا تكمن المفارقة!”.
عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى لقمان الراشدي، يقول بأن “عاصفة انتخابية قوية من خارج نينوى ضربت المحافظة قبل خمسة اشهر من الانتخابات، تمثلت في ضخ اموال كبيرة لتغيير المشهد السياسي في المحافظة، وهو مال سياسي، مال فساد”.
وذَكر الراشدي ان “بعض الاحزاب تعتمد على الفصائل والحشود العسكرية، وهي قادرة على اجبار منتسبيها على اختيار شخصيات معينة، رغم مخالفة ذلك للقانون، وقد قدمنا مناشدات الى رئاسة الوزراء والهيئة المستقلة للإنتخابات من اجل ابعادها عن القضايا السياسية”.
ويعتقد الراشدي، بان تلك، ظاهرة سلبية ستؤثر على نينوى ومستقبلها، ودعا الناخبين الى “اختيار ممثلين من المحافظة حصرا، الذين ولاؤهم لها”.
النائب عن نينوى أحمد الجبوري، يقول بأن “هنالك زحاماً انتخابياً في المحافظة، من خلال تنافس أكثر من عشرين قائمة على 31 مقعداً”، منها قوائم تقودها شخصيات من خارج نينوى مثل الاطار التنسيقي “الذي دخل المنافسة بثلاثة قوائم، فضلاً عن قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الى جانب قوى آخرى دخلت بقائمتين، مثل التي يقودها خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، وهنالك قوى دخلت بقائمة واحدة فقط مثل عزم وغيرها”.
واتهم خلال لقاء تلفزيوني تلك القوى “بعدم تقديم اي شيء لنينوى” على الرغم من أنها كانت قد فازت بمقاعد عديدة في الدورتين البرلمانيتين السابقتين ومع حصول مرشحيها على وزارات. ويقول ان “كل ما يشغل تلك القوى هي التحشيد وجمع الأصوات وبأي طريقة كانت، حتى وإن لم تكن قانونية”.
الشيخ عبد الله عجيل الياور، وهو شيخ قبيلة شمر ويرأس قائمة “نينوى لأهلها”، يقول بأن وجود قوى من خارج نينوى تحشد للإنتخابات فيها، أفرز عن تمثيل حكومي ضعيف لنينوى “فـ 33 مقعداً برلمانياً الذي تملكه نينوى، لم يترجم الا بالحصول على وزارتين هي الدفاع والثقافة، ولا نجد في الأجهزة الأمنية لا رئيس جهاز ولا حتى وكيل لرئيس جهاز، وهذا ينطبق على الوكالات في الوزارات”.
وتحدث عن تعيين نحو مئة سفير للعراق مؤخرا في مختلف دول العالم “كانت حصة نينوى صفر، أي لايوجد أي سفير من أبناء نينوى، في حين أن أهلها يشكلون 11% من سكان العراق”.
وانتقد الكتل والقوى السياسية من خارج نينوى التي لديها قوائم انتخابية فيها بقوله:”كان عليها في الأقل أن يقدموا 11 سفيرا من نينوى!”.
قوائم بزعامات سنية شيعية كردية
تظهر القوائم الرسمية لمفوضية الإنتخابات، ان هناك أربعة تحلفات تحمل أسمي “نينوى” و”الحدباء”، في تأكيد على هويتها المحلية. وبحسب باحثين فان أبرز القوائم التي تمثل تحالفات وأحزاب تنافس في نينوى، هي “نينوى لأهلها” و”الحسم الوطني”، وتضمان شخصيات معروفة في المحافظة منهم وزير الدفاع ثابت العباسي ومحافظ نينوى السابق نجم الجبوري، وشيخ قبيلة شمر عجيل الياور. وتحالف “نينوى أولا” بزعامة الشيخ راكان راشد الطحان، وهو من محافظة نينوى. وحزب اللواء الوطني بقيادة ضياء العزاوي من الموصل. وحزب “مدنيون” الذي يقوده النائب أحمد عبد الله الجبوري، وهو من اهالي جنوبي الموصل.
وهذه القوائم تنافس قائمة “الاعمار والتنمية” التي يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهو شيعي من محافظة ميسان، وقائمة “منظمة بدر” التي تعد ركن اساسي في الائتلاف الشيعي الحاكم المعروف باسم “الاطار التنسيقي”. وقائمة “الأساس العراقي” التي يقودها نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي، وهو أيضا من وسط العراق. وقائمة “تحالف الحدباء الوطني” التي شكلها نوري المالكي وهو قيادي شيعي يتزعم حزب الدعوة الاسلامية، وهو رئيس وزراء اسبق لدورتين متتاليتين، وركن أساسي في ائتلاف “الاطار التنسيقي”.
