انتشار “المخدرات” في إقليم كردستان… خطر الإدمان وعجز الإجراءات الرسميّة
تعززت تجارة المخدرات إثر الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم منذ سنوات، ونشأ عنها اتساع رقعة البطالة ومعها الفقر، وبالتالي أرضية خصبة لتجار المخدرات الذين استغلوا إحاطة الإقليم بثلاثة حدود دولية (إيران شرقاً، سوريا غرباً، تركيا شمالاً)، تُستخدم كمسارات عبور مختلفة للمخدرات التي تنتشر يوماً بعد آخر في دهوك والبلدات التابعة لها وفقاً لمصادر عدة قدمت شهاداتها في هذا التحقيق.
لم يكمل (أ.س)، 19 سنة، الدراسة المتوسطة، فقد جذبه الشارع في عمر مبكرة إلى حياة المخدرات بمساعدة أصدقاء تعرّف إليهم في غفلة من والديه، اللذين حاولا من دون جدوى إعادته إلى مقاعد الدراسة.
يروي هذا الجزء من حياته وهو يحرك ذراعيه المليئتين بالأوشام، ثم يتابع وعلامات التأثر بادية على وجهه الفتي: “أصدقاء الشارع أوقعوني في ذلك المأزق”، يصمت لبرهة ثم يتابع: “أعني المخدرات، لقد استغلوا فضولي وطيشي وشجعوني عليها”.
جرب الشاب الأسمر طويل القامة، الذي يقيم في محافظة دهوك بأقليم كردستان، أنواعاً من المخدرات، يعددها: “الكريستال والمعجون والمريوانا، تعاطيتها لمدة ثلاث سنوات من دون أن يعلم أحد بذلك سوى أصدقائي الذين كانوا يتعاطون معي”.
في البداية، كان يشتري من أصدقائه الغرام الواحد، كما يقول، بمبلغ يصل إلى ثلاثين ألف دينار عراقي، وخلال فترة وجيزة، بدأ بتعاطي “غرام ونصف الغرام”. ويضيف بنبرة حزن: “لم يستغرق الأمر طويلاً حتى أصبحت مدمناً”.
وعن كيفية حصوله على النقود لشراء المخدرات، لا سيما أنه كان عاطلاً عن العمل، يقول:”عائلتي كانت تعطيني، وأحياناً كنت أسرق المخدرات من أصدقائي”.
وجد (أ.س) طريقة أخرى لتأمين المال، وذلك من خلال تشجيع أصدقاء آخرين على تعاطي المخدرات، فيشتريها ويبيعها لهم بسعر أعلى ليؤمن بالفرق المتحقق مبلغاً يومياً يشتري به المخدرات لنفسه. وهنا يستدرك: “في بعض الأحيان، كان الموزعون يخدعونني، ويعطوني مواد مغشوشة، عبارة عن سكر مع كمية قليلة من المخدارت، وبسبب ذلك دخلت في مشاجرات كثيرة معهم”.
بعد ثلاث سنوات من الإدمان، بدأت صحته بالتدهور، يعبر عن ذلك بشيء من الأسى: “فقدت عدداً من أسناني، وأصبحت أتصرف مثل المجانين. كنتُ عصبياً طوال الوقت، وقليل النوم، وكان أفراد أسرتي يعانون بسبب وضعي هذا، واحتاجوا الى بعض الوقت ليفهموا ما يجري”.
يشعر الشاب (أ.س) بالندم، مع ذلك يعتريه شعور بالرضى لأنه حصل على فرصة أخرى في حياة طبيعية، حدث ذلك إثر اعتقاله وزجّه في الحبس لخمسة أشهر عام 2023: “تعلمت الدرس هناك، وحصلت على العلاج والمساعدة من أطباء ومتخصصين، وساعدتني عائلتي التي وقفت إلى جانبي طوال الوقت” .
(أ ، س) كان محظوظاً لأنه نجا من الإدمان بتلقّيه المساعدة، في حين هنالك كثيرون غيره في محافظة دهوك (ثالث محافظات إقليم كردستان التي يبلغ عدد سكانها مليوناً و 800 ألف شخص) ممن يواجهون تداعيات الإدمان والتعاطي الصحية أو يمضون فترة أحكام صدرت بحقهم لتجارتهم بالمخدرات أو الترويج لها أو توزيعها، فيما البعض الآخر فقد حياته بسببها.
تعززت تجارة المخدرات إثر الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الإقليم منذ سنوات، ونشأ عنها اتساع رقعة البطالة ومعها الفقر، وبالتالي أرضية خصبة لتجار المخدرات الذين استغلوا إحاطة الإقليم بثلاثة حدود دولية (إيران شرقاً، سوريا غرباً، تركيا شمالاً)، تُستخدم كمسارات عبور مختلفة للمخدرات التي تنتشر يوماً بعد آخر في دهوك والبلدات التابعة لها وفقاً لمصادر عدة قدمت شهاداتها في هذا التحقيق.
