تحليل: الديناميات الآنية في سوريا وكيفية المضي قدماً

الديناميات الآنية في سوريا وكيفية المضي قدماً

عن موقع مؤسسة “ميري”

الحضور:
نخبة من الخبراء وقادة الرأي في الشأن السوري، مع سياسيين على مستوى القيادة

الوضع السوري يُمثل اليوم نقطة تحول فارقة في تاريخ الشرق الأوسط، حيث تتشابك القضايا الداخلية مع الديناميكيات الإقليمية والدولية. سوريا ليست مجرد مسرح للنزاعات المحلية بل باتت ساحة للتنافس بين القوى الكبرى، مما ينعكس بشكل مباشر على طبيعة الحلول الممكنة. تُبرز القضية الكوردية داخل هذا المشهد المعقد، كواحدة من القضايا الأكثر حساسية وإلحاحًا، مع تأثيرها المتبادل على مكونات الصراع السوري ومستقبله.

الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع

الوضع السوري لا يمكن عزله عن التحولات الكبرى في الشرق الأوسط. القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل تلعب أدوارًا رئيسية، حيث تسعى كل دولة لتحقيق مصالحها الخاصة. تركيا، على سبيل المثال، تواجه انتكاسات كبيرة في تحقيق أجندتها التوسعية، حيث أثبت دعمها للفصائل المسلحة أنه سلاح ذو حدين، بينما عجزها عن حل القضية الكوردية في الداخل التركي يلقي بظلاله على سياستها في سوريا. من جهة أخرى، إيران يسعى لاستعادة نفوذه السياسي والعسكري في سوريا من خلال محاولات متعددة لإحياء تحالفاته السابقة.

إسرائيل تتعامل مع الوضع السوري من زاوية أمنية بحتة، إذ ترى أن الجماعات المسلحة ذات الطابع الأيديولوجي في سوريا تمثل تهديدًا لاستقرارها. ودول الخليج، رغم تحفظاتها، تبدي توجسًا من الوضع السوري لكنها لم تتخذ خطوات حاسمة تجاه إعادة الإعمار أو دعم أي تسوية سياسية واضحة. القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا تبقى مشاركة وبشكل عميق في إدارة الصراع السوري، مع تركيز خاص على دعم الاستقرار في المناطق الكوردية بشمال شرق سوريا ومواجهة النفوذ الإيراني.

  التحولات الداخلية في سوريا

على الصعيد الداخلي، يعاني المجتمع السوري من انقسامات حادة على أسس طائفية وقومية وطبقية. النظام السوري، رغم التحديات التي واجهها، لا يزال يحتفظ بهيكليته الأمنية ومؤسساته الأيديولوجية، مما يجعل الحديث عن سقوطه الكامل غير واقعي حتى الآن. التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري أبرزت خلافات عميقة بين المكونات المختلفة. العلويون والدروز، الذين كانوا يعارضون الفيدرالية في الماضي، باتوا يرفعون اليوم شعارات تدعو إلى ما یشبە الحكم الذاتي أو اللامركزیة أو الفيدرالية كوسيلة لضمان حماية مصالحهم.

من جهة أخرى، تواجە شمال شرق سوريا (رۆژاڤا)، تحت سيطرة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تحديات كبرى، أبرزها الصراعات الداخلية بين المكونات الكوردية المختلفة وعدم وضوح الرؤية السياسية الموحدة التي تعكس تطلعات هذه المنطقة. هذه التحديات تعيق الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وتحقيق الاعتراف الدولي بالمشروع السياسي للإدارة الذاتية.

 القضية الكوردية ومستقبلها في سوريا

القضية الكوردية في سوريا تُعتبر نموذجًا مصغرًا للمشهد السوري الأكبر، حيث تتداخل فيها العوامل القومية والإقليمية والدولية. الكورد يواجهون تحديات داخلية تتمثل في الانقسامات بين القوى المختلفة. فبعض القوى تدعم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، بينما تتحالف قوى أخرى مع المعارضة السورية. هذا التباين يجعل من الصعب على الكورد تقديم رؤية موحدة لمستقبلهم ضمن سوريا الجديدة.

الدعم الدولي للكورد، رغم أهميته، يظل مشروطًا. الولايات المتحدة والقوى الغربية تقدم دعمًا أمنيًا وعسكريًا للإدارة الذاتية، لكن هذا الدعم يفتقر إلى ضمانات سياسية طويلة الأمد. الوضع الراهن يجعل من الضروري على الكورد معالجة خلافاتهم الداخلية وتقديم رؤية سياسية موحدة تشمل الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية لهم ضمن إطار الدولة السورية.

  التحديات والسيناريوهات المستقبلية

الوضع السوري يواجه العديد من التحديات التي تُصعّب من الوصول إلى حلول مستدامة. أبرز هذه التحديات هو الانقسام الطائفي والعرقي داخل المجتمع السوري، حيث تصاعدت الانتقامات الطائفية وتعمقت الانقسامات. هذا الواقع يجعل من الصعب بناء دولة مركزية موحدة.

