

أطلق اعلان تحويل قضاء حلبجة الى محافظة، تحمل الرقم 19 في العراق، موجة مطالب رفعتها قوى سياسية ونواب يمثلون مناطق ذات ثقل سكاني او خصوصية دينية أو قومية، بتحويل مناطقهم الى محافظات جديدة “لإنقاذها من مشاكل مفصلية تعاني منها منذ عقود دون حلول”.
إذ برزت في الشمال الغربي من البلاد مطالب بتحويل مناطق سنجار وتلعفر وسهل نينوى التابعة لنينوى والتي تضم خليط من المكونات العراقية، وبشكل خاص الايزيديين والمسيحيين والتركمان والشبك، الى محافظة. وفي الجنوب تكررت المطالب مع قضاء الزبير الذي يتبع البصرة.
وقد تم التصويت في مجلس النواب العراقي يوم الاثنين 14 نيسان 2025 على استحداث محافظة (حلبجة) في اقليم كردستان، لتصبح المدينة، بما تحمله من رمزية سياسية كونها منطقة تعرضت للإبادة الجماعية على يد نظام حزب البعث في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، المحافظة رقم 19 في العراق.
وفتح الكيان الإداري الوليد، الباب أمام ممثلي بعض القوى السياسية النافذة في البرلمان، لرفع اصواتهم المطالبة بتشكيل محافظات جديدة مع تسويق مبررات اقتصادية واجتماعية فضلا عن “انقاذ سكانها من التهميش والتهديد”، لكن تلك المطالب أثارت لدى آخرين مخاوف من أن تكون مبنية على مصالح سياسية وتهدد بتقسيم البلاد على أسس طائفية وقومية.
قوى عربية سنية، سارعت الى رفض أي محاولة لإنشاء محافظات في شمالي غربي البلاد، ستكون عمليا خاضعة لسيطرة قوى شيعية، محذرة من ما تصفه “بتمزيق” المحافظات ذات الغالبية العربية السنية خاصة نينوى لدوافع سياسية، ولفتت الى ان ذلك سينهي أي مشاريع سنية تهدف الى جمع مناطقهم في اقليم فيدرالي، رغم ما تحمله تلك الخطوة من أهمية لهم.
كما ارتفعت أصوات الرفض، من قبل نواب مستقلين يمثلون خلفيات عرقية، هددوا باللجوء الى المحكمة الإتحادية لوقف ما يعدونه محاولات من قوى سياسية لتحويل مناطق نفوذها إلى كيانات إدارية صغيرة تسهل السيطرة عليها ومن ثم الحصول على مكاسب سياسية على حساب مصالح سكان مناطقهم واستقرارها.
باحثون في الشأن السياسي، يشيرون الى ان الدعوات لإستحداث محافظات جديدة، لا ترتبط بدراسة دقيقة لواقعها وفق أسس علمية وتخطيط دقيق مبني على أساس مصالح السكان، بل بدوافع سياسية ومصالح حزبية، وجزء منها يرتبط بدعاية انتخابية، خاصة ان استحداث أي محافظة عملية معقدة وتحتاج الى مراحل متعددة ووقت طويل قبل ان تمرر قانونا.
محافظات للأقليات
مباشرة بعد التصويت على مقترح استحداث محافظة حلبجة، عقد ممثلو كتلة بدر الشيعية النيابية مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب، دعوا فيه الى استحداث محافظة جديدة منبثقة من نينوى، تضم قضائي تلعفر وسنجار(غربي الموصل مركز محافظة نينوى) وسهل نينوى الممتد من شمالها حتى اقصى شرقها.
الغالبية السكانية في تلك المناطق هم من الايزيدين والمسيحيين والتركمان والشبك، وتمسك الأرض فيها منذ تحريرها من تنظيم داعش في صيف 2017 قوات الحشد الشعبي الشيعية، فضلاً عن الجيش العراقي.
قيادي في اللواء 30 من الحشد، الباسط سيطرته على سهل نينوى، هو النائب الشبكي وعد القدو، تحدث في المؤتمر الصحافي وبدا متحمساً لفكرة المحافظة الجديدة.
وقال بأن من شأن استحداث تلك المحافظة: “إنقاذ المكونات العراقية من التهميش”. وأوضح ان “هناك ظلم كبير تعرضت له مناطق تلعفر وسنجار وسهل نينوى من قبل الإدارات المحلية والمحافظين السابقين، ما يحتم ضرورة استحداث محافظة جديدة تُنصف المكونات التي تعيش هناك”.