انتشار المخدرات
وفقاً لإحصاءات الأجهزة الأمنية في محافظات إقليم كردستان(أربيل والسليمانية ودهوك) بشأن المخدرات خلال الفترة من 2019 ولغاية 2023، والتي قدمت إلى الأمم المتحدة، فإن كميات المضبوطات من المخدرات (الحشيش، والأفيون، والهيروين، والكريستال، والكبتاغون) في تزايد مضطرد هناك.
إذ بلغت في سنة 2023 لوحدها طنين و708 كيلوغرامات من المخدرات في حين كانت الكمية المضبوطة سنة 2019 فقط 206 كيلوغرامات.
يؤكد المتحدث الرسمي باسم مؤسسة أسايش الإقليم (أمن الأقليم)، العقيد سلام عبد الخالق، أن الأشهر السبعة الأولى من 2024 شهدت تزايداً في معدلات الإتجار بالمخدرات في الإقليم مقارنة بسنة 2023، فقد تم ضبط نحو طنين من المخدرات.
أما في أروقة محاكم إقليم كردستان، فقد رصد معد التحقيق ارتفاعاً قياسياً في أعداد دعاوى الجنح والجنايات المنظورة منذ 2013، والتي دارت حيثياتها عن المخدرات، ففي شعبة التخطيط والإحصاء في محكمة استئناف منطقة دهوك، يرصد ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الدعاوى بشأن تعاطي المخدرات والإتجار بها.
إذ إن في سنة 2013، أقيمت 22 دعوى فقط في محافظة دهوك، ثمانية منها إتجار بالمخدرات و14 دعوى تعاطي، في حين سجلت المحكمة ذاتها خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2024 نظر 426 دعوى، 152 منها إتجار بالمخدرات و 274 دعوى تعاطي.
الأستاذ الجامعي د. محمد إحسان، وهو وزير سابق لحقوق الإنسان في إقليم كردستان (1999)، يصف الوضع الراهن في إقليم كردستان في ما يخص المخدرات بأنه”الأسوأ في تأريخ الكرد”، مشيراً إلى أن الأمر لم يعد يتعلق بتجار من العامة ومدمنين على المخدرات من الفقراء، بل باتوا “أفراداً يتمتعون بالقوة والنفوذ”.
وذكر أنه خلال فترة توليه منصب الوزير أي قبل نحو 25 سنة، كانت حالات التعاطي والإتجار بالمخدرات لا تتجاوز 52 حالة في عموم الأقليم، وأن العدد ذاك كان قليلاً قياساً بالمعدلات الكبيرة المسجّلة في الوقت الراهن، على حد قوله.
ولمواجهة “الظاهرة المتفاقمة”، دعا إلى تعزيز النظام القضائي ودعم الأجهزة الأمنية في الإقليم، فضلاً عن تعزيز دور الأسرة في مراقبة الأطفال، بالتعاون مع المؤسسة التعليمية وممارسة الإعلام دوره الفعال.
وحذر د. إحسان، من “فرض العقوبات على المتعاطين واستثناء تجار المخدرات لأسباب عشائرية أو شخصية، ما يعني إفلاتهم من القانون”، من دون أن يفصح بالمزيد عما يعنيه بذلك، وإن كانت هنالك جهات نافذة في الإقليم تمنح تجار المخدرات الحماية.
مدير مركز البحوث القانونية والسياسية في كلية القانون بجامعة دهوك، الأستاذ المساعد د. رينجبر جميل شيخو، ذكر أن فريقاً تابعاً للمركز نظم خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، استبياناً موسعاً عنوانه “ظاهرة المخدرات: الدوافع، المخاطر، وسبل المواجهة”، شمل 172 نزيلاً مداناً بخلفية قضايا تتعلق بتعاطي المخدرات.
وكشفت نتائج الاستبيان حسب قوله، عن أن 91 في المئة من النزلاء كانوا ذكوراً، و51.5 في المئة منهم تتراوح أعمارهم بين 19 و25 سنة، وأن 54 في المئة غير متزوجين، في حين أن 35 في المئة متزوجون. أما بالنسبة الى نوعية المخدرات التي تعاطوها قبل توقيفهم وإدانتهم، فقد احتل الهيروين المرتبة الأولى، تلاه الكريستال ثانياً.
