تحليل: زيارة السوداني إلى إيران: الحقائب تخلو من “الأهم”! 

زيارة السوداني إلى إيران: الحقائب تخلو من “الأهم”! 

هذا الوقت الأنسب ليسافر به العراق إلى طهران، بزيارة جديدة مغايرة مغزاها: أنتم جار كريم ومهم، لكنّنا نريد لبلدنا أن يكون عراقياً فقط، لا ورقة على طاولات مفاوضاتكم، أو هدفاً لصواريخ وعقوبات..

لا يُنظر إلى أيّة زيارة رسمية بين العراق ودولة أخرى، كما يُنظر لتلك التي يتبادلها العراق مع إيران، أو الولايات المتحدة الأمريكية، فهاتان الدولتان الفاعلتان بتأسيس وشكل عراق ما بعد 2003، غالباً ما تكون الزيارات منها وإليها محمّلة بـ”كواليس” قد تكون أكثر أهمية من الأجندة والنتائج المعلنة للزيارة. 

وطوال 20 عاماً، كانت لزيارة رؤساء الحكومات العراقية إلى إيران أهمية كبيرة -بالرغم من أنها قد لا تكون بهذه الأهمية حقيقة-، فإيران دولة فاعلة بشكل رئيسي في العراق، وزيارتها نسق ثابت لدى رؤساء الحكومات العراقية، ولا يتأخرون عنها أكثر من شهرين على الأغلب بعد تسنم المنصب، باستثناء السوداني الذي حطّم رقماً قياسياً بسرعة زيارة إيران مقارنة بمن سبقه وكذلك عدد الزيارات. 

كان من المقرر أن يزور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إيران في يوم الثلاثاء 31 كانون الأول 2024، إلّا أن الزيارة تأجلت إلى الثامن من كانون الثاني 2025، ولم يكن هناك إعلان رسمي عن مواعيد الزيارة بالضبط أو حقيقة تأجيلها، بل كانت هناك تسريبات

سبقت رحلة السوداني إلى طهران، الكثير من التكهنات كما استبق قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني زيارة السوداني بالهبوط في بغداد سراً قبل 72 ساعة من وصول رئيس الحكومة العراقية إلى طهران، وتقاطعت التسريبات حول الملفات الرئيسية للزيارتين وبصدارتها “ملف تفكيك الحشد أو حلّ الفصائل”. 

من المفترض، وفق ما غزا المواقع الصحفية ولم يؤكد رسمياً، أن السوداني يحمل رسالة من ترامب إلى إيران مضمونها تفكيك أو قطع الدعم عن الفصائل، لكن صحيفة “صاحب خبران” الإيرانية، وفي مقال بعنوان “زيارة وألف تفسير”، وصفت محتوى الرسالة بأنه “مجهول”، ورجحت إمكانية تطابقها مع رسالة أخرى عبر سلطنة عُمان، المتضمّنة التخلي عن الفصائل وعن البرنامج النووي وضمان أمن الملاحة في الخليج العربي، مقابل تخفيف الخناق الاقتصادي عن إيران. 

كما أن التحليلات انصبّت في احتمال أن قاآني جاء إلى بغداد حاملاً رسالة “الضوء الأخضر” للسوداني للتعامل مع الفصائل، وفي حال عرض الحالتين على بعضهما، سيصبح من غير المنطقي أن يكون الجواب قد جاء قبل إيصال الرسالة، في ما يتعلق بحلّ الفصائل تحديداً، ما يجعل زيارة السوداني غير واضحة المعالم في حال ربطت جميع عواملها مع بعض. 

السوداني أثناء استقباله الرسمي في طهران – المصدر: المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. 

ولكن سلسلة التغريدات التي نشرها المرشد الأعلى بشأن الزيارة تضمنت ما عزّز الاعتقادات بأن السوداني كان يحمل رسالة عن “مصير الحشد والفصائل”: أشار نصّ التغريدة إلى أن السوداني هو من أكّد أهمية الحشد الشعبي، حيث جاء في نص تغريدة المرشد: “كما تفضّل السيد السوداني، فإنّ الحشد الشعبي يشكّل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه بنحو أكبر”. 

