لا يعول منتظر جاسم (31 سنة) من مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى الجنوبية، على ما تعلنه الحكومة الاتحادية من “إصلاحات وإجراءات سريعة” لإنقاذهم من التردي المزمن في الخدمات وارتفاع مستويات البطالة والفقر وتفشي الفساد في المحافظة التي يصفها أبناؤها بأنها واحدة من المدن المنسية التي يعم الخراب كل ركن فيها.
جاءت تحركات الحكومة، التي شملت صرف مخصصات مالية اضافية وارسال لجان للتحقيق في مشاريع متلكئة وفاشلة، على خلفية دعوات قادها رجل دين محسوب على مرجعية السيد علي السيستاني، بالخروج في تظاهرات وإقامة إعتصام شعبي لطرد “المسؤولين الفاسدين”، الذين يعملون على إدامة امتيازات أحزابهم ويجمعون ثروات شخصية من المال العام على حساب الملايين من أبناء البلد النفطي الغارقين في الفقر وتردي قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد.
يقول جاسم الذي يعمل في متجر للمواد الغذائية:”كلنا نريد إخراج المثنى من خرابها، فهي أفقر محافظات البلاد والفشل ماثل في كل مكان، لكن ما يحدث مجرد صراعات سياسية بين أحزاب المحاصصة التي تريد تحقيق مكاسب لنفسها”.
ويتساءل: “هذه الحكومة لم يمض على تشكيلها سوى أربعة أشهر، والمحافظ يقول بأن الأموال المخصصة للمشاريع لم تصل بعد، لماذا إذن يريدون التظاهر ضدها؟ ولماذا لم يفعلوا ذلك مع الحكومة السابقة التي كانت غارقة في الفساد، حتى أن المحافظ كان متهما بـ21 قضية فساد في النزاهة وفق نواب عن المثنى؟”.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد وجه بتشكيل مجموعة لجان للتحقيق في ملفات فساد أثارها أمر لواء أنصار المرجعية في الحشد الشعبي، حميد الياسري، بدعوته في السابع من حزيران/يونيو 2024 إلى تظاهرات وأعتصام شعبي أمام مبنى محافظة المثنى، حدد له يوم الأربعاء 12 حزيران/يونيو “لطرد الفـاسدين وليعبر الجماهير بأن المحافظ وأعضاء مجلس المحافظة لايمثلونهم، ويعملون لأحـزابهم فقط” على حد ما جاء في بيان صدر عنه.
وطالب الياسري، مجلس النواب ورئاسة الوزراء بإرسال حاكم عسكري “نزيه يدير أمور المحافظة لحين البت في مصيرها، وتشكيل لجنة خاصة من رئيس الوزراء للإشراف على تخصيصات موازنة السماوة ومتابعة مشاريعها وتخليص الشركات العاملة من العمولة التي تفرضها الأحزاب على الشركات والتي وصلت الى 13%”.
وطالب أيضاً بتشكيل لجنة تضم أعضاء من جميع اقضية ونواحي المحافظة “تمثل الجماهير فعلاً للتفاوض مع اللجان القادمة من بغداد، والاعتصام أمام كل مكاتب الأحزاب التي تسببت بهدر اموال المحافظة من عام 2003 الى يومنا هذا ومن دون استثناء”.
مكاسب دون احتجاجات
مساء يوم السبت 8 حزيران/يونيو 2024 أعلن ناشطون تجمعوا في “ساحة تموز” وسط السماوة في بيان مصور، دعمهم ومساندتهم لما وصفوها بـ”إحتجاجات لواء المرجعية” بسبب”الفساد الذي نهش محافظة المثنى والمحافظات الأخرى والمحاصصة المقيتة داخل الدوائر الحكومية لسنوات طوال”.
وحذروا في بيانهم الذي تلاه ممثل عنهم، أية جهة تحاول قمع التظاهرات أو المساس بالمتظاهرين أو ممثليهم “سيكون الرد حينها قاسياً”.
