تحقيقات استقصائية: مشاريع الاستثمار المتلكّئة في العراق: تفاقم أزمة السكن بدلاً من حلّها!

مشاريع الاستثمار المتلكّئة في العراق: تفاقم أزمة السكن بدلاً من حلّها!

آلاف العائلات العراقيّة أ تنتظر تسلّم وحداتها السكنية ضمن مشاريع استثمارية مرخصة ومدعومة من الحكومة، الصحفي العراقي آدم علي يكشف كيف لا يلتزم أصحاب هذه المشاريع بمواعيد التسليم وبشروط الإنجاز المتفق عليها في العقود الموقعة، بما فيها ما يتعلق بالخدمات العامة المرفقة، فيما تكتفي السلطات المعنية بتوجيه الإنذارات أو تمديد تواريخ التسليم من دون أي تعويضات للمتضررين.

بآمال كبيرة في امتلاك منزله الخاص للمرة الأولى في حياته، وقع حيدر أبو بلال (67 سنة) وهو موظف متقاعد في وزارة الكهرباء، عقد شراء وحدة سكنية أفقية سنة 2020 ضمن مشروع (الفردوس) السكني الاستثماري في محافظة كربلاء جنوب غربي بغداد، على أن يتسلم مفتاحها في العام التالي، لكن مرت خمس سنوات، وما زالت عائلة حيدر التي وضعت كل مدخراتها في جيب المستثمر، تنتظر استلام منزلها.

وضع العائلة هذا يشابه آلافاً أخرى من العائلات التي تنتظر بدورها تسلّم وحداتها السكنية ضمن مشاريع استثمارية مرخصة ومدعومة من الحكومة، لا يلتزم أصحابها بمواعيد التسليم وبشروط الإنجاز المتفق عليها في العقود الموقعة، بما فيها ما يتعلق بالخدمات العامة المرفقة، فيما تكتفي السلطات المعنية بتوجيه الإنذارات أو تمديد تواريخ التسليم من دون أي تعويضات للمتضررين.

يقول حيدر، الذي يسكن مع أسرته في منزل مستأجر بحي الحسين، إنه مع آخرين كان يفترض استلام وحداتهم السكنية في 2021، لكن العمل فيها لم يكتمل، والمستثمر يماطل عاماً بعد آخر، على الرغم من تدخل جهات رسمية عدة بينها حكومة كربلاء المحلية.

يوضح: “قدمنا شكاوى إلى هيئة استثمار كربلاء وعقدنا اجتماعات عدة معها، إحداها في 25/5/2023، وعلى أساسها تعهد المستثمر (حسنين طالب هاشم) الذي يدير شركة (كان للمقاولات العامة) بتسليم 450 وحدة سكنية في تموز/ يوليو 2023، لكنه مدد الموعد إلى آذار/ مارس 2024، ولم يلتزم مجدداً”.

تدعم وثائق حصل عليها معد التحقيق ما ذكره حيدر، إذ يشير محضر اجتماع للجنة شُكِّلت لمتابعة الشكاوى في 24 تموز 2023 الى اتفاق تم مع المستثمر صاحب شركة (كان) للاستثمارات العقارية، لجدولة تسليم الوحدات السكنية ضمن المرحلة الأولى البالغة 450 وحدة سكنية من تموز 2023 لغاية نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023. مع التزامه بإطفاء الأقساط المستحقة على المشترين، عن كل شهر تأخير في تسليم الوحدات السكنية، والإسراع بنقل ملكيتها إليهم، على أن تبدأ المرحلة الثانية من المشروع في منتصف 2024 وتنتهي بالإكمال وتسليم باقي الوحدات السكنية في نهاية 2024.

ومع تعثّر المشروع مجدداً، تدخل محافظ كربلاء نصيف جاسم، ليقدم المستثمر وعوداً جديدة بتسلم أولى الوحدات السكنية بدءاً من أيلول/ سبتمبر 2024، لكنه لم يلتزم بذلك أيضاً، ولا تزال بعض الوحدات السكنية  في المشروع مجرد هياكل غير مكتملة، ووصل البناء في بعضها الآخر إلى المرحلة الثانية قبل النهائية، من دون أن تسلم رسمياً إلى المواطنين. 

يعود حيدر للقول وهو يشير بيد مرتجفة الى أوراق كان يحملها: “المستثمر جعلنا نوقع عقوداً لم يكن فيها تأريخ للتسليم، وهذا استغفال واضح لنا، ونية مسبقة منه في الإخلال بالتزاماته والتنصل عن المسؤولية”.

ويستدرك: “ليس هذا فقط، فبعد سنوات من الانتظار، اكتشفنا أن الأموال التي دفعناها للمستثمر تم تحويلها إلى مشروع سكني آخر ينفِّذه في محافظة الديوانية!”.

لا تقتصر شكاوى مشتري الوحدات السكنية في مشروع الفردوس السكني في كربلاء على مسألة تأخّر التسليم، بل تشمل أيضاً جودة الإنجاز، إذ رُصدت عيوب ظاهرة في بعض الوحدات. كما لاحظ معد التحقيق ظهور تصدعات في جدران وسقوف بعض الوحدات غير المكتملة والمتروكة، بفعل تعرّضها للأمطار. 

