تحليل: حلّ الحشد… من جديد 

حلّ الحشد… من جديد 

قصة الحشد الشعبي والفصائل الثلاث المتمرّدة والنقاش المتجدد بشأن حل الفصائل أو دمج "الهيئة" بالمؤسسات الأمنية.. ماذا يجري خلف الكواليس بشأن حل الحشد؟

تنفي القيادات الشيعية والحكومة في العراق “حلّ الحشد”، لكنها تتعكز على فكرة “حصر السلاح” بدلاً عن ذلك. يرفض محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، الكلام عن وجود “طلب خارجي” لحلّ الحشد، لكن داخلياً لا ينفي نية “جمع السلاح”. 

عملياً وبالنظر للتجربة، لا يعني “حصر السلاح” شيئاً في العراق. هذا مطلب رافق النظام الجديد منذ أن نشأ عقب الاحتلال الأمريكي في عام 2003، وحتى الآن. 

لإيران، كذلك، موقفان باتجاه الحشد: معلنٌ يدعم بقاء هذه القوة العسكرية، وآخر خلف الأبواب يشي بأنه أكثر “مرونة”. ويمكن وصف ما يجري بـ”المراوغات” بين بغداد وطهران من جهة وواشنطن من أخرى، بانتظار استقرار ترامب في بيته الجديد/ القديم، الرئيس الأمريكي الشعبوي الذي يقرؤه العراقيون بوصفه “متقلباً” وقد تكون هذه النقطة لصالح الجماعة الشيعية المعروفة بـ”الإطار التنسيقي”. 

تلقى التحالف الشيعي مؤخراً، رسائل بأن واشنطن ستتخذ تدابير بشأن “الحشد”، وهو ما كشفه عمار الحكيم، أحد أبرز زعامات “التنسيقي”، وليست هذه الرسائل الأولى من نوعها؛ سبقتها أخرى أكثر خشونة، وجرت تصفية لقيادات ميدانية بالفصائل، مطلع العام الماضي، قبل أن تنقذها “هدنة غير معلنة” بين الفصائل والولايات المتحدة في شباط 2024. كلّ هذا يأتي في ظل “انزعاج” بعض الشيعة من جهات داخل منظومة الحشد “تتمرّد”، ويتمنى البعضُ زوالَ البعض. 

يصف مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي يملك 3 فصائل داخل هيئة الحشد، الجماعات المتمردة في الحشد الشعبي بـ”المليشيات الوقحة”، وقبل 8 سنوات على الأقل، لمعت فكرة “دمج الحشد” أو “تقليصه”. وكان هذا بعد حوادث تتعلق بـ”رفض أوامر عسكرية” و “شكوك مالية” برواتب الفصائل. وتكرّرت المحاولات بعد ذلك، وكانت تحت تسميات مختلفة، مثل “هيكلة الحشد”، حتى انتهت باحتجاجات تشرين في 2019. 

  

التجربة السورية 

على مستوى الشارع الشيعي، بعد 2003، لم تكن معروفة تسمية “الفصائل”. 

كانت الجماعات المتطرفة السُنية هي الأكثر تأثيراً: القاعدة تحت اسم “التوحيد والجهاد”، التي صارت “داعش”، إضافة إلى فصائل فرعية عديدة مثل “فيلق عمر”، “أنصار السنة”، “جيش المجاهدين”، “الجيش الإسلامي”، و”النقشبندية”، وغيرها. يواجهها على الجانب الشيعي “جيش المهدي” المنحدر من جمهور التيار الصدري ويقوده مقتدى الصدر، الذي جمّده في 2008. 

أعيدت هيكلة هذه المجموعة -جيش المهدي- وتسميتها مرات عدّة، من بينها “الممهدون” و”لواء اليوم الموعود”، ليتحول بعد ذلك إلى “سرايا السلام” ويُضاف شكل حمامة لرايته وشعاره ويمتلك، داخل هيئة الحشد الشعبي، الألوية (313 – 314 – 315)، وقوامها غير معروف، لكنّه يتجاوز 10 آلاف مسلح، ينتشرون بالغالب في محيط مدينة سامراء جنوبي محافظة صلاح الدين شمال بغداد. 

