تقارير سردية: “ذكورية المجتمع أم الدين” من وراء تعطيل تشريع قانون “حماية الطفل”؟

“ذكورية المجتمع أم الدين” من وراء تعطيل تشريع قانون “حماية الطفل”؟

ذكورية المجتمع ورؤية دينية تعطل تشريع قانون "حماية الطفل" في العراق

نوزت شمدين/ نيريج- درج:

مع خيوط الفجر الأولى، يتجمع عشرات الأطفال في موقع “الطمر الصحي” بمنطقة العبور غرب مدينة الموصل (405 كم عن بغداد) بانتظار شاحنات النفايات التابعة للبلدية، لنبش ما تفرغه هناك بحثاً عن علب المياه والمشروبات الغازية والمواد البلاستيكية وقطع الحديد وأي شيء آخر يمكن بيعه، فضلاً عن إمكانية أكله.

لا يفوت الصبي جمال غانم (13سنة) هذا الموعد منذ نحو ثلاث سنوات، وتحديدا منذ غادرت عائلته مخيم “السلامية” لنازحي حرب داعش شرقي الموصل، ووجدت منزلاً صغيراً غير مكتمل البناء في حي العبور العشوائي واستقرت فيه مقابل إيجار شهري بسيط يساهم جمال مع أشقائه الثلاثة الأكبر منه وأمهم في تأمينه من خلال عملهم بالشارع.

هو لا يتذكر والده، وكل ما يعرفه عنه أنه كان سائق سيارة أجرة، قتل منتصف 2011 إثر انفجار عبوة ناسفة قرب سيارته في الجانب الأيسر لمدينة الموصل، تقول أمه أنها كانت تستهدف رتلاً لمركبات الجيش الأمريكي تزامن مرورها بالقرب منه.

جمال، واحد من بين عشرات الالاف من الأيتام الذين أرزتهم سنوات العنف الدموي، وفرد ضمن شريحة كبيرة من أطفال البلاد المحرومين بسبب فقر عائلاتهم، وضحية لتقاعس الدولة عن حماية أبنائها ورعايتهم حتى ولو بتشريع قانون يعطيهم على الورق حقوقا للعيش الكريم وللحماية اذا ما تعرضوا للعنف، حسب ناشطين في مجال المطالبة بحقوقهم.

وفقاً لعبد الزهرة الهنداوي المتحدث باسم وزارة التخطيط فأن أكثر من مليون طفل عراقي، محرومون من الصحة والغذاء والتعليم، والكثير منهم زجوا في سوق العمل من قبل ذويهم بسبب الفقر. ويقول ان “دراسات مختلفة” شخصت “وجود تمييز بين الذكور والإناث في الجوانب التعليمية والترفيهية، لا سيما في المناطق الريفية، وتعد حمايتهم مسؤولية تتحملها الدولة والمجتمع على حد سواء”.

لكن تلك الحماية تبدو مستحيلة التحقق في ظل عوامل عدم الاستقرار الأمني والبطالة والفقر والفساد، التي تعطل برامج دعم الطفولة، وبوجود عقلية مجتمعية ذكورية لا تسمح بالتدخل لمنع اضطهاد الأطفال داخل العائلة، خاصة مع غياب القوانين الرادعة للعنف الأسري.

تركة سنوات العنف

الأمن الموتور في البلاد عقب سقوط نظام حزب البعث في 2003 وبروز “فصائل المقاومة المسلحة” التي قاتلت ضد الوجود الأمريكي، وايضا تنامي نشاط الجماعات الدينية المسلحة والحرب للتخلص منها لغاية صيف 2017، ووجود ميليشيات دينية مسلحة، تسبب كل ذلك بمقتل عشرات آلاف العراقيين الذين تركوا خلفهم الكثير من الأرامل والأيتام.

رافق مسلسل الحروب ودوامات العنف المتكررة، تعطل تام في المشاريع الاستثمارية وتوقف شبه كامل للحركتين الزراعية والصناعية في البلاد، مع فساد مستشر بنحو كبير في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى رفع مستويات البطالة إلى 40% في بعض المحافظات، وبالتالي، شاع الفقر الذي لم يترك أمام الأسر المعدمة غير ان تدفع بأطفالها إلى العمل للمساهمة في اعالتها.

يأخذ جمال، إلى المنزل ما يجمعه بواسطة عربة دفع خشبية صغيرة، لتعينه والدته في فرزه ومن ثم تسليم ما يباع بعد وزنه لتجار وناقلين ينتظرون مع شاحناتهم في نقاط محددة بالقرب من منطقة سكناهم التي تتنوع فيها مصادر التلوث وتكاد تنعدم فيها الخدمات. ومن ثم يعود لجولة نبش مسائية أخرى في مكب النفايات وفي بعض الأيام يرافق أحد أشقائه لبيع عبوات “بنزين السيارات” على جانب الطريق العام.

