تحقيقات استقصائية: بغياب تطبيق القوانين البيئية.. الكتل الخرسانية تمتد الى جبال السليمانية مهددة بيئتها الطبيعية

بغياب تطبيق القوانين البيئية.. الكتل الخرسانية تمتد الى جبال السليمانية مهددة بيئتها الطبيعية

“انهم يحولون المساحات الخضراء إلى مكعبات كونكريتية!” تقول سارة كريم (34 سنة) وهي تشير بحركة يد انفعالية إلى منطقة في مصيف سرجنار (5 كم غرب السليمانية) كانت “حديقة عامة” اعتادت على ارتيادها خلال سنوات طفولتها قبل ان تتحول الى مجمع سكني.

“جلبت طفليَ الصغيرين معي لكي نتنزه هنا، لكن المكان تغير تماما ولم يبق كما كان مليئاً بالأشجار والمساحات الخضراء التي كانت توفر هواءً نقياً للهاربين من حر وزحامات المدينة. الآن بدلا من ذلك لا نجد سوى هذه الأبنية” تتابع سارة وهي تمسك بيدي طفليها لتعيدهما إلى سيارتها التي ركنتها على جانب الطريق.

 اشتهرت منطقة سرجنار، خلال العقود المنصرمة، بكونها ملاذا للعائلات القادمة إليها للتنزه سواءً من مدينة السليمانية أو حتى من باقي المحافظات العراقية، واشتهرت حدائقها المترامية بكونها مسرحا للإحتفالات الشعبية خاصة في عيد نوروز.

تقول سارة وهي تنظر الى طفليها المسترخيين في مقعديهما الخلفيين :”ليست سرجنار وحدها التي فقدت أشجارها الوارفة ومساحاتها الخضراء، بل السليمانية بشكل عام، فلن تجد أينما حولت نظرك سوى العمارات السكنية التي يصل ارتفاع بعضها إلى 30 طابقاً”.

ما يحدث في السليمانية ينطبق على اقليم كردستان بنحو عام، بعد أن شهد توسعاً عمرانياً سريعاً منذ العام 2005، وإنفتاحاً كبيراً باتجاه البناء العمودي، لاسيما بعد تنافس شركات استثمارية أجنبية في هذا القطاع، أغلبها تركية وإيرانية بنت عشرات آلاف من الوحدات السكنية بمواصفات وأسعار مختلفة.

مواصفات متعددة وغياب للمساحات الخضراء

جولة ميدانية سريعة، بين عدد من المجمعات السكنية العمودية في محافظات الاقليم الثلاث، تظهر أنها تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: الأولى منخفضة الكلفة، مخصصة لمحدودي الدخل وبأسعار تتراح بين 45-60 ألف دولار أمريكي، وتفتقر غالبية مشاريعها للمواصفات العالية ومتطلبات المتانة في البناء وحتى معايير السلامة، ما يجعل بعض المختصين يشككون حتى بقدرتها على تحمل الكوارث الطبيعية كالزلازل القوية، الى جانب افتقادها الى المساحات الخضراء.

أما الفئة الثانية فتمتاز بمواصفات متوسطة إلى عالية، وتبدأ أسعارها من 80 ألف دولار صعوداً لتصل إلى 300 ألف دولار أمريكي، جزء منها أيضا يفتقد لمعايير السلامة العالمية وشروطها، بينما القسم الآخر انشأ بمواصفات عالمية رصينة تراعي جميع شروط السلامة والحماية من الكوارث، لكنها ايضا تفتقر الى المساحات الخضراء وأحيانا يتم التجاوز على التصميم الأساسي بإلغاء بعض المساحات التي أعلنت خضراء، بتحويلها الى أبنية خدمية او سكنية، وفقا لمتخصصين.

ومنحت هيئة الاستثمار في اقليم كُردستان الكثير من مشاريع الإسكان تراخيص للبناء استنادا إلى قانون الاستثمار المعمول به في الإقليم، حتى بلغ عدد الوحدات السكنية التي بُنيت وفقاً لذلك أكثر من 220 ألف وحدة سكنية بمختلف الأشكال والمساحات.