سياق الجملة، نسب التصريح والوصف للسوداني ذاته، وهذا ينفي أن السوداني كان ذاهباً إلى طهران لبحث حلّ او تفكيك أو إعادة دمج الحشد، كما أن الزيارة جاءت بدعوى من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وليس بخيار السوداني أو مدفوعاً بملفات ملحّة. 

عند جمع المعطيات، يمكن التوصل، ربما، إلى أن زيارة السوداني هذه، كانت برغبة إيرانية، أرادت من خلالها إيصال رسائل للجميع تفوق أهميتها ربما أهمية ما جرى من أحاديث وكواليس، أو تعاكسها، خصوصاً مع التصرف المتزامن المتمثل بـ”إطلاق سراح” 625 ميغا واط من الكهرباء الإيرانية المصدّرة إلى العراق من أصل 1200 ميغا واط كانت طهران قطعتها منذ شهر، بالتزامن مع قطع الغاز، ولم يصدر توضيح أو تبرير رسمي حاسم لقطع وإعادة الكهرباء المفاجئين. 

يبدو أنه مع الأحاديث المتزايدة شعبياً وسياسياً، عن تفكيك الحشد والفصائل، وقطع يد النفوذ الإيراني في العراق، أرادت إيران بدعوتها للسوداني لزيارتها وإعادة جزء من الكهرباء الإيرانية إلى العراق في يوم الزيارة ونقل خامنئي لتصريح السوداني عن “الحشد”، تذكير الجميع بأنها لاتزال فاعلة في العراق، ومؤثرة، في محاولة لإجهاض أيّ تطلعات أو محاولات للعمل على إضعاف النفوذ أو التواجد الإيراني في العراق. 

السوداني يتوسط المرشد الأعلى والرئيس الإيراني – المصدر: المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء. 

الزيارات البروتوكولية بوصفها “رسالة” 

ليس غريباً على الإيرانيين دعوة رئيس الحكومة لزيارة “بروتوكولية” تشكّل بحد ذاتها “رسالة” وليس لأن حقيبته معبّأة بملفات هامة أو ملحة، بل كان هذا النهج هو الأولوية قبل أي ملف آخر، تجاه أول رئيس حكومة في عراق ما بعد 2003، على الرغم من وجود عشرات الملفات المتراكمة وشديدة الأهمية، إلا أنها جميعاً لم ترقَ إلى أن تكون أكثر أهمية في نظر إيران من ضرورة أن تكون “قبلة رؤساء الحكومات العراقية” قبل كل شيء، وهذا ما كشفه رئيس أول حكومة عراقية بعد انتهاء مجلس الحكم، إياد علاوي. 

علاوي والذي امتدت فترة رئاسته للحكومة بين حزيران 2004 إلى تموز 2005، كانت قد وجهت له دعوة في تشرين الأول 2004 لزيارة إيران، لكنه لم يزرها، وفي عام 2015 قال علاوي إنه رفض دعوة زيارة إيران عندما كان رئيساً للحكومة لأنها “أرادتها زيارة بروتوكولية” بينما أرادها هو زيارةَ عمل للحديث عن تدخلها في العراق، حسب تصريحه. 

20 عاماً من الزيارات.. والملفات عند نقطة الصفر 

  1. تفعيل الملفات والاتفاقيات بين البلدين 
  2. ضرورة إخراج القوات الأمريكية  
  3. إمدادات الطاقة  
  4. كواليس دعم الفصائل المسلحة 

كانت هذه النقاط الأربع في صدارة 20 عاماً من الزيارات التي بلغت 19 زيارة قام بها 5 رؤساء حكومات عراقية، ولا تزال، وكأن الزمن متوقف في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية العراقية، وذلك -على الأرجح- لأن لا شيء تطمح له إيران، لم تحققه بالفعل. 

