حلبجة المنسية… ضحايا بلا رعاية ومفقودون بلا أمل وملفات حقوقية مهملة
بعد ثلاثة عقود ونصف مازال ملف الأطفال المفقودين في حلبجة عالقا، حيث تبحث أكثر من 70 عائلة عن نحو 150 طفلا مفقودا أثناء قصف المدينة بالأسلحة الكيميائية وخلال رحلة النزوح والتشرد الى ايران، في وقت يعاني عشرات المصابين لتوفير العلاج لاصاباتهم وينتظر آخرون اجراء عمليات تُحسن حياتهم، بينما يظل ملف ملاحقة المتورطين مهملاً.
من السليمانية ثاني أكبر مدن اقليم كردستان المتمتع بالحكم الفيدرالي بمبانيها الحديثة ومحالها التي تقدم نفسها بواجهات كونكريتية وزجاجية لامعة، وصولا الى حلبجة (80 كلم) يقودك الطريق المليء بالحفر والتقطعات فضلا عن نقاط التفتيش الى مناطق الاقليم المنسية التي تذكرك شوارعها المهملة وفوضى أسواقها وهياكل بناياتها الشاحبة بسنوات الحرب والفوضى الأمنية في الاقليم.
حلبجة المدينة التي عرفت في العراق وعلى صعيد العالم بـ”مجزرة الهجوم الكيميائي” التي ارتكبها نظام صدام حسين في آذار مارس 1988 موقعا آلاف القتلى والجرحى، تبدو وكأنها لم تغادر المأساة التي لم يحيي غالبية سكانها ذكراها السادسة والثلاثين في موقف يتخذونه منذ سنوات احتجاجا على ما يصفونه “بالاهمال وعدم تنفيذ التعهدات”.
يُدين اقليم كردستان، للمدينة بالكثير من الفضل، فمن خلال مأساة أهلها كسب الشعب الكردي تعاطفا انسانيا وتعاطيا دوليا غير مسبوق، ترجم بعد انتفاضة آذار مارس 1991 والنزوح المليوني للمواطنين الكرد نحو الحدود “الايرانية-التركية” هربا من الابادة المحتملة، الى قرار مجلس الأمن الدولي 688 في نيسان ابريل 1991 القاضي بحماية المدنيين من القمع.
وفقا لذلك القرار الذي دعمته فرنسا وبريطانيا وامريكا، تم إنشاء مناطق حظر للطيران العراقي “من أجل حماية العمليات الإنسانية” ما سمح عمليا بتشكيل اقليم كردستان وخروجه عن سيطرة نظام حزب البعث.
الاهمال واللامسؤولية التي يواجهها سكان حلبجة وغالبية المدن والبلدات الكردية، من السلطات الحاكمة في الاقليم، والتي عطلت مشاريع التنمية واعادة البناء، يرجعه سياسيون وباحثون الى الصراع “المالي-الاداري” بين الحزبين الحاكمين (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني) والذي وصل الى حد تقسيم الاقليم الى منطقتي نفوذ، وأدى الى انتشار الفساد في ظل غياب المحاسبة.
لم يقتصر الفشل الحكومي، في انشاء شبكات طرق حديثة واطلاق مشاريع استثمارية “انتاجية” أو تقديم الخدمات الأساسية للسكان في المدن الصغيرة بما فيه المتعلقة بالمياه والكهرباء والصحة والتعليم وتوفير فرص العمل، بل وصل الى العجز عن تعويض “ضحايا الابادات” والتحرك لإنصافهم وحل مشاكلهم.
ثلاثة عقود ونصف مرت على “مجزرة حلبجة” التي قصفت بالأسلحة الكيميائية المحظورة دوليا، لكن مازال المئات من جرحى القصف الكيميائي يعانون في الحصول على العلاج من الأمراض المختلفة التي أصيبوا بها وينتظر الكثير منهم مد يد العون لاجراء عمليات تُحسن حياتهم.
القصف الذي كان قد حصل في الأيام الأخيرة للحرب العراقية الايرانية (1980-1988) حمل لسكان البلدة الحدودية المتاخمة لايران، اصابات قاتلة لاحقتهم لسنوات جراء ما تركته في اجسادهم الغازات السامة، وتسبب في تشريد آلاف العوائل وتفرق أبنائها، الى جانب تدمير وإنهاء الحياة في نحو 200 قرية.