بعد تجميد “جيش المهدي” وخروجه من المشهد، برزت فصائل جديدة مثل “عصائب أهل الحق” التي ستتحول بعد ذلك إلى قوة سياسية مهمة في البيت الشيعي، وشاع اسم “كتائب حزب الله” في الفضاء العام، خصوصاً باندلاع الأحداث السورية عام 2011، حين قرّرت الذهاب إلى هناك بذريعة الدفاع عن “العتبات الشيعية”، (ستختفي هذه الفصائل بظروف غامضة من سوريا بعد ذلك بـ13 سنة في خضم سقوط النظام السوري). 

يقول قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق (أحد أبرز الفصائل الشيعية والمنضوية بالحشد)، متذكراً أحداث سوريا الأولى: “كان رأينا بأن الاستهداف في 2011 كان ضد المكون الشيعي ومرقد السيدة زينب، حيث كنا نعتقد أن المشاركة حينها تولد الخبرة لأن الأحداث ستمتد إلى العراق”. 

قُدِّرت الفصائل في سوريا، حتى هروب بشار الأسد الرئيس السوري، في 8 كانون الأول 2024، بنحو 20 فصيلاً، أبرزها:  

  • حركة “النجباء”، التي يقودها أكرم الكعبي، وكانت تنتشر في: السيدة زينب، حلب، حماة، اللاذقية ودير الزور شرقي سوريا. 
  • “كتائب الإمام علي”، يقودها شبل الزيدي. وكانت تنتشر في: ريف دمشق، درعا، ريف حلب، اللاذقية. 
  • “قوات الشهيد محمد باقر الصدر”، المتفرّعة من منظمة “بدر” (هادي العامري)، وكانت تنتشر في: السيدة زينب، حماة، ريف إدلب. 
  • “لواء كفيل زينب”، تابع لعصائب أهل الحق (قيس الخزعلي)، وكان ينتشر: في السيدة زينب، طريق المطار، الغوطة الشرقية، حلب، القلمون. 
  • “كتائب سيد الشهداء”، التابعة لزعيم الفصيل نفسه في العراق أبو آلاء الولائي (القيادي في الإطار التنسيقي)، وكانت تنتشر في: السيدة زينب، الغوطة الشرقية. 
  • إضافة إلى “كتائب حزب الله”، التابعة لزعيم الفصيل بالعراق أبو حسين الحميداوي، وكانت تنتشر في السيدة زينب، الغوطة الشرقية ودير الزور. 

جميع الفصائل التي شاركت في سوريا، شكّلت في ما بعد “الحشد الشعبي” مما تسبّب بحرج كبير للحكومة العراقية بسبب العلاقة مع واشنطن، وهو ما اضطر حيدر العبادي، رئيس الوزراء (2014- 2018)، إلى القول ”كل جهة عراقية تقاتل في سوريا لا تمثلنا”. 

عصائب أهل الحق يشيعيون أحد قتلى معارك سوريا/ المصدر: الجزيرة نت. 

المشروع العراقي والانتقادات 

في حزيران 2014، انتشر تنظيم “داعش” بشكل علني في الموصل، وتوسع سريعاً ليسيطر بعد ذلك على (200 ألف كم)، أكثر من ثلث مساحة البلاد. 

انخرط المتطوعون، ومن ضمنهم الفصائل التي كانت قد اكتسبت خبرة القتال في سوريا، ضمن يافطة “الجهاد الكفائي” التي دعت إليها المرجعية الشيعية في النجف المتمثلة بالسيد علي السيستاني، لمواجهة التنظيم المتطرف. بقيت هذه الجماعات تسمى بـ”المتطوعين”، في خطابات المرجعية، وفي الأوساط السياسية الشيعية بـ”الحشد الشعبي”، حتى تم تشريع قانون “الحشد” في البرلمان عام 2016. 

كان القانون  مقتضباً للغاية، ضمّ 4 مواد فقط، ومُرِّرَ على الرغم من اعتراض نحو 90 نائباً، أغلبهم سُنة، في وقت حرج أمنياً، وخلا التشريع من تفاصيل مهمة ستنفجر لاحقاً. 