يقول الفتى الذي تطغى على بشرته سمرة بسبب الشمس الحارقة، بأنه يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم مشهور -فهو يهوى تلك اللعبة التي هي مصدر فرحه الوحيد- لكي يخلص عائلته من فقرها. يدفع عربته وفي عينيه نظرة شك:”لكن لا أعرف إن كانوا سيقبلونني وأنا ليست لدي شهادة من المدرسة؟”.

 الأطفالُ ضحايا

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونسيف في بيان صدر عنها في شهر حزيران/يونيو2023، مقتل أكثر من تسعة آلاف طفل عراقي أو تشوههم منذ سنة 2008 حتى نهاية 2022، بمعدل تشويه أو إصابة طفل أو أكثر يومياً. لم يستبعد البيان، أن يكون العدد أكبر من ذلك، لأن الأرقام المقدمة، هي لحالات تم التحقق منها فعلياً، مرجحة بذلك أن تكون هنالك الكثير من الحالات الأخرى غير المسجلة.

ونقل البيان عن ممثلة اليونيسيف في العراق، شيما سين غوبتا، تأكيدها الحاجة إلى إعادة دمج الأطفال في العراق “بعد سنوات عديدة من الصراعات، ومنهم الأطفال العائدون من شمال شرق سوريا (مخيم الهول) والأطفال الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى الجماعات المسلحة، وغيرهم من الأطفال المعرضين للخطر”.

ودعت المنظمة الأممية، عبر بيانها الحكومة العراقية إلى “دعم وتفعيل القوانين والمعايير الدولية النافذة لحماية الأطفال في الحرب، ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الطفل، وتكثيف الموارد المهمة لتمويل حماية الأطفال في النزاع بالحجم والسرعة المطلوبين”.

الباحث الاجتماعي المختص، عبد السلام غازي، يشكك بالأرقام المقدمة من قبل الأمم المتحدة أو وزارة التخطيط العراقية بشأن أعداد الضحايا من الأطفال أو المحرومين من حقوقهم، إذ يقول بأن سكان العراق وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط لسنة 2023 يبلغون أكثر من 43 مليون نسمة، 40% منهم تقل أعمارهم عن 15 سنة.

ويقول:”خلال سنوات العنف نزح نحو ثلاثة ملايين انسان عن مناطقهم، وخسروا موارد معيشتهم الأساسية، وعاشوا في ظروف أنسانية وخدمية صعبة، يرجح أن أكثر من ثلثهم كانوا من الأطفال”.

ويضيف :”الكثير من هؤلاء ولدوا قبل وأثناء موجة النزوح الكبيرة في منتصف 2014 مع سيطرة تنظيم داعش على ما يقرب من ثلث مساحة البلاد، ووجدوا أنفسهم محاصرين في مخيمات مؤقتة، ومحرومين من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم، وقسم كبير منهم تنقلوا لمرات مع عائلاتهم بين مكان وآخر، الأمر الذي أثر عليهم سلبا”.

وذكر بأن عشرات الآلاف من العائلات بسبب الفقر الذي وصل في بعض المحافظات إلى مستويات قياسية مثل(المثنى 52% وميسان48%)أو التدهور الأمني مع تصاعد العنف المسلح في 2006 وصولاً إلى حرب القضاء على داعش في 2017، أو تلك التي فقدت معيليها أو أملاكها، اضطرت للاستعانة بجميع افرادها من أجل كسب لقمة العيش وبضمنهم الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة وانخرطوا في سوق العمل.

ولفت الباحث إلى أن إجراءات اتخذت من قبل الحكومة العراقية للحد من ظاهرة عمالة الأطفال، مثل مانصت عليه المادة 52 من قانون الموازنة العامة لسنة 2023و 2024 و2025، بصرف منحة مالية للطلبة والتلاميذ منذ ذوي الأسر المشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية، وتبلغ 30 ألف دينار شهرياً، أي ما يعادل نحو 23 دولاراً.

ويستدرك:”ذلك غير كافٍ، من الضروري أن يشرع مجلس النواب العراقي قانوناً للطفل، ليس فقط لحمايته من العنف داخل العائلة وخارجها، بل وأيضاً من الاستغلال ودفعه للعمل، وسن قانون بمنع ترك الأطفال للمدارس لغاية سن معينة، مثلاً 16 سنة”.

