

فجر الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2024 داهمت قوة أمنية كبيرة يرتدي أفرادها بزات سوداء منزل عضو مجلس محافظة ذي قار جنوبي العراق، عمار الركابي في قضاء الرفاعي، واعتقلته بتهمة تورطه بقضية ابتزاز ألكتروني استهدفت المحافظ مرتضى الأبراهيمي.
يصف الركابي ماحدث بأنه مخالف للقانون:”لم يقدموا مذكرة قبض، زوجتي وبناتي كن يشاهدن بخوف وصدمة ما يحصل، وتعرضن للعنف اللفظي من قبل القوة”.
ويقول بأن تلك القوة الأمنية فتشت منزله بالكامل، واعتدت خلال ذلك على اثنين من عناصر الأمن المتمركزين قرب المنزل. ويضيف وهو يرف نبرة صوته:”اقتادوا أحدهما معي وأجبروه على توقيع تعهد بعدم تقديم شكوى”.
ويعد الركابي ما حدث له، مخالفة صريحة لنظام مجلس المحافظة القاضي بعدم جواز اعتقال أي عضو إلا بموافقة رئيس المجلس أو تصويت ثلثي الأعضاء:”لكن كل ما حدث جاء خارج الضوابط، نتيجة استغلال محافظ ذي قار مرتضى الإبراهيمي لنفوذه” وفق تعبيره.
وذي قار (مركزها الناصرية) هي ثاني أكبر المحافظات جنوبي العراق بعد البصرة، ومع عدد سكان يربو على المليوني نسمة ووجود حقول ومنشآت نفطية، تحصل ادارة المحافظة على تخصيصات بمئات ملايين الدولارات لتنفيذ عشرات المشاريع الخدمية والاستثمارية الكبيرة التي تتصارع القوى السياسية للفوز بعقودها.
بحسب مصدر قانوني، اعتقل عمار الركابي وفقاً للمادة 403 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 التي تحدد عقوبة تصل الى 7 سنوات، وتم التحقيق معه على أنه جزء من “شبكة ابتزاز” تضم أيضاً محافظ ذي قار السابق محمد هادي الغزي وهو عضو حالي في مجلس المحافظة، مع مجموعة من الفتيات والناشطين والإعلاميين.
وشهد العامان 2023 و2024 تسريبات صوتية وفيديوية لمسؤولين كبار، بعضها أظهرت مخالفات ادارية وقانونية كبيرة في العقود الحكومية تدخل ضمن الفساد المالي، واخرى ذات بعد اجتماعي وتمثل فضائح شخصية، فيما كشفت جهات رسمية عن شبكات ابتزاز تضم مسؤولين أمنيين، اضافة الى قضايا تنصت على مسؤولين كبار وعوائلهم.
سلسلة الفضائح السياسية والمالية والاجتماعية تلك، أحدثت شروخا داخل ائتلاف ادارة الدولة الحاكم في البلاد وأبرزت حجم الفساد والخلل والفشل الاداري الذي يجري التستر عليه، في وقت فتحت الجهات القضائية تحقيقات في كل تلك القضايا لكن غالبيتها ماتزال عالقة دون حسم نتائجها واعلانها.
بحسب مصادر في إدارة محافظة ذي قار، أعضاء “الشبكة” التي أوقفت، متهمون بإبتزاز المحافظ الحالي مرتضى الإبراهيمي، عبر مقطع فيديو وصف بـ “غير اللائق” بمساعدة فتاة تعمل بصفة عقد مؤقت في إحدى الإدارات المحلية بالمحافظة والتي تم اعتقالها لاحقاً.
لكن الركابي، يؤكد عدم تقديم أي دليل ملموس يدينه، ويقول بأنه خضع للتحقيق لدى جهاز الأمن الوطني في ظروف يصفها بـ “الوحشية”. ويدافع عن نفسه رافضا اتهامه بالتورط في الابتزاز:” لاعلاقة لي بتلك الفتاة، هي موظفة بصفة عقد قبل أن أتسلم منصب قائممقام قضاء الرفاعي في عام 2020 أو أن أصبح عضواً في مجلس محافظة سنة 2023″.
يصمت للحظات ثم يضيف بغضب:”الفتاة ظهرت ذات مرة في مقطع فيديو مع المحافظ مرتضى الإبراهيمي وحصلت منه على مكافآت مالية وقطعة أرض بناءً على استثناءات من المحافظ نفسه قبل الكشف عن قصة الابتزاز المزعومة”.