ويشير شيخو إلى أن المستطلعين في غالبيتهم كانوا من الفئات ذات المستوى التعليمي المنخفض، وأن 63 في المئة منهم يقطنون في الأقضية و27.1 في المئة بمدينة دهوك مركز محافظة دهوك. ويؤكد:” الغالبية العظمى يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، إذ لا يتجاوز دخل معظمهم الـ 300 ألف دينار عراقي شهرياً”.
وفي ما يتعلق بدوافع العينات المستهدفة في الاستبيان وأسباب تعاطيهم المخدرات، يفيد مدير مركز البحوث، بأن “تأثير الأصدقاء كان الدافع الأبرز بنسبة 49.4 في المئة، يليه عامل البطالة بنسبة 28 في المئة”. ويشير إلى أن الاستبيان أظهر كذلك أن 42.4 في المئة من المشاركين فيه تعرضوا لمشاكل نفسية نتيجة التعاطي، إلى جانب مشاكل مادية واجتماعية مختلفة.
من الإدمان إلى الانتحار
“سكب النفط الأبيض على نفسه ثم أضرم النار ليفارق الحياة بعدها بلحظات”، هكذا يصف جميل (43 سنة، اسم مستعار بطلب منه)، من مدينة دهوك، اللحظات الأخيرة في حياة ابنه الوحيد(17 سنة) الذي أدمن المخدرات(طلب أيضاً عدم ذكر اسم ابنه).
يقول بمرارة: “حدث ذلك بداية 2024 ولم أكن هناك في المنزل لأمنعه”، ويروي كيف أن ابنه كان تلميذاً مجداً ومتفوقاً في سنواته الابتدائية الأولى، لكن كل شيء تغير عندما “وقع الطلاق بيني وبين والدته، وتولت والدتي التي هي جدته تربيته، وكان في حينها بالصف الخامس الابتدائي، كانت تحبه، وتغدق عليه بالمال من دون أن تدرك أنها ومن دون قصد منها، تدفعه نحو الهاوية، وليصبح شاباً مدللاً بلا عمل”.
ويلفت إلى أن مشاكل إبنه مع تعاطي المخدرات بدأت عندما “رافق أصدقاء السوء في سن مبكرة، كانوا يستغلونه لأنه يملك المال الذي تمنحه له جدته، أغرقوه بالكحول والمخدرات حتى أصبح عبداً للإدمان”.
وذكر أنه كان يتعاطى وبنحو يومي أقراصاً مخدرة من نوع الكريستال، ويعود إلى المنزل وهو ليس في وعيه، “كان عنيفاً على الدوام، يحطم الأشياء في المنزل، وأنا لم أعِ خطورة الوضع إلا بعد فوات الأوان”.
ويتابع بحرقة: “عندما أخبرني أحد رفاقه بأنه يتعاطى المخدرات، لم أتردد في اتخاذ الخطوة الصعبة، فسلمته للشرطة وطلبت عدم الإفراج عنه إلى أن يتعافى، فعلت ذلك وهو بعمر ما بين 15 و 16 سنة”، ثم أرسلته إلى مركز صحي نفسي متخصص للأطفال، وهناك أعلمني المعالجون أنه كان قد بدأ التعاطي في سن مبكرة جداً”.
على الرغم من الجهود التي بذلها الأب، إلا أنه لم يتمكن من إبعاد ابنه عن أصدقائه المدمنين، وتم حبسه لنحو 29 يوماً قبل أسابيع من إقدامه على الانتحار:”بعد خروجه حاولت تجنيبه المخدرات وتوفير فرصة عمل مناسبة له”.
ويتذكر: “كان يحب فتاة، طلب مني مساعدته ليخطبها، أردت استغلال الأمر لمساعدته، واشترطت لموافقتي أن يترك المخدرات أولاً، لكنه لم يستطع القيام بذلك”.
يأخذ الأب نفساً عميقاً ويقول: “فات الأوان على أية حال، أنا أعيش الآن مع شعور ثقيل بالذنب والخيبة لأنني لم أتمكن من إنقاذه، لكنني أوصي الجميع بأن يعتنوا بتربية أطفالهم، وألا يسمحوا لهم بترك مدارسهم أو يختلطوا برفاق السوء، حتى لا يتكرر ما حدث مع ابني”.
المتخصص بالأمراض النفسية ومنسق الصحة النفسية في مديرية صحة دهوك، الدكتور نوزاد سامي أحمد، يقول: “نسجل فقط المدمنين على المخدرات الذين تتم مشاهدتهم في الاستشارية ويتلقون العلاج في مستشفى آزادي، بينما لا يشمل التسجيل مراجعات العيادات الأهلية في الإحصاءات الرسمية”.