تقدر جمعية “ضحايا القصف الكيميائي” عدد المصابين في حلبجة الذين يحتاجون الى علاج ورعاية مستمرة بأكثر من 300 مصاب، بينهم نحو 50 شخصا بحاجة الى عمليات جراحية مختلفة بما فيه عمليات لزراعة القرنية لإنقاذهم من العمى نتيجة تعرضهم المباشرة للغازات.
عدا الذين يعانون من مشاكل في البصر، هناك عشرات المصابين بمشاكل جلدية وفي الجهاز التنفسي، ويطالبون السلطات الكردية بتخصيصات مالية لمساعدتهم على تلقي العلاج خارج العراق، غالبية هؤلاء هم شهود أحياء على المجزرة التي حصلت يوم كانوا أطفالا ومراهقين وفقدوا خلالها عوائلهم. وكانت هناك تخصيصات سابقة لمعالجة هذه الحالات لكنها توقفت بسبب الأزمة المالية في كردستان.
ولا توجد احصاءات دقيقة عن ضحايا الهجوم على حلبجة، ففي وقت تشير جهات دولية كمنظمة هيومن رايتس ووتش الى توثيق مقتل أكثر من 3200 شخصاً، حرص المسؤولون في حكومات اقليم كردستان المتعاقبة في بياناتهم وتصريحاتهم على ايراد الرقم 5000، وهو متوسط تقديري لأرقام غير رسمية تقدر الضحايا بين 4000 الى 7000 قتيل واكثر من 10 آلاف جريح، مؤكدة صعوبة التوصل الى رقم دقيق في ظل ابادة عائلات كاملة.
الرقم الأقرب الذي توصل اليه كاتب التقرير بعد سنوات من البحث في ملفات ضحايا الهجوم الكيماوي على حلبجة، متضمنا القتلى والمصابين والمفقودين، بلغ أكثر من 3600 اعتمادا على قصص محفوظة ومؤرشفة للضحايا.
غياب مراكز الرعاية
هاوكار صابر، أحد ضحايا الهجوم الكيميائي، يتحدث بأنفاس متقطعة عن حاجته مع عشرات المصابين الآخرين الى رعاية دائمة لمنع تفاقم مشاكلهم الصحية.
يشير صابر الذي يعاني من ضيق دائم في التنفس يجبره على الاستعانة بجهاز الأوكسجين لمساعدة رئتيه المتعبتين، الى ان الأمر لا يتعلق فقط بتأمين رواتب شهرية وتوفير الأدوية التي يحتاجونها، بل في بعض الحالات الى تخصيصات لعمليات ضرورية.
تحصي جمعية ضحايا حلبجة وجود 75 عائلة تبحث عن 118 من أطفالها المفقودين، مؤكدة ان الرقم اكبر لأن هناك مفقودون لم يبق أي فرد من عائلاتهم حتى يبحثوا عنهم!
ظهرت آثار التعرض للغازات الكيميائية واستنشاقها، والتي حددها تحقيق طبي أجرته الأمم المتحدة بغاز الخردل إلى جانب مهيجات عصبية مجهولة الهوية، على غالبية الضحايا مبكرا ما أودى خلال ساعات بحياة من تعرضوا لها بشكل مباشر، فيما عانى المئات من حالات مرضية دائمة ماتوا بسببها في الأشهر اللاحقة للهجوم، بينما عانى آخرون من آثار أقل خطورة تعلقت بمشاكل في العيون والجلد.
ورغم رمزية اصابات هؤلاء كونها متعلقة بأكبر عملية ابادة وقعت في مكان واحد بحق مدنيين وخلال ساعات وبأسلحة محظورة، فانهم لم يلقوا الرعاية الطبية اللازمة ولم تقدم وزارة الصحة في العراق بشكل عام وفي اقليم كردستان بشكل خاص اي تأمين صحي او توفر بشكل دائم ومجاني مستلزمات طبية دون تمييز.
يعاني بعض هؤلاء من أوضاع صحية سيئة، مثل ماردين محمود (42 عاما) التي كانت تعاني حين التقيناها قبل عام من مرض السرطان بمرحلة متأخرة.