مع استمرار التلكؤ والعيوب في الإنجاز، اضطر بعض مشتري الوحدات السكنية إلى إكمالها بأنفسهم وعلى نفقتهم الخاصة، وخضعوا لواقع عدم إنجاز الخدمات العامة الأساسية في المشروع، من طرق معبدة، وشبكات تصريف صحي، وشبكات مياه وكهرباء. 

وفي ظل غياب الرقابة والمحاسبة الحكومية، كما يقول نواب ومتخصصون، نتيجة النفوذ الذي يتمتع به أصحاب المشاريع الاستثمارية في القطاع العقاري، الذي يعد الأكثر نشاطاً وتحقيقاً للأرباح في البلاد، أخلّت شركات استثمارية كثيرة بالعقود التي أبرمتها مع هيئة الاستثمار في بغداد والمحافظات، لجهة تأخر مواعيد التسليم ورداءة الإنجاز وضعف الخدمات العامة، ما يجعل بعض المشاريع غير صالحة للسكن. 

وتجبر شركات، خلافاً للعقود الموقعة والتعليمات الحكومية، مشتري الوحدات السكنية في مشاريع الإسكان الاستثمارية، على دفع أقساط شهرية وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازي 147- 150 ألف دينار عراقي بدلاً من السعر الرسمي البالغ 132 ألف دينار.

في هذا التحقيق، تمت مقابلة ممثلين عن 37 عائلة متضررة اشترت وحدات في تسعة مجمعات سكنية استثمارية في بغداد وكربلاء وذي قار، اشتكى جميعهم من “تأخير التسليم، رداءة التنفيذ، انعدام خدمات البنى التحتية، وغياب الرقابة الحكومية الحقيقية التي تمكّن من محاسبة أصحاب المشاريع”.  

تضاعف الأسعار وتلكؤ التنفيذ 

حصلت شركة (كان) للاستثمارات العقارية، على إجازة استثمارية بالرقم 46 في سنة 2014، تضمنت إنشاء مدينة سكنية متكاملة في كربلاء باسم (مشروع الفردوس السكني)، على أن تضم  1360 وحدة سكنية بمساحات وأشكال مختلفة، مع بنية تحتية للخدمات الأساسية. 

بعد فترة من انطلاق المشروع، اختلفت العقود الموقعة مع المشترين، بما فيها أسعار الوحدات، فالتي وقعت في العام 2021 اختلفت بعض بنودها الرئيسية عن تلك التي تضمنتها العقود الجديدة التي أبرمت في العام 2022، إذ جاء فيها أن سعر الوحدة السكنية هو 130 مليون دينار، وأن على المستفيد تسديد 30 مليون دينار كدفعة أولى، على أن يسدد المتبقي عبر المصرف العقاري، فيما تضمنت عقود 2021 سعراً للوحدات السكنية ذاتها بلغ 65 مليون دينار، تدفع كاملة نقداً. 

كما تضمنت العقود بنداً يتيح للمستفيد، في حال رغبته في فسخ العقد واسترداد المبلغ المدفوع، تقديم طلب تحريري إلى الشركة التي تحتفظ بحق الموافقة أو الرفض، وفي حال الموافقة يتحمل المستفيد تبعات مالية تقدر بـ 20 في المئة من إجمالي قيمة العقد، تصفها الشركة في العقود بـ”التحميلات الإدارية”

 علاوة على ذلك، لا يسمح للمستفيد باسترداد أمواله إلا بعد بيع الشركة وحدته السكنية إلى مستفيد آخر، على أن يُسدَّد المبلغ المودع للمواطن على شكل دفعات.

C:\Users\user\Desktop\Screenshot 2025-02-27 at 05-29-48 2_5409036792735225065.pdf.png

في مشروع سكني استثماري آخر في محافظة كربلاء، يحمل اسم “الزهراء”، حصلت تجاوزات مماثلة بشأن مواعيد التسليم وإكمال الخدمات المرفقة. وسجلت لجنة الرقابة على الاستثمار في مجلس المحافظة ملاحظات فنية وهندسية عدة على المشروع، إذ أشارت في كتابها المرقم 310 في 21/7/2024  الموجه الى هيئة استثمار كربلاء،  إلى غياب المكتب الاستشاري في موقع العمل “ما أدى إلى تنفيذ سيئ من الناحية الهندسية والفنية”. 

C:\Users\user\Desktop\كربلاء2.jpg

كما رصدت لجنة الرقابة غياب البنى التحتية الخدمية في المشروع، وتأخر العمل بما لا يتوافق مع الجدول الزمني، الذي كان من المفترض أن ينجز في 9 نيسان/ أبريل 2022. 

وذكرت اللجنة في كتابها أن عدد الدور التي كان مقرراً بناؤها في مجمع الزهراء السكني هو 504 دور لم ينجز منها سوى 260 داراً، وأن 25 عائلة تشغل المجمع على الرغم من عدم توافر الخدمات.

ويعزو المستثمر، وفقاً للجنة، التأخير في إكمال تنفيذ المشروع وملحقاته إلى ما يصفه بـ”تعطيل المبادرة من المصرف العقاري، والتي تتضمن منح المواطنين قروضاً لمشاريع الإسكان، على الرغم من أن المستثمر ملزم بتوفير 50 في المئة من التمويل من أمواله الخاصة من دون اللجوء إلى المبيعات أو القروض.