وكل ذلك بشرط: “تحقيق الاستقرار الاقتصادي لكبح جماح الفقر” فبدون هذا يعتقد الباحث عبد السلام، أن الكثير من الأطفال في العراق سيظلون محرومين من حقوقهم، وقبل كل شيء من طفولتهم.

نائب رئيس لجنة التربية النيابية محمود حسين القيسي، أكد بدوره أن منحة الطلاب شملت فقط الأسر المسجلة ضمن برنامج الرعاية الاجتماعية، مبينا أن مخصصاتها “التي لم تصرف الى الآن” أوردت ضمن موازنة 2023، وتحدد مبلغ المنحة بحسب ما هو منصوص في قانون منحة تلاميذ وطلبة المدارس الحكومية رقم (3) لسنة 2014، وقانون منحة طلبة الجامعات والمعاهد العراقية الحكومية رقم (63) لسنة 2012 من تخصيصات وزارتي التربية والتعليم العالي.

في بيئة تشريعية فقيرة لا توجد فيها قوانين ضامنة لحقوق العمال، يرى الكثير من المتخصصين والمعنيين بحقوق الطفل بأن ارسال الأطفال الى سوق العمل يعد ضربا من ضروب العنف، لأن الكثير منهم يتعرضون لشتى أنواع الاستغلال، منها الجنسي، فضلاً عن العنف الجسدي والنفسي، مع ضرر بليغ يتعلق بمستقبلهم، إذ أنهم يحرمون من التعليم وبالتالي من أي فرصة لتحسين وضعهم المهني.

قانون الحماية المعلق

الناشطة المدنية هناء أدور، التي تقود احدى المنظمات المهتمة بحقوق الاطفال والنساء،  ذكرت بأن هنالك متغيرات طرأت على المجتمع العراقي، تستدعي تشريع قوانين جديدة، لحماية الأسرة والأطفال، وأكدت بأن قانون العنف الأسري قدم من قبل الحكومة العراقية إلى مجلس النواب سنة 2015، وبعدها مشروع قانون لحماية الطفل لكن لم تتم المصادقة عليهما لغاية الآن رغم الحاجة الماسة لذلك.

وتقول:”هنالك أصوات في مجلس النواب، تعارض تشريع القانونين، لأنهما سيهزان سلطة أصحابها الذكورية داخل الأسرة”، ثم بينت:”أعني بالسلطة الذكورية، أن السلطة في المنزل كاملة لرب الأسرة وهو يتحكم بها كيفما يشاء، وهذه الفكرة تنشأ عنها العديد من الجرائم، مثل زواج القاصرات على سبيل المثال، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية والنفسية، والاجبار على العمل”.

الباحث الاجتماعي الدكتور وعد إبراهيم خليل، يتفق مع أدور في أن المجتمع العراقي بطبيعته “مجتمعٌ ذكوري يمنح القوة للرجل، الذي هو الأب، الزوج … مما يسمح له بشكل أو بآخر باستخدام العنف ضدّ الأطفال الذين هم بطبيعة الحال الفئة الأضعف اجتماعياً”.

لكنه يشك في قدر أي قانون على تغيير مثل هذه الأعراف، المتناقلة جيلاً بعد جيل، خصوصاً المتعلقة بالسلطة داخل الأسرة، وهو يرى بأن من الصعب على مشروع قانون حماية الطفل مُعالجة جميع ظواهر العنف ضد أطفال العراق “لأن العنف ليس ظاهرة حديثة وهو يرتبط بجذور أعمق ومُسببات كثيرة في المجتمع العراقي فالشائع في العراق أن أسلوب تأديب الطفل، يكون عبر ضربه أو معاقبته صورياً أو مادياً”.

بناءً على ذلك يعتقد د. وعد، باستحالة تقبل المجتمع للقانون وبالتالي محدودية امكانية تطبيقه “لأن القانون بذلك يُخالف التنشئة الاجتماعية المتوارثة”.

ولكن هل حقا السلطة الذكورية في المجتمع العراقي هي التي تمنع تشريع قانون لحماية الطفل؟ سؤالٌ أجاب عنه المحامي علي يونس، بقوله، أن لكل مجتمع خصوصيته، وأن الطابع القبلي يغلب على المجتمع العراقي، وأيضاً صفة “التدين الظاهر على الفرد بنحو عام”، لذا فهذان العاملان (القبلي والديني( وفقاً للمحامي علي، يقفان في طريق تشريع قوانين تتعلق بالأسرة والطفل.