في 16 تموز 2005، كانت أول زيارة لرئيس حكومة عراقي بعد 2003 إلى إيران، بعد رفض علاوي دعوة الزيارة، كان الجعفري قد تسلّم المنصب في 3 أيار 2005 يعني أن زيارته إلى إيران جاءت بعد شهرين فقط من تسلّم المنصب. 

اصطحب الجعفري في زيارته حينها وزراء الخارجية والدفاع والنفط والكهرباء ووزير الدولة لشؤون السياحة والطرق والمواصلات والتجارة والهجرة ووزيرة الدولة لحقوق المرأة، وزار طهران ومشهد خلال أيام الزيارة الـ 4 والتقى فيها المرشد الأعلى علي خامنئي. 

بحثت تلك الزيارة مكافحة الإرهاب، والتجارة والاقتصاد ورافق الزيارة مقترح لإنشاء 3 أنابيب بين البلدين، تقوم إيران من خلالها باستيراد النفط العراقي وتصفيته/ تكريره ثم إعادة بيعه على العراق على هيئة مشتقات نفطية، كان على ما يبدو من الزيارة فرصة إيرانية لتحقيق مكاسب مبكرة من بلد بنظام سياسي جديد، لم يرَ مشروع الأنابيب وتصدير المشتقات، النور، لكن دخلت إيران في سوق إنشاء المصافي في العراق وتصدير المشتقات النفطية إليه كذلك، في صيغة بديلة على ما يبدو من مسألة تصدير النفط العراقي إلى إيران. 

المالكي.. أكثرهم زيارة لإيران 

بعد الزيارة الوحيدة للجعفري خلال فترة حكمه التي دامت لعام فقط، جاءت حقبة المالكي، أكثر من زار الجارة الشرقية من منصبه، قبل مجيء السوداني إلى المنصب، ليعادل المالكي، خلال وقت أقصر، كون المالكي حكم لولايتين اثنتين، بل إن 85 بالمئة من زياراته، كانت خلال الولاية الأولى. 

المالكي الذي حكم في ولايته الأولى بين أيار 2006 الى كانون الأول 2010، زار إيران 5 مرات، كانت الأولى في أيلول 2006 وبعد حوالي 4 أشهر من تسنمه المنصب، التقى حينها المرشد الأعلى خامنئي الذي أعرب خلال اللقاء عن “أمله بخروج القوات الأجنبية من العراق”، وهو الأمل ذاته الذي يكرره خامنئي حتى الآن. 

في حينها، قال المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ إن “المالكي سيوصل رسالة للإيرانيين بأن العراق يريد علاقة طيبة مع جواره لكنه يرفض التدخل بشؤونه الداخلية”، وفي تلك الأجواء، كان المالكي تعهد قبل تشكيل الحكومة بكبح جماح الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران لمنع الانزلاق إلى حرب أهلية، وهي المعطيات والإشارات ذاتها التي تسرّب أن رئيس وزراء العراق ذهب إلى إيران من أجل طرحها بعد 20 عاماً من تلك الزيارة. 

بعد عام، وتحديداً في آب 2007 زار المالكي إيران مرة أخرى والتقى خامنئي أيضاً، وكان يشكو من تحديات أمنية تواجه حكومته، بعد عام من تعهد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في الزيارة السابقة للمالكي، بمساعدة العراق بإحلال الأمن على كافة أرضه. 

المالكي في زيارته إلى طهران عام 2007 – المصدر: من السوشيال ميديا. 

عام آخر، وتحديداً في حزيران 2008، زار المالكي إيران مرة ثالثة والتقى خامنئي، وفي الزيارة حاول المالكي تطمين الإيرانيين بأن الاتفاقية الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لا تهددهم، وعلى الجانب الآخر، حاول الرئيس الإيراني حينها أحمدي نجاد تبديد مخاوف الحكومة العراقية من اتهامات دعم إيران للفصائل المسلحة بهدف إفشال الاتفاقية الأمنية. 