وكان العراق أعلن في آذار/ مارس عام 2010، عن مشروع الإسكان الوطني كجزء من خطته الاقتصادية الإنمائية، في محاولة لمعالجة أزمة السكن التي تعاني منها البلاد منذ ثمانينات القرن المنصرم، عندما توقفت مشاريع قطاع الإسكان بسبب الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988.

وكخطوة أولى، طرحت الهيئة الوطنية للاستثمار مشروع (بسماية) السكني كأول مشروع للإسكان في عراق ما بعد 2003، أعقبه منح مئات الإجازات الاستثمارية لتنفيذ مجمعات سكنية وفق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، إلا أنها لم تخلُ من خروقات قانونية وشبهات فساد وفقاً لمتخصصين في الشأن الاقتصادي وبرلمانيين، ما أدى إلى تعثر الكثير منها، وترك عشرات آلاف المواطنين في مواجهة وعود لم تتحقق، ومساكن لم تسلَّم في مواعيدها المحددة أو وفق شروط التعاقد.

تلكؤ مشاريع الاستثمار السكنية

تتعدد مشاريع الإسكان المتعثرة في كربلاء، أو تلك التي رصدت خروقات في عملها وتطلبت تدخلاً حكومياً، إذ سُحبت في 2016 الإجازة الاستثمارية المرقمة 18 لسنة 2009 لمشروع (جنات الحسين السكني) وكانت باسم المستثمر (ثائر إبراهيم احمد) لعدم مباشرته العمل. 

على الرغم من ذلك، وحتى بوجود دعاوى تزوير في قضايا أخرى ضد المستثمر، أعادت إليه هيئة استثمار كربلاء الإجازة، لتعود مجدداً في 2021 وتسحبها منه لعدم تمكّنه من إنهاء المخالفة، والمتمثلة في عدم التنفيذ.

جاء ذلك في كتاب للجنة الرقابة على الاستثمار في مجلس محافظة كربلاء، يحمل الرقم 293 في 15/6/2024، وُجّه إلى هيئة الاستثمار في المحافظة، اعتبرت فيه مرور 15 عاماً على المشروع من دون تنفيذ سوى 5 في المئة منه”هدراً للمال العام”.

كما أشارت إلى أن المستثمر كان باع أكثر من 500 وحدة سكنية للمواطنين، فيما لم يكن بنى على الأرض أياً منها. الأمر الذي عدته نصباً واحتيالاً، لذا شددت على سحب الإجازة الاستثمارية بشكل نهائي. 

اللجنة ذاتها وجهت كتاباً آخر الى هيئة الاستثمار في كربلاء حمل الرقم 325 في 28/7/2024، ذكرت فيه رصدها خلال زيارة قام بها أعضاؤها لمجمع “الوفاء السكني” في كربلاء، “تنفيذاً سيئاً في الجوانب الهندسية والفنية”، فضلاً عن مخالفات شملت “دفن التربة بالأنقاض والنفايات”.

وكانت اللجنة أعلنت في تموز 2024 وصول أعداد الإجازات الاستثمارية التي مُنحت لإنشاء مجمعات سكنية في محافظة كربلاء، إلى 25 أجازة، وأن معظم مشاريع تلك المجمعات تشهد “تلكؤاً وفساداً”. 

C:\Users\user\Desktop\كربلاء 4.jpg

أسعار مبالغ فيها وخروقات قانونية

عضو لجنة الاستثمار والتنمية في مجلس النواب حسين السعبري، يقول إن قطاع الإسكان الاستثماري في العراق “تحول من وسيلة لحل أزمة السكن إلى فرصة لتحقيق أرباح خيالية على حساب المواطنين”.

ويرى أن المشاريع التي يعلن عنها “لا تستهدف الفقراء أو ذوي الدخل المحدود وحتى المتوسط”. ويستدل في ذلك بتراوح أسعار الوحدات السكنية في مشاريع ببغداد بين 250 – 900 مليون دينار، مع أسعار أقل في المحافظات الجنوبية، “لكنها تظل مرتفعة مقارنة بمتوسط دخل المواطن” يقول السعبري. 

ويكشف عن سيطرة نحو عشرة مستثمرين على المشاريع السكنية الكبرى في البلاد، مؤكداً أن “جميعهم يحظون بدعم سياسي ويمتلكون نفوذاً قوياً”، في حين أن بقية المستثمرين في المشاريع الأقل حجماً “لا يمكنهم دخول هذا المجال من دون دعم من أحزاب أو جهات مسلحة”، مشيراً الى وجود 46 مجمعاً سكنياً في بغداد، وعلى رغم الأرباح الكبيرة فإن الكثير منها يواجه مشاكل في الإنجاز وفق ما هو محدد، وبعضها متوقف تماماً.

ويتهم النائب، بعض مستثمري المجمعات السكنية بتقديم دعم مالي للأحزاب خلال الحملات الانتخابية “مقابل الحصول على استثناءات لتنفيذ مشاريع جديدة، ما يفاقم أزمة السكن ويعزز نفوذ الفاسدين في هذا القطاع”.

ويلفت النائب إلى أن مستثمرين حصلوا على “أراض في وسط العاصمة، من دون تخطيط استراتيجي أو عمراني دقيق، فأثرت مشاريعهم على الخدمات العامة الأساسية، مثل الكهرباء والماء، وساهمت في تفاقم أزمة المرور داخل العاصمة”.