ونوه إلى ان كتلة بدر النيابية “دعمت مطلب الكتل الكردية في استحداث محافظة حلبجة، باعتباره حقاً دستورياً وقانونياً”، وان ذلك يجب ان يسمح بالمضي باستحداث محافظة أخرى تضم المناطق المذكورة “تعزيزاً للعدالة الإدارية وإنصافاً لجميع المكونات”.
وتبدو اشارته الى دعم كتلته لمطلب الكتل الكردية في استحداث محافظة حلبجة، بأنها تعني أن الكتل الكردية بدورها ستدعم مطلب المحافظة الجديدة التي طالبت بها كتلته.
مطالب تحويل مناطق في نينوى الى محافظات، ليست بالجديدة، فمنذ 2003 فأهالي قضاء تلعفر غرب الموصل (مركز المحافظة) حيث معظم السكان من التركمان السنة والشيعة، يطالبون بمحافظة خاصة بهم، بسبب كثافتهم السكانية وحاجتهم الى الخدمات والبنى التحتية التي لم يتم تلبيتها من قبل الحكومات المتعاقبة.
وقد تم بالفعل اتخاذ خطوة رسمية في ذلك الاتجاه يوم الثلاثاء 21 كانون الثاني/يناير2014، عندما وافق مجلس الوزراء العراقي على تحويل قضائي تلعفر في نينوى وطوز خرماتو (تعيش فيه غالبية تركمانية كذلك) في صلاح الدين الى محافظتين.
وبعد رفع المقترح الى مجلس النواب للتصويت على مقترح المحافظتين هذا، جوبه بالرفض من قبل ممثلي نينوى وصلاح الدين، فضلا عن التحالف الكردستاني الذي اشترط تطبيق المادة 140 من الدستور أولا، وهي مادة تتعلق بالمناطق المتنازع عليها بين الإقليم وبغداد.
وفيما يتعلق بسهل نينوى، كانت هنالك مطالبات خلال فترة التدهور الأمني بين 2003 و2017 لتحويله إلى محافظة لحماية المسيحيين والشبك الشيعة من هجمات الجماعات المسلحة المتشددة، كالقاعدة وانصار الإسلام وداعش.
وكذلك الحال في قضاء سنجار، غربي نينوى، ذو الأغلبية الايزيدية، والذي كان مسرحاً لهجوم نفذه داعش في 3 آب 2014، أدى الى مقتل الآلاف منهم وخطف نساء وأطفال، واضطرار غالبية السكان للنزوح والعيش في مخيمات أقيمت لهم بإقليم كردستان، او الهجرة الى خارج البلاد.
لاتوافق بين المكونات
مع المبررات التي تقدمها كل جهة لتحويل منطقتها في نينوى إلى محافظة، إلا ان هنالك عوائق عديدة تعترضها، أبرزها الانقسامات الداخلية السياسية والاجتماعية في تلك المناطق، وغياب التوافق السياسي في البرلمان، وقبلها إمكانية تحقيق ذلك على المستوى الإداري.
ومع ذلك، وبخلاف سهل نينوى، هنالك ميل رسمي وشعبي للقبول بفكرة تحويل قضاء تلعفر حصرا الى محافظة، لكونه اكبر قضاء في العراق، يزيد عدد سكانه عن 700 ألف نسمة، ويحتاج الى ميزانية خاصة من الدولة لتغطية حاجته الى البنى التحتية في شتى المجالات.
هذا ما يقوله الباحث والكاتب عادل كمال، ويشير إلى أن البعض يقترح أن يلحق به القضاءان الآخران المجاوران بعاج (اغلبية من العشائر العربية) وسنجار (اغلبية من الايزيديين) وأن تحمل المحافظة أسم (الجزيرة) نسبة الى التسمية التي تطلق على المنطقة في غربي العراق، وبذلك فهم يضمنون انشاء كيان اداري عابر للقومية والطائفية. لكن ذلك مازال يتقاطع مع مطالب القوى الكردية التي لا تريد ان تلتحق سنجار بتلعفر.