أوردت ماردين التي كانت تستلقي على سريرها في منزلها غير قادرة على النهوض، ذكرياتها عن لحظات لقائها الأول مع والدها بعد عودتها وكيف حاول تجنبها. قالت بينما التمعت عيونها وهي تتطلع الى سقف الغرفة “تمنيت لو لم أعد ابداً”.
كان عمر ماردين ست سنوات حين وقع الهجوم، وعثرت عليها قوات الحرس الثوري الإيراني، في قبو منزل حين دخلت المدينة وبدأت بتمشيط الأحياء وتفتيش المنازل بحثا عن ناجين.
بعدها بسنوات بعيدة حين اعدم والدها بالتبني في ايران، عرفت ماردين بحقيقة أصلها وكونها من ضحايا قصف حلبجة، وبعدها قررت ان تعود الى كردستان بحثا عن عائلتها، لتموت في النهاية بالسرطان.
أظهرت نتائج دراسات ميدانية وشهادات لعوائل الضحايا تابعها معد التقرير طوال سنوات، زيادة في معدل الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في السنوات القليلة التي تلت الهجوم.
لا يوجد مركز متخصص في اقليم كردستان، للعلاج النفسي للمصابين وللأشخاص الذين عانوا من آثار فقدان عوائلهم بعد الهجوم، بما فيهم الأطفال المفقودين الذين تم العثور على عدد صغير منهم فيما بقي مصير غالبيتهم مجهولا.
شفان محمود، وهو شقيق ماردين ويصغرها بعام واحد، كان أيضا قد تفرق عن عائلته ووجد نفسه بعد نجاته من الهجوم في مبنى لمدرسة بايران كانت قد حولت مؤقتا إلى مركز لاستقبال اللاجئين الهاربين والناجين.
أمضى الطفل هناك اشهرا بعيدا عن عائلته، قبل ان يأخذه أشخاص من المخيم الى مدينة رانية في العراق ليعيش ويكبر في كنف عائلة اختارت له اسم “بختيار” واصدرت له بطاقة هوية، الى أن قرر نشر قصته في صحيفة كردية ليعثر من خلالها على عائلته.
في ظل غياب الرعاية الصحية، لم يتجاوز الطفل تلك المعاناة سريعا ومازالت بعض صور حياته هناك لا تغادره.
بحسب تقرير لجمعية ضحايا الهجوم الكيميائي، واعتمادا على إحصاءات الحكومة العراقية كان يعيش أكثر من 115 الف شخص في مدينة حلبجة و216 قرية تابعة لها، وبعد الهجوم واستعادة نظام حزب البعث السيطرة عليها دمرت 198 قرية وشرد سكانها وفقدوا مصدر دخلهم الأساسي المعتمد على الزراعة، فيما بقيت 18 قرية فقط.
ووفقاً لأرقام متداولة، هناك نحو 150 طفلا مفقودا يعودون الى أكثر من 70 عائلة فقدت ابناءها اثناء القصف وخلال رحلة النزوح والتشرد الى ايران. وتذكر جمعية معنية بحماية الطفل ان 142 طفلا فقدوا بعد نقلهم إلى إيران ولم يعثر ذووهم عليهم.
بينما تحصي جمعية ضحايا حلبجة وجود 75 عائلة تبحث عن 118 من أطفالها المفقودين، مؤكدة ان الرقم اكبر لأن هناك مفقودون لم يبق أي فرد من عائلاتهم حتى يبحثوا عنهم.
صور لأحد ضحايا الهجوم
سنوات من الانتظار
تعقدت مشكلة الاطفال المفقودين والذين بات غالبيتهم اليوم في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من أعمارهم، في ظل عدم قيام السلطات طوال عقود بتبني اي برامج جدية للبحث عنهم في ايران وتحديد هويات من يتم العثور عليهم ومطابقتها مع هويات العوائل التي فقدت أطفالها من خلال فحوص الـ(DNA).
“اعظم موسى” هي واحدة من اللواتي فُقِدنَ خلال القصف، كان عمرها عامان ونصف حين احتضنتها عائلة ايرانية من ملجأ للأيتام، وأعطتها ذلك الأسم، وربتها لأكثر من 12 عاما، قبل أن تعرف انها واحدة من اطفال حلبجة المفقودين والذين انفصلوا عن عوائلهم خلال القصف، لتبدأ بعد سنوات رحلة البحث عن عائلتها ووالديها الحقيقيين.