واتهم الركابي المحافظ بأنه “استغل سلطته لتوظيف الفتاة ومنحها امتيازات، ثم ادعى لاحقاً أنها ابتزته، وبعد اعتقالها، تم الضغط عليها لتقديم إفادات ضدي وضد المحافظ السابق، لكن بعدما تم الإفراج عنها بكفالة مالية عمدت على رفع دعوى قضائية لاحقا ضد المحافظ بسبب تعرضها للتهديد أثناء التحقيق”حسب قوله.
وتحدث عضو المجلس المتهم، عن تعرضه إلى ضغوط خلال استجوابه في التحقيق:”حاولوا مساومتي، وعرضوا علي تقديم استقالتي من المجلس مقابل غلق القضية ضدي، ورفضت بالطبع”.
وذكر بأن مقطع الفيديو تم تسريبه بعد أربعة أيام من اعتقاله وأن الأمر برمته استهداف سياسي لإبعاده عن المشهد، وفقاً لقناعته.
بعد 35 يوما من الاحتجاز، أُطلق سراح عمار الركابي بكفالة مالية قدرها 50 مليون دينار عراقي، وعلى الرغم من ذلك، ما تزال القضية مفتوحة، بل وصدرت بحقه مذكرة اعتقال جديدة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

ابتزاز سياسي
في التاسع من أيلول/سبتمبر 2024، كشف محافظ ذي قار، مرتضى الإبراهيمي، عن تفكيك شبكة ابتزاز تضم عدداً من الأشخاص الذين قال بأنهم “يهددون المسؤولين الحكوميين في المحافظة”، وذكر بأن الأجهزة الأمنية اتخذت بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى إجراءات وصفها بالفاعلة لملاحقة “المبتزين”.
وأن مسار التحقيقات افضى إلى متهمين صدرت مذكرات اعتقال بحقهم، بينهم عضوان من مجلس المحافظة، هما عمار الركابي، ومحمد هادي الغزي، المحافظ السابق لذي قار.
وأقر الإبراهيمي في مقابلة متلفزة يوم العاشر من تشرين الأول/اكتور2024، بأنه هو من رفع الدعوى ضد المتهمين، وأن القضية مازالت تحت التحقيق، واستدرك: “هنالك أدلة دامغة تدين عضوي المجلس ومحاولات وقف التحقيقات، بما في ذلك الوساطات للتنازل عن القضية، قد فشلت”.
يرجع صحفيون ومدونون، ظهور التسجيلات الصوتية والفيديوية، الى الصراع السياسي بين القوى المختلفة في ذي قار للسيطرة على ادارة المحافظة، كما في بقية مناطق البلاد، وان الأمر في جوهره لا يرتبط بالكشف والمساءلة لتحقيق الاصلاح بما يطور الأداء الحكومي وينهي حالة الفساد التي تؤثر بنحو خطير على تنفيذ المشاريع.
وتؤكد تصريحات محافظ ذي قار ذلك، إذ يذكر بأن من حق أعضاء مجلس المحافظة متابعة الوضع المالي والإداري للمحافظ، لكن هناك من بين هؤلاء:”مبتزون وفاسدون، يحاولون عرقلة عمل الحكومة المحلية”.
من جانبه يقول عضو مجلس المحافظة أحمد الخفاجي، أن ذي قار، تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي منذ تشكيل المجلس في شباط/فبراير 2024، وأن هناك تحركات وتحالفات سياسية تسعى باستمرار إلى استجواب المحافظ وإقالته:”لكن هذا يحدث ضمن التنافس السياسي غير المشروع”.
ودافع عن حكومة ذي قار المحلية برئاسة الابراهيمي بقوله:”لم تشهد أية خروقات إدارية أو مالية أو قانونية خلال الأشهر الثمانية الماضية من عملها، والمجلس يتابع عملها عن كثب”.
بدورها تصف عضو المجلس، كوثر الصرايفي، ما يجرى بأنه “ابتزاز سياسي، بهدف الوصول إلى منصب المحافظ”، وتقول أن هنالك محاولة لعرقلة تطبيق قرار إقالة عمار الركابي ومحمد هادي من عضوية المجلس، بناءً على قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 المعدل والذي ينص على جواز الإقالة إذا ما تخلف عضو مجلس المحافظة عن الحضور لأربع جلسات متتالية أو غاب لربع مدة عمر المجلس البالغة أربع سنوات.