دعوة الياسري، وصيغة خطاب الناشطين، رفع حماسة العديد من الناقمين على الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وبشكل خاص الديوانية وذي قار وميسان، التي تعد الأعلى بطالة والأكثر فقراً على مستوى البلاد، والتي يتجاوز مستوى الفقر في بعضها أو يقترب من الـ50% بحسب احصاءات وزارة التخطيط المعلنة في العام 2020.
وأخذ البعض يتحدث بحماسة عن”ثورة حزيران” على غرار”ثورة تشرين” وهو الأسم الذي أطلق على احتجاجات شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية بدءاً من تشرين الأول/اكتوبر 2019، بسبب سوء الخدمات والفساد في المؤسسات الحكومية والتي أطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي وأدت الى حل مجالس المحافظات في حينها.
غير أن حماسة الناقمين على فساد الحاكمين في الجنوب، إندرست في اليوم التالي، التاسع من حزيران/يونيو حين أعلن أمر لواء أنصار المرجعية، حميد الياسري، في بيان آخر عن تأجيل التظاهرات والإعتصام، لأن وفداً يضم فضلاً عنه عشرين شخصية من المثنى قابل في نفس اليوم رئيس الوزراء في العاصمة بغداد، وحقق ستة مكاسب وصفها بـ”الثقيلة”.
وحدد تلك المكاسب، بتشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للإشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال، وقيام ممثلي المظاهرات بالاشراف على تنفيذ مشاريع المحافظة كجهة ساندة ومراقبة.
الى جانب تشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية لكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003، ودعوة المواطنين لتقديم ملفات الفساد لهذه اللجنة عن طريق ممثلي المظاهرات في مناطقهم، على أن تجتمع اللجنة بشكل مستمر مع ممثلي الجماهير لكشف الفساد.
وأشار الياسري أيضا الى تقديم طلب الى مجموعة من أعضاء مجلس النواب عن محافظة المثنى، بينهم النائب سعد عواد التوبي لسحب الثقة من المحافظ ومجلس المحافظة بسبب مخالفات ارتكبوها مع شركات ومقاولين. وقال انه استحصل مبلغ 37 مليار من رئاسة الوزراء ستسلم الى لجنة مهندسين من مكتب رئيس الوزراء لإقامة مشاريع خدمية تقدمها لجنة المظاهرات الشعبية، ولا يسمح للمحافظ ومجلس محافظة بالتدخل فيها.
وأكد الياسري، على غلق جميع “المكاتب الاقتصادية” التابعة للأحزاب “وأخبار جهاز الامن الوطني والاستخبارات عن وجود أي مكتب في السماوة”.
وتُتهم الأحزاب الشيعية الاسلامية الحاكمة، بتشكيل مكاتب اقتصادية في مجمل المحافظات، تقوم بتوزيع المشاريع على شركات قامت بإنشائها، لتستحوذ من خلالها على المشاريع، التي أظهرت تجارب 20 سنة ان غالبيتها فاشلة او متلكئة او وهمية لا وجود لها، ليتم هدر مئات ملايين الدولارات التي تنتهي بالمحصلة الى جيوب قادة ومسؤولي الأحزاب.
وذكر الياسري، أنه طالب بأن تشمل لجان رئاسة الوزراء “كل المحافظات المحرومة وعدم السماح للمحافظين ومجالس المحافظات بالتصرف بالأموال”.
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد جانباً مما ذكره الياسري، وقال في تصريح نشره على حسابه الخاص في فيسبوك، أنه وجه بعد لقائه “وفد المثنى” بتشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية “تقوم بزيارة المحافظة لمتابعة البلاغات المتعلقة بشبهات الفساد وهدر المال العام، وتدقيقها وإحالتها إلى التدقيق، وفي حال ثبوت الخلل يتم إجراء التحقيق وتحديد المقصرين وإحالتهم إلى القضاء”.