على الرغم من ذلك يرى الباحث ان تحقيق ذلك اقرب الى الواقع، خاصة مع استحالة تطبيق المادة 140 من الدستور التي تسمح للكرد باستعادة سنجار وضمها الى اقليم كردستان. ويقول كمال ان الموقع الاستراتيجية على الحدود مع سوريا والقرب من تركيا، فضلاً عن الأراضي الخصبة والمراعي وحقول النفط “هي من المقومات التي ستدعم المحافظة المنشودة وتصب في مصلحة سكانها الذين عانوا عقودا من اهمال وتهميش حكومات وأنظمة متعاقبة، لكن ذلك بدوره مازال بعيد المنال حيث تسيطر قوى سياسية متباينة المصالح (تركمانية، كردية، عربية) على قرار سكان تلك المناطق” .
وبشأن سهل نينوى، يقول كمال، ان السهل الممتد من الجهة الشمالية لمدينة الموصل الى اقصى الجهة الشرقية، مازال يفتقر إلى “القبول الرسمي والشعبي والى التوافق الداخلي”. ويعدد أسباب ذلك:”لا يوجد من الناحية الإدارية شيء اسمه سهل نينوى، إنه مجرد أسم اطلق على مناطق بين ثلاثة أقضية هي الموصل وتلكيف والحمدانية”.
ويضيف إلى ذلك:”لايوجد مطلب شعبي موحد للمكونات الموجودة في سهل نينوى كالمسيحيين والكرد والعرب والكاكئية، ان هو الا مطلب الشبك، الذين يملكون السلطة بفضل الحشد الشعبي الذي يسيطر على السهل، كما باتوا نافذين في المؤسسات الحكومية بمحافظة نينوى بدعم من الحكومة المركزية، وأيضا جهة مسيحية واحدة موالية للحشد الشعبي”. وينبه الى ان القوى المسيحية التي كانت تدعم تلك الفكرة قبل سنوات اليوم باتت مترددة بعد تبدل ميزان القوى هناك.
يتفق مع ذلك الباحث المغترب شمعون سامي، ويقول بان سهل نينوى يضم البلدات التاريخية للمسيحيين مثل قره قوش وبرطلة وغيرها، وبلدة بعشيقة وقرية بحزاني الايزيديتين وايضاً نحو 70 قرية للشبك وقرى للكرد والعرب.
ويلفت الى ان تحويل السهل كان مطلباً مسيحيا بالأساس بعد 2003 لحمايتهم من هجمات القاعدة التي كانت تستهدفهم باستمرار، لكن مع تناقص اعداد المسيحيين عاماً بعد آخر، بسبب النزوح او الهجرة الى خارج البلاد “لم يعد ذلك المطلب قائما بالنسبة اليهم”.
ويبين:”لأن الشبك باتوا هم الأكثرية الان، والشيعة منهم يملكون القوة والنفوذ، واذا تحول السهل الى محافظة، فلن يكون بوسع المسيحيين الحصول على أي من المناصب المهمة في حكومتها، مع ان سهل نينوى هي منطقتهم التاريخية”.
أما فيما يتعلق بقضاء سنجار، يقول الباحث مراد ناصر:” الأمر معقد جدا هناك، فالسكان الايزيديون تعرضوا لابادة جماعية في اب 2014 وجميعهم نزحوا او هاجروا، ونحو ثلث السكان فقط رجعوا إلى مناطقهم، فلم يعد يثقون بمحيطهم ومن المستبعد قبولهم بالاشتراك مع تلعفر وسهل نينوى في انشاء محافظة”.
كما يلفت الى ان هنالك قوى متعددة تمسك الأرض في سنجار، وأسباب صدامها في اية لحظة قائمة:”المواطن ايزيديا او عربيا هناك لا يشعر بالأمان والاستقرار خاصة ان هناك قوى من خارج منطقته تتحكم بتمثيله السياسي”.
معترضون ومؤيدون
النائب مختار الموسوي، رئيس كتلة الاطار التركماني، الممثل عن قضاء تلعفر في محافظة نينوى، دعا في 28 آذار/مارس 2025 رئاسة مجلس النواب الى إدراج قانون تحويل قضاء تلعفر الذي تسكنه اغلبية تركمانية إلى محافظة لتوفر كافة المقومات اللازمة لذلك.
وذكر بأن الفكرة يمتد عمرها لنحو خمسة عقود، وان النظام العراقي السابق أجل تنفيذها، نافيا أن منطلق ذلك “قومي أو طائفي”، بل يندرج في إطار “توسيع العناوين الإدارية، بما يسهم في تعزيز الخدمات وضمان الحقوق للأهالي”.