لكن رئيس مجلس محافظة ذي قار السابق، عبد الباقي العمري، كان قد منح في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 عضو المجلس عمار الركابي إجازة لمدة 30 يوماً “لسوء حالته الصحية”، واستنادا إلى المادة 11 الفقرة 8 من النظام الداخلي، بمعنى ان الغياب كان مبررا. وهذا ما يعده الطرف الآخر في المجلس “محاولة لإنقاذ الركابي من الإقالة”.
صراع على المناصب
الأمين العام لحزب البيت الوطني، حسين الغرابي، ينتقد بشدة ما يحدث في ذي قار، ويرى بأنه: استغلال بشع للسلطة وتدنيس لسمعة المحافظة”، ويضيف وهي يبدي استغرابه :”كيف يمكن الوثوق بالمسؤولين إذا كانوا يتلاعبون بالنساء في صراعاتهم السياسية”، مشيراً بذلك إلى ورود أسماء فتيات يتم التحقيق معهن ضمن قضية الابتزاز.
ويطالب الغرابي القضاء العراقي بكشف تفاصيل القضية وعدم غلقها “كما حدث مع قضايا سابقة”، متهما مجلس المحافظة بالتنصل عن مسؤلياته لأنه “لم يعقد أي جلسة لبحث قضية الابتزاز ولاسيما أن المتهمين الرئيسيين عضوان فيه، وكان يفترض أن يتخذ إجراءات صارمة ضدهما”.
ويوضح طيبعة ما يجري:”هنالك صراع سياسي بين المحافظين السابق والحالي، مع وجود انقسام داخل المجلس، فالبعض يتهم المحافظ الحالي بالاستغلال السياسي ويطالبون بإيقافه عن العمل لحين الفصل في القضية من قبل القضاء وآخرون يدافعون عنه”.
عضو مجلس النواب عن محافظة ذي قار عادل الركابي، ينبه الى أن المحافظة أصبحت مركزاً للابتزاز لتحقيق مكاسب، ويقول متهكماً:”من يريد الاستفادة يذهب إلى الناصرية، لأن الحكومة المحلية السابقة شجعت على الابتزاز”.
قضية شبكة الابتزاز لم تكن التحدي الوحيد الذي واجهته ذي قار، في الأشهر الأخيرة، إذ ثمة ملفات أخرى عديدة مازالت مفتوحة، منها تظاهرات واسعة في 18 تشرين الأول 2024، على خلفية قيام اللواء نجاح العبادي، وهو قائد شرطة جديد، بتنفيذ حملات اعتقال ضد الناشطين بتهم الإرهاب والابتزاز، وصولاً إلى أبرز تطور وهو المطالبة بتغيير المحافظ الإبراهيمي، وتوجيه دعوة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإدارة المحافظة من موقع أدنى.
وكان مجلس محافظة ذي قار، قد حدد موعداً لإستجواب المحافظ، في 12 تشرين الثاني /نوفمبر2024، بطلب 8 من أعضائه من اصل 18 عضوا في المجلس، الإ أن تلك الجلسة تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
وفي المقابل وقع 19 نائبا يمثلون ذي قار في مجلس النواب، على طلب لإستجوابه في 4 تشرين الثاني 2024 وهو أيضا لم يتحقق، مما يعكس حجم الصراعات في ظل الأوضاع المتأزمة بين المحافظ ومنافسيه.
وذكر النواب في بيان أصدروه وقتها، إنهم اتفقوا على مطالبة عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة الوطني (الذي ينتمي اليه الإبراهيمي) باستبدال محافظ ذي قار الحالي بشخص آخر يمتلك الخبرة والنزاهة والقدرة على التواصل والتنسيق مع نواب المحافظة والجهات المجتمعية الفاعلة في المحافظة.
المحافظ مرتضى الابراهيمي، أصدر بياناً مضاداً، عبر فيه عن استغرابه من موقف النواب، وقال بأن من شأن ذلك “التأثير على الأجواء الإيجابية التي تعيشها المحافظة في الوقت الحالي، لاسيما في ظل عودة الأمن والاستقرار بفضل جهود الحكومتين الاتحادية والمحلية معا”.