ووجه كذلك بأرسال لجنة فنية برئاسة رئيس فريق الجهد الهندسي وفريق المتابعة لزيارة المحافظة وتشخيص مواطن الخلل في تنفيذ المشاريع الخدمية، كما وجه وزارة التربية لمتابعة المدارس المكتملة، التي لم تُستلم بسبب إشكالات إدارية وقانونية.
رئيس الوزراء قابل في ذات اليوم، وفداً من حكومة المثنى المحلية، تمثل بالمحافظ مهند العتابي ورئيس مجلس المحافظة أحمد محسن محمد آل دريول. الأخير قال بأن:”الاضطرابات الأخيرة والدعوات للتظاهر افرزت حالة إيجابية تصحيحية تؤشر أن المواطن على قدر من المسؤولية في تحركه للدفاع عن حقوقه وحقوق أهله”.
وأقر بأن المثنى عانت “الحرمان واستفحال آفة الفساد التي فتكت بكل شيء، وإن خطوة الرئيس بتشكيل لجان مختصة لفتح ملفات سابقة وحالية تشوبها شبهات فساد، هي خطوة صحيحة وندعمها من أجل احقاق الحق وإرجاع ما ضاع من مال هو حق لكل أبناء المثنى”.
وبالتزامن من ذلك أعلنت هيئة النزاهة، يوم 10 حزيران/يونيو عن إطلاق حملة للإبلاغ عن تضخم الأموال والكسب غير المشروع في محافظة المثنى، وتشمل المحافظين ورؤساء وأعضاء المجالس المحلية والمسؤولين في دوائر المحافظة السابقين والحاليين، ودعت المواطنين للابلاغ عن أية عملية فساد يشكون بوجودها.
ويتناقل مواطنون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معلومات وقصص عن ثراء سريع لمسؤولين في الأحزاب الحاكمة وأبنائهم وذويهم، وعن امتلاكهم بيوت ومزارع وعقارات وسيارات حديثة، لا يمكن ان يشتروها برواتبهم أو حتى بتجارة شرعية ولو بعد عشرات السنوات.
أفقر محافظة عراقية
تُعد محافظة الديوانية ثاني أكبر محافظة من حيث المساحة (51000 متر مربع) لكنها في ذات الوقت وبحسب وزارة التخطيط أقل محافظة من حيث عدد السكان الذي لا يتجاوز المليون نسمة، وهي الأكثر فقراً من بين المحافظات، إذ تبلغ نسبته فيها نحو 52%.
خصصت لها الحكومة الاتحادية مبلغ 303 مليار دينار من الموازنة العامة لسنة 2023 فضلاً عن 150 مليار دينار من صندوق الإعمار للمناطق الأكثر فقراً، لكن ما خصص لها في 2024 هو فقط 54 مليار دينار إضافة إلى 150 مليار دينار من صندوق الإعمار للمناطق الأشد فقرا، وهو ما عدته الحكومة المحلية هناك قليلاً إزاء احتياجات المحافظة الكثيرة.
رئيس مجلس محافظة المثنى، أحمد محسن دريول، ذكر بأن المبالغ المخصصة لسنة 2024 غير متناسبة مع الكثافة السكانية، وأن بعضاً من المشاريع سوف تتلكأ بسبب ذلك. وهذا ما يؤكده كذلك مستشار محافظ المثنى للشؤون الأقتصالدية رشيد محمود الأعاجيبي.
إذ يقول:”ستحدث مشاكل للحكومة المحلية التي لم يمض على تشكيلها سوى أربعة أشهر، لأن التخفيض سيؤثر بشكل كبير على تقديم الخدمات ويجعلها في حرج أمام المواطنين”، مشيرا إلى أن المثنى تعاني من نقص كبير في الخدمات، وتتفشى فيها البطالة والفقر “والمبالغ التي خصصت لها لسنة 2024 لاتغطي تكاليف المشاريع التي خطط لها، ولاتعادل سوى ربعها فقط”.