حاول فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد منذ لحظة تأسيسه وحتى الآن (باستثناء 5 أشهر)، أن يقلل من اعتراضات باقي القوى السياسية على القانون، قال في مؤتمر صحفي عقده في بغداد، بعد إقرار قانون الحشد في تشرين الثاني 2016، إن “ملاحظات المعترضين على القانون خلف الأبواب المغلقة كانت محدودة جدا”. لكنْ، على الأرض، كانت هناك انتقادات لاحقت سلوك بعض الفصائل في عمليات تحرير المدن، بينما وصفت كتلة عمار الحكيم في البرلمان (المواطن)، الحشد الشعبي، بانه “مقدس”، واعتبرت مهماته “مباركة”، إلّا أن سليم الجبوري، رئيس البرلمان في وقت تمرير قانون الحشد، نفى حينها أن القانون يعني إعفاء مرتكبي الانتهاكات من العقاب، وقال خلال مؤتمر صحفي عقب التصويت،  إن إقرار قانون الحشد الشعبي لا يعطي حصانة لأحد، وأوضح الجبوري، أن تحديد أعداد قوات الحشد يعود للقائد العام للقوات المسلحة، وهو “رئيس مجلس الوزراء”، ولم يَفُت الجبوري التشديد على ضرورة إقرار “تمثيل نسبي” للقوات بناء على المحافظات العراقية. 

في غضون ذلك اعتبر أسامة النجيفي نائب الرئيس العراقي وقتها، وزعيم ائتلاف “متّحدون للإصلاح”، أحد الأركان الرئيسة في “تحالف القوى العراقية” السُني، أن إقرار قانون الحشد “إخلال بمبدأ الدولة وإخلال بالتوازن في المؤسسات الأمنية ومحاولة لخلق أجهزة موازية للقوات المسلحة تشبُّهاً بدول أخرى وأنظمة أخرى”، فيما بدت وكأنها إشارة إلى إيران وحرس ثورتها.  

الخلاف مع العبادي  

كان تشريع قانون “قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016” مستنداً لأمر ديواني أصدره حيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، يخص تنظيم هذه المجموعة العسكرية، قبل أشهر قليلة من تمرير التشريع. 

أبرز ما في “الأمر الديواني” كان “فكّ الارتباط السياسي” لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي من كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية، و”عدم السماح بالعمل السياسي في صفوفه”، لكنْ، على الأرض، مازالت هذه الفصائل حتى اليوم تابعة لقوى سياسية مشاركة بالحكومة. 

قبل أيام فقط من تمرير القانون، استغرب نواب من قيام العبادي بسحب القانون من السلطة التشريعية لتعديله، لكن في النهاية خرج النص ضعيفاً ومقتضباً، ولم يتمكن العبادي من إجراء تعديلات جوهرية بسبب “ضغط الفصائل”. 

كان “العمل السياسي” داخل الهيئة يؤرق العبادي. حيث فقد السيطرة تماماً على “الحشد” خصوصا بعد انقلاب حليفه السابق فالح الفياض، رئيس الهيئة، واقترابه من فريق “الفصائل” بعد أن فاز مع الأول في انتخابات 2018، ما دفع العبادي في أيار من ذلك العام، إلى معاقبته بإقصائه من منصب مستشار الأمن القومي، ورئاسة “الحشد” بحجة “انخراط الفياض بالعمل السياسي”، لكنْ، بعد 5 أشهر، أعاده “القضاء” على رأس الهيئة. 

كان “العمل السياسي” غطاءً لما يجري في كواليس الحشد، حتى ظهرت بعد ذلك خلافات تتعلق بـ”تمويل أحزاب” من خلال رواتب الحشد. وعقب خروجه من السلطة في 2019، قال العبادي في مقابلة مع القناة العراقية، إن قيادات في الحشد الشعبي جمعت ثروات على حساب المال العام في ظروف غامضة. قبل ذلك وفي 2018 تم تداول وثيقة في وسائل الإعلام المحلية “تمنع تحركات الحشد بدون موافقته (العبادي)”، ردّ الحشد في بيان آنذاك، متهماً العبادي بأنه يتبع سياسة “ليّ الاذرع”، وبأنه يحجب “مخصصات المقاتلين”. 

في ذلك الوقت قُتِل رئيس مالية الحشد قاسم ضعيف، في ظروف غامضة، وقال العبادي في أيار 2018، إن قتلة ضعيف “لن يخيفوه”، وتحدث عن ضلوع قادة “فاسدين” في الحشد بعملية اغتياله، قبل ذلك بعام واحد، دعا العبادي خلال اجتماعه بقادة الحشد الشعبي إلى “الانضباط بالتصريحات بقدر الانضباط في المعركة”. 