كما يتهم النائب حسين السعبري، بعض المستثمرين في المشاريع السكنية بالتنصل من التزاماتهم “بحجج واهية بحثاً عن الكسب السريع”، وينبه الى أن “نسبة الربح القانونية للمستثمر لا ينبغي أن تتجاوز الـ 30 في المئة، إلا أن بعض المجمعات السكنية في بغداد والمحافظات تحقق أرباحاً تصل إلى 100 في المئة، بل وحتى 300 في المئة، بسبب غياب الرقابة الحقيقية والمساءلة”.

ويعود ليؤكد:”جميع المشاريع السكنية الاستثمارية في العراق تعاني من المغالاة في الأسعار، وبعضها غير مطابق للمواصفات الفنية”، وفعلياً لا تحقق هدفها المعلن بمعالجة أزمة السكن.

خمسة ملايين وحدة سكنية

يرى عضو اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني، أن الإجازات الاستثمارية التي تمنحها هيئة الاستثمار الوطنية أو الهيئات الاستثمارية في بغداد والمحافظات “لا تتماشى مع احتياجات المواطنين ولا تقدم حلولاً حقيقية لأزمة السكن”، فيما تواجه البلاد عجزاً متزايداً في أعداد الوحدات السكنية، فهي تحتاج إلى نحو خمسة ملايين وحدة لمواكبة الزيادة السكانية.

والسبب برأيه يكمن في جوانب عدة، منها “الارتفاع المبالغ فيه بأسعار الوحدات السكنية في تلك المشاريع”، ويعتقد أن على هيئة الاستثمار “مراجعة أسعار الوحدات ووضع معايير أكثر صرامة لضبطها ومنع استغلال المواطنين”.

وتزيد أعداد سكان العراق بموجب آخر تعداد سكاني أُجري في العام 2024، على 46 مليون نسمة، وهو ما يتطلب تنفيذ مشاريع إسكانية كبيرة بأسعار تناسب متوسط دخل الفرد، بالتزامن مع توسيع التخطيط العمراني للمدن.

لكن تحقيق ذلك يواجه جملة من التحديات، بحسب المتخصص في الشأن العقاري، زاهد حليم، الذي يعتقد أن الحكومة لا تملك أدوات فاعلة لمواجهة تلك التحديات ومعالجتها، لا سيما في ظل وجود “منظومة الفساد في مؤسساتها”. وهو ما يجعل مشاريع الاستثمار السكنية مجرد فرص لمتنفذين مقربين من أحزاب لجني أرباح طائلة على حساب خدمة المواطن وحل أزمة السكن. 

وتعد أسعار العقارات في بغداد، وحتى في مدن مثل كربلاء والنجف، مرتفعة جداً مقارنة بدول المنطقة، على رغم ضعف الخدمات العامة، فسعر منزل مشيّد على 200 متر في وسط بغداد قد يصل الى مليوني دولار أميركي، وفي المتوسط يبلغ سعر المتر المربع الواحد للشقق السكنية في بغداد 1500-2000 دولار أميركي، وهو ما دفع كثيرين خلال العقدين الأخيرين الى بناء مساكنهم على مساحات تقل عن 100 متر، وهي حالة لم تعرفها بغداد سابقاً. 

القانون في خدمة المستثمرين

تنص المادة 3 /ثانياً من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، على منح المشاريع الحاصلة على إجازة استثمار من الهيئة تسهيلات إضافية وإعفاءات من الضرائب والرسوم، فيما نصت المادة 9/سادسا على “تسهيل حصول المستثمر على العقارات اللازمة لإقامة المشاريع”. 

كما تنص المادة 10/ثالثاً/ط على التزام السلطات المحلية بإيصال خدمات البنى التحتية الخارجية إلى حدود المشاريع الاستثمارية. 

ونص نظام بيع وإيجار عقارات وأراضي الدولة والقطاع العام لأغراض الاستثمار والمساطحة عليها، رقم 6 لسنة 2017، على مزايا كبيرة للمشاريع السكنية المنفذة من المستثمرين. إذ تنص المادة 4/أولاً على تملك الأراضي المخصصة للمشاريع السكنية ضمن التصميم الأساسي مقابل بدل بيع قدره 2 في المئة من قيمة الأرض، على أن يتولى المستثمر إنشاء البنى التحتية الخارجية للمشروع، كما يتم تخصيص نسبة لا تزيد على 10 في المئة من المساحة المخصصة للمشروع السكني للجهة المالكة لغرض استثمارها بما لا يتعارض مع التصميم الأساسي والقطاعي للمشروع. 

وفي ما يخص الأراضي المخصصة لأغراض الإسكان التي تقع خارج التصميم الأساسي، تنص المادة 4/ثانياً على أن المستثمر يملك هذه الأراضي بدون بدل، على أن تُحتسب قيمة الأرض ضمن قيمة الوحدة السكنية المباعة للمواطن.

وجاء في ورقة بحثية أعدها قسم البحوث في هيئة النزاهة في أيار/ مايو 2024، أنه وعلى الرغم من التسهيلات والامتيازات التي منحها القانون للمستثمرين إلا أن “ما تم تنفيذه من إنشاء وحدات سكنية عبر المجمعات الاستثمارية لا يشكل أكثر من 1 في المئة من الاحتياج المطلوب”.