النائب محمد رسول الرميثي، عضو لجنة الأمن والدفاع، يقول بأن الحكومات المتعاقبة من عهد النظام السابق، تعد المثنى “محافظة ثانوية”، أي غير مهمة، بسبب قلة سكانها، فالأحزاب والكتل يتنافسون بشكل أكبر في المحافظات التي يكون فيها تمثيل أكبر في مجلس النواب “وتكون فيها إيرادات مالية أكبر!”.
ويستدرك:”وهذان الأمران لاتملكهما المثنى، لأن سكانها لايتجاوزون المليون نسمة، وكل نوابها لايتجاوز عددهم سبعة فقط، كما أنها تفتقر إلى الإيرادات، فليس فيها منفذ حدودي ولا مطار ولا مزار ولا مصنع ولا زراعة”.
ناشطون سياسيون ومدنيون، يعزون مشاكل المثنى لما يصفونه بـ”الفساد الكبير” فيها، ويذكر رئيس تيار الوعد العراقي، موسى رحمة الله، أن المحافظة “منكوبة” بسبب اهمال الحكومتين المركزية والمحلية وفي ظل “الفساد الكبير داخل المؤسسات الحكومية” الذي أفقد ثقة الناس بممثليهم في السلطة، مبيناً أن “جهات متنفذة تقف وراء كل الهدر والفساد الحاصل بالمحافظة”، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن المؤسسات الحكومية قد:”تحولت إلى مزادات وبازارات ومقاولات تشترى من قبل متنفذين داخل الحكومة المحلية”.
واتهم القوى السياسية في مجلس المحافظة بالمشاركة في المحاصصة السياسية مع غياب أدوار أعضاء المجلس، وكذلك الحال بالنسبة لأعضاء مجلس النواب الممثلين عن المثنى “ليس لديهم أي دور رقابي ولم نشاهد أي معارضة حقيقية أو مبادرة تساهم في إيقاف عملية الاستحواذ على دوائر الدولة لتحقيق مصالحها”.
الناشط حسين العظماوي، يحذر من أن السماوة ومدن أخرى “على صفيح ساخن” وأن الدعوة الى احتجاجات شعبية ترتبط بمسائل مطلبية نتيجة “نقص الخدمات، والوضع المتردي الذي يعيشه الناس”، متوقعاً أن تشهد محافظات أخرى دعوات احتجاج في الفترة القريبة المقبلة اذا لم تحصل تحركات اصلاحية.
ويلخص الأسباب: “هناك تنمية متفاوته في العراق، ففي الوقت الذي تشهد فيه العاصمة بغداد وبعض المحافظات تطوراً في افتتاح المشاريع الخدمية، حتى وإن شابها فساد، إلا أن محافظات مثل المثنى، الديوانية، ميسان، وبابل، تفتقر إلى أبسط الخدمات ومقومات العيش الكريم من سكن وعمل وخدمات، رغم تخصيصاتها التي تهدر في مشاريع تتلكأ او تفشل سريعاً.
ويضيف :”وهناك معوقات في عمل مجالس المحافظات أهمها افتقادها للقرار الذاتي، فأغلب ما تتخذه من قرارات بما فيه تعيينات مدراء الدوائر ورؤساء الوحدات الإدارية وحتى اختيار المحافظين، يتم الاتفاق عليه مركزياً من في اجتماعات القيادات السياسية، اجتماعات مايعرف بالإطار التنسيقي مثلاً”.
وطوال عشرين عاما فشلت مجالس المحافظات في أن تكون ممثلة حقيقية لأهالي المحافظات تخدمهم وتتبنى تنفيذ مطالبهم وتحقيق تطلعاتهم، نتيجة نسب المشاركة الضعيفة في الانتخابات خاصة الأخيرة التي جرت أواخر 2023، لذلك يعمل أغلب أعضاء المجلس، على توسيع زبائنيتهم الانتخابية من خلال استغلال امتيازات تواجدهم في المنصب.
