العراق والكويت.. تاريخ النزاعات وحاضر الفرص
العراقيون غاضبون بشأن التعويضات المقدَّمة للكويت، والكويتيون لا يتذكرون شيئاً كما يتذكّرون غزو الجيش العراقي لبلدهم واحتلاله.. هل يمكن التغلب على عقود من انعدام الثقة وتقليص المنافسة بين البلدين؟
العراقيون غاضبون بشأن التعويضات المقدَّمة للكويت، والكويتيون لا يتذكرون شيئاً كما يتذكّرون غزو الجيش العراقي لبلدهم واحتلاله.. هل يمكن التغلب على عقود من انعدام الثقة وتقليص المنافسة بين البلدين؟
تأرجحت العلاقة العراقية الكويتية بين الرخاء والتوتر منذ العهد العثماني، وتأسست الكويت كإمارة عربية عام 1716 قبل أن تخضع للإمبراطورية العثمانية عام 1829.
قبل استقلال العراق، كانت الكويت خلال فترة معينة جزءاً من محافظة البصرة في أراضي الدولة العثمانية، لذا يحسب الكثير من العراقيين أنها كانت جزءاً من العراق.
وبإجراءات كثيرة متتالية، ثبّتت بريطانيا وجودها في الكويت عام 1899. واستقر الوضع بعد الاتفاق البريطاني العثماني عام 1913، وثبتت الكويت حدودها مع محافظة البصرة.
خلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت الكويت تحت السيطرة البريطانية، ومَهّدَ عدمُ شفافية الحدود المتفق عليها بين الكويت وولاية البصرة، عملياً، لظهور التوتر والخلافات بعد قيام الحكومة العراقية الحديثة عام 1921.
وبعد خضوع العراق للانتداب البريطاني، ومن ثم استقلاله عام 1932، أصبحت فكرة ضم الكويت إلى العراق أقوى في أذهان بعض من مرّوا على الحكم في بغداد: طالب ملك العراق علناً بضم كل الكويت إلى أراضي العراق، وأصبح الأمر أكثر وضوحاً عام 1938، ولاقى تأييداً داخل الكويت، لكنّ شيخ الكويت رفض ذلك.
وفي عام 1939 جرت مفاوضات لإعادة رسم حدود الكويت والعراق. وفي عام 1951، طلبت بغداد من الكويت الموافقة على استئجار جزيرة وربة، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص.
وفي عام 1961، حصلت الكويت على استقلالها عن بريطانيا وعادت إلى الواجهة مطالبة بغداد بالكويت، حيث شدد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم حينها، على أنها جزء من العراق.
ومع ذلك، وبعد أزمة قصيرة وضغوط عربية دولية، اعترفت بغداد بالكويت في عام 1963، وصادق البيان المشترك على إقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين، واستمرت العلاقات ما بين صعود وهبوط، ومع استمرار قضية استئجار الجزيرة الكويتية، إلى جانب هجوم العراق على جزيرة بوبيان.
وفي عام 1972، طالب العراق باستخدام الجزيرتين الكويتيتين، وربة وبوبيان، الواقعتين في مصب خور عبد الله، لحقت ذلك عدة هجمات عسكرية عراقية على أجزاء من الكويت.
وتوقفت المفاوضات بين العراق والكويت بعد بدء الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، حيث دخلت العلاقات في حالة من الاستقرار الإيجابي.
سرعان ما انتهى رخاء العلاقة بانتهاء الحرب، وعادت الخلافات الحدودية الجغرافية بأبعاد جيوسياسية عراقية تمتد لمضيقه المائي. حينها، كان العراق محمّلاً بديونه الثقيلة، والانقسام السياسي، بمقابل توطّد العلاقات بين الكويت والغرب، والتي لم تمنع صدام حسين من مغامرة ضخمة لم يكن أحد يتوقعها.
بدأ الغزو العسكري العراقي للكويت في 2 آب 1990 فاحتل أراضيها في 8 آب، ثم أعلن نظام صدام حسين ضم الكويت رسمياً إلى العراق. لكنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدان احتلال العراق للكويت بإصدار قراري 660-662 واعتبر ضم الكويت باطلاً، كما لم تنجح الجهود العربية والدولية بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.
وفي شباط 1991، ومع هزيمة العراق أمام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، غادر العراق الكويت، وبعد قبول جميع القرارات وافقت بغداد على وقف إطلاق النار. وتم تحديد الحدود البرية للكويت والعراق بشكل رئيسي في عام 1993 بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833، لكن الحدود البحرية لم يتم تحديدها بشكل كامل وبقيت دون حسم.