بعد 6 أشهر، وفي مطلع 2009 ركب المالكي طائرة إلى إيران مجدداً وللمرة الرابعة، كرّر نقاش الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، والتجارة والنقل والتقى خامنئي كذلك، والذي أبلغ المالكي بوضوح أن “الشعب العراقي لن يهنأ بحياة سعيدة وعيش رغيد ما دام المحتل الأمريكي جاثماً على أرضه”. 

في 18 تشرين الأول 2010 وكان المالكي قد انتهت ولايته لكنه لا يزال رئيسا للوزراء لتصريف الأعمال، ولم يتم انتخاب رئيس جديد بعد بحكم تجاذبات ومشاكل نتائج الانتخابات مع إياد علاوي، زار المالكي إيران للمرة الخامسة، في زيارة استمرت لساعات قيل حينها إنها جاءت لكسب التأييد الإيراني لترشيحه إلى ولاية ثانية، واتهم إياد علاوي حينها إيرانَ بأنها تتدخل في العراق وتحاول قلب الأمور في المنطقة من خلال زعزعة العراق. 

وفي 7 تشرين الثاني 2010 أي بعد 20 يوماً من زيارته إيران حصل المالكي على رئاسة الحكومة لولاية ثانية بموجب اتفاق سياسي. 

لكن في الولاية الثانية لم يزر المالكي إيران إلّا في كانون الأول 2013، وتخللت هذه الولاية زيارتين إلى واشنطن وموسكو، ففي مطلع كانون الأول 2013 زار المالكي إيران والتقى خامنئي، وتصدّر ملفُ الإرهاب والأمن العراقي وتفعيل ملفات الاقتصاد والتجارة والنفط الموقعة سابقاً، وتقديم التهنئة لحسن روحاني وملف الأزمة السورية، لقاءات الزيارة. 

وكانت هذه آخر زيارات للمالكي إلى إيران كرئيس وزراء، وفي الأثناء كانت المعارك مستمرة مع تنظيم داعش الذي ظهر في محافظات العراق في 2013 بعد فض اعتصامات الأنبار بالقوة في كانون الثاني 2013. 

العبادي.. 3 زيارات والرابعة “أُجهضت” 

في آب 2014 تم اختيار العبادي رئيسا للوزراء، وبعد شهرين فقط من استلام المنصب زار إيران، أي في تشرين الأول 2014 والتقى حينها خامنئي، وكانت أول زيارة خارجية له. 

وفي حزيران 2017 كرّر زيارة إيران، لكن في إطار جولة إقليمية ضمت السعودية والكويت، والتقى خامنئي ايضاً، وبعد 4 أشهر، زار العبادي إيران مجدداً بعد أن زار تركيا، وتحديداً في تشرين الأول 2017، وكانت فحوى الزيارة الإقليمية التي كانت تشمل السعودية ومصر والأردن، هي إبعاد العراق عن الصراع في المنطقة وعدم جعله قطباً في الصراع الأمريكي الإيراني، والتقى فيها خامنئي أيضاً، وفي جميع الزيارات شدد خامنئي وحذّر من أمريكا ودورها في العراق والمنطقة. 

في العام الأخير لولاية العبادي توترت العلاقة، وكان من المفترض أن يزور إيران في آب 2018 للمرة الرابعة، لكن تقارير تحدثت عن إلغاء طهران الزيارة بسبب تصريحاته بالالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران، واتهم العبادي إيران في ما بعد بانها منعت تسلمه ولاية ثانية.  

العبادي في زيارته إلى إيران عام 2018 – المصدر: المكتب الإعلامي للحكومة. 