وكان قادة الحشد في ذلك الوقت، أعلنوا انهم قد يدخلون سوريا بعد أن وصلوا إلى الحدود، بحسب تصريح لنائب رئيس الحشد السابق أبو مهدي المهندس (قتل بغارة أمريكية مطلع 2020 مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد). 

أثناء استعادة بيجي في صلاح الدين في تشرين الأول عام 2015، تصوير علي الفهداوي/ المصدر: الحشد الشعبي 

انتهاكات  

على مدى عامي 2016 و2017، وهي ذروة سنوات القتال ضد تنظيم “داعش” بالعراق، أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرين تندّد فيه بسلوك الحشد الشعبي في المدن السنية. اتهمت المنظمة في الأول،  قوات الحشد الشعبي العراقية باختطاف وقتل العشرات من السنة وهدم منازل ومساجد ومتاجر سنية، قائلة إن هذه التصرفات قد ترقى إلى “جرائم حرب”. وفي العام اللّاحق دعت “هيومن رايتس ووتش” السلطات العراقية للتحقيق في “انتهاكات” في منطقة الحويجة جنوب غربي كركوك. وفي 2017 ايضاً، اتهمت القوى السُنية في البرلمان العراقي، الحشد الشعبي بـ”خطف عراقيين” في بغداد. وفي عام 2021، طالبت منظمة العفو الدولية، بالكشف عن مصير 643 رجلاً وشاباً خُطفوا قبل خمس سنوات على يد جماعات تابعة للحشد الشعبي. 

منعت الفصائل منذ 2014، لحظة السيطرة على منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل، جنوب بغداد التي احتلتها “داعش” لوقت قصير، السكان من العودة، دُمرت المزارع في غضون المعارك، وأوقفت السلطات في اللحظات الأخيرة عملية بيع الاراضي غير القانونية، بحسب نواب سُنة. 

تم إخلاء السكان من المنطقة بنسبة 100 بالمئة. نزحت 13 ألف عائلة بما يُقدَر بأكثر من 65 ألف فرد، ونسبة العودة “صفر” بالمئة. وهناك إخلاء مشابه ومنع للسكان من العودة في منطقة العوجة، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين في تكريت بمحافظة صلاح الدين، تُضافُ لهما منطقة العويسات في صلاح الدين أيضاً، وإعاقات أمام العودة الكاملة لسكان بعض البلدات والقرى مثل منطقة سليمان بيك شرقي صلاح الدين، كما تُتَهم فصائل الحشد بالمشاركة في إعاقة عودة نسبة كبيرة من سكان سنجار، شمال الموصل. 

اشتكى موصليون وسكان في صلاح الدين، خلال سنوات (2016-2020) من انتشار ما عرف بـ”المكاتب الاقتصادية” في المدن المحررة من تنظيم “داعش”. هذه المكاتب، كانت تابعة لفصائل الحشد، وتقوم بعمليات بيع “مخلفات الحرب” و”السكراب”، إضافة إلى اتهامات بـ”تهريب النفط”، حيث خلع العسكريون في “الحشد” بعد إعلان الخلاص من “داعش” نهاية 2017، الزيّ العسكري وارتدوا ملابس التجار، وخلقوا عبر هذه المكاتب، شراكات مع قوى سُنية متعددة في تلك المناطق، ومازالت قائمة محلّ تلك الهيئات الاقتصادية. 

الحشد يكلف اللواء 50 لتأمين مراسيم افتتاح كنيسة مار توما في الموصل القديمة في نيسان 2023/المصدر: الحشد الشعبي 

خلافات داخل الفصائل 

ولّد المال صراعاً للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي، وظهر ذلك في نزاع بين المهندس (نائب الحشد السابق) والفياض، وكان هذا واضحاً إبان ما جرى بأحداث تشرين 2019. 

