

السلطات بدل القيام بإصلاحات هيكلية تعزز الحقوق الأساسية وتساعد في الحفاظ على الاستقرار النسبي للبلاد، فإنها تمضي في سن تشريعات “تحرم العراقيين من الحرية، وتقمع المعارضة”
اتهمت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” المعروفة باسم “هيومن رايتس ووتش” الحكومة العراقية بتصعيد “هجماتها على الحقوق” طوال العام 2024 من خلال تمرير أو محاولة تمرير قوانين من شأنها تقييد حريات العراقيين الى جانب زيادة وتيرة “الإعدامات غير القانونية”.
وذكرت المنظمة في “التقرير العالمي 2025” الذي يرصد انتهاكات حقوق الانسان في أكثر من 100 دولة، بينها العراق، ان السلطات العراقية بدل سن إصلاحات هيكلية تعزز الحقوق الأساسية وتساعد في الحفاظ على الاستقرار النسبي للبلاد، فإنها تمضي في سن تشريعات “تحرم العراقيين من الحرية، وتقمع المعارضة”.
ويأتي تقرير “هيومن رايتس ووتش” مطابقا لمواقف، باحثين وناشطين ومراقبين لحقوق الانسان وحرية التعبير والصحافة في العراق، كانوا قد حذروا في بيانات ووقفات وتصريحات خلال العام 2024، من أن البلد يمضي في اتجاه خاطيء في ما يرتبط بالحريات الأساسية وعلى رأسها حرية التعبير والصحافة، وان هناك تزايدا في الملاحقات السياسية والقضائية والضغوط الوظيفية على اصحاب الرأي، ما ضيق مساحات حرية التعبير ورفع مستوى الرقابة الذاتية.
واستعرضت هيومن رايتس ووتش، في تقريرها للعام 2025 والذي صدر في 546 صفحة، ممارسات حقوق الإنسان في أكثر من 100 بلد. وبحسب المديرة التنفيذية تيرانا حسن، فان الحكومات قمعت في العديد من دول العالم المعارضين السياسيين، والنشطاء، والصحفيين واعتقلتهم وسجنتهم ظلما.
كما قتلت الجماعات المسلحة والقوات الحكومية المدنيين بشكل غير قانوني، وهجّرت كثيرا منهم من ديارهم، ومنعت حصولهم على المساعدات الإنسانية. ونبهت الى انه في العديد من العمليات الانتخابية الوطنية التي أجريت في العام 2024، أحرز القادة المستبدون مكاسب من خلال خطاباتهم وسياساتهم التمييزية.
وبشأن الأوضاع في العراق، قالت سارة صنبر، وهي الباحثة المعنية بالعراق في هيومن رايتس ووتش، ان “لدى العراق فرصة لسن إصلاحات هيكلية من شأنها تعزيز الحقوق الأساسية والمساعدة في الحفاظ على الاستقرار النسبي للبلاد”.
واستدركت:”لكن بدلا من ذلك، يبدو أن السلطات مصممة على سن تشريعات تحرم العراقيين من الحرية”، مشيرةً الى ان السلطات “كثفت عمليات الإعدام، وقمع المعارضة”.
وناقش البرلمان العراقي تعديلا على “قانون الأحوال الشخصية” من شأنه أن يسمح للمرجعيات الدينية، بدلا من القانون المدني في الدولة، بالإشراف على مسائل الزواج والميراث، وذلك يأتي على حساب الحقوق الأساسية، بحسب المنظمة، التي نبهت “إذا تم تمرير هذا التعديل، فستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي من خلال السماح بزواج الفتيات في سن التاسعة، الى جانب تقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة الحمايات المتعلقة بالطلاق والميراث للنساء”.
سلسلة انتهاكات
وذكرت المنظمة، ان البرلمان العراقي أقرّ في 27 أبريل/نيسان 2024، تعديلا على “قانون مكافحة البغاء” يعاقب العلاقات المثلية بالسَّجن بين 10 و15 عاما. كما يُقر التعديل أحكاماً بالسَّجن من سنة إلى ثلاث سنوات للأشخاص الذين يخضعون لتدخّل طبي لتأكيد الجندر أو ينفذونه أو يقومون بـ”التشبه بالنساء”. كما ينص القانون على السجن حتى سبع سنوات وغرامة حتى 15 مليون دينار (حوالي 11,450 دولار أمريكي) كعقوبةً لـ “الترويج للشذوذ الجنسي”، وهي تهمة غير معرّفة.