C:\Users\user\Desktop\Screenshot 2025-02-27 at 05-55-42 هيئة النزاهة المجمعات السكنية.pdf.png

وأشارت الورقة البحثية الى استنزاف موارد الدولة وضياعها عبر “تخصيص قطع أراض مجانية أو ببدل نقدي زهيد، بالإضافة إلى منح قروض طويلة الأمد للجهات المستثمرة من دون تحقيق الجدوى الاقتصادية من تلك المشاريع”.

C:\Users\user\Desktop\Screenshot 2025-02-27 at 05-56-22 هيئة النزاهة المجمعات السكنية.pdf.png

كما أدت الامتيازات إلى استنزاف أموال المواطنين، وذلك من خلال “منح إجازات استثمارية لمشاريع سكنية لشركات غير رصينة وحديثة التأسيس، لا تمتلك خبرات سابقة في تنفيذ مشاريع مشابهة، هذا الأمر أدى إلى تأخير في تنفيذ المشاريع، ما جعل المواطن يدفع ثمن هذا التلكؤ”.

ومما جاء في الورقة البحثية كذلك، أن شركات حاصلة على الإجازات الاستثمارية اعتمدت على اليد العاملة الأجنبية بدلاً من المحلية، فضلاً عن ضرر لحق بخزينة الدولة جراء “الإعفاءات الجمركية التي منحت للمستثمرين على المواد الداخلة في تنفيذ المشاريع، وبعضهم أدخلوا كميات أكبر من المواد المطلوبة، ثم طرحوا هذه المواد في الأسواق المحلية، ما ساهم في استنزاف العملة الأجنبية المخصصة لاستيرادها”.

وأشارت ورقة قسم البحوث في هيئة النزاهة الى أضرار بيئية تسببت بها المشاريع السكنية التي نُفِّذت داخل المدن أو بالقرب من المناطق الحيوية، فقد أدت إلى “زيادة الازدحامات المرورية وتعزيز الاعتماد على وسائل النقل التي تعمل بالوقود الأحفوري” فضلاً عن افتقار تلك المشاريع الى المساحات الخضراء بخلاف المخططات المعدة.

وخلصت الورقة البحثية إلى أن الشركات الاستثمارية لم تساهم في حل أزمة السكن، وأن المجمعات السكنية كانت أسعارها مرتفعة للغاية، ما جعلها بعيدة عن متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة، إضافة الى غياب الشفافية في ما يخص الأسعار.

وكشفت ورقة النزاهة عن عمليات بيع أجزاء كبيرة من المجمعات السكنية إلى مستثمرين آخرين أو شركات تسويقية من دون علم الجهات المعنية”، ما أدى إلى بيع الوحدات السكنية بأسعار مرتفعة والمضاربة بها”.

الهروب والتأجيل

أبو جمال (45 سنة) موظف حكومي، وقع في 2020 عقداً لشراء وحدة سكنية في مجمع أبي الفضل السكني في منطقة الحسينية ببغداد مع شركة (هيران للمقاولات والتجارة العامة والنقل)، التزم فيه بدفع 35 مليون دينار مقدماً على أن يسدّد المتبقي وهو 100 مليون دينار، بنظام القروض المصرفية بمعدل “500 ألف دينار شهرياً” على أن يتسلم وحدته السكنية نهاية عام 2021.

لكنه وجد مع  1250 آخرين تعاقدوا مع الشركة ذاتها، أنفسهم “عالقين في حلقة من التأجيل والوعود الفارغة الى اليوم” على حد قوله.

بعد ثلاثة أشهر من بدء دفع الأقساط الشهرية “اختفى المستثمر تاركاً المشروع من دون إكمال”. يقول أبو جمال: “اكتشفنا أنه انتقل إلى محافظة النجف لإدارة مشروع آخر تحت اسم الحسين السكني، والذي يتكون من 1000 وحدة سكنية”.

C:\Users\user\Desktop\10هيروان.jpg

في عام 2022 عاد المستثمر ليخبر المشترين أن المصرف العقاري يرفض منحهم القروض، مقترحاً عليهم إما فسخ العقود أو الاستمرار في دفع الأقساط الشهرية بأنفسهم حتى تُصرف القروض.

 في حين أفادت وثائق رسمية اطلع عليها معد التحقيق، بالموافقة على منح القروض للمواطنين الراغبين في شراء الوحدات السكنية من مجمعات عدة، بما في ذلك مجمع أبي الفضل السكني، وهذا خلاف لما ذكره المستثمر.

ويفيد كثر من مشتري الوحدات السكنية من المجمع بأن المستثمر أجرى تعديلات يرون أنها جوهرية على بنود العقود، منها إزالة المرافق الصحية من غرفة استقبال الضيوف، واستبدالها بمرافق صحية خارجية سيتم إنشاؤها في حديقة المنزل، مع طلب دفع مليون دينار مقابل تلك التعديلات، كما تم تقليص سمك السياج الخارجي من 9 إلى 4 إنشات. 

وتشير المهندسة نجاة حسين، وهي خبيرة في تصميم المدن السكنية، إلى أن مشروع أبي الفضل، يفتقر إلى مساحات خضراء كافية، والتباعد المناسب بين الأبنية، بالإضافة إلى عدم استخدام برنامج “أوتوكاد” في تصميم الرسومات الهندسية، ما أدى إلى “تصميم غير دقيق وغير متكامل”.