في كانون الأول من ذلك العام وقع ما عُرف بـ”مجرزة السنك”، وسط بغداد، خلال ذروة احتجاجات تشرين، حيث قتل 24 وأصيب زهاء 100 شخص في هجوم شنته فصائل، يُعتقد أنها تابعة للحشد الشعبي، وأظهرت مقاطع فيديو في ذلك الوقت قيام قوات ترتدي زي الجيش العراقي بفكّ “أسر مدنيين”، وقالوا في المقطع “جئنا نحرركم من حزب الله”، سبق هذا المشهد بيان نُشر على موقع الحشد الشعبي، طالب فيه جميع فصائل الحشد بعدم المشاركة بأي مهمات داخل مناطق التظاهر، لكنْ، في ذلك الوقت كانت عجلة رباعية الدفع، دخلت ساحة الاحتجاجات في بغداد وأطلقت الرصاص بشكل عشوائي على المتظاهرين. 

واقر بيان للحشد الشعبي وقتها بإطلاق مسلحيه النار في المنطقة، لكنّه قال إن التدخل جاء استجابة لاستنجاد متظاهرين تعرضوا للاعتداء من مخربين اشتبكوا مع مسلحي سرايا السلام الموالين لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. وبعد وقت قصير من البيان الأول، ادّعى الموقع الالكتروني لهيئة الحشد الشعبي، بأنه تعرض لـ”هجوم الكتروني”، “هكر” وقام بحذفه. 

كشفت تلك الأحداث معلومات وقتها، عن وجود خلافات بين الفياض والمهندس في إدارة الحشد والتعامل مع التظاهرات. تجدد الخلاف بعد مقتل المهندس بأيام قليلة، حين فُرِضَ على الفياض “أبو فدك المحمداوي”، القيادي في كتائب حزب الله، ليحلّ محلّ المهندس رئيساً لأركان الحشد. 

والعام الماضي، شنت عصائب أهل الحق (التي باتت تعمل بالسياسة بشكل واضح بعد 2014 وتملك وزيرا بحكومة السوداني)، حملة منظمة ضد الفياض، لإزاحته من الهيئة تحت ذريعة بلوغه “سن التقاعد”، ثم تراجعت حماسة الفصيل لإقالة رئيس الحشد لأسباب غير واضحة. 

حلّ الحشد 

في زمن الخلاف الأكبر بين الحشد والحكومة بفترة رئاسة العبادي لها، تسرّبت معلومات عن صيغة لـ”تقليص أعداد الحشد”، وعطّل العبادي، أكثر من مرة، صرف رواتب الحشد بسبب شكوك بـ”صحة أعداد المنتسبين”، ووجود ما عُرف في العراق حينها بـ”الفضائيين”، وهم الموظفون أو المنتسبون الذين يتسلّمون راتباً كاملاً أو يتقاسمونه مع المدراء، مقابل عدم الالتزام بالدوام. 

حاول العبادي في ذلك الوقت تقليل عدد عناصر الحشد إلى 25 ألفاً بدلاً من 120 ألفاً، العدد الشائع حينها، قبل أن يتضخم الآن ويتجاوز 220 ألف منتسب، يكلّفون الدولة أكثر من 800 مليار دينار سنوياً، كما ورد في موازنة 2024. لكنّ العبادي لم يتحدث عن “حلّ الحشد”، بل العكس قال في 2017، في ذروة المعارك ضد “داعش”، إن الحشد الشعبي “لن يُحلّ، وسيبقى تحت قيادة الدولة والمرجعية الدينية”. 

غادر العبادي السلطة ولم يقبض على أيّ “فضائي” من الـ 50 ألفاً في وزارة الدفاع، والذين كشف عن عددهم بنفسه، وهو أمر لم يستطع إثباته بعد ذلك بشكل قاطع. 

بعد العبادي جاء عادل عبد المهدي، ورفع رواتب الحشد، حتى تساوى راتب عنصر الحشد مع الجندي في وزارة الدفاع. هاجم نواب من “العصائب” في ذلك الوقت عهد العبادي، واعتبروه بانه كان يريد “تقليص حجم الحشد لإرضاء الولايات المتحدة”. وقال رئيس الوزراء الجديد في وقتها عادل عبد المهدي، بأنه سيبحث “عن مصادر مالية لدعم وجود الحشد وبقوة”. لكنّ “أيام العسل” لم تدم مع عبد المهدي طويلاً، حيث، وعلى الرغم من أنه يعد أكثر قرباً من العبادي إلى الحشد، لكنّه اتُهم بانه ينفذ “انقلاباً ناعماً” داخل الهيئة، حين أصدر في صيف 2019، قبل أشهر قليلة من اندلاع احتجاجات تشرين، أمراً ديوانياً بـ”إعادة هيكلة الحشد”، اعتُبِرَ مقدمة لـ”حلّ الحشد” رغم أن رئيس الحكومة آنذاك لم يصرح بذلك. 

