تقارير سردية: الاستخبارات السورية تتجسس على الصحفيين .. صحفيو شبكة “سراج” في دائرة المتابعة

الاستخبارات السورية تتجسس على الصحفيين .. صحفيو شبكة “سراج” في دائرة المتابعة

علي إبراهيم ومحمد بسيكي  (SIRAJ) وسلمى مهاود وشايا لوكلن  (OCCRP)

قبل أقل من شهرين من الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا، كانت الأمور تسير كالمعتاد في إدارة المخابرات العامة وأمن الدولة، بما في ذلك التجسس على الصحفيين الاستقصائيين السوريين.

على وجه التحديد، كانت وكالة الاستخبارات، تُحقق في شبكة الصحافة الاستقصائية السورية للمساءلة (SIRAJ)، وفقاً لوثائق تم العثور عليها في مقر إدارة المخابرات العامة بعد سيطرة الجماعات المتمردة على السلطة في 8 ديسمبر كانون الأول 2024.

شبكة SIRAJ هي مجموعة صحفيين ينشرون تقارير تكشف عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في ظل نظام بشار الأسد تعمل منذ العام 2019. وتظهر وثائق إدارة المخابرات العامة أن الوكالة ابتكرت “نظرية خبيثة” عنهم باتهامهم بالتجسس وليس العمل الصحفي.

جاء في إحدى الوثائق التي عثر عليها: “المنصة المذكورة (SIRAJ) لا تتعدى كونها واجهة لأنشطة تجسس، تجمع المعلومات وتتصل بالمصادر لجمع معلومات استخباراتية عن المؤسسات العسكرية والأمنية في سوريا على مختلف المستويات.”

هذا الادعاء غير الصحيح، يعكس نظرة نظام الأسد المتوجسة تجاه وسائل الإعلام المستقلة، وهي نظرة غالبًا ما كانت تتسم بالعنف.

خلال الحرب التي شنّها النظام على السوريين، خطفت قوات الأسد مئات الصحافيين، وذكرت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن 23 منهم كانوا لا يزالون في السجن يوم سقوط النظام. وأضافت المنظمة أن سبعة صحافيين آخرين كانوا “ضحايا اختفاء قسري؛ خُطفوا واقتيدوا إلى مواقع مجهولة”، ويضيف التقرير أن نظام الأسد وحلفاءه، قتلوا ما لا يقل عن 181 إعلامياً منذ عام 2011.

في العام 2011 اندلعت الاحتجاجات في سوريا كجزء من “الربيع العربي”، حينها خرج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح الديمقراطي في منطقة تهيمن عليها أنظمة استبدادية، كما في مصر وتونس، والنتيجة كانت هروب بن علي وتنحّي حسني مبارك، لكن في سوريا، شنّت قوات بشار الأسد حملة قمع دموية، تحولت إلى حرب أهلية أودت بحياة أكثر من 500,000 ألف شخص.

لكن عمليات القتل كانت جارية منذ فترة طويلة قبل أحداث ٢٠١١، وقد لا يُعرف أبداً العدد الحقيقي للناشطين والصحفيين وغيرهم ممن اعتبرهم النظام معارضين له.

يقول تيبو براتين، المدير العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، لمنظمة OCCRP: “على مدار أكثر من خمسة عقود، أصبحت دكتاتورية الأسد آلة لإخفاء جثث ضحاياها في مقابر جماعية”.

ظهرت المزيد من تفاصيل جرائم نظام الأسد للعلن بعد أن فر الأسد إلى موسكو في الليلة التي سبقت اجتياح قوات المعارضة للعاصمة دمشق. ومع غياب الأسد، هرب العديد من حلفائه ورجال الأمن في الأفرع الأمنية، وتركوا مكاتبهم ومقراتهم فارغة، من ضمنها “إدارة المخابرات العامة”.

سمح تحالف فصائل المعارضة الذي تقوده هيئة تحرير الشام للصحفيين والباحثين بفحص أكوام من الوثائق الحكومية، والتي توثق بعضها جرائم النظام.

قال فراس دلاتي، الصحفي السوري الذي زار مقر إدارة المخابرات العامة في 20 ديسمبر واكتشف الملف الخاص بـ(SIRAJ): “كان مسموحاً التقاط الصور، لكن كان محظورا إخراج الوثائق من المكتب”.

3 Image2

موافقة على التجسس

يُظهر الملف الذي اكتشفه دالاتي أن جهاز المخابرات العامة بدا وكأنه يفسر الممارسات الصحفية العادية التي يقوم بها صحفيو (SIRAJ) مثل إجراء المقابلات مع الأشخاص وفحص الوثائق على أنها أعمال استخباراتية سرية.

وجاء في مذكرة موجهة إلى المدير العام لجهاز المخابرات العامة، “إن المنصة المذكورة لا تتعدى كونها واجهة للممارسة أعمال تجسسية، وربط مصادر وجمع معلومات عن مؤسسات الدولة وتتم مشاركة هذه المعلومات مع شبكة من المنظمات الدولية الغربية المرتبطة بوكالات الاستخبارات الأمريكية والأوروبية”.

الادعاء غريب لأن (SIRAJ) تنشر نتائج تحقيقاتها على موقعها الإلكتروني الخاص ومع شركائها الإعلاميين، وبالتالي فإن المعلومات التي يحصل عليها الصحافيون متاحة للجميع.