ولاحظت هيومن رايتس ووتش، ان السلطات العراقية “زادت بشكل كبير نطاق ووتيرة الإعدامات غير القانونية في العام 2024، دون إشعار مسبق للمحامين أو أفراد الأسرة، وعلى الرغم من مزاعم موثوقة بشأن التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة”.
ودعت المنظمة، التي كانت القوى الحاكمة الآن في العراق، تستخدم تقاريرها قبل سنوات كدليل على الانتهاكات التي كان يمارسها نظام حزب البعث ضد العراقيين ولمطالبة المجتمع الدولي بمحاسبته، السلطات العراقية الى وقف التعديل المقترح على قانون الأحوال الشخصية “وإلغاء القانون المناهض لمجتمع الميم-عين، ووقف تنفيذ الإعدامات بهدف إلغاء عقوبة الإعدام”.
وتطرق تقرير هيومن رايتس ووتش، الى أوضاع ضحايا تنظيم داعش والجماعات المسلحة، وأشار الى ان إنهاء عمل “فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش” المعروف باسم (يونيتاد) في سبتمبر/أيلول، خلق شعورا لدى الناجين “بعدم اليقين بشأن مستقبل مساءلة داعش في العراق”.
كما أشار التقرير الى “قضايا عالقة” في ذلك الملف، مثل ضرورة فتح المقابر الجماعية، وتأمين عودة النازحين، وتعويض أولئك الذين دُمرت منازلهم ومؤسساتهم التجارية أثناء النزاع، كما تساءل:”هل الأدلة التي جمعها فريق التحقيق محفوظة؟”.
الحكومة العراقية وسّعت بشدة نطاق الإعدامات غير القانونية في العام 2024
وجرى تنفيذ الإعدامات “بدون إشعار المحامين أو أفراد الأسرة مسبقا” وفي ظل مزاعم ذات مصداقية عن “التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة”.
تصاعد في وتيرة الإعدامات
وكانت هيومن رايتس ووتش، قد اصدرت في 19 نوفمبر تشرين الثاني 2024، تقريرا مفصلا عن ارتفاع عدد عمليات الاعدام التي تنفذها السلطات العراقية، تحت عنوان “تصاعد الإعدامات غير القانونية”، مشيرة الى ان “الإعدامات تتبع محاكمات جائرة تستند إلى أدلة يشوبها التعذيب”.
وذكرت المنظمة إن الحكومة العراقية وسّعت بشدة نطاق الإعدامات غير القانونية في العام 2024، وان الحالات التي وثقتها، تُظهر تنفيذ السلطات هذه الإعدامات “بدون إشعار المحامين أو أفراد الأسرة مسبقا، وفي ظل مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة”.
وأفادت المنظمة في يناير كانون الثاني 2024، أن 150 سجينا تقريبا في سجن الناصرية كانوا يواجهون الإعدام الوشيك بدون سابق إنذار. وأعدمت السلطات في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023 قرابة 13 رجلا في سجن الناصرية، وهو أول إعدام جماعي منذ إعدام 21 رجلا آخرين في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. ويُعتقد أن حوالي 8,000 شخص ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش “لما فقيه” ان “السلطات العراقية تنفذ القتل بموافقة الدولة على نطاق مقلق “ستترك الموافقات على هذه الإعدامات غير القانونية إرثا ملطخا بالدماء للرئيس عبد اللطيف رشيد”.
ودعت المنظمة، وفي ظل “نظام قضائي له سجل راسخ في انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، والتي ترقى إلى الحرمان التعسفي من الحق في الحياة”، العراق الى ايقاف عاجل لجميع الإعدامات المعلقة، والاعلان عن وقف مؤقت نحو الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع خمسة أفراد من عائلات تسعة رجال حُكم عليهم بالإعدام، أُعدم ثلاثة منهم؛ ومع محامٍ يمثل عشرات الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام والذي قدم تفاصيل حول أربع قضايا؛ ومع ناشطين. كما أرسلت هيومن رايتس ووتش في 14 أكتوبر/تشرين الأول إلى وزارة العدل رسالة تفصل هذه الادعاءات وتطلب معلومات عن ظروف السجن والإعدامات وإمكانية زيارة سجن الناصرية، لكنها لم تتلق أي رد.