الى جانب قائمة “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وهو من الأنبار. وقائمة “سيادة” للسياسي السني البارز خميس الخنجر وهو من الأنبار أيضا. وقائمة “عزم” لمثنى السامرائي، وهو سني من سامراء في محافظة صلاح الدين، وقائمة “حزب الجماهير الوطنية” بقيادة “أحمد الجبوري- ابو مازن” وهو شخصية سياسية من صلاح الدين. . وحزب العمران، ويرأسه الشيخ ابراهيم الدليمي، وهو سني من محافظة الأنبار.
وحزب “الهوية الوطنية” بزعامة ريان الكلداني وهو شخصية مسيحية يقود ميليشيا بابليون المرتبطة بالحشد الشعبي، وهي تدخل المنافسة في عدة محافظات، وقد ضعته وزارة الخزانة الامريكية في 2019 مع ثلاث شخصيات عراقية أخرى ضمن القائمة السوداء بتهم تتعلق بانتهاكات لحقوق الانسان والفساد.

وفي نينوى برزت لأول مرة قائمة ايزيدية تحمل اسم “تحالف القضية الايزيدية” تنافس على مقاعد المحافظة خارج “الكوتا”، وتضم مجموعة من الشخصيات الايزيدية من قضاء سنجار وباقي مناطق الايزيدية في نينوى.
كما يشارك في المنافسة، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي حصل تحالفه في الانتخابات السابقة على تسعة مقاعد كونها القوة الأبرز في المناطق الكردية بنينوى. وقائمة “اتحاد اهل نينوى” وشكلها الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني. وقائمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده محمد حاج محمود، وهو من السليمانية. والقوائم الثلاث الى جانب قائمة “الجيل الجديد” بقيادة شاسوار عبد الواحد، وهي جميعا تحالفات نشطة في أقليم كردستان.
مخاوف التقسيم
يرى سياسيون في نينوى، ان الهدف الأبعد لبعض القوى، القادمة من خارج نينوى، والتي تنافس للحصول على مقاعد وبالتالي جزء من القرار السياسي والاداري في المحافظة، هو تقسيم نينوى الى عدة محافظات على اسس قومية وطائفية. ويستندون بمخاوفهم تلك الى دعوة أطلقتها كتلة “بدر” النيابية في نيسان/أبريل 2025، بتقسيم نينوى إلى محافظات عدة، لاسيما في المناطق التي تضم الاقليات من التركمان والايزيدية والشبك والمسيحيين.
وتؤيد قوى شيعية أخرى، تحويل قضاء تلعفر غربي نينوى، والذي يعيش فيه التركمان، الشيعة والسنة، الى محافظة جديدة تضم الى جانب التركمان مكونات الشبك والمسيحيين والايزيديين.
وذكر وعد القدو، وهو نائب بالبرلمان العراقي من المكون الشبكي الشيعي، وقتها، في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب بعد التصويت على اعلان “حلبجة” محافظة في اقليم كردستان، أن هنالك:”ظلما كبيرا تعرضت له مناطق تلعفر وسنجار وسهل نينوى من قبل الادارات المحلية والمحافظين السابقين لنينوى، ما يحتم استحداث محافظة جديدة تنصف المكونات التي تعيش هناك”.
وتدخل “بدر” في الانتخابات الحالية، بقائمة تركز على استقطاب اصوات التركمان في تلعفر والشبك في سهل نينوى. ونجاحها قد يفتح الباب الى تكثيف مطالبها باستحداث محافظة جديدة تستقطع من حدود نينوى الحالية، وفق باحثين في الشأن السياسي.
ويفصح عن ذلك، مروان علي كامل، وهو باحث وكاتب، يعتقد بأن القوى السياسية في السلطة، قد خططت لتقسيم نينوى حتى قبل سيطرة داعش عليها في حزيران/يونيو 2014، وذلك من خلال “الحديث المستمر عن مظلومية مناطق الاقليات واهمالها من قبل الحكومات المحلية، وقد توج ذلك باستهداف الاقليات من قبل الجماعات المسلحة المختلفة وآخرها تنظيم داعش الذي ارتكب جرائم فظيعة بحق الاقليات في سنجار وتلعفر وسهل نينوى في آب سنة 2014”.
ويضيف:”المسيحيون في سهل نينوى لا يشعرون بالإرتياح، في ظل وجود قوى شيعية مسيطرة هناك ممثلة باللواء “30” الشبكي التابع للحشد الشعبي، ولواء بابليون الذي يتزعمه ريان الكلداني، وهو مسيحي، الا انه خاضع للحشد وموال لإيران ولديه نفوذ كبير في سهل نينوى، بل وفي نينوى بالكامل”.