عادل عبد المهدي.. زيارتان خلال عام حكم واحد 

في 25 تشرين الأول 2018 تسلم عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة، وفي 6 نيسان 2019 حطّ في إيران، والتقى خامنئي، حيث أن اللقاء بخامنئي سياق ثابت في زيارات رؤساء الحكومة العراقية إلى إيران، حثّ مرشد إيران، عبد المهدي على مطالبة واشنطن بسحب قواتها من العراق، في سياق ثابت أيضاً عند خامنئي. 

وكانت أبعاد الزيارة اقتصادية وسياسية وأمنية، في مجالات عدة كالسكك الحديدية والنفط والكهرباء والمياه والقضايا المالية والمصرفية وتسهيل حركة التجارة بين البلدين وتبادل الخبرات العلمية وإجراء دورات تدريبية مشتركة وتم الاتفاق أيضاً على إنشاء مناطق صناعية مشتركة على الحدود بين البلدين وإعادة بناء شبكة الكهرباء العراقية وتفعيل تجريف شط العرب بحسب اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 وتفعيل اتفاقية منح تأشيرات الدخول لمواطني البلدين بالمجان. 

بعد ذلك بـ3 أشهر عاد عبد المهدي الى إيران مرة أخرى في تموز 2019، وكانت الزيارة متعلقة بتهدئة التوتر المندلع بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا في مياه الخليج بعد إسقاط الإيرانيين لمسيّرة أمريكية وتبادل احتجاز الناقلات بين طهران ولندن. 

وبعد ذلك بـ3 أشهر اندلعت احتجاجات تشرين، قبل أن يستقيل عبد المهدي من منصبه في أواخر تشرين الثاني 2019. 

عادل عبد المهدي مختتماً زيارته إلى طهران في نيسان 2019 – المصدر: المكتب الإعلامي للحكومة. 

الكاظمي.. لا لقاء مع خامنئي لأول مرة 

بعد 6 أشهر، أي في أيار 2020 تسلّم مصطفى الكاظمي منصب رئيس الوزراء، وبعد شهرين فقط، في تموز 2020 زار إيران والتقى خامنئي، وقال خامنئي حينها إن بلاده لا تتدخل بشؤون العراق الداخلية، وفي علاقته مع الولايات المتحدة لكنها تتوقع من الحكومة والشعب مواصلة تحركاتهم لإخراج القوات الأمريكية. 

بعد عام أي في أيلول 2021، زار الكاظمي إيران مرة ثانية، وكانت الزيارة تتعلق بملف الطاقة، والعلاقة بين إيران والسعودية، لكنه لم يلتق خامنئي حينها، لأول مرة طوال الزيارات السابقة لرؤساء الحكومات العراقية لإيران. 

وبعد اقل من عام وفي حزيران 2022، زار الكاظمي طهران مرة أخرى، قادما من الرياض، وأيضاً تتعلق الزيارة بوساطات بين البلدين، ولم يلتق خامنئي أيضاً، وكانت ولاية الكاظمي منتهية حينها منذ تشرين الأول 2021 وإجراء الانتخابات المبكرة، لكن لم يتم الاتفاق حينها على تشكيل حكومة جديدة بعد لحين مجيء السوداني في تشرين الأول 2022. 

الكاظمي في زيارة إلى طهران عام 2020 – المصدر: المكتب الإعلامي للحكومة. 

السوداني.. أسرع زيارة لإيران ومعادلة الرقم القياسي للمالكي  

تم التصويت على حكومة السوداني في 27 تشرين الأول 2022، وقام السوداني بزيارة خارجية بالرغم من أن إيران لم تكن أولى وجهاته بل زار الكويت والأردن، إلا أنه حافظ على النسق، حيث زارها في 28 تشرين الثاني أي بعد شهر واحد فقط من التصويت على حكومته ليكون أسرع رئيس حكومة عراقي يزور إيران بعد استلام المنصب، كاسرا العرف بألاّ يقوم رئيس وزراء بزيارة خارجية إلا بعد الانتهاء من 100 يوم أولى لترتيب أوراقه الداخلية، والتقى حينها خامنئي. 