لا تنشر الحكومة العراقية إحصاءات رسمية عن الإعدامات ولن تقدمها رغم الطلبات المتعددة. وبحسب منظمة “آفاد”، وهي منظمة مستقلة تراقب الانتهاكات الحقوقية في العراق، أعدمت السلطات في سبتمبر/أيلول وحده 50 رجلا. نددت آفاد في يونيو/حزيران بما أسمته الطفرة في “عمليات الإعدام السرية”، مشيرة إلى توثيقها 63 حالة إعدام في الأسابيع السابقة لم يُعلن عنها.
في يوليو/تموز 2023، نفت وزارة العدل مزاعم تفيد بتنفيذها عمليات إعدام سرية، محذرة من أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد أي مواقع تنشر “أخبارا مضللة من هذا القبيل”. وفي أكتوبر/تشرين الأول، نفى الرئيس رشيد مزاعم تداولتها وسائل التواصل بأنه صادق على أحكام إعدام جماعية.
تهديد المحكومين
تشير الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش إلى قيام السلطات العراقية بشكل متزايد بتهديد نزلاء محكوم عليهم بالإعدام وجماعات غير حكومية لتحدثهم علنا عن الظروف في سجن الناصرية المركزي. منذ أبريل/نيسان، أُعدم خمسة رجال قدموا شكاوى مجهولة الاسم عبر محامٍ أجنبي إلى “الأمم المتحدة”.
كان لدى اثنين منهم تقارير رسمية من لجنة طبية تابعة لـ “مجلس القضاء الأعلى” العراقي تشهد بتعرضهما للتعذيب وتمكنُّهما من تحديد هوية عناصر الأمن الذين عذبوهما. طلب الرجلان من النيابة العامة فتح تحقيق مع عناصر الأمن الذين قالوا إنهم عذبوهما، لكن قال محاموهما إن التحقيق لم يُفتح قط. كما طلب الرجلان إعادة المحاكمة، لكن رفضت السلطات طلباتهما بسبب عدم وجود ملف للقضية. أضاف محاموهما أن ملفات القضية هذه دُمرت في يونيو/حزيران 2014 عندما أحرق تنظيم “داعش” مبنى المحكمة الذي كان يحتجزهما.
قال أحد الرجلين، في آخر اتصال له مع محاميه في مارس/آذار 2024، لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي السجن اكتشفوا نقله معلومات خارج السجن، معربا عن خوفه من الانتقام. في أوائل أبريل/نيسان، حُبس الرجل انفراديا بمعزل عن العالم الخارجي، حتى أبلغت السلطات أسرته ومحاميه في يوليو/تموز بأنه أُعدم.
لم يقل أي من الذين تمت مقابلتهم إنه تلقى إشعارا مسبقا بالإعدامات، بما يتفق مع الادعاءات السابقة. في بعض القضايا، اتصل مسؤولو السجن بالعائلات لتسلم الجثث بعد أشهر من الإعدام.
قال أحد أفراد الأسرة إن سبب الوفاة في شهادة وفاة قريبهم كان الإعدام شنقا، لكن لم تكن ثمة علامات حول رقبة الرجل تشير إلى الشنق عندما غسلوا الجثة قبل دفنها، ما أثار الشكوك حول طبيعة وفاته.
شهادة: “لاحظت في آخر مرة زرته فيها في السجن أن أظافره مفقودة، وأسنانه متساقطة، وكانت ثمة علامات على قدميه وحول عنقه”.
تضييق على عوائل المعدومين
قال أحد أفراد الأسرة أيضا إن مسلحين من قوات أمن الحكومية العراقية متمركزين خارج المقبرة لأسابيع بعد الدفن ضايقوا أفراد الأسرة الذين زاروا القبر. قال أحد أفراد الأسرة إنهم يعتقدون أن سبب ذلك هو منع الأسرة من استخراج الجثة لإجراء تشريح مستقل. لم يُزَوَّدُوا بمحضر تشريح الجثة.
لم تستجب وزارة العدل لطلب هيومن رايتس ووتش بشأن هذا الادعاء.