ويؤكد بدوره أن الإحصاءات المسجلة تشير الى حالة تصاعدية في ظاهرة المخدرات بالإقليم: “فقبل ست سنوات، كنا نستقبل مدمناً واحداً تقريباً في الأسبوع، بينما الآن نلاحظ استقبال ما لا يقل عن اثنين إلى ثلاثة مدمنين يومياً في الاستشارية. علماً أن جميع الحالات لا تسجل في مستشفى آزادي، بخاصة المتعلّقة بالنساء، إذ يتلقين العلاج في المنازل بدلاً من الإقامة في المستشفى”.
وينبه د. نوزاد إلى أن المواد المخدرة المنتشرة وبنحو متزايد في الأقليم حالياً، “الهيروين والكريستال”، وأن الفئات العمرية الأكثر تردداً على الاستشاريات تتراوح بين “16 و25 سنة، مع تسجيل بعض الحالات النادرة التي تبلغ الأعمار فيها 14سنة”.
واستناداً إلى تجربته الشخصية مع المدمنين واطلاعه على أوضاعهم، يقول دكتور نوزاد: “بظهور شبكات توزيع المخدرات، أصبحت الأحياء والأزقة المهجورة في دهوك، ولا سيما في الليل، أماكن رئيسية للتوزيع، مع ملاحظة استغلال محدود للمدارس”.
ويرى أن البطالة والمشاكل الاجتماعية والنفسية، مثل الاكتئاب الشديد، تدفع البعض إلى تعاطي المخدرات “بحجة الهروب من معاناتهم”، وأن المدمنين معرضون للإصابة بالأمراض النفسية بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بغير المدمنين.
ويحذر من أن “بعضاً من أنواع المخدرات تسبب الهلوسة والأفكار السلبية، ما يؤدي إلى مشاكل في العلاقات الشخصية، مثل توهمات بالخيانة الزوجية”.
وفي ما يتعلق بمراحل علاج المدمن على المخدرات، يبيّن دكتور نوزاد، أنها تستغرق بين سنة إلى سنتين: “تبدأ المرحلة الأولى بإزالة المواد المخدرة من الجسم، وهي عملية تستغرق عادةً من 7 إلى 10 أيام في المستشفى، وتُستخدم خلالها أدوية بديلة، والمرحلة الثانية تركز على العلاج النفسي، وتمتد بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، ثم المرحلة الثالثة بإعادة تأهيل المدمن لتمكينه من الاندماج في المجتمع، والتي قد تستمر من أشهر عدة إلى سنة”.
ويؤشر منسق الصحة النفسية في مديرية صحة دهوك الى مصاعب عدة تعترض مواجهة انتشار المخدرات، منها الافتقار إلى مركز متخصص لمعالجة المدمنين في دهوك: “هنالك مركز حكومي في شقلاوة بأربيل. ولدينا قرار لافتتاح مركز مماثل في دهوك، لكنه لم يُفتَتح بعد. وفي الوقت الراهن، يتم إرسال الأطباء النفسيين إلى السجون والمصحات لتقديم العلاج والدعم النفسي للنزلاء المدمنين”.
وينبّه أيضاً إلى أن “القوانين المحلية تُصنّف المتعاطين كمتهمين، بينما يُنظر إليهم في المجال الطبي كمرضى. هذا التصنيف يثير مخاوف لدى المدمنين من مراجعة الأطباء، خشية ارتباط العيادات بأجهزة الأمن، ما يعرقل تقديم العلاج، كما تُعقّد وصمة العار الاجتماعية المشكلة، إذ يخشى المدمنون الكشف عن حالتهم بسبب النظرة السلبية للمجتمع إليهم. إضافة إلى ذلك، يُعاني النظام الصحي من نقص في المراكز المتخصصة والكوادر المؤهلة، ما يحد من قدرته على استيعاب المرضى”.
مدير قسم الرقابة والسلامة الغذائية في مديرية شؤون الوقاية الصحية في دهوك، المهندس دلشاد عز الدين موسى، ذكر أن فرقاً متخصصة من دائرته تقوم بزيارات منتظمة ومفاجئة للمقاهي المنتشرة في محافظة دهوك والبالغ عددها 244 مقهى، لا سيما بعد بلاغات تعلقت بتقديم المخدرات في عدد منها مع (النركيلة).
وقال: “نأخذ عينات لإجراء الفحوصات البكتيرية”، ويستدرك: “تم تسجيل فقط حالة واحدة تتعلق بالكحول، إذ تم الكشف عن وجوده في نرجيلة أحد المقاهي بناءً على شكوى وصلت إلينا، لكن لم نسجل أي حالة تتعلق بالمخدرات لغاية الآن”.ويقر بعدم امتلاك دائرته الإمكانات اللازمة لفحص المخدرات من أجهزة ومعدات.