تكشف الوثائق الرسمية التي حصل عليها معد التحقيق، أن المشروع مُنح لشركة هيران للتجارة والمقاولات وفق إجازة استثمارية تحمل الرقم 100 لسنة 2011، لإنشاء المجمع على قطعة أرض تعود إلى وزارة المالية بمساحة 200 دونم بمبلغ 150 مليون دولار أميركي. 

C:\Users\user\Desktop\هيروان3.jpg

ويلاحظ أن الشركة كانت باشرت العمل في المشروع مطلع عام 2021، على الرغم من أنها وقعت عقد استلام الأرض رسمياً في 3 كانون الثاني/ يناير 2022، وهي مخالفة جسيمة بحسب متخصص قانوني، طلب عدم الإشارة الى اسمه، إذ يرى أن الشركة المستثمرة “استخدمت أراضي حكومية قبل استكمال الإجراءات الرسمية”.

وأشارت وثيقة صادرة عن هيئة استثمار بغداد، في 20 أيلول/ سبتمبر 2023، إلى أن نسبة الإنجاز الفعلية في المشروع لم تتجاوز الـ 28 في المئة.

C:\Users\user\Desktop\هيروان6.jpg

وفي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وجهت دائرة عقارات الدولة كتاباً إلى مديرية التسجيل العقاري في الزهور، يقضي بتسجيل العقار باسم الشركة، مع وضع إشارة عدم التصرف، ما يعني أن المستثمر لا يستطيع بيع المشروع أو التلاعب به من دون موافقة الجهات المعنية.

C:\Users\user\Desktop\هيروان7.jpg

مصدر رسمي معني بالاستثمار، شدد على عدم ذكر اسمه، لفت الى أن شركة هيران التي حصلت على الإجازة الاستثمارية في مجمع أبي الفضل السكني: “لم تكن معنية بإتمام المشروع، بل كان دورها يقتصر على الحصول على عقد الأرض والإجازة الاستثمارية، قبل أن تتولى شركة أخرى هي طريق الحارثية تنفيذ الوحدات السكنية والتعاقد مع المستفيدين على عقود داخلية آخرى، مع إجراء تعديلات مجحفة على العقود الأصلية التي وقعها المشترون عام 2020”.

C:\Users\user\Desktop\عقد هيران 1.jpg

ويخلو العقد الذي وقعه المستفيدون مع شركة(طريق الحارثية)من أي بنود تجبر الشركة على تحمّل المسؤولية في حال حدوث تأخير في تسليم الوحدات، بل تتضمن بنداً يسمح للشركة بتمديد فترة التسليم بسبب “الظروف الطارئة أو القوة القاهرة”، ما يعني عدم تمكّن المستفيدين من الحصول على تعويضات في حال تأخر تسليمهم وحداتهم السكنية.

C:\Users\user\Desktop\عقد هيران3.jpg

في المحصلة، وعلى الرغم من تقديم الأهالي شكاوى موثقة إلى هيئة استثمار بغداد، إلا أن الإجراء الوحيد الذي اتخذته كان سحب الإجازة الاستثمارية من شركة هيران، وكان ذلك في 11 آب/ أغسطس 2024، من دون فرض أي عقوبات مالية أو قانونية أو إلزامها بإكمال المشروع أو تعويض المشترين.

في المقابل، رفعت شركة هيران دعوى قضائية ضد الهيئة في أيلول/ سبتمبر2024 لدى محكمة البداءة في العاصمة بغداد، وهي ما زالت قيد النظر.

C:\Users\user\Desktop\هيروان 2.jpg

تجد الأستاذة الجامعية سرى الصفار نفسها ضحية لمماطلات شركة (خيرات الدر) المملوكة للمستثمر نزار عبد الواحد، والتي تنفذ (مجمع المحبة السكني 1) في منطقة السيدية ببغداد، إذ وقعت على شراء شقة سكنية منها في 2019، لكنها “لم تنجز في المواعيد المحددة”.

تقول سرى مستغربة: “على رغم ذلك منحت الشركة مشروعاً جديداً باسم مجمع المحبة السكني 2 في تقاطع الدرويش ببغداد!”.

هي تطالب رئيس الوزراء بالتدخل لاستبدال الشركة وضمان حقوق 450 عائلة متضررة، بعدما استنزفت مدخراتهم من دون الحصول على سكن.

الموظفة المتقاعدة في وزارة المالية أم مصطفى، تواجه المشكلة ذاتها في مشروع (مجمع الزهور السكني) في بغداد، فهي تنتظر منذ 2016 استلام شقتها التي تقول إنها لم تكتمل لغاية الآن على رغم أن الشركة المستثمرة تسلمت الموقع في 24 أيار/ مايو 2011، وكان من المفترض إنجاز المشروع خلال 30 شهراً بكلفة بلغت 243 مليون دولار وفقاً للإجازة الاستثمارية رقم 94 لسنة 2011، “إلا أن بعض الوحدات لا تزال مجرد هياكل خرسانية، بعد أكثر من عقد من الزمن”.

المشروع اكتملت وحداته السكنية ذات مساحة 80 م²، مع بعض الوحدات مساحة 100 م²، وتسكنها بعض العائلات، إلا أنهم يواجهون مشاكل عدة لعدم إكمال المدارس والمستوصف، الى جانب افتقاد المساحات الخضراء والمتنزهات، فضلًا عن رداءة البناء وانتشار النفايات، والافتقار الى شبكة كهرباء، ما يجبرهم على اللجوء الى المولدات الأهلية، وهو ما يزيد من أعبائهم المالية.

