كان يوم “مريم” (26 سنة) التي تسكن قرية شميط التابعة لناحية الزاب بمحافظة كركوك شمال بغداد، يبدأ مبكراً مع صياح الديكة، فتخرج بحماسة نحو حظيرة الأغنام، تزيل البوابة الخشبية المتحركة فينطلق قطيع الأغنام الصغير للرعي وهي بأثره، فيما القرية تستيقظ حولها لتبدأ نهارا جديدا.
غير أن ذلك تغير منذ كانون الثاني/يناير2024، إذ داهمتها انتكاسة صحية مفاجئة، شخصها الطبيب بعجز كلوي، وصار عليها الخضوع لجلسات غسل الكليتين لما تبقى من حياتها أو اجراء عملية زراعة كلية لانقاذ حياتها، نتيجة تناولها لسنوات مياها ملوثة من نهر الزاب.
تقول بصوت مرتجف بينما تمسك ببطنها:”كان مجرد صداع بادئ الأمر، ثم أصبت بتقيؤ مستمر، لم استطع مقاومة الألم في بطني لاحقاً وبدأت أصرخ، وأخذت أتناول حبوب مسكنة لتهدئة الألم، بعدها حين راجعت الطبيب قال ان نسبة اليوريا مرتفعة لدي، وعلي المباشرة سريعا بمرحلة الغسل الكلوي”.
تصف يومها الأول في غرفة (الديلزة) العلاجية داخل مركز الأمل رقم 2 لغسل الكلى في مستشفى الحويجة الحديث، بأنه كان مرعباً. في التاسعة من صباح يوم 9 كانون الثاني/يناير2024 مدت خطواتها المترددة في ردهة مكتظة بالأجهزة والأسرة والمرضى شاحبي الوجوه، حاصرتها وقتها الروائح الغريبة، وشعور عميق بالحزن الممزوج بالخوف.
جفلت راعية الغنم التي لم تكن قد رقدت قبلها في مستشفى، عندما نادى الممرض على أسمها، تقدمت نحوه بهدوء وفي عينيها نظرة ذعر، فأخذ يثبت الأنابيب المطاطية المربوطة إلى جهاز بجواره برقبتها، ومع الوخزة الأولى جفلت في ردة فعل تلقائية، وحاولت منعه، ثم تراخت قواها واستسلمت سريعاً للساعات الثلاث التي استغرقتها الجلسة الأولى لغسل كليتيها.
مريم ليست القروية الوحيدة التي تعاني من العجز الكلوي، في قرى ناحية الزاب، فهنالك عشرات المرضى، يقول مدير مركز الأمل الثاني لغسل الكلى، ان أعداد من يراجعون مركزهم وحده تقدر بـ 65 مريض عجز كلوي، غالبيتهم من سكان القرى التي تقع على ضفاف النهر “بسبب المياه الملوثة التي يشربونها هناك”.
وفقاً لتقصي معدة التحقيق، فأن أعداد المصابين بالعجز الكلوي في تلك المنطقة، أكبر مما قدره مدير مركز الأمل، إذ أن كثيرين من المصابين بالعجز الكلوي، يتلقون العلاجات وغسل الكلى خارج مستشفى الحويجة او أي من مستشفيات محافظة كركوك. كما أن اعدادا كبيرة من السكان يعانون من أمراض معوية، بعضها تؤثر بشكل مباشر على حياتهم، بسبب استمرار استخدامهم للمياه الملوثة غير المعالجة.
مشاريع أهلية
يعد نهر الزاب الصغير، ثالث روافد نهر دجلة، ينبع من المرتفعات الواقعة غربي ايران من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية لسلسلة جبال قنديل، ويمتد لمسافة 402 كم داخل العراق ويصب في نهر دجلة شمال مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين.
يمر النهر في منطقة التون كوبري بمحافظة كركوك، ويمتد لمسافة 8 كم الى الجنوب الغربي، ويمر بعدها بمنطقة كيراو ثم منطقة البطمة وقرية شريعة الى أن يلتقي بنهر دجلة بمنطقة الزوية قرب قرية المخلط بمسافة 35 كم جنوب مدينة الشرقاط .
حتى سنة 2005، اعتمد أهالي قرى ضفاف الزاب والتي تشمل “شميط، الصباغية، النميصة، ازرارية، اشريعة، رنجي، وقرى الحلوات” على مياهه وتفرعاته بنحو مباشر، كمصدر رئيسي لمياه الشرب وباقي الاستخدامات المنزلية، ومن دون معالجات صحية.
وهذه المياه كانت ومازالت تصل القرى من خلال “مشاريع أهلية” والتي تسمى بمشاريع الري، وهي عبارة مضخات يتم شراؤها من قبل السكان، وتضخ المياه من تفرعات نهر الزاب عبر أنابيب إلى المنازل، ويتم تعيين شخص من بين السكان ليكون مسؤولاً عن تشغيل المضخة والعناية بها.