على المستوى الإقليمي، التدخلات الخارجية تُعمّق الصراع. تركيا تسعى لضمان نفوذها، بينما يحاول إيران تعزيز وجوده من خلال الجماعات المسلحة الحليفة. من جانبها، إسرائيل تسعى لإضعاف أي تهديد قد ينبع من الجماعات المسلحة أو النفوذ الإيراني في سوريا. في هذا السياق، يبرز سيناريوهان رئيسيان: إما تدخل دولي عاجل لفرض تسوية سياسية شاملة، أو استمرار الصراع الداخلي مع تزايد احتمالات تقسيم البلاد إلى أقاليم شبه مستقلة.

 التوصيات السیاساتیة للقوی الكوردیة الفاعلة

للتعامل مع الوضع السوري المعقد، يجب العمل على عدة محاور متزامنة.  وهذە التوصیات موجهة لأصحاب الشأن والمصلحة، كل علی قدر مسؤلیتە.

علی القوی السیاسیة الكوردیة في سوریا:

1- توحيد صفوفهم وتقديم رؤية سياسية موحدة تعكس تطلعاتهم في إطار مشروع سياسي ديمقراطي يتوافق مع مكونات المجتمع السوري الأخرى. وهذا يمكن تنفيذه عن طريق حوار مؤسساتي مستدام وتنظيم ورشات عمل ومؤتمر جامع. هناك حاجة ماسة لتحديد رؤية سياسية مشتركة تشمل المطالب القومية الكوردیة، وحقوق الشعب الكوردي والمكونات الإخری بأطیافها العرقیة والدینیة، ضمن إطار سوريا الموحدة.

2- العمل سویة ومع القوی السوریة الحلیفة والشركاء الدولیین على عودة النازحين الكورد إلى دیارهم في عفرين والأراضي الكوردية الأخرى، من خلال عملية تتم مراقبتها دوليا.

3- الاستثمار في العلاقات الإقليمية.  يتعين على الأطراف السورية، خاصة الكوردیة، العمل على تحسين العلاقات مع دول الجوار مثل تركيا، لتخفيف التوترات وضمان الاستقرار. ومن هذا المنطلق يجب اخذ الحذر في التعامل مع تركيا عن طريق العمل على فك الارتباط مع حزب العمال الكوردستاني، أو نزعە من قائمة الإرهاب لتقليل التوتر مع تركيا وضمان قبول دولي أوسع.

علی الإدارة الذاتیة في شمال شرق سوریا:

4- بناء نظام حكم محلي دیمقراطي في شمال شرق سوریا قائم على بيروقراطية مؤسساتیة علمية، بعيدة عن الأيدولوجيات، وتعمیق التجربة الدیمقراطیة وسیادة القانون والحكم الرشید.

5- الاندفاع باتجاه دمشق لتوطيد العلاقة الكوردية (والإدارة الذاتیة) بالمكونات السیاسیة والإجتماعیة السوریة، مع التفاعل مع الحكومة المؤقتة الحالیة والتأثیر علی مسار الحوار حول مستقبل سوریا مع المشاركة في كتابة الدستور من أجل بناء الدولة الحدیثة.

6- استخدام المكتسبات الإدارية والعسكرية في شمال شرق سوريا لتأمين دعم سياسي ودبلوماسي طويل الأمد عن طريق السعي للحصول على اعتراف سياسي بالإدارة الذاتية عبر تعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة والدول العربیة، واخذ شروطها وتطلعاتها بعين الاعتبار.

ینبغي للشركاء الدولیین، وخاصة الولايات المتحدة والقوى الأوروبية والعربیة، المهتمة باستقرار سوريا وازدهارها أن:

7-  يلعبوا دوراً رئيسياً في ضمان التحول الديمقراطي في سوریاو، وحث القوی السوریة الفاعلة علی إقامة نظام حكم لامركزي مبني علی الأسس الدیمقراطیة وحقوق الأنسان.

8- يتوسطوا بين تركيا والإدارة الذاتية، ويحثوهم على الانخراط في حوار هادف لإنهاء الأعمال العدائية وبدء فصل جديد من التعاون المفيد للطرفين في المستقبل.

 الخاتمة

الوضع السوري يعكس تعقيدات متراكمة تمتد لعقود، لكن التحديات التي تواجهها توفر أيضًا فرصة لإعادة بناء الدولة السورية بشكل يعكس تنوعها. القضية الكوردية، التي تمثل أحد أهم محاور الصراع، يمكن أن تكون أيضًا مفتاحًا للحل إذا ما تم التعامل معها بجدية ضمن رؤية شاملة. سوريا الجديدة بحاجة إلى نظام سياسي قائم على المواطنة والمساواة، حيث يتم تمكين كل المكونات من المشاركة في بناء مستقبل مشترك. هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف وتعاونًا دوليًا يتجاوز الحسابات الآنية.

تاريخ الإنعقاد: الثلاثاء 14-01-2025
وتم الحوار حسب تعلیمات چاتام هاوس

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28324}" data-page="1" data-max-pages="1">