المخدرات وصلت المساجد
استفحال ظاهرة المخدرات في محافظة دهوك، دفعت المؤسسة الدينية الى التدخل، وأصبحت منابر المساجد مشاركة في مكافحتها، إذ يقول إمام وخطيب مسجد في البلدة القديمة اسمه بهجت رمضان صالح، إنه شارك في دورات عدة عن كيفية مواجهة ما يصفه بالآفة، أي المخدرات، وأنه يخصص جزءاً كبيراً من خطب الجمعة لتحذير المجتمع من مخاطرها الجسيمة.
ويعزو تفشي المخدرات إلى عوامل عدة: “هناك تقصير على جميع المستويات في المجتمع، من أعلى الهرم إلى قاعدته، سواء على صعيد العائلة أو المدرسة أو خطباء المساجد في إيصال الرسالة التوعوية الصحيحة وتعزيز الرقابة والمتابعة الجيدة”.
ويروي كيف أنه شاهد بنفسه ذات يوم وهو في طريقه إلى المسجد من أجل صلاة الفجر، مجموعة من الشبان يتعاطون المخدرات قرب سور المسجد: “كان المنظر مؤلماً للغاية، فأبلغت على الفور الجهات الأمنية. وللأسف، لم تكن هذه الحالة الوحيدة”.
اجتاح هذا الموضوع منصات التواصل الاجتماعي، التي تناولت حالات عدة مشابهة، منها قيام شباب بتعاطي المخدرات في دورة مياه أحد المساجد بمدينة زاخو شمال محافظة دهوك، وفقاً لما نشرته المنصة الإعلامية الرقمية Xani Agency، وقد أثار هذا الأمر قلقاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية والدينية، كما أفاد بذلك مواطنون قابلهم معد التحقيق.
أزمة اقتصادية
الأستاذ المساعد في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة زاخو د. هاشم زيباري، يقول إن ما يصفها بأزمة المخدرات في إقليم كردستان: “تصاعدت منذ عام 2014 نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية وأحداث الإرهاب التي اجتاحت المنطقة”، وإن الضغوط النفسية والاجتماعية المرتبطة بالبطالة تزيد من احتمالية تعاطي المخدرات بين الشباب. ويضيف: “الفقر الناتج من البطالة وانعدام الفرص الاقتصادية ساهم بشكل كبير في انتشار المخدرات، ما يجعل التعاطي نتيجة لهذه الظروف”.
ويربط زيباري أزمة البطالة بعدم “وجود رؤية أو خطة من حكومة الإقليم للتعامل مع هذه المعضلة”. ويعدد مشاكل اقتصادية كثيرة، من بينها “عدم توافق فرص العمل مع التخصصات، والمنافسة مع العمالة الأجنبية، والسياسات الحكومية غير الفعالة، وانخفاض الإنفاق على المشاريع، وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين الجدد”.
ويعرب الأستاذ الجامعي عن قلقه من تأثير إنفاق المتعاطين على الاقتصاد المحلي، إذ يتم توجيه الأموال نحو شراء المخدرات بدلاً من دعم أسرهم، “ما يؤدي إلى تهريب الأموال، لا سيما أن شبكات تهريب المخدرات الى الشباب تنشط في الدول المجاورة، كما أن الإنفاق هذا يؤدي إلى زياد الفقر. والمدمنون عادة ما يلجأون إلى سرقة عائلاتهم أو بيع ممتلكاتهم أو تتراكم عليهم الديون”.
ويدعو إلى التنسيق بين الحكومة والمجتمع والأفراد لمكافحة المخدرات، وإلى تنفيذ استراتيجيات اقتصادية مستدامة تدعم النمو في مختلف القطاعات، وتفتح آفاقًا جديدة للفرص الوظيفية، وتعزز القطاع الخاص وتمول المشاريع الصغيرة.
كما يدعو إلى توجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية نحو محافظة دهوك، مؤكداً أن “مكافحة الفساد والمحسوبية تلعب دوراً حاسماً في تقليل معدلات البطالة والفقر، ما يساهم في الحد من انتشار المخدرات بين الشباب”.
وفقاً لهيئة الإحصاء في حكومة إقليم كردستان، تُعد دهوك أفقر محافظة في الإقليم منذ عام 2007. وقد أظهرت بيانات استبيان مركز رووداو للدراسات أن نسبة البطالة في المحافظة بلغت 21.8 في المئة.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن مركز تنمية نشاطات الشباب – مكتب دهوك، خلال شهر آب/ أغسطس 2024، عن نتائج استبيان شمل 700 مشارك تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، كشف عن أن نسبة البطالة في دهوك وزاخو تصل إلى 60 في المئة”.