منح عبد المهدي لنفسه حق تعيين رئيس الهيئة، وهو ما أغضب عدداً من الفصائل وبدت وكأنها تتمرد على القرار، الذي اختفى بعد ذلك حين اشتعلت المظاهرات واستقالت حكومة عبد المهدي في نهاية 2019 من الحكومة. 

قالت كتائب حزب الله في وقت إعلان الأمر الديواني، إن على الحكومة “طرد الأمريكان”، وتجاهلت تماماً الكلام عن “الهيكلية الجديدة” الذي جاء في وقت كانت فيه العلاقات متوترة بين طهران وواشنطن. بالتوازي، رفض فصيل “الشبك” في سهل نينوى، تنفيذ قرارات عبد المهدي بالانسحاب من المنطقة، وطلب الفياض وقتذاك من الحكومة “شهرين” لتنفيذ القرار، ولم ينفذ إلّا بعد ذلك جزئياً في زمن حكومة مصطفى الكاظمي، حيث تراجع الفصيل عدة كيلومترات إلى الوراء بسبب اتهامات لاحقت تلك المجموعة بضرب كردستان بالصواريخ. 

تجنّب الكاظمي، رئيس الوزراء الذي خلف المستقيل عبد المهدي في 2020، الكلام عن “حلّ” أو “هيكلة الحشد”، على الرغم من أنه رئيس الوزراء الوحيد، بعد 2003، الذي اعتقل عناصر من الفصائل وقيادات، أبرزهم؛ قاسم مصلح، رئيس الحشد في قاطع محافظة الأنبار. 

بعد تشكيل حكومة السوداني في خريف 2022، نصّت ورقة الاتفاق السياسي التي وقعتها القوى السياسية الرئيسية، على إخراج الفصائل من المدن، وهو مالم يتحقق حتى الآن، حافظ السوداني على صمته إزاء حالة الحشد، حتى تعرّض حزب الله في لبنان لما اعتُبِر انكساراً باغتيال اسرائيل صف قادته الأول وعلى رأسهم أمينه العام التاريخي حسن نصر الله، ثم سقط نظام الأسد في سوريا، فطلّت فكرة “حلّ الحشد” برأسها من جديد، وبأشكال مختلفة يبدو بعضها أكثر جدية مما سبق. 

عمليات للحشد الشعبي على الحدود مع سوريا والأردن خلال صيف 2024/ المصدر: الحشد الشعبي 

كشف مستشار للحكومة، نهاية 2024، عن طلب أمريكي بـ”حل الحشد” أو يقومون هم (الأمريكان) بذلك، على حد قوله في لقاء تلفزيوني. فمُنع مستشارو رئيس الوزراء من التصريح للإعلام لفترة، وظهر السوداني بعد أيام لينفي تلك الأنباء، لكنّ التصريحات لم تتوقف: كشف عمار الحكيم، أحد زعماء الإطار التنسيقي الشيعي، عن رسائل أميركية بأن الفصائل ستتعرض للاستهداف متحدثاً عن ضرورة حصر سلاحها بيد الدولة. ليس ذلك فحسب، حيث قال رئيس مجلس النواب محمود المشهداني في مقابلة مع قناة عربية، إن ”ترامب” طلب من السوداني حصر السلاح بيد الدولة. 

 كل ذلك في وقت كانت الفصائل العراقية، أوقفت نشاطها بشكل تام منذ إعلان الهدنة في لبنان، نهاية تشرين الثاني 2024، كما التزمت منذ شباط العام نفسه بوقف الهجمات على القوات الأمريكية بالعراق. 