ويستخدم سكان القرى غير المخدومة بمشاريع الإسالة أو التي فيها مشاريع لكنها تعمل بنحو جزئي لاتغطي حاجة السكان، مياه هذه المضخات غير المعالجة، لغسل الثياب وري المزروعات، وللشرب اذا اقتضت الحاجة على الرغم من كونها ملوثة، بحسب تأكيدات مراكز صحية وباحثين.
وتعد المؤسسات الحكومية “مشاريع ري الأهلية” غير قانونية، وتشكل تجاوزا على حصص المياه في المنطقة، وانها ليست مسؤولة عن مياهها الملوثة اذا اعتمدت للاستخدامات المنزلية.
ولا تعتمد جميع سكان القرى في ضفاف الزاب على مياه المضخات الواردة مباشرة من النهر، فقرية شميط التي يبلغ عدد سكانها نحو 14650 نسمة، فيها مشروع حكومي لمعالجة المياه أنشأ في العام 2005 بطاقة 100 متر مكعب في الساعة، يؤمن حاجات جزء من السكان.
وفي العام 2022، تم إنشاء مشروع ثانِ في ذات القرية يستمد المياه من نهر دجلة وليس من الزاب، وبطاقة 400 متر مكعب في الساعة، بينما ما تزال كل من قرية النميصة التي يبلغ عدد سكانها 7692 نسمة وقرى منطقة الحلوات البالغ عددها عشرة قرى ويقطنها 16 ألف نسمة، فضلاً عن قرى أخرى مثل(رنجي، وشريعة وأجزاء من شميط) تعاني من قلة التجهيز، ويعتمد سكانها بدرجة كبيرة على ما توفره المشاريع الأهلية من المياه غير المعالجة. وفي قرية شميط ذاتها يوجد 13 من هذه المشاريع.
وفي قرية النميصة، هنالك سبعة مشاريع أهلية، أي سبعة مضخات بطاقة 125 حصان للواحدة منها، تزود كل منها مايقارب 150 منزلاً بالمياه غير المعالجة، التي تفوح منها في كثير من الأحيان روائح كريهة تشبه التي تصدر عن مجاري الصرف الصحي، لكونها راكدة في حفر، وفقاً لشهادات سكان القرية.
(هنا محل فديو، مضخة مشروع اهلي )
(هنا محل فديو مضخة ماء )
يعلق قبس حمد اليوسف، وهو مسؤول مشروع أهلي في قرية النميصة ومن سكان القرية ذاتها، على المياه الملوثة التي يستخدمونها قائلا: “لا حل آخر امامنا، هنالك مشروع حكومي لتنقية المياه في القرية لكنه غير مكتمل، ولن يكفي سكان القرية حتى وإن اكتمل”.
هذا المشروع الحكومي الذي يتحدث عنه قبس، تم تشييده على النهر الفرعي لنهر الزاب وليس على نهر الزاب بنحو مباشر والأنهر الفرعية لا تتوفر فيها المياه طول أيام السنة، فبعضها يجف والآخر تنحسر مياهه بنحو كبير وتكون راكدة ونسبة تلوثها كبيرة.
وبطبيعة الحال تنخفض نسبة تجهيز المشروع الحكومي في أشهر الصيف، وهذا ما دفع الحكومة المحلية إلى احاله المشروع الى شركة تركية لربطه بنهر الزاب مباشرةً وبطاقة استيعابية تبلغ 200 متر مكعب في الساعة.
يقول قبس بشيء من الخيبة:”حتى لو نفذ المشروع وتم تشغيله فلن يغطي حاجة جميع سكان القرية، وعلى الأهالي انتظار تجهيزهم بنظام المناوبة كل خمسة أيام لمرة واحدة”، أي الاعتماد على جداول وفقا لما تعرف بـ(المراشنة) ويتم وفقها تقسيم القرية الى قواطع، كل يوم يتم توجيه المياه إلى واحدة منها، وهو أمر غير مرض بالنسبة للسكان.
الأهالي في القرى المحاذية للزاب، ذكروا لمعدة التحقيق أن دائرة الماء تتهمهم “بعدم دفع أجور المياه”، مع أن المشروع غير مكتمل أصلاً فكيف تجبى الأجور؟ وعلق (م.ع) على توفير المياه قائلا: “نحن مستعدون لتسديد الأجور، عندما تصل المياه النظيفة إلى المنازل بنحو منتظم”.
