

“نعمل تحت سطوة الأشعة وقد يكون الإجهاض أو السرطان من بين احتمالات مستقبلية لحياتي، وبدلاً من زيادة مخصصات الخطورة وضمانات التقاعد، قاموا بإلغائها” تقول تقنية الأشعة زهراء عشطان، معربة عن خيبتها من بعض مواد قانون “الهيأة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية والكيميائية والبيولوجية” الذي اقر في العام 2023.
زهراء في السادسة والعشرين من عمرها، عملت مسؤولة تقنية للتصوير الشعاعي بمستشفى اليرموك في العاصمة بغداد منذ عام 2020، وانتقلت آواخر 2022 إلى وحدة أشعة ضمن مركز صحي على أطراف المدينة.
تقول بإنها ذهبت برفقة مجموعة ممثلين عن الأقسام الإشعاعية الطبية المختلفة إلى وزارة الصحة في شهر أيلول/سبتمبر2022 وقدموا مقترحاً لرفع مخصصات الخطورة الخاصة بهم إلى 50% بدلاً من 30% “لكن
لاحقا وبدلاً من زيادتها تم الغاؤها دون مبرر واضح”.
العاملون في حقل الإشعاع الطبي في العراق، كانوا يحصلون على امتيازات مالية وتقاعدية بموجب قانون الوقاية من الإشعاعات المؤينة، رقم 99 لعام 1980. وتنص المادة (14) منه “على أن لا تزيد عدد ساعات عمل العامل في مجال الإشعاع على 35 ساعة أسبوعياً وإذا تطلبت ضرورات العمل ساعات إضافية، فيمنح العامل عندئذ مخصصات عمل إضافية، كما يستحق إجازة اعتيادية براتب تام بمعدل يوم واحد من كل عشرة أيام من مدة خدمته، إلى جانب 21 يوماً سنوياً”.
وتنص المادة (15) من ذات القانون على منح العامل في الإشعاع مخصصات بدل الوقاية من التعرض للأشعة، بنسبة 30% من الراتب، فيما يضاف إلى الراتب التقاعدي للعامل في حقل الإشعاع الذي قضى 5 سنوات في الخدمة الفعلية، 30% من راتبه وفق المادة (16).
إلغاء المخصصات
وعوضاً عن رفع قيمة المخصصات، قدمت الحكومة العراقية إلى مجلس النواب، في منتصف 2023، مشروع قانون “الهيئة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية والكيميائية والبيولوجية” من جديد، بعد أن كانت قد قدمته سنة 2010 لكنه ظل مركوناً في أروقة البرلمان دون قراءة أو تصويت خلال الدورات التشريعية السابقة.
وتضمن القانون الجديد إلغاء القانون السابق رقم (99) لعام 1980 مع تخصيص امتيازات مالية وتقاعدية لموظفي هيئة الطاقة الذرية العراقية فقط، دون غيرهم، وهذا ما يرفضه العاملون في حقل التصوير الإشعاعي، وهو ما دفعهم الى مطالبة لجنة الصحة النيابية بإنصافهم وإعادة حقوقهم.
خلال جلسة التصويت على مشروع القانون التي عقدت بتاريخ 16/10/2023، اقترحت لجنة الصحة إبقاء بند مخصصات الخطورة للعاملين في الإشعاع الطبي، لكن مجلس النواب رفض المقترح، وانتهت الجلسة بالتصويت على القانون الجديد.
رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية، ماجد شنكالي، يقول بأن اللجنة المالية في مجلس النواب، رفضت التصويت على هذا البند وبررت ذلك بأن صلاحيات وزير الصحة تتيح له منح مخصصات مهنية بمقدار 30% للعاملين في وزارته، وفق قانون الرواتب، وأن المخصصات أمر إداريٌ يتعلق بالوزير.
ويضيف موضحاً موقف اللجنة المالية:”هي عدت القانون الجديد خاصاً بالعاملين في الطاقة النووية فقط وليس غيرهم”.
ويؤيد شنكالي ذلك الرأي “لأن المخصصات من صلاحية الوزير، ويجب أن يبقى ذلك وفقاً لتقديراته، ولا سيما أنه على دراية فنية أكبر بأوضاع العاملين ضمن طاقم إدارته، وبنحو خاص في الإشعاع، وذلك أفضل لأن التوسع في القانون سيدخل الحكومة في متاهات كثيرة”.
سحبت سهواً !