مقاتلون في الحشد الشعبي بالقرب من بحيرة حمرين في ديالى شتاء 2024 / المصدر: الحشد الشعبي 

فك اشتباك 

في العراق، هنالك خلط بين “حلّ الحشد” و”حصر السلاح” و”السلاح المنفلت”، و”دمج الفصائل بالحشد”، و”دمج الحشد بوزارة الدفاع”. وأكثرها رواجاً هو “حصر السلاح”، المصطلح المطاط، الذي استخدمه كما ذكرنا سابقا، العبادي، وعبد المهدي، وقبلهما إياد علاوي (رئيس الوزراء السابق)، والأمريكان في 2004 حين قاموا بشراء “سلاح جيش المهدي”. واستخدمته المرجعية الدينية المتمثلة بالسيستاني في النجف، عدّة مرات، آخرها في بيان صدر بتشرين الثاني من العام الماضي، ثم ما نقله محمد الحسان، رئيس بعثة الأمم المتحدة بالعراق، بعد زيارته المرجع الأعلى علي السيستاني في منزله بالنجف. 

يتم في العادة صرف الكلام عن “حصر السلاح” أو “السلاح المنفلت” إلى مجالات ثانية، وتفسر الفصائل هذا المطلب بأنه يتعلق بـ”سلاح العشائر” أو حتى “سلاح الأمريكان” كما قال أحد أعضاء الإطار التنسيقي، بينما كان عمار الحكيم -الذي يمتلك فصيلاً في الحشد- جازماً في تفسير بيان المرجع السيستاني بأنه يقصد الفصائل. في المقابل، يبدو أن الفصائل تحاول جاهدةً ليّ كلام السيستاني بل وتوظيفه سياسياً، حيث انتشرت نهاية العام معلومات من جانب إعلام الفصائل، عن أن المرجع الشيعي الأعلى، رفض طلب الحسّان بـ”حلّ الحشد”، وهو أمر لم يتأكد حتى الآن. في وقت تقوم وزارة الداخلية الآن بشراء الأسلحة من المدنيين، في إجراء تشوبه انتقادات كثيرة ويُعَدُ غيرَ عملي، ولم يشمل أبداً سلاحَ الفصائل. 

يعتقد بعض الشيعة داخل الإطار التنسيقي، وخارجه، بأن “دمج الفصائل” قد يكون مساراً جيداً لامتصاص غضب الأمريكان إزاء تعاون تلك الجماعات مع طهران. لكنّه غير واقعي أيضاً، لأن أغلب تلك الفصائل منضوية في الأساس داخل الحشد الشعبي الذي يقر قانونه الصادر في 2016، بأنه “تشكيل مستقل” شأنه شأن جهاز مكافحة الارهاب. 

نفى الإطار التنسيقي، مؤخراً، بانه ناقش “دمج الحشد” بوزارة الدفاع، كما نفى انسحاب الفصائل من بعض المدن، وجاء هذا التوضيح بعد أيام فقط من زيارة السوداني لطهران ولقائه المرشد الإيراني علي خامئئي، الذي غرّد عبر حسابه بتويتر نقلاً عن السوداني بوجود نية لـ”تعزيز الحشد” ونصح العراقيين بـ”طرد الأمريكان”، لكن فؤاد حسين، وزير الخارجية، وقبل يومين فقط من عودة ترامب إلى البيت الابيض، كشف عما أسماه “محاولات إقناع” فصائل برمي السلاح. 

تتحدث القوى الشيعية، خلف الأبواب المغلقة، عن “تمرد” 3 فصائل، وعدم التزامها بخط الحشد الشعبي، فأوردت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، نبأً عن اجتماع لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، ورئيس الحشد، مؤخراً، مع الفصائل الثلاثة المشهورة (كتائب حزب الله، حركة النجباء، وسيد الشهداء). 

وقالت الصحيفة، إن الفصائل (والتي أعلنت مع سريان “هدنة غزة” تعليق العمليات العسكرية) رفضت تسليم السلاح وهو ما يزيد الغموض في موقف الحكومة والتحالف الشيعي بشأن “الفصائل”. 

نظراً للتراجع الإيراني بالمنطقة وتأييد ترامب الكبير لإسرائيل ومشاريعها، يخشى الجميع انحسار الخيارات باثنين: تفكيك الحشد أو المواجهة، ويرى الكثير من العراقيين أن أمام بغداد فرصة للتخلص من عبء السلاح والانسحاب من المظلة الإيرانية المنخورة بالخسائر لصالح تعزيز سيادة الدولة. 

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28559}" data-page="1" data-max-pages="1">