سنوات البحث الأخيرة، التي جرت بجهود شخصية ومساعدة جهات كردية، قادت أعظم موسى، الى عائلة من ضحايا القصف فقدت ابنتها “جيا”، وفق ما أظهرته تفاصيل هروب العائلة وفقدانها لابنتهم والفحوص الأولية التي اجرتها.
وفق تلك الدلائل والنتائج باتت “أعظم موسى”، التي كبرت وتزوجت في ايران وأنجبت اطفالا، هي البنت المفقودة “جيا طيب”، لتخطط معها لحياتها الجديدة مع عائلتها الكردية في العراق.
لكن الأمور سارت باتجاه معاكس تماما، بعد تشكيك جهات عدة بالفحوص التي جرت، ما فرض اجراء اختبار دقيق آخر في الولايات المتحدة، انتهى بعد طول انتظار الى حقيقة أن “أعظم” ليست “جيا”.
تلك الفترة التي تتطلب أحيانا سنوات لإثبات النسب والحصول على قرار نهائي من المحكمة، تأتي على حساب حياة الضحايا وعائلاتهم وأوضاعهم النفسية، فحال عودتها الى ايران أقام زوج “أعظم موسى” دعوى قضائية ضدها، وكسب الأب حق رعاية أطفاله حيث يمنح القانون الإيراني ذلك الحق للأب بعد الطلاق، لتعود السيدة مجددا الى اقليم كردستان وتعمل في مخبز باربيل بعيدا عن اطفالها.
تفتقد كردستان الى اقسام مخصصة لمتابعة ضحايا جريمة حلبجة الى جانب عدم وجود مركز خاص للربط الاجتماعي والنفسي للمفقودين وأسرهم، كما لا يوجد قانون يختص بحقوق وامتيازات المفقودين
تحديد هويات المفقودين واعادتهم الى عوائلهم الحقيقية، قضية معقدة تتطلب جهود كبيرة من السلطات وتعاون مع المنظمات المدنية المعنية وعوائل الضحايا، فضلا عن توفر مختبرات بأجهزة حديثة تعطي نتائج حاسمة.
لكن اقليم كردستان يفتقد الى تلك الاجهزة، كما الى العدد الكافي من الكوادر المؤهلة للعمل في هذا المجال وللتحقق من هويات المفقودين وعوائلهم وأقاربهم الحقيقيين، لتفادي إجراء الاختبارات الضرورية في خارج القطر. كما لا تمتلك المراكز الأكاديمية كوادراً خبيرة اللازمة لإنتاج حل علمي لمسألة اتخاذ القرار الأسري.
مشكلة أعظم موسى، تكررت مع مريم، وان كان بتفاصيل مختلفة، بعد ان اكتشفت عقب أكثر من 27 عاما من العيش في كنف عائلة ايرانية، انها ليست ابنتهم، بل هي متبناة وهي احدى الضحايا المجهولات النسب للهجوم الكيميائي.
في العام 2015 بعد اجراءات وفحوصات أولية، قيل لـ”مريم هوشنكى” التي انفصلت عن والدتها خلال الهجوم ووجدت نفسها في ملجأ للأيتام بمحافظة مازندران الايرانية حيث تبنتها عائلة ايرانية، انها من حلبجة، وان اسمها “هاوناز احمد قادر” لكن بعد ثلاث سنوات من الاجراءات والفحوصات وقرار قضائي، انقلبت تلك الحقائق ايضا لتجد نفسها مجددا بلا عائلة، حائرة لا تعرف هويتها الحقيقية وما ينتظرها في المستقبل.
افتقاد اقليم كردستان الى مؤسسة تستطيع ان تستجيب لهكذا قضايا، حيث يمكن لضحايا حلبجة والأنفال ممن يكتشفون ان هوياتهم هي غير التي عرفوها لسنوات الاتصال لمساعدتهم في ايجاد عوائلهم او اقاربهم، يُجبر المفقودين على الانخراط بمفردهم في جهود كشف هوياتهم، بكل ما يحمله ذلك من صعوبات واشكالات قانونية وتداعيات نفسية.