ويؤكد سكان القرى تمسكهم بمضخات المياه التي اشتروها، ويصرون على استخدامها، رغم كونها مشاريع غير رسمية، لعدم حصولهم من الجهات المعنية على رخص خاصة باقامتها كمشاريع لمياه الشرب والاستهلاك المنزلي، لأنهم عندما يُقدمون طلبات لإنشائها إلى دائرة المياه في محافظة كركوك فانها تكون على أساس “مشروع ري زراعي”، ويقولون عن ذلك:”نحن بحاجة إلى المياه حتى وإن كانت ملوثة”.
المتمكنون مادياً، وهم قلة في تلك القرى، يشترون مياه صالحة للشرب بواسطة صهاريج تنقلها إليهم من مناطق أخرى ويتم جمعها في خزانات أرضية، ويبلغ سعر كل ألفي لتر من مياه الصهاريج خمسة آلاف دينار (3.86 دولار) وهي تكفي لتأمين حاجات عائلة صغيرة من مياه الشرب والأكل لعدة أسابيع اما إذا كانت العائلة كبيرة فتحتاج ربما إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف هذه الكمية شهرياً”. وتتضاعف تلك المبالغ عند استخدام تلك المياه لتغطية باقي الحاجات المعيشية.
ومع اضطرار غالبية السكان لاستخدام مياه المشاريع الأهلية غير الصحية، شاعت في السنوات الأخيرة فلاتر المياه المنزلية لتقليل نسبة التلوث فيها، ولاسيما النوعيات ذات الأسعار المنخفضة والجودة المتدنية.
رغم ذلك ففي تلك القرى الفقيرة التي يندر ان تجد فيها فرص عمل، لا يستطيع جزء كبير من السكان من شراء تلك الأجهزة، تماماً مثل عدم قدرتهم على شراء المياه التي تبيعها الصهاريج، فيعتمد بعضهم على مياه يقدمها إليهم الجيران أو يحصلون على مياه الشرب من النهر مباشرة دون أي معالجات.
وهذه الفلاتر وفقا لما يذكره، سليم عبدالله، وهو موظف حكومي في القطاع الصحي، لا تعطي نتيجة جيدة دائما، وهي تمرر الملوثات “إذا لم تجر عملية تصفيتها من الشوائب بنحو مستمر” وجميعها تتحول الى لون الطين بسبب ما يتراكم داخلها نظرا لنسب التلوث العالية في مياه نهر الزاب.
مشاريع حكومية
الأداري في شعبة الاقضية والنواحي في دائرة ماء كركوك، المهندس مهند خليل صقر، يذكر بأن دائرته تعمل على توفير المياه لقرى المنطقة عبر شبكات الاسالة وفق المتاح من الانتاج اليومي، وهي تجري فحوصات دورية، وتراقب صحياً جميع شبكات المياه الحكومية ضمن نطاق مسؤوليتها.
ويقول ان الكوادر الفنية تعمل على اكمال وتطوير العديد من المشاريع الحكومية في المنطقة ضمن خطة موازنة 2023، بضمنها مشروع قرية النميصة:”بسعة 200 متر مكعب بالساعة، ومشروع رنجي بسعة 100 متر مكعب بالساعة، ومشروع قرية زرارية بسعة 200 متر مكعب بالساعة”، وقال ان محطات تقوية ستضاف إليها.
وبخصوص مشروع قرى الحلوات العشر، يؤكد أن فيها مشروعا بسعة 480 متر مكعب بالساعة إلا أنه “دون المستوى المطلوب ولا يعمل سوى بنسبة 10% من طاقته بسبب ضعف التجهيز في التيار الكهربائي”.
ويشير إلى أن أغلبية الأهالي يعتمدون الآن على الآبار الارتوازية والمشاريع الأهلية التي تضخ المياه مباشرة من النهر. ويستدرك:”اقترحنا عدة حلول لمشكلة الكهرباء من ضمنها ربط كهرباء المشروع على خط طوارىء محطة قرية رنجي”.
ويقر بأن دائرة ماء كركوك لا تدعم المشاريع الأهلية ويعدها مشاريع متجاوزة على الحصص المائية، ويقول:”لكل فرد حصة مقدارها 132 لتراً في اليوم الواحد”، في حين أن المشاريع الأهلية تسحب كميات غير محدودة من المياه.
ويتوقع المسؤول الحكومي، في حال اكتمال المشاريع الحكومية المخطط لها، ان يتم تغطية مايقارب 80% من حاجة المنطقة إلى مياه الإسالة:”عدا البعيدين عن شبكات النقل، وساكني البرية”، مؤكدا عدم قدرتهم على منع أو الحد من إقامة المشاريع الأهلية. في وقت يقدر بعض أبناء المنطقة نسبة العجز الحالي عن تأمين المياه النظيفة بما يفوق نصف حاجة الأهالي.