ويضيف:”معظم أعضاء مجلس النواب، خلفياتهم قومية قبلية أو دينية، لذلك فمن الصعب جداً، تشريع قوانين تتعارض مع أفكارهم وتوجهاتهم، وسيعملون جاهدين على تعطيلها أو تعديلها بشكل يتوافق مع ما درجوا عليه”.

لكنه يرى أن بالوسع تفعيل القوانين التي تمنع دفع الأطفال للعمل، من خلال تعزيز رقابة جادة بواسطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفرض عقوبات رادعة بحق أرباب العمل الذين يقومون بتشغيل الأطفال ولاسيما في الأعمال والمهن غير المتوافقة مع اعمارهم وقابلياتهم الجسدية وتُعرِضهم للخطر.

ويلفت المحامي علي يونس، إلى أن مخاطر كثيرة تترتب على تواجد الأطفال في الشارع بدلاً من المدارس “ليس فقط على المدى الطويل، بل حتى في الوقت الراهن، إذ نرى قضايا عديدة في المحاكم تتعلق باستغلال أطفال في الترويج للمخدرات، لأنهم يكونون في العادة بعيداً عن الشبهات ورقابة الأجهزة الأمنية”.

ويذكر بأن المراكز الصحية المختصة سجلت، حالات إدمان للحبوب المخدرة بين أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 15 سنة “وهذا يعني خطراً محدقاً يواجهه المجتمع العراقي إن لم تتخذ الإجراءات السريعة الفاعلة لمواجهة المشكلة”.

وكان مجلس النواب العراقي، قد قرأ، مشروعاً لقانون حماية الطفل، قراءة أولية في جلسته الثامنة التي عقدت في بغداد 6 تشرين الثاني/نوفمبر2022، تضمن 14 مادة، حددت مادته الأولى سن الطفل بأقل من 18 سنة، وأهداف القانون في مادته الثانية أولاً “توفير حياة حرة آمنة وكريمة للطفل” وثانياً “تأمين الحماية اللازمة للطفل من جميع أشكال العنف والقوة أو الإساءة البدنية والنفسية، أو الإهمال أو الاستغلال”.

وثالثاً “حظر الإتجار بالطفل واسترقاقه أو إكراهه على العمل أو استغلاله بأي شكل أو زجه بالنزاعات المسلحة او استغلاله في البغاء والأمور الجنسية والإباحية ولأي غرض كان”.

وعلى الرغم من مرور عشرة أشهر على القراءة الأولى، لكن مجلس النواب تعطل في تقديمه للقراءة الثانية للمضي في اقراره، ما أثار الشكوك بشأن احتمال ترحيل اقراره لدورات قادمة في ظل الاعتراض على بعض بنوده رغم تزايد أرقام الانتهاكات المسجلة بحق الاطفال (وفق بيانات وزارة الداخلية). إلا أن مصادر من المجلس تذكر ان المشروع لم يؤجل وان التعطيل حصل على خلفية المناقشات المستفيضة لتعديل بعض المواد والفقرات التي تم الاعتراض عليها في المجلس.

المصادر أكدت أيضا ان لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، تعقد اجتماعات لمناقشة المشروع. وكانت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، قد اعلنت عن عقد اجتماع بشأن المشروع في 22أيار/مايو 2023 بحضور مستشارين قانونيين، أبدوا ملاحظات تعديلية، منها، “ضرورة الاهتمام بالتعاريف، بيان ما هو العنف وأسبابه والعقوبات الواجب ذكرها”.

مصدر في مجلس النواب، حجبنا أسمه بطلب منه، ذكر بأن العراق صادق في حزيران 1994 على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وهو ملزم الان بتشريع قانون للطفل، وسيتم إصداره لامحالة، “لكن هنالك من لا يرغب في أن تكون بنوده متعارضة مع أعراف المجتمع العراقي، ولاسيما فيما يتعلق بشكوى الأطفال ضد أولياء الأمور، وغيرها”.

وكان العراق قد اتى في المرتبة  163 من أصل 189 دولة، في مؤشر سنة 2021 لمؤسسة حقوق الطفل Kids Rights، وهي مؤسَّسة للدفاع ومساعدة الأطفال حول العالم، ومقرُّها أمستردام بهولندا. وقد جاءت في توصياته، أن العراق الذي يوجد فيه أكثر من خمسة ملايين طفل يعاني من ضعف مؤسساتي فيما يتعلق بحقوقهم، لأن الموجودة منها دون المستوى المطلوب، وهي جزء من مؤسسات أخرى وغير مستقلة، مثل الصحة والتربية والثقافة.

https://www.bayancenter.org/wp-content/uploads/2022/01/jhgefgw31.pdf

ينبغي في العراق التركيز على التعليم النوعي، وليس الكمي، وتوفيره بالمستوى المطلوب. كما ان الأطفال في العراق محرومون من الحصول على مستوى صحي جيد، ولابد من العمل على تطوير قطاع صحة الأطفال وتوفير المستشفيات والكوادر المطلوبة.