الإبتزاز وأموال المشاريع
يصف عضو مجلس النواب السباق عن ذي قار، عبد الهادي السعداوي، الابتزاز السياسي بأنه أحد أكثر الملفات خطورة التي تعاني منها المحافظة منذ العام 2019، وقال :”ليس غريباً أن نرى من يسرق المال العام يتورط أيضا بشبكات الابتزاز السياسي، ففي زمن المحافظ السابق، تم هدر مبلغ يصل إلى تريليون و800 مليار دينار عراقي، وهو رقم ضخم يعكس عمق الفساد والابتزاز”، على حد وصفه.
ويشير الى الدور الذي تقوم به شبكات الابتزاز:”عملت على استهداف مديري الدوائر والمسؤولين الحكوميين في ذي قار، وتسعى إلى إضعاف المؤسسات الحكومية والخدمية، والتأثير على أدائها ما يؤدي إلى حرمان المواطنين من الخدمات الأساسية”.
ويؤكد بأن الابتزاز امتد ليشمل منفذي المشاريع في مدينة الناصرية:”هناك حالات موثقة لابتزاز رجال الأعمال والمقاولين من بعض المتظاهرين المدفوعين من المحافظ السابق أو جهات سياسية أخرى، كانوا يستغلون الاحتجاجات للضغط على أصحاب المشاريع، مما أثر سلبا على تنفيذها وتعطيل عجلة التنمية”.
ويرى السعداوي، بأن المنافسة الشديدة على المناصب بين السياسيين في ذي قار، تعيق تحقيق الاستقرار، وان هدفها الرئيس:”السيطرة على الأموال والمشاريع وليس خدمة المواطنين”.
ومع أن السعداوي، يتهم المحافظ السباق بـ”استخدام الابتزاز كأداة لإضعاف المحافظ الحالي مرتضى الابراهيمي ومجلس المحافظة”، إلا أنه ينتقد الأخيرين في ذات الوقت، بقوله :”أظهرا ضعفاً واضحاً في أداء واجباتهما ولم يقدما أي شيء ملموس للمواطنين حتى الآن، ومع ذلك نحن نحاول دعمهما لتقديم الخدمات الضرورية”.
ويتهم النائب السعداوي أعضاء مجلس محافظة ذي قار بانهم “حصلوا على مناصبهم عبر دفع الأموال، وتركزت اهتماماتهم على الكسب غير المشروع بدلا من تحسين أوضاع المحافظة، وهو أمر يزيد من حالة التشظي داخل المجلس، الذي يعززه النزاع بين الكتل السياسية وغياب الرؤية المشتركة بين الأحزاب”.
وكان رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، قد أصدر في 23 كانون الأول/ديسمبر 2021، أمراً ديوانياً تضمن إنهاء تكليف المحافظ الأسبق أحمد الخفاجي، وتكليف محمد هادي الغزي، بمهام إدارة شؤون المحافظة وتخويله بالصلاحيات المالية والإدارية.
وشهدت فترة تولي الغزي منصب المحافظ، اتهامات من منافسيه بوجود شبهات فساد في المشاريع، بالإضافة إلى قضايا تزوير وابتزاز وهدر للمال العام، بعضها كشفتها هيئة النزاهة. وحاول الغزي، الحفاظ على منصبه عبر تشكيل قائمة سياسية (الماكنة) لكنه فشل في تحقيق ذلك بعد أن حصلت قائمته على ثلاثة مقاعد فقط في الانتخابات المحلية التي جرت في كانون الأول/ديسمبر 2023.

كر وفر وتقلب في التحالفات
بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات المحلية، دخلت ذي قار، مرحلة جديدة من الصراع السياسي، إذ تشكلت الحكومة المحلية في شباط/فبراير 2024، ليحصل عبد الباقي العمري، عن كتلة “سند” التابعة لوزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، على منصب رئاسة المجلس، بعد صراع محتدم مع منافسه عزة الناشي عن كتلة “الأمين العام لكتائب الإمام علي” شبل الزيدي.
في أثر ذلك تم تقسيم رئاسات اللجان داخل المجلس بين الأحزاب السياسية، بينما حصل تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي يمتلك مقعدين داخل المجلس، على منصب المحافظ، فيما حصل حزب الدعوة وحركة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق، على منصبي نائبي المحافظ.
وبعد فترة قصيرة من توزيع المناصب بين قادة الإطار التنسيقي، بدأت الخلافات تظهر بوضوح داخل المجلس، فقد سعت بعض التحالفات إلى تقويض سلطة المحافظ، خاصة بعد اتخاذه قرارات إدارية تتعلق بتغيير مديري الوحدات الإدارية.