تذكر المذكرة أسماء “المنظمات الدولية الكبرى التي تتعاون مع المنصة المشتبه فيها (SIRAJ) وتبادل المعلومات تحت ستار تبادل المعرفة”.

من بين هذه المنظمات المذكورة “الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية” (GIJN) وهي جمعية تضم منظمات غير ربحية، وحين عرضت الوثيقة على إميليا دياز- ستراك المديرة التنفيذية للشبكة، قالت: “الوثيقة تُشوّه عمل الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية وعمل الصحافيين الاستقصائيين.”

1

تُركز مذكرة جهاز المخابرات العامة على قصة نُشرت في سبتمبر من قبل (SIRAJ) و (OCCRP) تكشف عن ثغرات في نظام العقوبات، مما سمح للجيش السوري بالحصول على شاحنات سويدية الصنع.

وجاء في المذكرة: “بعد نشر هذه النتائج، طالب عدد من السياسيين والبرلمانيين السويديين مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل بمراجعة سياسته بشأن العقوبات المفروضة على سوريا.”

في 17 تشرين الأول / أكتوبر، وافق المدير العام لجهاز المخابرات العامة على عملية للتجسس على (SIRAJ)، وتظهر المذكرة التي تطلب هذه العملية كيف امتدت شبكة الاستخبارات التابعة للجهاز خارج سوريا.

وجاء في الطلب: “توجيه محطاتنا في الخارج لمتابعة الموضوع وتزويدنا بالمعلومات المتاحة، بما في ذلك الهويات التفصيلية للعملاء الذين يديرون المنصة المشتبه فيها تحت غطاء كونهم صحفيين.”

في ذلك الوقت، كان المدير العام للمخابرات العامة هو حسام لوقا، الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات، ويُعرف بلقب “العنكبوت”، موقعه الحالي غير معروف، ولم يرد على أسئلتنا التي أُرسلت له عبر تطبيق “واتساب”.

وافق لوقا على العملية، لكن من غير الواضح من الوثائق ما هي الموارد التي تم استخدامها أو الأنشطة المحددة التي تم تنفيذها، إذ سرعان ما انهار النظام بعد ذلك.

ومع ذلك، بعد وقت قصير من كتابة المذكرة، ظهر عميلان مسلحان من جهاز المخابرات العامة في مكان عمل والد أحد صحفيي (SIRAJ) في دمشق، والذي يعيش في الخارج، واستجوبوه لمدة ثلاث ساعات حول ابنه، وقاموا بتفتيش هاتفه. خوفاً من الاعتقال غادرت عائلة بسيكي منزلها لبضعة أيام بعد الاستجواب.

4 Image3
5 Image4

طريق طويل للعدالة

على الرغم من أن ذلك الاستجواب كان مرعباً، لكن العديد من السوريين عانوا من أمور أسوأ بكثير في ظل نظام الأسد.

اشتهرت أجهزة الأمن بممارسة التعذيب لانتزاع المعلومات من المعتقلين، وامتلأت السجون بأشخاص يُشتبه في أنهم يعملون ضد النظام، في حين اختفى آلاف آخرون ببساطة.

ومع رحيل الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، يطالب الضحايا وعائلاتهم بالمحاسبة، لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف ستبدو تلك المحاسبة؟

قال تيبو بروتين من منظمة “مراسلون بلا حدود”: “العدالة الدولية تقدم طرقاً مختلفة لمقاضاة بشار الأسد، على جرائم قتل الصحفيين خلال سنوات القمع التي أعقبت الانتفاضة الشعبية عام 2011. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يأمل أن يقوم النظام القضائي السوري بالمهمة في المستقبل القريب”.

2.5

مهما كان الطريق القانوني الذي سيتم اختياره، حذر برُوتين من أن العدالة لن تأتي في القريب العاجل، حيث يحتاج الباحثون إلى تحديد الضحايا وجمع الأدلة ضد المسؤولين، مضيفا أن “طريق طويل ينتظر كل من يريد محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الشنيعة”.

من جهتها دعت لجنة حماية الصحفيين الحكومة السورية الجديدة إلى السعي لتحقيق العدالة للعاملين في مجال الإعلام، الذين قُتلوا وسُجنوا خلال الحرب الأهلية، وقالت اللجنة في بيان: “تدعو لجنة حماية الصحفيين السلطات إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان سلامة جميع الصحفيين”.

على الرغم من أن نظام الأسد مسؤول عن مقتل ما لا يقل عن 181 صحفياً، وفقاً لـ (مراسلون بلا حدود)، فإن 102 آخرين قُتلوا على يد أطراف أخرى، يشمل ذلك ستة صحافيين قتلهم تنظيم “هيئة تحرير الشام”، الذي يقود الآن البلاد، ولم ترد “هيئة تحرير الشام” على طلب التعليق قبل النشر.

استعادة الثقة بالنظام القضائي تمثّل أولوية للحكومة الجديدة، وفقاً لما قاله متحدث باسمها لقناة “الجزيرة”، وأضاف: “يشمل ذلك إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة أعضاء نظام الأسد وداعميه، الذين ارتكبوا جرائم ضد السوريين.”

ساهم في إعداد التقرير: ديفيد كينر من “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” (ICIJ) والصحافي السوري فراس دالاتي.

المزيد عن تقارير سردية

تقارير سردية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":28098}" data-page="1" data-max-pages="1">