وكان لقاء جمع في 16 نيسان/ أبريل 2023، رئيس هيئة استثمار بغداد، علي الوائلي، بالمستثمر  مدير شركة الحياة الجديدة للاستثمار العقاري شمال عزيز إسماعيل، أُلزم بموجبه باستكمال الخدمات الناقصة في المجمع خلال شهرين، بما في ذلك إنشاء المدارس، تعبيد الطرق، بناء المستوصف، وإضافة الحدائق والمتنزهات، وهو ما لم يتحقق على الأرض.

C:\Users\user\Desktop\الزهور13.jpg

بعد ذلك تدخلت لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، في 2 أيار/ مايو 2023، وطالبت جهاز الادعاء العام باتخاذ إجراءات قانونية بحق الشركة المستثمرة، وإلزام هيئة استثمار بغداد بتطبيق المادة 27 من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2016 المعدل، والتي تتيح استبدال المستثمر المتلكئ بآخر قادر على التنفيذ، نظراً الى إخلال الشركة بالعقد واستمرارها في استقطاع أقساط شهرية من رواتب المستفيدين لصالحها على رغم عدم إكمال المشروع.

C:\Users\user\Desktop\الزهور5.jpg

وفي 21 نيسان/ أبريل 2024،  قررت هيئة استثمار بغداد سحب الإجازة الاستثمارية من شركة “الحياة الجديدة للاستثمار العقاري”، وإدراجها على القائمة السوداء، مع الحجز على أموال المدير المفوض، بعد إنذارات متكررة بسبب سوء التنفيذ، لكن المستثمر لم يستسلم بسهولة، إذ رفع دعوى قضائية ضد الهيئة، بحجة أنه أكمل البنية التحتية الأساسية للمشروع.

وفي 3 شباط/ فبراير 2025، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بإلغاء الأمر الإداري رقم 172 الخاص بسحب الإجازة الاستثمارية وإعادة تفعيلها، معلّلة ذلك بأن المدد الممنوحة للمستثمر كانت قصيرة مقارنة بحجم المشروع، وأن قرار السحب لم يتم بموافقة مجلس إدارة هيئة الاستثمار.

استثمار لخدمة الأثرياء

يقول رئيس مجلس الأعمال العراقي، داود عبد زاير، إن قانون الاستثمار السكني شرّع بهدف معالجة أزمة الإسكان وتوفير وحدات لمتوسطي الدخل والفئات الأقل دخلاً، “لكن التطبيق العملي للقانون انحرف عن مساره ما أدى إلى استحواذ الطبقة الغنية على هذه المشاريع”.

ويضيف: “بعض الشقق السكنية الاستثمارية في بغداد وصلت أسعارها إلى 1.5 مليون دولار، وأخرى إلى 500 ألف دولار، ما يعكس الخلل في توجيه المشاريع السكنية نحو الفئات المستهدفة”.

كما يؤكد أن بعض المجمعات السكنية “تفرض رسوماً غير قانونية على الخدمات، على رغم أنه من المفترض أن يدير السكان المجمعات بعد استلامها، هذا فضلاً عن زيادة مساحات المباني على حساب المساحات الخضراء ومواقف السيارات”. 

ويدافع عمار عبد الكريم، معاون مدير عام الدائرة الاقتصادية في الهيئة الوطنية للاستثمار، عن إجراءات الهيئة، بقوله: “الإجازات حالياً تُمنح فقط لمستثمرين يمتلكون مشاريع مماثلة وخطة تمويل واضحة، مع إيداع أموال المشروع في مصرف معتمد، والمستثمرون يلزمون بإنجاز البنية التحتية بالكامل، وتتم متابعة تنفيذها عبر لجان متخصصة”.

ويشير الى أن بامكان المواطنين المتضررين في أي مشروع “تقديم تظلمات للهيئة التي تبت فيها خلال 15 يوماً”.

وفي إطار تنظيم عمليات بيع الوحدات السكنية وضمان التزام الشركات المستثمرة بالأسعار المحددة، يقول إن مجلس إدارة الهيئة، يشدد على بيع الوحدات السكنية بالسعر المحدد في السجل الاقتصادي المعتمد للمشروع، وفرض عقوبات على المخالفين، كذلك اعتماد آلية البيع عبر المصارف وتأكيد تطبيق أحكام المادة 28 من قانون الاستثمار والمتعلقة بالتزامات المستثمرين، بما فيها أسعار البيع.

وينبه الى ضرورة تقديم المواطنين شكاوى رسمية ضد أي مستثمر “يبتزهم أو يطالبهم برسوم إضافية غير قانونية”، لافتاً الى أن تحصيل أقساط شهرية بسعر صرف الدولار غير الرسمي، وفتح مكاتب بيع الوحدات السكنية قبل إنجاز ما نسبته 25 في المئة من المشروع، أمر مخالف للقانون، وتمثل تجاوزات يرتكبها المستثمرون.

وقائع مختلفة والهيئة عاجزة

على رغم ما تؤكده الهيئة الوطنية للاستثمار، من التزام بالقانون واتخاذ الإجراءات بحق المخالفين لبنود العقود الاستثمارية والقرارات المتعلقة بها، الا أن الوقائع على الأرض تثبت خلاف ذلك.