نوبة قلبية مفاجئة أودت بحياة والد الشاب أحمد ظاهر (21 سنة، اسم مستعار) أواخر العام 2021، ما عرضه لصدمة نفسية دخل إثرها نطاق إدمان المخدرات. يقول بأسى: “والدي مثّل كل شيء بالنسبة إلي”.
فقدانه والده أدخله في نوبة حزن عميقة فأخذ يمضي ساعات طويلة بجوار قبره، وفي ما يبدو سيناريو مكروراً للغالبية الساحقة من مدمني المخدرات، وجد الشاب أحمد، المحبوس حالياً في سجن دهوك، رفاقاً وفروا له المخدرات:” في البداية، ترددت، لكن تحت ضغط الألم النفسي استسلمت وجربت الحبة الأولى. في اليوم التالي، طلبت حبة ثانية، فجلبها إلي الشباب مجاناً، وأظنهم كانوا يعرفون كيف ينصبون الشباك حولي لإسقاطي”.
في المرة الثالثة، طلبوا منه مبلغ 45 ألف دينار، ومع مرور الوقت تم القبض على أعضاء الشبكة التي شكل أصدقاؤه جزءاً منها، وخلال التحقيقات، أخبروا المحققين بأن أحمد كان يتعاطى المخدرات، ما أدى إلى توقيفه للمرة الأولى في 2022، وفُرضت عليه غرامة مالية مقدارها 5 ملايين دينار، وفي المرة الثانية عام 2024، تم الحكم عليه بالحبس لسنة واحدة، وهو يقضي مدتها الآن.
تأثيرات اجتماعيّة ونفسيّة
مسؤول شعبة المحكومين في إصلاحية النساء والأحداث بمحافظة دهوك، الباحث الاجتماعي ماجد حسين طه، يعتقد أن الأسباب الاجتماعية لظاهرة المخدرات تتعلق بالوضع الذي تمر به العائلة، ويبين: “عندما يفقد فرد من العائلة عنصر السعادة ولا يجده مع والديه أو إخوته ويشعر بالإهمال، فإنه يلجأ إلى بدائل خارجية. قد تكون في تمضية الوقت مع الأصدقاء في المقاهي أو الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، والبعض يلجأ إلى استخدام المخدرات، معتقدين أنها ستعوضهم عن السعادة التي فقدوها، والبعض يلجأ إليها حباً للتقليد لا غير”.
وبناءً على تجربة ماجد وزياراته عدداً من العائلات التي تعرّض أحد أفرادها لمشكلة الإدمان، يتضح أن البيئة التي يعيش فيها المدمنون تساهم بنحو كبير في تفشي المخدرات. ويقول: “المناطق التي تقطنها تلك العائلات غالباً ما تكون نائية ويشيع فيها الفقر والبطالة بين الشباب، وهما أمران يعززان مشكلة تعاطي المخدرات”.
وبحسب معلومات الباحث الاجتماعي، فإن المخدرات تقدَّم للمتعاطين في بداية إدمانهم مجاناً لتعويدهم عليها وضمان عودتهم لشرائها مجدداً: “فيجد المدمنون الفقراء أنفسهم في موقف صعب لأنهم لا يمتلكون المال لشراء المخدرات، فيضطرون للسرقة لتوفيره وتلبية احتياجاتهم”.
ويذكر أن عصابات المخدرات تعلِّم الأحداث التعاطي وتعدّهم ليصبحوا تجاراً في المستقبل: “يختارون أفراداً معينين بشخصيات قوية وتجهزهم ليصبحوا تجاراً، فكثيرون ممن ارتبطوا بالمخدرات بطريقة أو بأخرى في صغرهم أصبحوا تجاراً عندما نضجوا”.
ويحذر: “المخدرات وصلت أيضاً إلى المدارس، خصوصاً في المرحلتين المتوسطة والإعدادية”. وينقل عن مصادر غير رسمية أن هذه المشكلة “تشمل كذلك مدارس للفتيات”. لذا فهو يرى أن من الضروري إدراج مواد توعوية بشأن خطورة المخدرات في المناهج الدراسية.
وينبه العائلات التي تضم فرداً يتعاطى المخدرات، الى أن إخفاء الأمر لتجنب الوصمة المجتمعية “ليس حلا”، ويدعوها إلى ضرورة الاعتراف بالوضع” على الرغم من غياب مراكز علاج معروفة”.
ويرى أن السجن كذلك لا يعد حلاً: “معاقبة المتعاطين وإرسالهم إلى السجون الإصلاحية ليسا أمراً مجدياً. فالسجون تفتقر إلى برامج علاجية، والاختلاط يؤثر على زملائهم، كما أن زيارة الأطباء النفسيين غير المتخصصين لا تكفي، ويجب الاعتماد على برامج علاجية معتمدة وفق بروتوكولات دولية”.