حقول النفط التي أحرقت أثناء الغزو/ المصدر: UN Photo/John Isaac
تأخذ الخلافات الثنائية بين العراق والكويت أشكالاً متعددة الأبعاد، تتوزع على الجغرافيا السياسية، والجغرافيا الاقتصادية، والأمن، والسياسة، والاقتصاد، وتشمل هذه الخلافات قضايا مثل “حقوق الملاحة”، و”اتفاق خور عبد الله”، و”ميناء مبارك”، و”استخراج النفط من الحقول النفطية المشتركة”، و”الاتصالات”، و”الاستثمار”، و”ميناء الفاو”، و”إعادة رسم الحدود” و”الإعفاء الكمركي” و…
لقد كانت الجغرافيا السياسية الصعبة للعراق، أكثر العوامل فعالية في سياسة البلاد الخارجية تجاه الكويت؛ ذلك أن الطريق الوحيد للوصول الآمن إلى العالم الخارجي ودخول المياه الدولية، وهو خط ساحلي قصير على الحدود مع الكويت.
وقبل نصف قرن، ضغط العراق على الكويت لانتزاع جزيرتي بوبيان ووربة أو استئجارهما بهدف الوصول إلى البحر، وأدى هذا العامل الى توترات عسكرية خطيرة بين البلدين في ثلاث فترات: في حزيران 1961، وانقلاب شباط 1963، وفي 2 آب 1990.
عام 2012 وقّع العراق والكويت اتفاقية لتنظيم الملاحة في خور عبد الله وترسيم الحدود البحرية حتى النقطة 162، ثم في عام 2013، تمت الموافقة على الاتفاقية من قبل المشرّعين من الجانبين، لكنّ الاتفاقَ بقي محل نزاع بين البلدين.
وفي عام 2019، اتهمت بغداد الكويت بإجراء تغييرات جغرافية على الحدود البحرية بين البلدين، وقدمت شكوى إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك الكويت للحدود البحرية وإقامة مرافق الموانئ، وكان ردّ الكويت أنها تمارس سيادتها. وفي عام 2020 أيضا، اشتكت الكويت من تطوير ميناء الفاو العراقي، ولم يكن ردّ العراق مقنعاً بالنسبة للكويت.
وأكثر القضايا التي يختلف عليها الطرفان هي الحدود البحرية بعد العلامة الحدودية 162 في خور عبد الله ومنطقة تسمى “فشت العيج”، وبحسب العراقيين، فإن قيام الكويت ببناء “ميناء مبارك الكبير” يؤدي إلى تقليص جزء كبير من المياه الإقليمية وتضييق الممر المائي العراقي (حصة الكويت 500 كيلومتر وحصة العراق 50 كيلومترا). الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى حاجة العراق لأخذ الإذن من الكويت من أجل المرور. كما أن هناك خلاف يتعلق ببناء الكويت جزيرة صناعية للضغط على المياه الإقليمية للعراق.
وفي مجال الصيد البحري، يقوم خفر السواحل الكويتي في بعض الأحيان بإيقاف قوارب الصيادين العراقيين لدخولها المياه الإقليمية الكويتية بشكل غير قانوني، فتتهم النخبُ العراقية الكويت بمحاولة الحصول على المزيد من النقاط وحرمان العراق من المياه الحرة.
ومن ناحية أخرى، فان الكويت هي الأخرى مستاءة من هذا الوضع، كما حصل في كانون الأول 2022، حينما ادّعت أن ثلاث سفن بحرية عراقية تجاوزت المياه الإقليمية الكويتية.
وفي تطور كبير، قضت المحكمة الاتحادية العليا العراقية في 4 سبتمبر/أيلول 2023 بأن موافقة البرلمان العراقي على اتفاقية خور عبد الله لعام 2012 في عام 2013 كانت “غير دستورية”، فأعقب ذلك ردّ قوي من الكويت، حين طالب رئيس الوزراء الكويتي العراق بـ”إجراءات ملموسة وحاسمة وفورية” لمعالجة “أخطائه التاريخية تجاه الكويت”.
كما طالبت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة أيضاً بتحديد الحدود البحرية للعراق والكويت، فيما إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رغبته في حل يتفق مع الدستور والقوانين الدولية، وإلى جانب التزام السلطات العراقية باحترام “الاتفاقيات المشتركة” والسيادة الكويتية، فقد زاد إصرار الكويت على استكمال عملية ترسيم الحدود مع العراق.
ورغم أن حكم المحكمة العراقية غير ملزم للكويت، إلا أنه يشكل تحديا بطريقته الخاصة، وجعل من الصعب على الحكومة العراقية والمشرعين اتخاذ أي قرار يستند إلى اتفاق خور عبد الله.
رغم ضيق وضحالة قناة خور عبد الله، لكنّها بمثابة بوابة لمعظم تجارة العراق، هناك فكرة لدى العراقيين، خاصة في الجنوب، تعتمد على أن قناة خور عبد الله بأكملها يجب أن تكون تحت السيادة العراقية، ويطالب البعض باتخاذ المزيد من الإجراءات القانونية على الحدود العراقية الكويتية.