وأوضح أن تلعفر “لا تضم مكوناً واحداً، بل تمثل عراقاً مصغراً بجميع أطيافه ومكوناته ( التركمان، الشيعة والسنة، ونسبة صغيرة من العرب والكرد)، كما أنها من أكبر الأقضية في العراق من حيث المساحة، لكنها مهمشة من حيث الحقوق”.
جهات سياسية وضعت المطلب هذا كمحور أساسي في برامجها، كجبهة تركمان العراق الموحد، القريبة من تركيا، وفقاً لمحمد سمعان رئيس الجبهة التركمانية العراقية (اختير للمنصب منتصف نيسان 2025) والذي طالب الحكومة ومجلس النواب، بتحويل قضاءي تلعفر وطوز خورماتو إلى محافظتين.
وقال أن هذا يأتي بعد ما قدمه التركمان من تضحيات جسام في مواجهة الإرهـ ـاب “وصمودهم في وجه سياسات التهميش والإقصاء لعقود طويلة، وحرصهم الدائم على وحدة العراق وسيادته”.
فيما رحبت عدة قوى مسيحية، بفكرة تحويل سهل نينوى الى محافظة، وذلك في بيان أصدره المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في 15نيسان/ ابريل2025 أكد فيه أهمية إعادة النظر بالواقع الإداري في العراق الذي تجاوزت اعداد سكانه الأربعين مليونا.
وأشارت إلى ان المطالبة بتشريع قانون تحويل سهل نينوى الى محافظة منسجم مع الدستور العراقي وقانون المحافظات غير المنتظمة بأقليم، وان ذلك كفيل بتحقيق العدالة والمساوات بين كافة مكونات الشعب العراقي باعتباره “حقا إداريا وليس تفضيل فئة على حساب فئة أخرى”.
لكن تلك الدعوات، قوبلت برفض شديد من سياسيين ونواب ممثلين عن محافظة نينوى خاصة من المكون العربي السني، فقد ذكر النائب أحمد عبد الله الجبوري، ان تقسيم نينوى على اساس طائفي وعرقي هو “تقسيم لكل العراق وسيكون لقمة سائغة لابتلاعه من الدول الطامعة به”، في اشارة الى قدرة الدول الاقليمية على الضغط والتأثير في القوى السياسية الصغيرة وعلى مناطق نفوذها.
وعبر عن اسفه لعدم وجود ممثلين عن محافظة نينوى خلال جلسة ذلك اليوم، أي الاثنين 14 نيسان 2025 التي شهدت حسب قوله محاولات من جهات سياسية لإعطاء صلاحيات لمجلس الوزراء من اجل تقديم مقترح لتحويل مناطق في نينوى الى محافظة، دون الرجوع الى حكومتها المحلية لبيان رأيها.
فيما أعلن النائب عن نينوى طالب المعماري، رفضه لما اسماها:”محاولات تقسيم محافظة نينوى على أسس طائفية وعرقية”، ونبه إلى أن ذلك يمثل تهديداً لوحدتها ونسيجها الاجتماعي المتنوع “ويفتح الباب أمام مشاريع مشبوهة تستهدف تفكيك العراق وضرب تماسكه الجغرافي والاجتماعي”.
وعد النائب المستقل أمير المعموري، التصويت على استحداث محافظة حلبجة “سابقة خطيرة”، وحذر من إمكانية تقسيم المحافظة الواحدة إلى أربعة أو خمس محافظات مستقبلا، ثم أشار إلى أن ما حدث في الجلسة يدفعه ونواباً آخرين للذهاب الى المحكمة الاتحادية وتقديم طعن وفقاً للطرق القانونية، وقال:”لدينا ما يثبت أن عدد النواب الحاضر لم يكن كافياً لتحقيق النصاب القانوني”.
حزب المسار الوطني بدوره وصف مطلب تحويل أجزاء من نينوى الى محافظة بـ”المحاولات المشبوهة”، وذلك في بيان أصدره، ذكر فيه ان المطلب يمثل “انتهاك صارخ لروح الدستور الذي يؤكد في المادة (1) على وحدة العراق أرضا وشعبا، ويمنع أي توجه يؤدي إلى إضعاف النسيج الوطني المتماسك”.
وأشار البيان إلى أن “مثل هذه المشاريع لا تخدم الاستقرار، ولا تعبّر عن إرادة أبناء نينوى الذين اختاروا العيش المشترك والانتماء إلى وطن واحد، بل تُعد امتدادا لمحاولات خارجية وداخلية لتمزيق وحدة المحافظة وتغذية الانقسامات”.