في حالة أخرى، لم يُدرج سبب الوفاة في شهادة الوفاة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.
قالت إحدى القريبات لأحد من أُعدموا إن قوات الأمن منعت الأسرة من إقامة مراسم الجنازة ونشرت قوات عند القبر. أضافت: “لاحظت في آخر مرة زرته فيها [في السجن] أن أظافره مفقودة، وأسنانه متساقطة، وكانت ثمة علامات على قدميه وحول عنقه”.
راجعت هيومن رايتس ووتش صورا لثلاث جثث أُفرج عنها بعد الإعدام وتظهر عليها علامات مرئية لسوء المعاملة أو التعذيب، بما في ذلك كدمات شديدة وكسور في العظام وجروح وهزال.
يبدو أن الإعدامات نُفذت رغم مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب وغير ذلك من انتهاكات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة. قالت هيومن رايتس ووتش إن فرض عقوبة الإعدام يكون تعسفيا وغير قانوني إذا انتُهكت ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم.
ظروف غير انسانية
أفاد مقررون خاصون للأمم المتحدة بأن ظروف سجن الناصرية غير إنسانية، بما في ذلك الافتقار إلى الرعاية الصحية والصرف الصحي، والحبس الانفرادي لفترات طويلة، والوقت المحدود الذي يقضيه السجناء في الهواء الطلق، والاكتظاظ، والطعام الرديء.
قال المقررون في 27 يونيو/حزيران إن “الإعدامات المنهجية التي تنفذها حكومة العراق بحق السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءً على اعترافات شابها التعذيب، وبموجب قانون مكافحة الإرهاب الغامض، ترقى إلى الحرمان التعسفي من الحياة بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية”.
أرسلت هيومن رايتس ووتش أربع رسائل إلى وزارة العدل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تطلب معلومات عن ظروف السجن، والإعدامات، والتصديق على أحكام الإعدام، وإمكانية زيارة سجن الناصرية. في 24 أبريل/نيسان، ردت الوزارة بأنها غير قادرة على تقديم أرقام عن عدد أحكام الإعدام الصادرة أو المصدّق عليها، أو الإعدامات التي نُفذت سنويا منذ عام 2020.
في مارس/آذار، التقت ممثلة عن هيومن رايتس ووتش بالرئيس رشيد ووزير العدل خالد شواني وثلاثة أعضاء من المجلس الاستشاري الرئاسي في بغداد. نفى الرئيس رشيد مزاعم وجود مخالفات في التصديق على أحكام الإعدام، وحدد الخطوات التي اتخذها مكتبه لضمان حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام، والتي أكدتها رسالة رد بتاريخ 7 مارس/آذار.
ونفى الوزير شواني مزاعم سوء المعاملة والتعذيب والإعدامات غير القانونية في سجن الناصرية، ووعد بتسهيل دخول هيومن رايتس ووتش إلى سجون الناصرية والكرخ والرصافة. ولم يستجب المسؤولون لطلبات الزيارة أو رسائل المتابعة اللاحقة.
ودعت هيومن رايتس ووتش، الرئيس العراقي الى “التوقف فورا عن التصديق على عقوبة الإعدام، وفرض وقف فعلي لاستخدامها حتى يصدر البرلمان قانونا يلغي عقوبة الإعدام”.
ودعت المنظمة قضاة العراق، تماشيا مع المعايير القانونية الدولية والإجراءات الجنائية العراقية، التحقيق في جميع المزاعم ذات المصداقية بشأن التعذيب وقوات الأمن المسؤولة، ونقل المعتقلين إلى مرافق مختلفة لحمايتهم من الانتقام. وينبغي للسلطات القضائية التحقيق بشأن أي حوادث تعذيب وتحديد المسؤول عنها، ومعاقبة المسؤولين، وتعويض الضحية.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة: “بهذا المعدل، فإن العراق في طريقه إلى تصدُّر المراتب العليا عالميا في الإعدامات غير القانونية. ينبغي للحكومة بدلا من ذلك تركيز جهودها على إجراء إصلاحات حقيقية للقضاء ونظام السجون العراقيَّيْن وإلغاء عقوبة الإعدام إلى الأبد”.
المزيد عن تقارير إخبارية
تقارير إخبارية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28342}" data-page="1" data-max-pages="1">