ويفتقد اقليم كردستان الى اقسام مخصصة بهذه القضايا في وزارة الداخلية والمؤسسات الصحية، الى جانب عدم وجود مركز خاص للربط الاجتماعي والنفسي للمفقودين وأسرهم، كما لا يوجد قانون يختص بحقوق وامتيازات المفقودين بشكل عام وقضايا المفقودين الذين عثروا عليهم على وجه الخصوص.
ولا تتوفر مختبرات متطورة مزودة بمعدات طبية متخصصة ومستلزمات معملية في مستشفيات إقليم كردستان، يمكنها تحديد العائلات الحقيقية للمفقودين الذين يحتاجون إلى فحوصات (DNA).
اهمال الملف الحقوقي
يعد حقوقيون الهجوم على حلبجة أكبر هجوم بالأسلحة الكيمايئية في التاريخ موجه ضد منطقة مأهولة بمدنيين من عرق واحد، وصنف رسميا من قبل المحكمة الجنائية العراقية العليا بأنه “إبادة جماعية بحق الشعب الكردي في العراق”.
رغم ذلك لم تجر أي محاكمة وطنية في العراق او في إقليم كردستان، لمعاقبة مرتكبي الهجوم الكيميائي والمتعاونين معهم، وللكشف الدقيق عن تفاصيل الجريمة وكيف حصلت، وتم الاكتفاء بادانة علي حسن المجيد في كانون الثاني يناير 2010 بقصف المدينة بالاسلحة الكيميائية، واصدرت المحكمة الجنائية العليا حكما بإعدامه شنقا “لارتكابه جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية”، و”ارتكاب جريمتي النقل والإخفاء القسري للمدنيين كجريمتين ضد الإنسانية”.
ويعمل محامون على رفع دعوى قانونية في المحكمة الجنائية الدولية ضد الشركات والدول والأطراف التي قدمت أسلحة كيميائية ومواد أولية ومساعدات تقنية ساعدت في شن الهجمات الكيميائية بحلبجة. وتواجه تلك الدعوى تعقيدات عديدة بسبب طبيعة القضية وتاريخها، ما يصعب من الوصول الى ادانات او تعويضات محددة بشأنها.
ذاكرة حلبجة المنسية
قبل سقوط أول قذيفة نابالم على حلبجة بعشرين دقيقة فقط، كان “عمر خاور” يستمع إلى أخبار الحرب المستعرة في الراديو، ولم يدر بخلده ان هجوما مختلفا لم يعهدوا مثيلا له في الماضي سيحصل، ولن يسعفه الوقت لإنقاذ ابنه الرضيع الوحيد الذي طالما انتظر مقدمه.
بعد ساعة واحدة كان خاور، ممددا على عتبة منزله وهو يحتضن طفله الرضيع، لتصبح صورته رمزا لضحايا المجزرة ولحجم وعمق المأساة التي حصلت، بعد أن باتت واحدة من أكثر الصور انتشارا في العالم.
بعد أكثر من 30 عاما لم تنجح الحكومة المحلية في حلبجة، حتى في شراء المنزل الذي مات فيه عمر خاور وابنه، لتجعل منه معلما تذكاريا يعرف العالم بالكارثة التي واجهت المدينة وسكانها في ظل دكتاتورية نظام حزب البعث.
كما فشلت في انشاء مؤسسة حكومية مختصة بجمع المعلومات والبيانات والأدلة عن ضحايا الهجوم، لحفظها وأرشفتها ووضعها في متناول الجمهور والباحثين، ولتشكل مركزا للتذكير بحجم الجريمة الحاصلة ومعاقبة المشتركين فيها، مسؤولين وأفرادا وشركات.
وسط ضعف التعاطي الحكومي، مازال ضحايا الهجوم الكيميائي من مرضى ومفقودين، يحلمون بمعالجات سريعة، ومازالت حلبجة المدينة والقرى، تشكو من ضعف في الخدمات وغياب للاستثمارات ومن معدلات بطالة وفقر مرتفعة، يجبر معها الآلاف من شبابها على النزوح او الهجرة أملا في حياة أفضل.
انجزت المادة تحت اشرف شبكة نيريج ضمن مشروع قريب المدعوم من قبل CFI