والموقف ذاته تبنته كتلة نينوى الموحدة، التي أعلنت رفضها “لتقسيم المحافظة” و”تمسكها بوحدتها”، واصفة مطلب كتلة بدر النيابية بأنها “محاولات غريبة وخطيرة لإقحام محافظة نينوى في سياق سياسي لا يمتّ إلى واقعها الإداري والاجتماعي بصلة، بل تمثل أجندات ضيقة تسعى إلى خلق كيانات متنازعة بدلاً من بناء وحدة إدارية قوية قادرة على خدمة المواطنين دون تمييز”.
بشار صادق (32 سنة) شبكي من سهل نينوى، يعمل في مجال التدريس، لايجد ضيراً من تحويل سهل نينوى الى محافظة لاسيما أن فيها عدة اقضية ونواح، تعيش فيها أقليات “تعرضت للظلم وعانت الحرمان من الخدمات بسبب سياسات الأنظمة العراقية”.
ويقول:”أيا كانت دوافع الأحزاب التي تقدمت بمقترح تحويل السهل الى محافظة، فنحن نؤيده، لأننا نعيش ومنذ تحرير مناطقنا في 2016 من سيطرة داعش، استقرارا وأمنا لامثيل لهما، وما نحتاج اليه هو تنظيم اداري لتوفير الأموال من أجل البناء ورخاء السكان”.
يتفق غالبية المواطنين الشبك مع رأي بشار صادق، لكن الوضع مختلف تماما فيما يتعلق بالكرد في سنجار والمسيحيين في سهل نينوى، كما يقول الناشط علي احمد، فمواقفهم مختلفة بشكل كبير، وان كان غالبية ايزيدي ومسلمي سنجار يفضلون تحويل سنجار الى وحدة ادارية مستقلة تتبع اقليم كردستان.
شكوك واتهامات
المشاور القانوني وليد يونس جابر، يقول بأن مجلس النواب العراقي بمفرده غير قادرة على اصدار قرار باستحداث أي كيان اداري “سواء تحويل ناحية الى قضاء أو قضاء إلى محافظة”، بل لابد من إجراءات عدة قبل أن يتولى المجلس التصويت.
ويشير إلى ان الخطوة الأولى تكون بتسلم مجلس الوزراء مقترحاً من احدى الوزارات واهمها وزارة التخطيط، ويكون المقترح مبنياً وفق لدراسة مفصلة ومتضمنة للأسباب الموجبة كالكثافة السكانية وما يتعلق بها من حاجات اقتصادية وصحية وخدماتية وتعليمية وغيرها.
ثم يقوم مجلس الوزراء بنقل المقترح إلى مجلس النواب الذي ينبغي وفقا للمشاور القانوني ان يصوت عليه بالأغلبية المطلقة، وفي حال الإقرار، ينبغي أن يصادق رئيس الجمهورية على التشريع، ثم وفي المرحلة الأخيرة ينشر في جريدة الوقائع العراقية الرسمية ليصبح نافذا.
ويستدرك:”بالمحصلة لا نص قانوني او دستوري يمكن من تحويل قضاء الى محافظة الا ما ورد في قانون المحافظات غير المنتظمة بأقليم”.
في المجمل لا تملك المناطق التي تطالب قوى سياسية بتحويلها الى محافظات، العديد من المقومات التي تعدها وزارة التخطيط ضرورية لتكون مؤهلة لأن تصبح محافظات جديدة، وهو ما يثير السؤال حول الدوافع غير المعلنة لتسابق قوى سياسية في تقديم طلبات تحويل مناطق بعينها الى محافظات.
وفضلاً عن الطلبات المتعلقة بمحافظات تلعفر وسنجار وسهل نينوى، قدم 100 نائب مقترحا لرئاسة مجلس النواب، لتحويل قضاء الزبير في البصرة أقصى جنوبي العراق الى محافظة.
وقبل ذلك، وتحديداً في تموز/يوليو 2019، كانت وزارة التخطيط قد وضعت دراسة بشان تحويل قضائي الصويرة في محافظة واسط، والشامية في الديوانية، جنوبي العراق الى محافظتين.
عضو في مجلس النواب، طلب عدم الإشارة الى اسمه، قال بأن أقليم كردستان سعى بكل جهد الى استحداث محافظة حلبجة:”ليس من أجل الشعار المرفوع وهو مظلومية أهلها الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد النظام السابق في حملات الأنفال، بل لأمر آخر مهم يتعلق بالدستور ومصير الإقليم”.