ويرى المهندس صقر، ان على الأهالي تغيير سلوكياتهم المرتبطة بصرف كميات كبيرة من المياه:”هم لا يكتفون بما يصلهم من مشاريع تنقية المياه ولمدة ساعتين في اليوم، وهذا التجهيز مرتبط بضعف تجهيز التيار الكهربائي لمشاريع المياه الحكومية. كما أن أعداد السكان في تنامي مما يفوق الطاقة الاستيعابية للشبكات ويظل العجز قائما”.
مياه ملوثة رغم النفي
معدة التحقيق راجعت العديد من الدوائر الحكومية المعنية في محافظة كركوك، بهدف إجراء فحوصات مخبرية
لعينات من المياه التي اخذتها من نهر الزاب وهي ذاتها التي يستهلكها سكان قرى ضفاف النهر للشرب، إلا أن معظمها رفضت استلامها “كونها مياه خام وغير معالجة”، باستثناء مديرية بيئة محافظة كركوك، التي وافقت على اجراء التحاليل مقابل أجور بلغت74 ألف دينار(57 دولار).
في 24 تموز/يوليو 2024 سلمت عينات المياه إلى مديرة شعبة التحاليل البيئية، وفي الأول من أغسطس/آب 2024، ظهرت النتيجة التي مفادها أن “الفحوصات ضمن الحدود القياسية العراقية المسموح بها لصلاحية الشرب والاستهلاك العام”.
لم تقتنع معدة التحقيق بنتائج التحليل المقدمة من بيئة كركوك، كون عينات المياه كانت بلون مائل للخضرة وفيها شوائب وتفوح منها رائحة غريبة، فتواصلت مع متخصصين من خارج المؤسسات الحكومية، من بينهم المختص في علوم التربة والموارد المائية عبد السلام الجميلي، الذي أعرب عن شكه بصحة نتائج فحص مختبر بيئة كركوك.
لذا قرر التعاون وعمل دراسة حقلية ميدانية مع إجراء الفحوصات المخبرية لعينات أخرى من مياه نهر الزاب في مختبر شعبة بحوث التربة والمياه في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وسحبت العينات بالفعل بتأريخ العاشر من آب/أغسطس2024.
واتضح في أثرها أن “المياه غير صالحة للاستهلاك البشري لأغراض الشرب والتغذية، وذلك لوجود تلوث بكتيري بمستعمرات لبكتريا القولون (E.Col) التي لها تأثير مباشر على صحة الإنسان، من خلال التأثير على وظائف الجهاز الهضمي. كذلك ارتفاع قيمة المتطلب الحيوي للاوكسجين (BOD) الذي يدل على وجود المركبات العضوية و المستعمرات البكتيرية الضارة”، وفق الجميلي.
ويقول انه بناءً على الدراسة والفحوصات، يمكن الاستنتاج أنه “على الرغم من أن هدف الجهات المتخصصة والمعنية بصحة الانسان، هو مراقبة نوعية وصلاحية مياه الشرب التي يستهلكها السكان واجراء الفحوصات المختبرية -الكيميائية والفيزيائية والحيوية- على عينات المياه ومقارنة نتائج هذه الفحوصات مع الحدود القياسية العراقية المسموح بها لصلاحية مياه الشرب وكذلك مع الحدود القياسية لمنظمة الصحة العالمية (wfo) لصلاحية مياه الشرب، الا ان ذلك لا يحدث في كثير من الأحيان”.
ويستدرك:”هذا مع أننا لم نجر كافة الاختبارات المطلوبة لتحديد صلاحية المياه لأغراض الشرب بسبب عدم توفر الأجهزة والمعدات المختبرية الدقيقة الكافية في العراق ومحدودية الإمكانات”.
اعتمادا على تحليلاته، يوصي الجميلي بإجراء عمليات المعالجة الضرورية لمياه المشاريع الأهلية قبل السماح بإستخدامها لأغراض الشرب.
تداعيات صحية
بعيدا عن اثبات التلوث مخبريا، تؤكد ارتفاع حالات الاصابة بأمراض الكلى والمجاري البولية التي تستقبلها مستشفيات كركوك، وجود مشكلة في المياه المستخدمة في تلك المناطق.
يقول مدير مركز المنيصة الصحي، قطاع الحويجة الأول التابع لدائرة صحة كركوك، الدكتور صباح حسن الجميلي، ان المركز استقبل خلال الأشهر الست الأولى من العام 2024، ما يقارب 400 حالة مرضية، شكى أصحابها من التهابات في المجاري البولية والرمل “بسبب استخدام المياه غير الصالحة للشرب، وغير الخاضعة لأي نوع من المعالجات”. ويضيف “الأعداد في تزايد، بمعدل 70 حالة إضافية كل شهر”.
ويشير الطبيب انه ومنذ التحاقه بالعمل في المركز، وكان ذلك سنة 2009، وهو يلاحظ بأن قضاء الحويجة بنحو عام، وناحية الزاب وضفافها بنحو خاص “من أكثر المناطق التي يعاني سكانها من أمراض الكلى، كون المياه التي تضخ بنحو مباشر إلى القرى من النهر غير صالحة للشرب لإحتوائها على نسبة عالية من الاملاح”.