سيطرت على الزيارة مسألة تنفيذ الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، وبشكل أكبر مسألة التهديدات الإيرانية لتواجد المسلحين الكرد المعارضين لإيران في العراق. 

وبعد عام زار السوداني إيران مرة أخرى وتحديداً في 3 تشرين الثاني 2023، وكانت الزيارة تتعلق بالعدوان على غزة وبدايات الصراع الإقليمي في المنطقة والتقى خامنئي أيضاً. 

السوداني في زيارته إلى طهران في تشرين الثاني 2023. المصدر: المكتب الإعلامي للحكومة. 

وفي أيار 2024 زار السوداني إيران للمرة الثالثة، إلا انها كانت تتعلق بحضور مراسم تأبين إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان ومرافقيهما، والتقى خامنئي أيضاً حينها. 

في تموز 2024 أجرى السوداني زيارة رابعة لإيران، كانت للمشاركة بمراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية والتقى خامنئي أيضاً حينها. 

ومؤخراً، ذهب السوداني إلى إيران في 8 كانون الثاني 2025 بزيارة دامت يوماً واحداً، والتقى خامنئي أيضاً، الذي جدد التأكيد على ضرورة انسحاب القوات الأمريكية واعتبارها “محتلة”، وعموماً في حال استبعاد الزيارتين المتعلقتين بعزاء رئيسي وتنصيب بزشكيان، فتكون زيارات السوداني إلى إيران تبلغ 3 زيارات أسوة بالكاظمي والعبادي. 

تضارب المعطيات وعدم اهتمام الصحافة الإيرانية المنشغلة بنقاشات وجود النظام، في هذه الزيارة العراقية السريعة، وسيل التكهنات على الجانب العراقي، فضلاً عن قراءة ما رافق الزيارة من معطيات، جميعها تشير إلى أن زيارة السوداني الأخيرة إلى إيران، هي من جنس الزيارة الأولى التي أرادتها إيران من إياد علاوي ورفضها، لكن هذا لا ينفي الكواليس، التي لم يرفع ستارها. 

بين زيارتين 

خلت الزيارة إلى إيران من إعلان مهم يرتقي إلى أهمية توقيتها بعد أحداث سوريا والتهاب الشرق الأوسط والمتغيّرات المتوقعة في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، فغادر السوداني بعدها بـ5 أيام إلى لندن، في زيارة وصفها السوداني نفسه بأنها “عهد جديد” لشراكة واعدة، وقّع خلالها مع نظيره البريطاني كير ستارمر، اتفاقية “شراكة وتعاون تاريخية” حسب مكتب السوداني، وتم الاتفاق على حزمة تجارية بقيمة 12.3 مليار جنيه إسترليني (حوالي 15 مليار دولار)، وهي تمثل 10 أضعاف حجم التجارة بين العراق والمملكة المتحدة. معظم هذه الحزمة التجارية صادرات خدمية وليست سلعية، تتمثل بخدمات شركات بريطانية لإزالة الألغام في جميع أنحاء العراق، بـ330 مليون جنيه إسترليني، وإعادة تأهيل قاعدة القيّارة الجوية بنصف مليار جنيه إسترليني، ومشروع شامل للمياه، بالإضافة لإنشاء بنى تحتية لمحطات تحلية ومعالجة المياه في مشروع مياه البصرة، وتنفيذ الربط الكهربائي مع السعودية، وتحسين شبكة الكهرباء الوطنية العراقية عبر محطات فرعية من شركة جنرال الكترك فيرنوفا، وفي مجال الاتصالات الاستعانة بشركة فودافون لتصميم شبكة 5G، ومشروع سكة حديد جديدة، ومشاريع صرف صحي، ومركبات إطفاء، ومعدات اتصالات لاسلكية، ومعدات لأمن الحدود. 