شكوك وتكهنات
ومع وجود تأييد شعبي للتحرك الاحتجاجي بما يساهم في إحداث إصلاحات في المثنى، هنالك أيضاً مشككون في النوايا، إذ يعتقد ناشط مدني في السماوة، طلب عدم ذكر أسمه، بأن ما يحدث “مجرد مسرحية جديدة في إدعاء مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات”.
واتهم رئيس لواء المرجعيه حميد الياسري، بأنه:”لم يحصل على شيء من الحكومة الجديدة، بخلاف السابقة التي سكت عن فسادها طوال سنوات، وتذكر الآن بأن أهل المثنى مظلومون ودعاهم للمطالبة بحقوقهم، فأين كان قبل سنة أو خمس سنوات؟”.
وقال بأن السبب الحقيقي وراء دعوته لخروج الناس في تظاهرات، هو “الصراع مع عصائب أهل الحق، ورفع يدها عن مصادر تمويل في المحافظة، لوضع يد العتبات عليها، ولا سيما ان لواءه هو واحد من التشكيلات التابعة للعتبات” على حد تعبيره.
فيما يرى الكاتب علي بشير، أن زيادة المخصصات المالية للمثنى العام المنصرم (2023)، فضلاً عن أموال صندوق المحافظات الأشد فقراً، قد أسال لعاب بعض الأحزاب والفصائل المسلحة “ويبدو أنها لم تتوصل إلى تفاهمات مع الحكومة المحلية من أجل تقاسمها، لذا تم التهديد باللجوء الى الشارع”.
ويستدل في ذلك، على تركيز حميد الياسري، في بياناته على المشاريع، وضرورة أن تكون “هنالك جهات أخرى تتابع تنفيذها غير الحكومة المحلية”، متسائلا “أين كان السيد الياسري عندما كانت الحكومة المحلية السابقة تستنزف أموال المحافظة لصالح الأحزاب والكتل التي شكلتها؟”.
وقال بأن ذلك سيتضح بعد أشهر من نتائج عمل اللجان التي أعلن عن تشكيلها لمعالجة ملفات الفساد وغيرها من قبل رئاسة الوزراء “فإذا عادت حليمة إلى عاداتها القديمة، واستمر الفساد كما كان عليه، فهذا يعني حتما أن الدعوات للتظاهرات والاعتصامات كانت مجرد أوراق ضغط وإبتزاز للحصول على جزء من الكعكة لا غير”.
الناشط المدني من محافظة المثنى حيدر حاتم، يتهم ممثلي السلطتين التشريعية والمحلية في المثنى بمحاولة إبقاء أبناء المحافظة على “حدود الفقر وكل ما ينشأ عنه من تداعيات كالجهل والتخلف والإيمان بالأساطير والخرافات”.
ويشير إلى مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي يظهر النائب عن محافظة المثنى محمد راضي سلطان الزيادي، وهو يرد على مواطن من ألبو ريشية في قضاء الخضر إشتكى من عدم وجود مدرسين في مدرسة بمنطقته، بقوله:”لديكم الخضر، ماذا تفعلون بالمدرسين، اعطونا الخضر نعطيكم بدلاً عنه عشر مدرسين”.
والخضر، شخصية دينية تذكر مرويات إسلامية إلى أنه أحد الأنبياء، لديه العديد من المزارات والمقامات في المنطقة العربية وبينها العراق، ففضلاً عن جامع كان فيه مقام له بالجانب الأيمن للموصل ودمره تنظيم داعش في 2014، هنالك مقام له في قضاء يحمل ذات الأسم بمحافظة المثنى.
ويقول الناشط حيدر:”مشهد النائب وهو يخبر المواطن الباحث عن حل لمشكلة المدرسة التي ليس فيها مدرسين لمواد معينة، أن المقام الديني أفضل لأبناء منطقته، تأكيد لمنهجية تتبعها الطبقة السياسية في العراق بتجهيل الشعب حتى يتفرغوا هم لنهب ثروات البلاد” على حد قوله.