ويضيف أن وزارة الصحة، ولمعالجة جزء من المشكلة بدأت في الفترة الأخيرة بتوزيع “شرائط الكلور على المواطنين”. لكنه يعد ذلك غير كاف “لأن الكلور لايعمل على إزالة الشوائب”.
ويذكر أيضاً بأن عدداً من منظمات المجتمع المدني، قامت كذلك بتوزيع نماذج من “فلاتر التصفية” لعدد من العائلات بهدف مساعدتها للحصول على مياه معالجة، ويرى ان هذا أيضاً غير كاف “لأن هنالك الكثير من العائلات التي لا تملك مثل هذه الأجهزة وأفرادها معرضون لخطر الإصابة بأمراض مختلفة على الدوام”. ويستدرك:”حتى نحن في المركز الصحي نستخدم ذات النوعية من المياه التي يستخدمها سكان القرية، مع فارق أننا نضع فلتر تصفية!”.
سليم جابر(21 سنة) من قرية شميط، أبكمٌ منذ الولادة، أصيب بفشل كلوي قبل ثلاث سنوات جراء تلوث المياه التي كان يتناولها بحسب عائلته. وهو يراجع مركز الأمل 2 في قضاء الحويجة ثلاث مرات في الاسبوع (السبت والثلاثاء والخميس ) من أجل جلسات غسيل الكلى.
معاناة الشاب لم تتوقف عند جلسات العلاج الاسبوعية، فقد أصيب قبل نحو سنة مع 12 آخرين في المركز، بالتهاب الكبد الفايروسي نوع سي، انتقل اليهم خلال عمليات الغسل، فتم عزلهم في مختبر الصحة العامة بكركوك.
يقول والده وهو يراقب سليم المستلقي على كرسيين متجاورين بانتظار دوره في عيادة خاصة بمدينة الحويجة:
“كنا في مرحلة التجهيز لعملية زرع كلى له، بعد أن جمعنا التبرعات من أهالي المنطقة، وقمنا ببيع كل ما نملك من أجل اتمام مصاريف العملية التي كانت بحدود 80 مليون دينار، لكنه أصيب بالتهاب الكبد الفايروسي، فتبخر الحلم، حيث رفض الأطباء اجراء العملية لحين تعافيه من الفايروس”.
يصمت الوالد قبل أن يضيف وهو يحدق في جسد ابنه:”أنفقنا الكثير من المال في رحلة علاجه من التهاب الكبد الفايروسي، ولم يعد بوسعنا بعدها الحصول على المال الكافي لإجراء عملية زرع الكلية..أحاول منذ أشهر أيجاد طريقة لتعويض المبلغ وإجراء العملية لكي أخلصه من معاناته”.
يضطر سليم ووالده، إلى قطع مسافة 64كم، ذهابا وأياباً من منزلهما إلى مركز غسل الكلى في قضاء الحويجة كل يومين منذ ثلاث سنوات، ليدخل سليم غرفة غسل الكلى في الساعة الثامنة صباحاً ويمكث فيها بين ثلاثة إلى أربعة ساعات.
يقول الوالد بعينين دامعتين:”جسمه يفقد القدرة على التحمل يوماً بعد آخر، أنابيب أجهزة الغسل مزقت رقبته والوصلة الشريانية تؤدي الى تورم يده اليمنى بإستمرار، انه منهك تماماً”.
أسباب تلوث مياه نهر الزاب
في دراسة ميدانية لنهر الزاب أجراها د.سعدي خلف الجبوري، توصل إلى أن للنشاط البشري دور كبير في تلوث مياه النهر، ولا سيما من خلال مقالع الحصى، وهي معامل صغيرة تقام على أراض كانت سابقاً تغطيها مياه النهر التي انحسرت عنها، وتقوم باستخراج الحصى بأحجامها المختلفة الى جانب الرمل لإستخدامها في البناء والانشاءات.
وهناك 23 مقلعاً على امتداد النهر، وهي تضاف الى الأنشطة الصناعية بالقرب من النهر التي تشمل “آبار النفط ومخلفات شركة نفط الشمال، والمعامل التي تلقى او تصب مخلفاتها في النهر، والمواد والعبوات البلاستيكية التي تلقى على الضفاف، ومصبات مياه الصرف الصحي في قضاء الحويجة وقضاء الدبس والتون كوبري، وأيضاً مخلفات الجزارين من جلود واحشاء، ونفايات منزلية”.