في المقابل استغل رئيس المجلس عبد الباقي العمري، الفرصة لتعزيز نفوذه، وقام بتشكيل تحالف جديد باسم ائتلاف أبناء ذي قار، وكان ذلك في أيار/مايو 2024، والذي ضم 10 أعضاء من بينهم المحافظ السابق محمد هادي، وعضو المجلس عمار الركابي، ونجح التكتل السياسي الجديد في انتزاع رئاسة لجنة الطاقة من منافسه عزة الناشي، مما زاد من الفجوة بينهما، رغم انتمائهما لنفس الائتلاف (نبني).
لم تدم التحالفات الجديدة داخل المجلس طويلاً، إذ بدأ بعض الأعضاء بالانسحاب من ائتلاف العمري، وتزامن ذلك مع تقديم عزة الناشي طلب استجواب للعمري، متهماً إياه بتأجيل جلسات المجلس وعدم إبلاغ الأعضاء بجدول الأعمال في الوقت المناسب.
وفي 14 آب/اغسطس 2024، عقدت جلسة خاصة لمناقشة هذه الاتهامات، لكن العمري، تغيب عن الحضور، مما أتاح للمعارضين فرصة تمرير الاستجواب والتصويت على اختيار عزة الناشي رئيساً جديداً للمجلس.
وصف العمري، التغييرات في رئاسة مجلس المحافظة بأنها “انقلاب سياسي”، محذرا من تداعيات قد تنتقل إلى محافظات أخرى، وفي خطوة تصعيدية، قرر التوجه إلى محكمة القضاء الإداري لتقديم طعن في جلسة التصويت التي أسفرت عن تغيير رئاسة المجلس.
يقول نشطاء مدنيون في ذي قار، ان كل تلك التحولات والانقلابات في الولاءات والاتفاقات، تكمن خلفها صفقات سياسية مدفوعة بإغراءات مالية ووعود بامتيازات، وان هدفها الأبعد هو تحقيق مكاسب مالية من خلال الاستحواذ على عقود مشاريع المحافظة.
معارضة وتحالفات مريبة
ما حصل في الأشهر الأولى التي سبقت الكشف عن شبكة الابتزاز كان نقطة تحول في العملية السياسية في الناصرية، كما يرويها مصدر مسؤول فضل عدم الكشف عن هويته، يقول:”واجه تيار الحكمة منذ اليوم الأول لتسلمه منصب المحافظ، معارضة شرسة من قبل حزب (الماكنة) برئاسة محمد هادي الغزي، وكتلة (الخدمات) جناح شبل الزيدي”.
ويشير إلى انهما عقدا تحالفاً سياسياً مشتركاً داخل المجلس من أجل الحصول على منصب المحافظ وإعادة الغزي إلى المنصب مقابل إعطاء كتلة “دولة القانون” منصب رئاسة المجلس، وقد نجح هذا التحالف بالإطاحة برئيس المجلس السابق عبد الباقي العمري، لكنه فشل في الإطاحة بالمحافظ الحالي.
وعن طبيعة عمل وارتباط شبكة الابتزاز، يقول المصدر :”بدأ كل شيء باتفاق سري بين عدد من الأفراد المشتبه فيهم، وهم المتهمان الغزي والركابي، إلى جانب المتهمة (ح.ع) التي تورطت في هذه الشبكة المريبة”.

بدأت الحكاية عندما تم تعريف المتهمة (ح.ع) على المحافظ مرتضى الإبراهيمي عقب تسلمه المنصب، في تلك الاثناء يبدو ان خططاً كانت تدور في الخفاء للايقاع به، إذ جرت عملية تصوير ونشر مقطع فيديو يظهر الإبراهيمي في مكالمة مرئية مع فتاة، وكان يرتدي ملابس غير رسمية.
المقطع هذا وفقا لزعم المصدر المسؤول، مرر إلى محمد هادي، في منزل الركابي بقضاء الرفاعي، مقابل حصولها على وعد بسند قطعة سكنية بالإضافة إلى مبلغ مالي قدره 100 مليون دينار عراقي.
بعد ذلك، سارت الأمور بسرعة كبيرة، إذ “نفذت الشبكة عملية الابتزاز بعناية”على حد قول المصدر، وسرعان ما تسرب الفيديو إلى منصات السوشيال ميديا، مما دفع المحافظة للدخول في حالة من الغضب، وبدأت الأمور تأخذ منحى قانوني مع تعقب الجهات الأمنية للمتورطين.