وأخيرا، العمل على بناء ثقافة تنظر للطفل بوصفه انسانا له حقوق لابد من توفيرها، وحمايتها، والعمل على تعزيز المنظومة القانونية والقضائية والأمنية المسؤولة عن حماية حقوق الطفل.

مدير مكتب هيئة رعاية الطفولة غادة محسن الرفيعي، ذكرت في تصريحات صحفية أن نسبة الالتحاق بالدراسة الابتدائية لعام 2023 بلغت 89%. وهذا يعني أن 11% متسربون أو لم يلتحقوا أصلا بالمدارس، تزيد اعدادهم عن مليون طفل في أقل تقدير وفقاً لمتخصصين.

وقالت أنه وفي الوقت الذي يشرف فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على هيئة رعاية الطفل، إلا أن هنالك ضعفاً في تنفيذ القانون بقضايا الطفولة، وأن هيأتها تسعى لتشريع قانون حماية الطفل، لاسيما وأن الاتفاقيات الدولية تجبر العراق على سن قانون للطفولة.

إجراءات غير مكتملة

حسن عبد الصاحب، مسؤول شعبة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ذكر بأن شعبته تقوم بالرصد الميداني اليومي لعمالة الأطفال في سوق العمل ببغداد والمحافظات عبر اللجان التفتيشية المنتشرة”. ويشير  إلى أن هذه اللجان تقوم برصد الأطفال والأحداث دون السن القانوني عملاً بالمادة 7 من قانون العمل 37 لسنة 2015 التي “تحضر عمالة الأطفال”.

وذكر بأن الكثير من الأطفال المرصودين في سوق العمل، يرغبون بالعودة إلى مقاعد الدراسة، وتمت مفاتحة وزارة التربية بذلك خلال العام الجاري، وكذلك الأعوام السابقة.

موظف في وزارة العمل طلب عدم الإشارة إلى أسمه، قال بأن اللجان التفتيشية لا تملك سلطة تلزم أرباب الأعمال بمنع تشغيل الأطفال، ولاسيما إذا كان رب العمل ولي أمر الطفل العامل، كما أن اللجان تمارس عملاً روتينيا في بعض الأسواق دون نتائج ملموسة، في حين أن الشوارع مليئة بأطفال “باعة جوالين، صبية في الورش الميكانيكية في المجمعات الصناعية، في متاجر المواد الغذائية، متسولون، فتيات قاصرات في دور الدعارة والمراقص الليلية”.

ويقول بان ذلك في نطاق المدينة، أما في القرى والأرياف:” من الطبيعي أن يمارس الأطفال أعمال الرعي والمساعدة في الحقول والبساتين، واللجان لاتصل إليها مطلقا، وحتى إن فعلت، فستواجه سلطة عشائرية أقوى حتى من سلطة القانون” على حد تعبيره.

وذكر بأن قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 في مادته السابعة نصت على أن “الحد الادنى لسن العمل في جمهورية العراق هو (15) خمسة عشر عام”. لكن في الواقع فأن هنالك أطفال بأعمار أصغر يمكن رصدهم في سوق العمل.

منهم زيد مخلص (12 سنة) يعمل في متجر للمواد الغذائية يملكه عمه في مدينة الصدر بالعاصمة بغداد. يقول العم بأن شقيقه متوف منذ أربع سنوات، وقد ترك ثلاثة أبناء، بضمنهم زيد، ويضيف:”وجوده أمام عيني في محلي، أفضل من أن يكون في الشارع، وهنا سيشتد عوده ويعرف كيف يتعامل مع الناس، ويتعلم صنعة يعتاش منها، ويساعد أهله”.

ثم يستدرك:”أنا لا أوفر له العمل فقط، بل الحماية كذلك، سيحتاج الى سنوات طويلة للدراسة من اجل الحصول على شهادة ثم لن يجد وظيفة، أنا أوفرها له بدون أي شهادة!”.

 

  • أنجز التقرير بدعم بإشراف من شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية وبدعم من “صندوق دعم التحقيقات في شمال إفريقيا وغرب آسيا”.

المزيد عن تقارير سردية

تقارير سردية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20966}" data-page="1" data-max-pages="1">