ويشير الجبوري إلى أن التوزيع السكاني “العشوائي” للأراضي المحاذية للنهر، أدى إلى تغيير كبير في شكل وطبيعة سطح الاراضي المجاورة لمجرى النهر. كما توصل في دراسته إلى أن الرعي الجائر على ضفاف النهر تسبب بتلويثه :”تم تعرية التربة من الغطاء النباتي، ما أدى الى اضعاف تماسك نسيج التربة ما يسهل عملية تفتيتها لحبيبات ونقلها عن طريق الرياح للنهر بسهولة”.
جاسم محمد حسن (30 سنة) وهو من سكان قرية الزيتون، احدى قرى منطقة الحلوات على ضفاف الزاب، اكتشف منذ أكثر من عشر ىسنوات أن هنالك حصى في كليته اليسرى بحجم 22 ملم وعانى كثيراً منها قبل ان يخضع لعملية لاستخراجها سنة 2017.
وبعد مرور ثلاث سنوات، بدأ يشعر بآلام في ذات الكلية، ليكتشف أن هنالك حصى جديدة فيها بحجم 18 ملم، ليخضع لعملية ثانية لإستخراجها.
يقول بوجه شاحب وهو يمسح جبينه:”أظهرت الفحوصات مؤخراً أن هنالك ثلاثة حصوات في نفس الكلية التي أجريت لها عمليتين سابقتين، بحجم 5 ملم و4 ملم و12 ملم، ولدي رمل في كليتي اليمنى”.
هو يعرف جيداً لماذا يحدث له ذلك، فقد كان طوال حياته وحتى سنوات قليلة ماضية، يشرب المياه مباشرة من نهر الزاب:”كنا نشتريها بواسطة المقطورات، ثم أصبحنا نشرب مياه الآبار الأرتوازية”. التغيير الأخير الذي طرأ، أنه بدأ يعتمد على فلتر تصفية المياه الذي يضعه على الصنبور، لكن ذلك ليس حلاً نهائياً كما يقول فتصفيته للشوائب تظل محدودة.
جاسم الذي لا يملك المال الكافي لشراء المياه المعبأة، لم يكن أمامه خيار سوى فلتر التصفية:”بدأنا نستخدمها في المنطقة بعد انتشار أمراض الكلى، والأمراض الجلدية وجدري الماء”. ويتابع:”العديد من الأطفال الصغار هنا أصيبوا بأمراض جراء المياه الملوثة، ومنهم أبني الصغير الذي يشكو من اواجع في كليتيه!”.
مشكلة تلوث المياه، لا تقتصر على جسده وجسد طفله فقط بل امتدت أيضا الى حقله كونه مزارعا والمنطقة برمتها تمر بأزمة بسبب شحة المياه نتيجة التغير المناخي.
معاناة مستمرة
تخضع آيات باسم فياض (13 سنة) من قرية النميصة لفترة حجر صحي خاص قد تمتد لأسابيع بعد خضوعها لعملية زرع الكلى، ويحرص والدها على شراء المياه المعبأة بدل المياه التي تسببت بإصابتها بالعجز الكلوي في أيار/ مايو 2022، كما يقول.
يذكر الأب القلق على وضع ابنته، أنها راجعت مركز الأمل 2 في قضاء الحويجة لغسل كليتها لمدة سنة وسبعة أشهر كاملة، حتى تمكن من تأمين مبلغ العملية من تبرعات أهالي القرية ومعارف له من محافظة كركوك، والبالغ 70 مليون دينار (54 ألف دولار) كانت كافية لإجراء عملية زرع كلية جديدة لها في 22 شباط/أيار2024 بمستشفى par hospital بمحافظة أربيل.
يقول بصوت حاد:”أصعب موقف في الحياة هو رؤية طفلك يتألم ولاتستطيع أن تفعل له شيئاُ، المتبرعون انقذوا ابنتي من الموت، ولن استطيع أبداً سداد الدين الذي بذمتي تجاههم”. ذكر ذلك وعينه على عبوة مياه معبأة صغيرة بجوار ابنته.
ويتابع:”حتى المياه المعبأة ليست آمنة، فالأطباء نصحوني بشأن شرائها من شركات يطابق انتاجها المواصفات العالمية، لأنه ليست كل المياه المباعة في السوق ذات نوعية مناسبة”.
أبو آيات، يشتري المياه المعبأة منذ أكثر من 6 اشهر، وهي تكلفه نحو 40 الف دينار شهرياً (30 دولار) وينوي بعد انقضاء فترة الحجر الصحي الاعتماد على فلتر التصفية الذي قام بشرائه بمبلغ 120 الف دينار (92 دولار) ذلك لأنه لن يقوى على المدى الطويل تحمل تكاليف شراء المياه المعبأة بسبب عدم امتلاكه دخلاً ثابتاً، حسبما يذكر.