المعالج النفسي في مديرية الإصلاح والأحداث والنساء في دهوك، بندوار رشيد محمد، يوضح التحديات التي تواجه المدمنين على المخدرات، وأنهم سواء كانوا أحداثاً أو نساءً، “يأتون من بيئات مليئة بالمخدرات ويواجهون صعوبة في التكيف مع بيئة جديدة”.
وذكر أن الوضع قد تدهور، “إذ كان في السابق يزورهم طبيب نفسي كل 15 يوماً، ثم قلّت الزيارات تدريجياً”. في الوقت الحالي، ينظم المعالجون النفسيون جلسات للمعالجة النفسية، إلا أن بندوار، يعتقد أن هذا غير كافٍ لتهدئة حالات الإدمان ومعالجتها: “يجب أولاً أن يتم الكشف على الحالات من طبيب مرة أو مرتين في الأسبوع على الأقل لبيان درجة إدمانهم، وفي ضوء ذلك يتم التعامل معهم”.
ويبين: “تزداد الضغوطات النفسية على النزلاء، ما يجعلهم عصبيين ويصرخون ويحدثون ضوضاء، وهذا يشكل إزعاجاً لبقية النزلاء وطاقم الموظفين، كما أن هنالك حالات إدمان شديدة يخشى فيها أن يؤذي المدمن نفسه أو الآخرين، مثل محاولات الانتحار أو الاعتداء، وفي هذه الحالات يتم إحالته مباشرة إلى المستشفى النفسي لتلقّي العلاج اللازم”.
ودعا إلى إنشاء مركز نفسي متخصص لمعالجة المدمنين، وتوفير الأدوية اللازمة لهم والكوادر المتخصصة: “جلسات التوعية والمحاضرات فقط لا تكفي، إذ لا بد من مقابلة الزيادة الحاصلة في أعداد المتعاطين بزيادة في أعداد الأطباء النفسيين المتخصصين في مجال المخدرات”.
ويؤشر الى تحدٍّ آخر يتمثل بعدم وجود تصنيف للنزلاء المدمنين بحسب درجة إدمانهم ومستوى خطورتهم، وافتقار الإصلاحيات إلى مساحة واسعة وقاعات متعددة لاستيعاب العدد الكبير من النزلاء، ويؤكد :”القسم المخصص للأحداث يستوعب فقط 150 نزيلاً من الموقوفين والمحكومين”.
وعن ذلك يقول: “هذا التضخم يؤدي إلى آثار سلبية، ومن الناحية القانونية يجب ألا يتجاوز عدد النزلاء في القاعة الواحدة السبعة أشخاص”، داعياً الحكومة إلى دعم بناء مركز متخصص لمعالجة المدمنين على المخدرات:” كمرضى وليس كسجناء معاقبين”.
القوانين والمخدرات؟
المحامي المستشار فرست عزت عبد الله، من محكمة استئناف دهوك، يقول إن قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (1) لسنة 2020، المعمول به في إقليم كردستان العراق، يصنف أطراف جريمة المخدرات إلى “متعاطين وتجار”.
ويلفت الى أن المتعاطين يُحاكمون وفقاً للمادة (30) التي تقضي بالحبس لمدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن 5 ملايين دينار ولا تزيد عن 10 ملايين دينار، مع مراعاة السلطة التقديرية للقاضي بناءً على ظروف المتهم وسنّه وسجلّه الجنائي.
وفي ما يتعلق بحيازة المخدرات، يشير المحامي إلى أنه إذا ثبت للمحكمة أن الغرض من الحيازة هو الاستخدام الشخصي، فإن المحكمة تتعامل مع المتهم على أنه متعاطٍ، وتفرض عليه العقوبة نفسها.
أما بالنسبة الى عقوبة المتاجرة، فيقول إنها تخضع لأحكام المادة(26/أولاً)من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، التي تنص على السجن المؤبد أو المؤقت، بالإضافة إلى غرامة لا تقل عن 30 مليون دينار ولا تزيد عن تسعين مليون دينار.
ويضيف مستدركاً: “مع ذلك، غالباً ما يصدر القاضي حكماً ضد التاجر بالحبس لمدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، بناءً على كمية المخدرات المضبوطة، وسجلّه الجنائي، وظروفه الشخصية”.
ويعبر المحامي عن قلقه حيال تزايد الدعاوى المتعلقة بالمخدرات والتي يطلع عليها بحكم عمله اليومي، ويرى أن المنافذ الحدودية “بحاجة إلى أجهزة متطورة ورقابة صارمة للكشف عن المخدرات وضبطها من السلطات المختصة، وضرورة توفير أجهزة مختبرية متطورة لتسهيل عملية الكشف عن المواد المخدرة”.