ملفات فساد وسرقات مليارية
وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد أحال في أواخر 2023 محافظ المثنى السابق أحمد منفي جودة، إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بسبب ملفات الفساد وتضخم الأموال، وقبلها قدم نواب ممثلون عن المثنى طلبات بإقالة المحافظ، لكنه بقي في منصبه، ولم تتم إدانته بما نسب إليه من تهم “رغم الخراب الذي يعم المحافظة، وفشل مشاريع مهمة تبددت أموالها” كما يقول (ع.ح) وهو موظف متقاعد.
ويضيف: “عشرون عاما والمشاريع تفشل، والخدمات سيئة والأموال تسرق، ولا أحد يُحاسب من الكبار، في ظل حماية الأحزاب، التي ترفع شعارات دينية ومذهبية، لفاسديها”.
يقول الناشط سلام كاظم حبيب، عن ذلك:”المسؤولون مدربون على السرقة، ويستخدمون أساليب عديدة للإستحواذ على الأموال دون أن تطالهم يد العدالة، فهم يفتحون حسابات مصرفية، ويشترون عقارات في داخل البلد وخارجه ويضعونها بأسماء أقرباء أو شركاء لهم، يدعوون النزاهة في حين أن الجميع يعرف بانهم فاسدون” على حد وصفه.
النزاهة كانت قد أكدت ما ذهب إليه الناشط سلام كاظم، عندما أعلنت دائرة التحقيقات التابعة لها في المثنى يوم التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر2023، عن اكتشافها قيام مُديريَّة بلديَّة السماوة بتقدير قيمة عقارٍ أُبرِمَ عليه عقد مساطحةٍ بمبلغٍ يقلُّ كثيراً عن الأسعار الحقيقيَّة السائدة لمصلحة أحد المُواطنين والحاصل فيه تنازل لمصلحة شقيق المُحافظ (السابق) أحمد منفي.
وذكرت بان لجنة التقدير والتثمين قامت بتقدير قيمة الإيجار السنويّ للعقار في العقد المُبرم لمُدَّة (25) سنة بمبلغ (9,900,000) ملايين دينار فقط، على الرغم من كونه يقع في موقعٍ تجاريٍّ ومُتميّزٍ ومساحته تبلغ أكثر من ألفي متر. فقرر قاضي التحقيق المُختصّ بإستقدام، رئيس وأعضاء لجنة التقدير والتثمين.
وذلك بعد اطلاعه على نتائج تدقيق شعبة التدقيق الخارجيّ في المكتب، وضوابط التسجيل العقاري لسنة 2021 (التي أُبرِمَ فيها العقد) والتي أظهرت أنَّ مبلغ الإيجار السنوي يبلغ (131,202,509) مليون دينار، وأنَّ قيمة الهدر في المال العام بلغت (3,280,062,500) مليارات دينارٍ.
وأعلنت كذلك النزاهة عن ضبط مخالفات في إحالة أربعة مشاريع خدمية في قسم العقود الحكومية بمحافظة المثنى، بلغت تكلفتها الإجمالية أكثر من 51 مليار دينار. وأن لجنتي التحليل والإحالة، واللجنة المركزية للمراجعة والمصادقة في المثنى، أحالت مشاريع حكومية لشركتين محليتين على الرغم من تقديم هاتين الشركتين معلومات مضللة.
والمخالفات في المشاريع الحكومية هذه تركزت بمشروع تأهيل شوارع حي النصر الأول بمدينة السماوة، ومشروع تأهيل شارع المسبح الرابط بين جسر الشهداء وجسر الملعب، ومشروع تبليط شوارع منطقة أم الخيل في مدينة الرميثة “على الرغم من عدم استيفاء الشركتين المنفذتين للمعايير والشروط المطلوبة، ما يشكل انتهاكًا صريحًا لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية”.