وضع آيات الصحي المستقر كما يقول الأطباء، يشعر عائلتها بالسعادة وهي تمضي في طريق التعافي، بخلاف صالح فارس حميدي (27 سنة) من قرية شميط الذي أجرى هو الآخر عملية زرع كلى في شهر شباط/فبراير2024 بكلفة بلغت 75 مليون دينار (58ألف دولار) بمستشفى أهلي في محافظة دهوك، إلا أنه يعاني الآن من بعض الانتكاسات.
“صالح” متزوج منذ العام 2016 وله طفلان (مروة 7 سنوات، ومروان 6 سنوات) وكان يعيل عائلته عبر عمله في مجال البناء والمواد الانشائية، لكن جسده لم يتحمل الإجهاد في أواخر 2022، ومع مراجعته لمستشفى كركوك ظهر أنه مصاب بعجز كلوي، بات معه زائرا دائما لوحدة الغسل الكلوي في مركز الأمل 2 ولأربع مرات في الأسبوع.
وبعد تدهور كبير في صحته، قررت عائلته بيع ممتلكاتها وكانت عبارة عن أرض زراعية وسيارة، وأمنوا المبلغ اللازم لإجراء العملية.
يقول صالح، بأن المياه الملوثة عطلت كليتيه، ويتوقع أن يمر كثيرون من قريته والقرى المجاورة بنفس تجربته التي يصفها بالمرير:”كثير من الناس مازالوا يعتمدون على المياه الخام التي تضخ مباشرة من النهر”. كما يشير إلى أن الأطفال يسبحون في النهر على الرغم من تلوث مياهه.
العميد السابق لكلية البيئة في جامعة الموصل د. معاذ حامد، يقول بأن هنالك 13 مصباً لمياه المجاري في نهر دجلة من نقطة دخوله مدينة الموصل (405شمال بغداد) حتى خروجه منها، وهي تمثل مصدر تلوث خطير لمياه النهر.
وبحسب دراسة كان قد اجراها قبل سنة 2014، فأن كمية المياه الملوثة المطروحة من هذه المصبات “قدرت بنحو 500000م3 في اليوم، قادمة من 183 حياً سكنياً في جانبي المدينة الأيمن والأيسر”.
هذا يظهر جانبا من التلوث الذي يهدد مصدر المياه الرئيسي في المدينة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة بحسب دائرة الاحصاء التي تقدر الساكنين فيها بـ 51% من سكان محافظة نينوى البالغ أكثر من اربعة ملايين نسمة.
يقول د معاذ، ان الوضع مازال كما كان عليه، ما أحدث تغيرا واضحاً في بيئة نهر دجلة “لا يمكن أن تنفذ الرؤية فيه لأكثر من متر واحد، بسبب التلوث الذي تحدثة مصبات مياه المجاري المنتشرة على جانبيه، إذ أن معظم المياه تضم ملوثات معدنية كبريتية الى جانب الملوثات التي تحملها مياه مجاري الصرف”.
ويتابع:”مياه نهر دجلة تدخل الموصل محملة بنحو 3-5 ملغرام من الملوثات العضوية لكل لتر، وتغادرها بمقدار يفوق الـ 100 مليغرام للتر”، ويستدرك منبهاً:”نسبة التلوث العالمية تقدر بـ 5 ملغرام للتر الواحد من الماء كحد اقصى واذا زادت النسبة عن هذا الرقم فيتحول تصنيف المياه الى مياه ملوثة!”.
مياه نهر دجلة الملوثة هذه، هي ذاتها التي يعتمد عليها مشروع حكومي لمد قرى على ضفاف الزاب باحتياجاتهم من مياه الشرب، يقول سكان من المنطقة قابلتهم معدة التحقيق بأنهم يفضلون مياه المضخات غير المعالجة على مياه المشروع الحكومي على نهر دجلة والتي تحتاج الى عمليات معالجة دقيقة قبل ان تكون صالحة!
معالجات وحلول
بالعودة إلى الدكتور سعدي خلف الجبوري، فقد أوصى في دراسته الميدانية، بتوعية الفلاحين للحفاظ على مياه النهر وعدم هدرها بطرق الزراعة والسقي التقليدية، والتوجه بدل ذلك الى أساليب الري الحديثة “ورفع كفاءة الري الحقلي وشبكات الري وتوزيع المياه وتطوير نظم الري”.
مع انشاء محطات تصفية تتناسب مع كميات المياه في النهر وطول مجراه والاعتماد على محطات التصفية الحديثة ذات المواصفات العالية التي تستطيع التعامل مع حجم الملوثات واشكالها وردم البرك والمستنقعات التي تخلفها المقالع ومعامل البلوك “لتجنب ما تحدثه هذه البرك من تلوث وتكاثر للبعوض وانتشار الأوبئة والامراض”.
وأوصت دراسته كذلك بعدم البناء على ضفاف النهر مباشرةً “لما له من خطورة على تصدع المباني نتيجة ارتفاع منسوب النهر في موسم الامطار”.