مدير مركز الوقاية من الإشعاع، صباح الحسيني، يقول بأن”مخصصات الخطورة للعاملين في التصوير الإشعاعي بالمستشفيات، سُحبت سهواً، وهذا خطأ غير مقصود يجب تصحيحه، ونسعى إلى تعديل القانون الجديد الذي طرحنا فيه كل حقوقهم المتعلقة بالإجازة الإجبارية وتحديد ساعات العمل والتقاعد، باستثناء فقرة المخصصات، منوهاً أنهم لم يكتشفوا ذلك إلا بعد التصويت وهو ما يحتاج الى تعديل”.
وفي تصريح صحفي أدلى به عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية باسم الغرابي، في الثاني من تشرين الأول /أكتوبر2023، كشف عن وجود خلاف سياسي تعلق بالتصويت على مشروع قانون الهيئة الوطنية للرقابة النووية والاشعاعية والكيميائية والبيولوجية “كون الهيئة ستكون عائديتها ومرجعيتها إلى رئاسة مجلس الوزراء، وهناك من يريد أن تعود إلى وزارة البيئة”.
وأوضح الغرابي أن القانون يتضمن وجود جهة رقابية للطاقة الذرية “وهو يدمج ثلاث هيئات بهيأة واحدة ما يعني أن هناك مناصب سياسية ستلغى، لذلك هنالك اعتراض سياسي عليه”.
وتتضمن الصيغة النهائية للقانون الجديد عدة بنود أهمها:
إلغاء القانون السابق رقم (99) لعام 1980، وفقاً للمادة (32) من القانون الجديد، ومنح موظفي هيأة الطاقة الذرية العراقية فقط امتيازات مالية وتقاعدية وفق المادة (18). وحل كل من مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة والهيأة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة وهيأة الرقابة الوطنية على منع استخدام الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، على أن تؤول حقوقها إلى الهيأة الجديدة المؤسسة بموجب هذا القانون تحت مسمى “الهيأة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية والكيميائية والبايولوجية”، وترتبط بمجلس الوزراء.
إجراءات وقائية غير متاحة للجميع
اثر تصويت مجلس النواب على القانون الجديد وإلغاء الامتيازات الخاصة بالعاملين بالتصوير والإشعاع الطبي التي كان يتضمنها القانون السابق، قدم العاملون في مجال التصوير الإشعاعي طلباً رسمياً إلى مجلس النواب بتاريخ 31/10/2023، طلبوا فيه إيقاف إجراءات المصادقة على القانون وإعادته إلى البرلمان لتعديل بعض المواد الخاصة بحقوقهم ثم التصويت عليها.
كما أطلق العاملون في مجال التصوير الإشعاعي حملة مطالبة بحقوقهم، تضمنت وقفات احتجاجية لممثلين عن الأقسام الإشعاعية بمختلف المحافظات، إلى جانب مناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية.
ولم تتوقف مناشدات كوادر التصوير الإشعاعي عند هذا الحد، بل شكلوا أيضاً تنسيقيات على مستوى المحافظات لتوحيد جهودهم ومطالبهم من أجل تعديل القانون الجديد.
ورداً على تحركات العاملين هذه، يؤكد رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية، ماجد شنكالي، استعداده لإعادة قانون الهيأة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، إلى مجلس النواب، من أجل تعديل بند مخصصات الخطورة ومنحها للعاملين في مجال الإشعاع والتصوير الطبي لكنه في ذات الوقت، يؤكد بأنه لن يسمح بإضافة الفقرة المتعلقة “بامتيازات التقاعد” التي كانت واردة في القانون القديم.
ويبرر شنكالي موقفه هذا بقوله:” القانون السابق رقم (99)، يمنح الكوادر العاملة في الإشعاع الطبي امتيازات مالية كبيرة للتقاعد تكلف الدولة، ولا يستحقونها” على حد تعبيره.
وبالعودة إلى زهراء، فإن غالبية المستشفيات في العراق تواجه نقصاً حاداً في منظومة الحماية الخاصة بكوادر الإشعاع، منبهة الى أن بعض جدران وأبواب العزل الرصاصية بين غرفة فحص المريض وغرفة التحكم لفني الأشعة، “فيها تصدعات ويتسرب من خلالها الإشعاع”.
وتوضح: “هذا يعني أن العامل في قسم التصوير الطبي سيتعرض بشكل مستمر للإشعاعات الضارة الخطرة”. تفكر قليلاً ثم تواصل متذكرةً: “إحدى العاملات في قسم الأشعة باليرموك تعرضت للإجهاض ثلاث مرات خلال فترات عملها”.
كما تشير زهراء إلى أن جهاز (البادج فيلم) لقياس الأشعة في الجسم، لا يتاح استخدامه إلا للمسجلين رسمياً في مركز الوقاية من الإشعاع، فيما العاملون غير المسجلين لا يحصلون عليه :”وأعدادهم كبيرة، وبالتالي لا نعرف وضعهم الصحي”.