سرعان ما تبيّن الفرق بين زيارة إيران التي لم ينتج عنها سوى إطلاق سراح نصف الطاقة الكهربائية المتفق عليها بين البلدين، وتغريدة مرشد الجمهورية الإسلامية الجارة، التي نقلها عن لسان زائره العراقي، والتي دفع خلالها باتجاه تقوية الحشد الشعبي في محاكاة لم تكن ضرورية لسجالات مواقع التواصل الاجتماعي، وبين زيارة رصّت في حقائبَ رئيس الوزراء العراقي بحزمة ملفات بلغت حوالي 15 مليار دولار، ستجعل البصمات البريطانية حاضرة في النفط والمياه والأمن والمناخ داخل العراق، ويمكن أن تكون المقارنة بين الزيارتين كفيلة بمنح تصوّر عن مدى استنزاف العلاقة بين العراق وإيران، التي لم تعد تمتلك ما قد تقدمه للعراق، سوى إنقاذه من نفسها. 

المصارحة الضرورة 

وفّرت حرب غزة، للشرق الأوسط، تجربةً واقعية لطعم النار، ولم ينجُ إلّا من جنّب نفسه اللعب بلهيبها، لكنّ العراقيين، وعلى الرغم من انخراط بعض فصائلهم بطريقة أو أخرى، مازالوا يتمتعون بفسحة أكبر -قياسا بلبنان وسوريا واليمن- للمراقبة وإعادة النظر والتصرّف، فبعد كل هذه الصواريخ التي حلّقت في سماء المنطقة، ولعبة الكراسي الخاطفة في سوريا، وتحرّك خرائط المنطقة بفعل القوة الإسرائيلية والتغيّرات الإقليمية، تغيرت المعادلة التي كان يسافر وفقها رؤساء الحكومات العراقية ويجلسون بحضرة خامنئي، فالإيرانيون منشغلون بالقادم: ترامب، وماذا بعد فقدان سوريا وانكسار حزب الله، الذراع الأقوى لنظام المرشد على تخوم الخصم الإقليمي إسرائيل، ويوفدون مندوباً إلى سويسرا للانخراط بمفاوضات مع ثلاثي أوربا (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بحثاً عن مخرج مسبق من قبضة ترامب، ومحاولة إعادة الحياة للملف النووي. 

تتلمّس إيران ما يمكن أن تضحي به من أجل بقاء النظام، بينما، هنا، في بلاد الرافدين، يزدحم الفضاء العام بمناكفات طائفية، ويمتلئ بطروحات سطحية، في وقت كان يجب على الفاعل العراقي -الشيعي- أن يفرش أسئلته المصيرية على الطاولة، ويدّخر خزيناً من الإجابات، أسئلة من قبيل: ما الذي سيصيبنا، وماذا علينا أن نفعل، وأين نريد أن نكون في الشرق الأوسط الجديد الذي ترسمه إسرائيل وتتوسع فيه تركيا ويستعد لاستقبال ترامب بنسخة أكثر صلافة، نسخة تطالب علناً بضمّ كندا للولايات المتحدة. ويجب السؤال بجدية، والإجابة أيضاً: هل ستحتكر الدولة السلاح؟ بموازاة ضرورة العمل على تطوير منظومة حرية التعبير التي تُعدّ جواز العبور من تهمة “الدولة المارقة”، وكيف نصحّح أخطاء العدالة الانتقالية وننصف فئات المجتمع التي سحقها الإقصاء الطائفي أو الحزبي؟ فالآن موسم الإجابات المفروضة على الفاعل العراقي عموماً والشيعي على وجه الخصوص، حقائب أسئلة وإجابات حاسمة، هذا الوقت الأنسب ليسافر بها العراق إلى طهران، بزيارة جديدة مغايرة مغزاها: أنتم جار كريم ومهم، لكنّنا نريد لبلدنا أن يكون عراقياً فقط، لا ورقة على طاولات مفاوضاتكم، أو هدفاً لصواريخ وعقوبات خصومكم. 

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28413}" data-page="1" data-max-pages="1">