اضافة الى تلك التوصيات العلمية، يرى طارق حسن عابد، ماجستير علوم جيولوجي، أن من ضمن آليات المعالجة “تجميع مياه الصرف الصحي في مجرى واحد أو قناة واحدة، وأن تنشأ في نهايته محطة معالجة قبل عملية اعادتها الى النهر”.
ويشدد على ضرورة اجراء فحوصات ودراسات دورية لتقييم نوعية المياه والمحافظة عليها وازالة البزول (القصب والبردي)، وتثقيف الاهالي بعدم رمي النفايات في مياه النهر.
في انتظار المعالجات الجذرية التي تتطلب خطط وطنية واسعة، يدعو مختار قرية النميصة، أحمد حمد دخيل، الحكومة المحلية إلى الإسراع في إكمال المشروع الحكومي وربطه بنهر الزاب بنحو مباشر دون الإعتماد على التفرعات الصغيرة كونها ملوثة ومياهها شحيحة.
ويقول بأن الأوضاع الصحية لأهالي قريته تتدهور عاماً بعد آخر:”نتمنى من الجهات الرسمية التعاون معنا لتسهيل عملية ايصال المياه النظيفة الى القرية فالمشروع متلكىء منذ أكثر من ثمان سنوات” .
أما مسؤول مركز الأمل 2، ووحدة الغسل الكلوي سمير شاهين، فيقول بأن المرضى والمنطقة بنحو عام بحاجة إلى “التوعية الصحية بمخاطر استخدام المياه الملوثة”، وأكد أن العديد من المرضى يلجأون إلى الطب البديل(الأعشاب) لمعالجة انفسهم “وهذا يسبب أضراراً اضافية خاصة لمرضى الفشل الكلوي”.
من جانبه يكشف عضو مجلس محافظة كركوك رعد صالح، أن المجلس يدرس البدائل والحلول الممكنة لمشاكل المياه في المنطقة، ويقول:”القرى تعاني من شحة في المياه النقية، لذا اقترحنا حفر آبار ارتوازية وتأسيس منظومة شبكة مياه حديثة- تصفية وتحلية”.
وسط المقترحات والوعود الحكومية التي تتوالى منذ سنوات دون حلول حقيقية، يواصل مرضى قرى ضفاف الزاب مواجهتهم اليومية لآلامهم ويواصلون وحيدين رحلات علاجهم المضنية.
من بينهم (ردسه حمد) وهي سيدة في عقدها السابع من قرية النميصة، إذ كانت في غرفة (الديلزة) بوحدة غسل الكلى في الحويجة، مستسلمة لإجراءات الممرضة التي كانت تضبط الجهاز وتثبت الأنابيب على رقبتها، ومعها حقنة لفتح الأنابيب من اجل تدفق دماء ردسه إلى جهاز الغسل.
تقول ابنة ردسة، التي ترافقها باستمرار، بأن رقبة والدتها تؤلمها كثيراً بسبب الانابيب التي تثبت عليها “حاول الأطباء تثبيتها على يديها، إلا أن شرايينها ضعيفة، فاضطروا لتثبيتها في رقبتها من الطرف الأيمن، وهذا الجزء تضرر، فتم تحويلها إلى الجزء الأيسر من رقبتها ولا اعلم أين سيضعونها بعد ذلك”.
وتروي الأبنة كيف أصيبت والدتها بالعجز الكلوي “حصل ذلك في شباط/فبراير الماضي حاولنا كثيراً تجنب مرحلة الغسل، لكن خياراتنا كانت قد استنفذت ونسبة اليوريا في جسدها ترتفع لتصل أحياناً إلى 250 والكرياتين من 11-12 وهذه نسب عالية وخطرة”.
على مقربة من ردسه ووالدتها، كانت أم شفاء (38 ستة) على وشك الإنتهاء من جلس غسل كليتيها لذلك اليوم، تذكر بأنها تراجع وحدة الغسل يومي السبت والثلاثاء من كل اسبوع، من الثامنة صباحا وحتى الثانية من بعد الظهر.
تؤكد وبنحو قاطع أن المياه الملوثة هي التي سببت لها فشلاً كلويا “حتى لو لم يخبرني الأطباء، سأعرف هذا بنفسي، منذ أن ولدت الى يومنا هذا ونحن نستخدم المياه من النهر بشكل مباشر، ولا أعلم إن كنت سأعيش لأرى المياه النظيفة وهي تصل إلى بيوتنا”.
تصمت للحظات وعينها على جهاز الغسل، ثم تتابع وهي تحاول بلع ريقها بصعوبة:” ليس من أجلي بل من أجل أطفالي”.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة”.
المزيد عن تحقيقات استقصائية
تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":26873}" data-page="1" data-max-pages="1">