ويوضح انه وفقا للمادة 142 من الدستور الحالي الذي شارك الكرد بكتابته “أي تعديل على الدستور لا يمرر إلا بموافقة ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات أو اكثر، وهم يملكون ذلك الآن” حسب قوله.
الدعاية الانتخابية والمصالح الحزبية
أما بالنسبة للمناطق خارج أقليم كردستان، فيضع الكاتب والباحث في الشأن العراقي محمد سيف، المصلحة السياسية للأحزاب على رأس القائمة بقوله:”الانتخابات البرلمانية ستجري في تشرين الثاني 2025، ومقترحات تحويل الأقضية الى محافظات نقاط رئيسية في برامجها الانتخابية”.
وذكر بأن المحافظات الجديدة تشكل أبوابا محتملة للفساد بالنسبة لهذه الأحزاب بما ستضمه من مواقع ادارية جديدة وفرص اقتصادية، ويوضح: “المحافظة المستحدثة تعني حكومة محلية وميزانية تنمية أقاليم، وعقود مشاريع واستثمار، ومديريات عامة تخصص لها ميزانية الأقاليم والعامة، وغيرها كثير مما يسيل له لعاب قادة الاحزاب”.
أما الهدف الآخر الذي يتحدث عنه محمد سيف، هو محاولة بسط قوى شيعية لنفوذها في سهل نينوى ومناطق شمال غربي البلاد التي هي مناطق محل منافسة اليوم، الى جانب تعطيل مشروع السنة المستقبلي في إنشاء إقليم خاص بهم يمتد على مناطق واسعة بعضها ذو اهمية كبيرة مثل سنجار حيث المثلث العراقي السوري التركي.
ويتابع:”في نينوى التي يسكنها أكثر من أربعة ملايين نسمة وتعد الحجر الأساس لأي مشروع إقليم سني، توجد تلعفر غرب مدينة الموصل التي تطالب كتلة بدر بتحويلها الى محافظة، ومع أن السنة يعيشون فيها الى جانب الشيعة، لكن وبحكم نفوذ أحزاب السلطة الرئيسية فأن الكفة السياسية تميل منذ سنوات للشيعة”.
ويرى بأن الحال ذاته ينطبق على سهل نينوى شمال وشرق الموصل الذي يسيطر عليها اللواء 30 التابع للحشد الشعبي، ويفرض قوانينه الخاصة على المكان منذ سنوات “بحجة التصدي لأي محاولة للتغيير الديموغرافي”، بمنع أي شخص من خارج سهل نينوى بالسكن او الاستثمار هناك.
حتى في البلدات المسيحية، تسيطر كتائب بابليون المسيحية، وهي تابعة كذلك للحشد الشعبي، وتأتمر بأوامره “وبذلك فأن الموصل مركز محافظة نينوى، محاصرة عملياً من قبل أحزاب شيعية تملك السلطة والقوة”.
حسين عباس، مهندس زراعي من قضاء تلعفر، يقول بأن اول شيء فعله أهالي تلعفر بعد سقوط النظام العراقي السابق، هو وضع لافتة في مدخل مركز القضاء مكتوب عليها “محافظة تلعفر”.
“انه حلمنا منذ عقود” يذكر ذلك بصوت مرتفع وبإبتسامة كبيرة، ويتابع:”ارتباطنا بمحافظة نينوى يضرنا كثيرا، لأننا لانحصل على استحقاقنا من أموال ميزانية تنمية الأقاليم، ولا الوظائف والخدمات العامة والحصص في مجالات الزراعية والصناعة والري وسواها”.
ويرفض حسين، أن يكون مبرر فساد الأحزاب واندفاعها نحو استحداث محافظات لمصالح خاصة، سببا في منع تحقيق حلم محافظة تلعفر:”في جميع الأحوال، الأحزاب تسيطر على المحافظات وتسرق ميزانياتها وأمام أعين النزاهة والقضاء، ولن يمنعها شيء لسرقة المحافظات الجديدة”.
ويستدرك:”لتسرق ما تريد، المهم ان تكون لدينا محافظتنا الخاصة التي تلبى فيها احتياجاتنا، تلعفر بجورها من سنجار وسهل نينوى او بمفردها”.
المزيد عن تقارير سردية
تقارير سردية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":29187}" data-page="1" data-max-pages="1" data-start="1" data-end="1">