كما يشير إلى أن آلافا من الايزيديين مازالوا في المخيمات باقليم كردستان، والمشاكل السياسية-الأمنية والاقتصادية، وسياسات القوى المسيطرة على الأرض تعيق عودتهم، ولا توفر بنحو عام فرصة للاستقرار واعادة الاعمار في القضاء.
ويتحدث الباحث، عن تغليب “التركمان الشيعة” على “التركمان السنة” في قضاء تلعفر بعد 2014 نتيجة اتهام السنة بدعم تنظيم داعش. في حين تحول “الشبك” تحت ذات الظروف الى الأقلية الأكثر نفوذا في نينوى، بعد أن فرضت سيطرتها هي الاخرى على سهل نينوى، وهي تمنع المواطنين العرب والكرد من البناء هناك او استثمار او استغلال اراضيهم بذريعة منع التغيير الديموغرافي”.
وكمحصلة، هو يعتقد بأن الفرصة “قائمة أمام الساعين نحو تقسيم نينوى للمضي في مشروعهم خلال المرحلة المقبلة، ولاسيما ان تمكنت القوى السياسية المرتبطة بهذا المشروع في تحقيق فوز جيد عبر قوائمها المنافسة في الانتخابات البرلمانية”.
السياسي والقيادي في تحالف الحسم، خلف آل حظات الحديدي، يقول بأن نينوى معرضة لخطر التقسيم:”تحت مسمى استحداث محافظات جديدة”. ويذكر بأن شيئاً مماثلا حدث في نينوى قبل عقود، عندما فصلت عنها دهوك على سبيل المثال، والتي هي الآن محافظة في اقليم كردستان”.
ويتابع:”التقسيم سيكون حسب فهمي على اساس طائفي وعرقي، وليس على اساس وطني، وهذا يعرض هوية المحافظة الى الخطر، والى تمزيق نسيجها الاجتماعي الذي حافظت عليه على مدى قرون”.

محاولات تسقيط
لكن لبعض أهالي نينوى، رأي مختلف. سهى محمد رافع (59 سنة) وهي صيدلانية من مدينة الموصل، ترى أن وجود قوائم قادتها من خارج نينوى بالنسبة اليها أمر عادي، وان الحديث عن سيطرتهم على نينوى “لمصالح خاصة أو أهداف تقسيمية” مجرد مبالغات في اطار الحملات الانتخابية التي ترافقها اتهامات ومحاولات تسقيط، يمارسها السياسيون تجاه بعضهم البعض “لقد اعدتنا على ذلك في كل انتخابات”.
وهي تعتقد بان نينوى والموصل تعيشان أفضل فترة منذ عقود، وتوضح:”منذ أن فتحت عيني وهنالك ازمات وحروب وارهاب وفقدان للأمن، لكننا ومنذ التحرير من داعش في صيف 2017 ولغاية الان، نعيش بسلام وأمن غير مسبوقين، وهنالك تطور عمراني وخدمي واضح، رغم الحديث عن الفساد وعن سيطرة من هم من غير أبناء نينوى على قرارها”.
وتضيف، ان المرشحين في كل القوائم، هم من أبناء نينوى بمختلف انتماءاتهم، وبينهم شخصيات معروفة بنزاهتها، ولا يهمني ما دمنا بعيدين عن الأزمات السابقة، من يقود القوائم الانتخابية “كانت لدينا قيادة من الموصل تدير الحكومة في نينوى بشكل شبه كامل قبل 2014، لكن الأمن والاعمار كانا مفقودين، وجاءت داعش وسيطرة على المحافظة، فتشردنا نازحين وقتل أبناؤنا وسرقت املاكنا”.
جمال حسين، وهو مهندس متقاعد، يبدي تذمره من حجم الحملات الانتخابية في نينوى، والأموال التي صرفت على الدعاية وكسب الأصوات بمختلف الوسائل، وهو لا يجد فرقا في ذلك بين القوائم التي تقودها شخصيات من نينوى وتلك التي تقودها زعامات سياسية من خارجها: “أنفقوا مئات الملايين من الدولارات من اجل مقاعد تضمن مناصب في السلطة.. لو كانوا صادقين لصرفوها على حاجاتنا الأساسية في الخدمات والصحة”.
ويقول، وهو يشير بيده الى بوسترات لمرشحين متنافسين من قوائم مختلفة تغطي واجهات محال تجارية :”لا يهمني لمن تعود القوائم، ما يهمني كمواطن من يستطيع توفير الخدمات والاعمار ويوفر فرص العمل”. ويضيف وهي يبتسم:”لا فرق كبير بينهم، هم جميعا يشتركون في الفساد وان كان بنسب مختلفة، فالنزاهة في هذه البلاد تبدو استثناءً”.
المزيد عن تحقيقات استقصائية
تحقيقات استقصائية, تقارير سردية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":31193}" data-page="1" data-max-pages="2" data-start="1" data-end="1">