وفي عهد الحكومة المحلية الجديدة، وتحديداً في الثاني من حزيران/يونيو2024، أي قبل أيام من الدعوات لتظاهرات واعتصام في المثنى، أعلنت هيئة النزاهة عن ضبط مخالفات في عقد تجهيز آليات تخصصية لمديريات الماء والمجاري والبلدية أبرمته المحافظة مع شركة تجارة عامة بقيمة (٣٠) ثلاثين مليار دينارٍ.
وأنَّ مُديريَّة توزيع الكهرباء رفضت تسلُّم (١١) رافعة مُخصَّصة لها بكلفة أكثر من ملياري دينار؛ لمُخالفتها المُواصفات الفنيَّـة المنصوص عليها في العقد. وأضافت الهيئة في بيانها عن كشف حدوث عمليات تلاعبٍ وتزويرٍ واختلاسٍ رافقت عمليَّة صرف صكٍّ بمبلغ يزيد عن (٦٣٩) مليون دينارٍ من حساب المُحافظة في مصرف الرشيد/ فرع السماوة.
سعيد موسى، عضو لجنة مكافحة الفساد السابق، ذكر بأن المحافظات الجنوبية فيها تراجع في مجال التنمية مقارنة بأجزاء أخرى من البلاد، مع نسب فقر عالية تجاوزت الـ 50% في مؤشر على “كارثة كبيرة”.
وتساءل:”ماهي مؤشرات التنمية في السماوة، وفي ذي قار والديوانية وغيرها؟ هنالك مشاريع وهمية موجودة فقط على الورق، وتستغل لإستيراد سلع. وهناك الكثير من المشاريع المتلكئة، والسبب أنها تحال على جهات اقتصادية تمثل احزاباً وحركات سياسية وهي التي تقضم أموال إدارات الحكومات المحلية بل وحتى الحكومة الاتحادية”.
مرتضى عماد (54 سنة) موظف حكومي متقاعد لأسباب صحية، من محافظة ذي قار، يقول بأن محافظته كذلك والديوانية وبابل وحتى البصرة بحاجة أيضاً إلى تحرك يشبه الذي حدث في محافظة المثنى “لكشف حالات الفساد وهدر المال العام”.
ويلفت إلى أن جولة صغيرة في هذه المحافظات”المنكوبة” ستبين حجم معاناة أهلها “هناك ندرة في فرص العمل، وفقر شديد، وتدهور للزراعة بفعل قلة المياه والجفاف، وتدهور للصناعة خدمة لمستوردين، وانتشار للعشوائيات بسبب الهجرة من الريف الى المدن، وفشل كبير في تقديم الخدمات، وشيوع ظواهر المحسوبية والفساد والمخدرات”.
ويقارن الوضع في هذه المحافظات، ومحافظات أخرى في وسط وشمال البلاد”في نينوى والأنبار التي سقطت بيد داعش، ودمرت بعض مناطقها بشكل كامل في حرب تحريرها، ولم تبق فيها بنية تحتية، ونزح منها مئات الآلاف وغادرها أصحاب رؤوس الأموال، لكن مع ذلك نرى أوضاعها في الوقت الحالي أفضل بكثير من المحافظات الجنوبية، حيث تجد تنافسا في اطلاق المشاريع وتطوير كل مفاصل الحياة فيها”.
عماد يرى أن الفساد حالة عامة في العراق يعاني منها الجميع، لكنه يستدرك: “في الأقل محافظات الشمال والوسط، ينفقون القسم الأكبر من المبالغ في تنفيذ مشاريع نفع عام، في حين تذهب الأموال في الجنوب إلى الأحزاب عبر مكاتبها الاقتصادية وشركاتها الوهمية والفاشلة، لتنتهي في جيوب المسؤولين أصحاب السرقات المليارية الذين بنوا جنائن لأنفسهم وتركوا مدنهم غارقة في الخراب”.
المزيد عن تقارير سردیة
تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":26277}" data-page="1" data-max-pages="1">