“افعلوا ما شئتم”، بهذه العبارة تواجه الشركة المستثمرة سكان (مجمع شناشيل السكني) في بغداد عند اعتراضهم على فرض تسديد الأقساط الشهرية بسعر الدولار الموازي البالغ بين 147-150 ألف دينار بدلاً من السعر الرسمي 132 ألف دينار عراقي، في مخالفة واضحة لتعليمات الهيئة الوطنية للاستثمار، وفق ما ترويه سمر عدنان، وهي إحدى قاطنات المجمع.

ويكشف عضو لجنة النزاهة النيابية، دريد جميل، عن أن خسائر الدولة جراء المشاريع الاستثمارية، بما فيها المجمعات السكنية، تقدر بنحو 3 تريليونات دينار، وذكر أن اللجنة فتحت ملف التجاوزات في هذه المشاريع، ومنها “مجمع بوابة العراق وسط بغداد، الذي استحوذ على نحو 7 دونمات من الأراضي بشكل غير قانوني”.

ويضيف:”رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار اعترف خلال جلسة استضافة سابقة بعدم سيطرته على الاستثمارات في المحافظات، ما يجعل المواطنين غير قادرين على شراء وحدات سكنية بأسعار معقولة داخل بغداد أو في بقية المحافظات”.

لجنة النزاهة النيابية وجهت في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024، كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء، ضم مخالفات مرصودة في عمل معاون مدير عام الدائرة القانونية في الهيئة الوطنية للاستثمار، سعد جميل هويدي، وتورطه في التلاعب بوثائق وتلقي الرشى في مشاريع استثمارية عدة، من بينها مشروع الرحاب السكني في محافظة صلاح الدين.

C:\Users\user\Desktop\النزاهة فساد.jpg

أزمة ثقة

منحت هيئة الاستثمار في ذي قار عام 2020 إجازة لإنشاء مجمع (السلام السكني) في منطقة الموحية بالناصرية مركز المحافظة، وهو مشروع يفترض أن يوفر مساكن جاهزة لموظفي كتاب العدول.

 بالنسبة الى الكاتب العدل غزوان حسين، فإن المشروع مثّل فرصة أخيرة للتخلص من عبء “الإيجارات المرهقة”، لكنه لم يكن يعلم أن حلمه وبعد سنوات من الانتظار باستلام منزل مكتمل سيتبدد، وأنه سيدفع أكثر بكثير مما كان مخططاً.

لم يلتزم المستثمر بالمخطط الرئيسي، بل أضاف 6 وحدات جديدة ليرتفع العدد إلى 122 وحدة، من دون أن ينعكس ذلك على تحسين الخدمات أو جودة التنفيذ، وكان يفترص إكمال المشروع بحلول نهاية عام 2023، لكن ذلك لم يحدث، ليعمد غزوان ومعه عدد من المشترين الآخرين إلى اقتحام المجمع في أواخر 2023  والسكن في منازلهم على رغم عدم جاهزيتها.

C:\Users\user\Desktop\السلام5.jpg

يقول مبرراً: “لم يعد لدينا خيار آخر، لقد دفعنا 120 مليون دينار مقابل منزل، كان من المفترض أن يكلف 74 مليون دينار فقط وفقاً لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع”، ويضيف :”اضطررنا لإنهاء التشطيبات بأنفسنا وإنفاق 10 ملايين دينار أخرى على أعمال الترميم”. 

لكن ما لم يكن بالحسبان هو غياب شبكة الكهرباء الوطنية تماماً، فأُجبر السكان على اعتماد المولدات الأهلية أو سحب الكهرباء بطرق غير نظامية من الأحياء العشوائية المجاورة.

ولم يكن مجمع السلام استثناءً، إذ تواجه سبعة مجمعات سكنية أخرى في المنطقة المشكلة ذاتها، من بينها مجمعات “العميد، وموظفي الاستثمار، والأساتذة الجامعيين”، يقول غزوان إنها عهدت الى المستثمر نفسه” يكافئونه بدلاً من مساءلته!”.

C:\Users\user\Desktop\السلام6.jpg

بناء على تجارب كثيرة لمهندسين ومحامين ومشتري عقارات، تم التواصل معهم، فإن مشكلة فشل قانون الاستثمار في تحقيق أهدافها المعلنة على رغم ما قدمته الحكومة من دعم وتسهيلات، لا ترتبط بمجرد مخالفات وتجاوزات محدودة تحصل من بعض المستثمرين، أو فشل في الإنجاز والتسليم وفق الشروط والمواعيد المحددة. إذ يقول غزوان، إن هناك خللاً واضحاً في “القوانين وطريقة تنفيذها، مع استشراء الفساد الذي سمح لمستثمرين بالحصول على أراض وإجازات عمل من دون توافر المؤهلات، ومن ثم عدم تنفيذ مشاريعهم وفق المواصفات وشروط التعاقد، ليراكم البعض أرباحهم بينما يعاني عشرات آلاف المواطنين ممن جاء القانون أصلاً لخدمتهم”.

ملاحظة، يبلغ سعر صرف 100 دولار أميركي في سوق العملة بالعراق نحو 147 ألف دينار عراقي. 

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":29090}" data-page="1" data-max-pages="1" data-start="1" data-end="1">