في عام 1993، تم تحديد الحدود البرية فقط بين البلدين، لكن تم عقد عدة اجتماعات لتحديد الحدود البحرية. ولا تزال هناك مشاكل في التهريب والتسلل ويعتقد البعض في العراق أن الكويت استولت على مناطق كثيرة من العراق بعد عملية ترسيم الحدود.
ورغم الاتفاق السابق بين العراق والكويت عام 2013 على بناء مجمعات سكنية للعوائل العراقية التي تعيش على الحدود، إلّا أن قضايا مثل إخلاء المنازل في نقطة أم قصر الحدودية واعطاء بعض المناطق إلى الكويت وتوطين السكان في مكان جديد، لن يكون حلّها والاتفاق عليها بشكل جذري أمراً يسيراً.
سابقاً، وكذريعة أساس للغزو، اتّهم صدام حسين الكويت بسرقة النفط الخام من حقل الرميلة، وحتى الآن، تعتبر مسألة الحقول النفطية المشتركة على الحدود بين العراق والكويت من القضايا الشائكة بين البلدين.
تنتشر أهم حقول النفط المشتركة بين البلدين في كافة أنحاء أراضي الحدود، ويعتبر الاتفاق في هذا المجال من الضرورات الملحة للطرفين، حيث يعتقد البعض في بغداد أن الكويت استغلت الوضع الأمني والسياسي في العراق لمصلحتها، ومع ذلك، وعلى الرغم من الاتفاقيات الأولية بشأن الحقول الهيدروكربونية الحدودية، لا تزال هناك تحديات كثيرة أمام الاتفاق النهائي في مجال الهيدروكربونات.
ومن مواطن الاختلاف الأخرى مطالبة الكويت بأرشيفها الوطني بعد الغزو والذي تسلّمت جزءاً منه بالفعل، ومؤخراً، وبينما أعلنت الكويت الحقّ المطلق في ما يتعلق بقضية الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية، طلبت من الدول المساعدةَ في البحث عن رفات 308 من الأسرى والمفقودين الكويتيين.
ورغم إشادة الكويت بجهود بغداد في العثور على رفات الكويتيين وقضية الأسرى، إلّا أن الكويت ما زالت تُصر على مواصلة الجهود لاستعادة كافة الممتلكات الكويتية والأرشيف الوطني الكويتي واستكمال هذه الملفات بجميع فقراتها.
وفي السنوات الأخيرة، استمرت المفاوضات الكويتية العراقية سلمياً حول حزمة من القضايا، بما في ذلك تحديد الحدود البحرية، وحقول النفط المشتركة، ومكافحة تهريب المخدرات، وإساءة معاملة الصيادين في المياه الإقليمية.
وتريد الكويت إغلاق الملفات العالقة مع العراق ليتمكن البلدان من التحرك نحو آفاق جديدة، لكنّ الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف السياسية أو الرأي العام العراقي بشأن التنازلات التي يعتبرونها غير عادلة ثقيلة.
وقد جعلت هذه الظروف، بطريقة أو بأخرى، مسألةَ ترسيم الحدود بين العراق والكويت أكثر صعوبة، ولذلك فإن قضية الحدود والخلافات البسيطة أو الكبيرة قد تجد طريقها إلى المستوى الإعلامي في أي لحظة.
منظر جوي لأبراج الكويت / المصدر: Unsplash/Jan Dommerholt
سياسية وأمنية: عام 2004 عادت العلاقات الدبلوماسية بين العراق والكويت بعد انقطاع دام خمسة عشر عاماً، وتم تبادل السفراء وإعادة فتح السفارتَين، لكن عملية التطبيع لم تكن سهلة.
قام المسؤولون العراقيون بزيارات عديدة إلى الكويت بعد عام 2003، وبعد زيارة رئيس الوزراء السابق للكويت في 2005-2006، عينت الكويت سفيرها في بغداد عام 2008، ثم فتحت الكويت قنصلياتها في النجف وأربيل، والآن يدخل المواطنون الكويتيون إلى كردستان بدون تأشيرة.
وفي عام 2009، زار وزير خارجية الكويت بغداد، وتلتها زيارة رئيس وزراء الكويت إلى العاصمة العراقية في كانون الثاني 2011 ثم زيارة رئيس وزراء العراق إلى الكويت في آذار 2012 كخطوة أخرى مهمة في العلاقات الثنائية.
وبجهود مسؤولي البلدين، ساعدت الكويت في إخراج العراق من قيود الفصل السابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ثم تواصل تبادل اللقاءات بين المسؤولين على مختلف المستويات وتم تشكيل لجان مشتركة.
في الواقع، يبدو أن العلاقات الدبلوماسية الثنائية تمر بواحدة من أفضل الظروف في تاريخ العلاقات، وبحسب كثيرين مثل رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فإن المحكمة الاتحادية العليا لم تلغ الحدود الدولية بين العراق والكويت، ولا يوجد نقاش أو مشكلة أو اعتراض على هذا الوصف.