ويربط تفاقم ظاهرة المخدرات بارتفاع معدلات الجرائم الجنائية مثل السرقة والاعتداء، فضلاً عن ارتفاع معدلات الطلاق وحوادث المرور، داعياً الى فرض أشد العقوبات على تجار المخدرات للتقليل من كل ذلك.
مدينة زاخو تحت وطأة المخدرات
تقع مدينة زاخو شمال محافظة دهوك على الحدود مع تركيا، وهي ثاني أكبر بلدات المحافظة، يسكنها 348 ألف نسمة، وتبعد 10 كيلومترات فقط عن مخفر إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا، و25 كيلومتراً عن الحدود العراقية – السورية. تنشط في هذه المدينة بسبب موقعها الجغرافي عمليات الإتجار بالمخدرات، وسُجل فيها ارتفاع في معدلات التعاطي، لا سيما بين الشباب خلال السنوات الأخيرة المنصرمة.
الناشط المدني أحمد نوري، يخصص جزءاً من وقته اليومي لتوعية الأفراد في مدينة زاخو بشأن مخاطر تعاطي المخدرات. ويعبر عن قلقه البالغ من الوضع القائم هناك، قائلاً: “موقع زاخو يلعب دوراً حاسماً في دخول المخدرات إليها، إذ تُعد معبراً يربط بين سوريا وتركيا”.
ويذكر أن المتعاطين في المدينة يستخدمون أماكن معينة كمخابئ، مثل: “ضفاف نهر الخابور والمزارع المحيطة به، بالإضافة إلى استغلال الهياكل غير المكتملة للأبنية والأماكن غير المأهولة”، لافتاً الى أنه حصل على معلومات خلال زيارته لدائرة شرطة زاخو، تفيد بالعثور على خمس جثث لمتعاطي مخدرات على ضفاف النهر وداخل أبنية مهجورة خلال شهر واحد فقط.
يعتقد نوري أن الأمر أصبح بالغ الخطورة في زاخو في ما يتعلق بالمخدرات: “لقد تجاوز الخطر الخطوط الحمر بخاصة في بعض الأحياء والأزقة”. ويستدرك مضيفاً: “إذا كان هناك شخصان تعاطيا المخدرات في الماضي، فهناك مخاوف جدية من أن يمتد تأثير ذلك إلى الحي بأسره”.
ناهدة أحمد (أسم مستعار 28 سنة) كانت ربة بيت وأم لثلاثة أطفال تعيش معهم في مدينة زاخو، قبل أن يتم توقيفها منتصف سنة 2023 ويصدر حكم ضدها بداية سنة 2024 بالحبس لسنة واحدة بتهمة تعاطي المخدرات. بدأت تجربتها مع الأدمان منذ 2015، واستمرت في التعاطي لنحو ثماني سنوات كاملة على حد قولها.
تقول بصوت خافت: “كنت أتعاطى أحياناً أكثر من مرة واحدة في اليوم، 5 إلى 6 غرامات في كل مرة، وكان سعر الغرام الواحد يصل إلى 15 ألف دينار عراقي، وقد استنفدت جميع مدخراتي، واعتمدت لفترة على أموال شقيقتي وزوجها لشراء المخدرات”.
هي تدرك جيداً ما الذي أفضى بها إلى عالم المخدرات، إذ تقول إن مشاكل كبيرة عاشتها داخل عائلتها، ومن ثم ابتعادها عن والدها وإهمال عائلتها لها: “كان هذا سببا رئيسياً أسقطني في دوامة الإدمان، إذ وجدت نفسي مجبرة على العيش مع زوج مدمن، وانتهى بي المطاف إلى الطلاق منه بعدما حُكم عليه بالسجن”. تقول ذلك بمرارة وهي تمسح دموعها: “كان زوجي يفرض عليّ تعاطي المخدرات لتخفيف شعوره بالملل”.
هي تعبر عن ندمها الشديد حيال ذلك: “لقد آذيت نفسي وأطفالي كثيراً”، تصمت لثوان ثم تكمل بحزن: “تم اعتقالي ثلاث مرات بسبب تعاطي المخدرات، وأنا بحق نادمة جداً على ما فعلت، وأنتظر بفارغ الصبر الخروج من هنا لأبدأ حياة جديدة نظيفة من المخدرات”.
ملاحظة: تم إخفاء بعض الأسماء أو إبدالها بأخرى مستعارة بناءً على طلب أصحابها.
أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن منحة زمالة ميدان.