والبادج فيلم، هو جهاز يمنح العامل في حقل الإشعاع، إمكانية قياس جرعة التعرض للأشعة كل ستة أشهر ومراقبة مدى الضرر، “لكن استخدامه محصور فقط بالفنيين المسجلين” تعود زهراء للتأكيد.
أما ستر الرصاص الواقية التي يفترض ارتداؤها من قبل الفنيين، فتؤكد زهراء أن العامل في المجال عند بداية تعيينه في المستشفى لا يمنح سترة واقية “وبعض الأقسام ليست فيها سوى سترة واحدة فقط يتناوب على استخدامها ست عاملين، فضلاً عن أنها قديمة ووزنها يتراوح بين 15 إلى 20 كيلو غرام، ويلجأ البعض إلى شراء سترة واقية على نفقته الخاصة، وقد يصل سعرها إلى 100 دولار”.

الحماية للمسجلين فقط
مدير مركز الوقاية من الإشعاع، صباح الحسيني، يقول ان مركزه يمنح “بادجات حماية لـ8300 عامل في المجال” مسجلين لديه، لافتاً إلى أن المركز يجري مراقبة مستمرة، وفي حال “تسجيل ارتفاع القراءة الإشعاعية لأي عامل يجري التحري عن الحالة بنحو سريع” حسبما ذكر.
ويوضح أنه لا يُسمح لأي شخص، بالعمل في الأقسام الشعاعية إلا بعد الحصول على إجازة من مركز الوقاية من الإشعاع، ومنحه “بادج فيلم” للمراقبة، مشيراً في الوقت عينه إلى أن بعض العاملين في المجال لديهم مهام كإعطاء الحقن والأدوية قبل بدء التصوير الشعاعي للمريض، وأولئك لا يتعرضون للإشعاع ولا يحق لهم الحصول على “البادج”.
ولا يقتصر وجود الفنيين على غرف التصوير الإشعاعي فقط، بل يشاركون أثناء عمليات جراحية عدة كالقسطرة، والكسور وحينها يتعرضون للإشعاع أيضا.
والفنيون في المستشفيات، وفقاً لما قاله بعض المتحدثين منهم، يتعاملون مع ما يقارب الـ 100 حالة خلال النهار في الأقسام الإشعاعية المختلفة، منها “المفراس والرنين والقسطرة والماموغراف وفحص هشاشة العظام” وفي حالات الطوارئ الليلية ترتفع الأرقام لتصل إلى نحو 200 حالة.
بعد ستة عشر سنة قضاها في حقل التصوير الاشعاعي، يخشى تقني الأشعة مصطفى الربيعي، اهمال وزارة الصحة ومجلس النواب مطالبه وزملائه بالمخصصات التي يطالبون بها. ويقول:”إن استمرار الجميع بعدم تنفيذ مطالبنا، سيعني الإلغاء المتعمد لحقوقنا بكل ما يحمله ذلك من أضرار علينا”.
انتقل مصطفى سنة 2018 للعمل في مستشفى الأمل للإشعاع الذري ببغداد، التي تتضمن وحدات للطب النووي والعلاج باليود المشع والكبسولات الإشعاعية، فضلاً عن وحدات التصوير الإشعاعي. ويلفت إلى أن عشرات العاملين في هذه الوحدات أصيبوا “بسرطان اللوكيميا والمثانة وأمراض جلدية عديدة” جراء العمل في هذه الأقسام الخطرة. ويتابع :”نقلت المستشفى عمل البعض منهم من فني إلى إداري بعد إصابتهم وتم سحب مخصصاتهم المالية”.
ويصف إجراءات مركز الوقاية من الإشعاع فيما يتعلق بمراقبة أوضاع العامين بـأنها “ضعيفة ومخجلة” ولا تتناسب مع المخاطر التي يتعرضون لها.
ويشير الى إصابة عامل في مستشفى الأمل بعمى مؤقت “نتيجة التعرض المرتفع للإشعاع”. ويضيف أن مركز الوقاية، لم يتخذ أي إجراء لسلامة العامل “سوى أنه فحص الغرفة وسترة الوقاية التي يرتديها. كما لم يقدم أي توصيات له، كما يفرض البروتوكول الدولي على العاملين في الإشعاع إذا ما تعرضوا بصورة كبيرة للأشعة”.
المزيد عن تقارير سردية
تقارير سردية, غير مصنف","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":29102}" data-page="1" data-max-pages="2" data-start="1" data-end="1">