ويشير إلى أن “المحافظ السابق هرب إلى بغداد وما يزال تحت حماية شبل الزيدي في مقره ببغداد، وهناك حاول التحكم بالأحداث الجارية في مجلس المحافظة وذلك من خلال حث الأعضاء على استجواب المحافظ لاسيما بعد فشل الوساطات السياسية التي قام بها مؤخراً مع تيار الحكمة في الضغط على المحافظ من أجل التنازل عن الدعوة المقامة ضده”.
طلب استجواب المحافظ وقع من قبل 8 أعضاء منهم 3 من دولة القانون وهم كل من علي الخصاف، رواسي الجابري، زينب الأسدي، وكذلك من قبل سلام الفياض، نغم الإبراهيمي، عن حزب “الماكنة” الذي يترأسه الغزي، فضلاً عن رئيس المجلس الحالي عزة الناشي، ونائب رئيس مجلس المحافظة مرتضى السعيدي التابع لكتلة اشراقة كانون، وأيضا العضو عمار الركابي.
أما من الناحية السياسية، يقول المصدر، إن “الدعم الذي تلقاه محافظ ذي قار من تيار الحكمة يعكس حرص الأخير على الحفاظ على موقعه في المحافظة، خصوصاً مع محاولات قوى الإطار التنسيقي إعادة ترتيب المشهد السياسي، في ظل صراع سياسي يتجاوز القضايا الادارية الآنية، ويرتبط بالتحضير للانتخابات المقبلة”.
وفيما يخص الحركة الاحتجاجية في المحافظة، فيقول المصدر أن هنالك صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في توجيه أغلب التظاهرات “لأغراض سياسية ومنافع مالية”، مؤكدا أن “تلك التحركات كانت مرتبطة برجال أعمال فقدوا نفوذهم في الأشهر الأخيرة، مما دفعهم إلى محاولة التأثير على الرأي العام وإبقاء المحافظة في حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي على أمل أن يأتي ذلك بتغييرات تصب في صالحهم.”
إلى ذلك يكشف مصدر قانوني في محكمة تحقيق الناصرية، طلب ايضاً عدم ايراد اسمه (المحامون يمتنعون عن ذكر أسمائهم بسبب تعليمات مشددة من نقابة المحامين، بعدم السماح بتصريح المحامي للإعلام بدون اذن منها)، عن مجريات التحقيقات في قضية شبكة الابتزاز، قائلاً :”سيصدر حكم قضائي ضد الركابي في الجلسة المقبلة للمحكمة التي لم يحدد موعدها بعد”، متوقعاً أن يعاقب بالحبس او السجن بين 3-7 سنوات وفق المادة 430 ابتزاز.
كما توقع أن يصدر حكم بالسجن ضد (ح.ع) المتهمة بالتلاعب بمقطع الفيديو ونشره على منصات التواصل الاجتماعي:”ما لم يتنازل المحافظ عن الدعوى المقامة ضدها”. أما بخصوص عضو المجلس والمحافظ السابق محمد الغزي، فيعتقد بأن قضيته ستستغرق وقتاً أطول لوجود أطراف داعمة له، ولحين إلقاء القبض عليه واستكمال الإجراءات القانونية.
“ثمن الابتزاز السياسي والصراعات المحتدمة، يدفعه المواطن” هذا ما يقوله، علي حسون (28 سنة) الذي يعمل سائق سيارة أجرة في مدينة الناصرية، إذ يرى أن الصراعات في المحافظة للسيطرة على المناصب والمشاريع، تنعكس سلباً على حياته اليومية :”تستمر خلافات السياسيين، فيما تتعطل المشاريع ويستمر الفساد والهدر في المال من دون محاسبة، نعاني من انقطاع الكهرباء، وقلة الخدمات، وارتفاع الأسعار، وندرة فرص العمل، بينما هم يتقاسمون المناصب والأموال”.
ويضيف وهو يضرب بيده على مقود سيارته: “بدلاً من أن يعملوا من أجلنا، يجعلوننا رهائن لصراعاتهم”.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة “نيريج” ضمن مشروع قريب المدعوم من cfi.
المزيد عن تحقيقات استقصائية
تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28170}" data-page="1" data-max-pages="1">