مطار الموصل “الدوليّ”… إعمار متأخر أم دعاية سياسية وفرصة جديدة للفساد؟
بعد سنوات من الانتظار احتفال رسميّ بمدرج واحد فقط وسط جملة مشاكل تحيط بالمشروع المتلكئ
بعد سنوات من الانتظار احتفال رسميّ بمدرج واحد فقط وسط جملة مشاكل تحيط بالمشروع المتلكئ
يشير سامر إلى السماء ويقول بامتعاض: “تُصرف المليارات على توافه الأمور، بينما آلاف من سكان المدينة المصابين بالسرطان، يسافرون إلى محافظات ودول أخرى لتلقّي العلاج، لأن المستشفيات دُمرت في الحرب قبل أكثر من خمس سنوات، والطامة الكبرى أنهم يتعذبون في رحلاتهم هذه لأن مدينتهم ليس فيها مطار”.
يعدّد سامر الذي سافر مع والدته في رحلات علاج خارجية: “أربع مرات إلى الأردن، وثلاث إلى الإمارات، ومرتان إلى تركيا”، ويقول :”في كل مرة أشفق على أمي بسبب إرهاق السفر، ففي الطريق إلى بغداد، هنالك الكثير من نقاط التفتيش، إذ تمتد الرحلة الى ست ساعات أو أكثر من ذلك في بعض الأحيان، أما إلى أربيل، فالمسألة تتطلب إجراءات للدخول إلى المدينة، وأحياناً يكون هنالك كثير من الزحام”.
ويتمنى سامر، ومثله عشرات الآلاف من مواطني الموصل، أن تتحقق الوعود التي يقطعها الساسة بشأن إعمار المرافق الصحية وإنشاء المطار، ويتابع قائلاً: “أنا أعمل صائغاً، وأستطيع تكفّل نفقات سفر والدتي وعلاجها، لكن ماذا عن الآخرين الذين لا يملكون حتى قوت يومهم؟”.
رحلة اولى بطائرة عسكرية
في الخامس من نيسان 2023، هبطت طائرة شحن من نوع c130 تابعة للجيش العراقي، على مدرج مطار الموصل، في رحلة تجريبية بعدما أعادت شركتان تركيتان بناءه كمرحلة أولى من مشروع إعادة إعمار تقدر كلفته بأكثر من 200 مليون دولار، لكن اعادة البناء والتأهيل والتشغيل الفعلي سيتطلب وفق معنيين أشهرا اخرى من الانتظار.
كما ان المشروع يعده البعض مصدراً جديداً لتمويل ميليشيات وأحزاب نافذة في نينوى، من بينها حركة “تقدم” التي يقودها رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، عبر مدراء عامين وبرلمانيين متحالفين مع حزبه، أو محاولة من الحزب ذاته لإنشاء مطار صغير في الموصل، بينما يتم بناء مطار دولي هو الأكبر من نوعه في العراق بمعقل الحلبوسي، محافظة الأنبار، جنوب نينوى.
حتى قبل تدميره بالكامل خلال حرب تحرير الموصل من “داعش” بين 2016 و2017، كان المطار متوقفاً عن استقبال الرحلات الجوية، بسبب الحظر الجوي الدولي الذي فرض على العراق بعد آب/ أغسطس من عام 1990 بسبب غزوه الكويت، واستمر لغاية فترة وجيزة قبل سقوط النظام العراقي في نيسان 2003.
بعدها، اتخذته القوات الأميركية كقاعدة لها لغاية أواخر 2011، ولم يُستخدم بعدها للنقل العام، بل اقتصر على استقبال وتوديع طائرات المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين الى حين سقوط مدينة الموصل بأيدي عناصر “داعش” في حزيران/ يونيو 2014.
وطوال تلك الفترة، كان مواطنو محافظة نينوى الذين يزيد عددهم عن أربعة ملايين نسمة، يضطرون لاستخدام مطارات في محافظات أخرى أقربها اربيل، للسفر والشحن الجوي.
أثار مشروع إعادة إعمار مطار الموصل بكلفة قُدرت بنحو 268 مليار دينار(أكثر من 200 مليون دولار)، الكثير من الجدل، بين مؤيد يرى أنه سيربط المحافظة جواً بباقي أنحاء العراق والعالم بدلاً من الاعتماد على مطارات مدن أخرى أقربها أربيل، في نقل المسافرين والبضائع، وبين رافضٍ، يشكك في الجدوى الاقتصادية للمطار، معتقدين أن المبالغ التي رُصدت لإعماره ولاحقاً تكلفته التشغيلية، سترهق ميزانية المحافظة، كونه مطاراً صغيراً أنشأه الجيش الإنكليزي سنة 1920 ثم استُخدم كمطار عسكري على مدى عقود، وكان الأولى بناء المستشفيات والمرافق الأخرى المدمّرة.
ويرون أنه يتوجّب على الحكومة المحلية التفكير بإنشاء مطار دولي جديد، واقترحوا الموقع الذي كان النظام العراقي السابق قد حدده لذلك في منطقة السحاجي غرب المحافظة، على مساحة ألف دونم، تم استملاكها ووُضعت التصاميم الخاصة بالمشروع، لكن ظروف الحرب والحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على العراق بعد غزوه الكويت سنة حالا دون إنجازه.
ومن بين هؤلاء، رئيس بلديات نينوى السابق رئيس لجنة إعمار نينوى عبد القادر الدخيل، إذ أكد أن مطار السحاجي أو كما وصفه بـ”مطار نينوى الدولي”، مصمّم والأرض المخصصة له مستملكة، “ونينوى بحاجة ماسة إليه وينبغي وضعه ضمن المشاريع الاستراتيجية المستقبلية”.
الباحث في الشأن الاجتماعي مروان هاشم، يفسّر سبب ضغط المواطنين المستمر في نينوى لتنفيذ مشروع المطار، على رغم أن الكثيرين هناك يدركون أنه قد لا يحقق الفائدة المرجوة منه، وقد يقتصر على استقبال رحلات جوية محلية فقط.
إذ يقول إن نينوى أكثر محافظة عراقية تضرراً من نشاط المجاميع المسلحة والحرب عليها منذ نيسان 2003 ولغاية صيف 2017، وطرد تنظيم “داعش” منها، وتدمير كامل لبنيتها التحتية، وكان مواطنوها وما زالوا يضطرون للسفر براً إلى بغداد أو أربيل وعبر مطاريهما.
ويبيّن، “هم بإصرارهم هذا، يحاولون تعويض ما فاتهم جراء تدهور الأمن واللحاق بالتطور الحاصل في بقية المحافظات، وعدم ظهور محافظتهم بأنها أقل أهمية من المحافظات الأخرى”.
أما محافظ نينوى نجم الجبوري، فلفت الى أن مشروع المطار هو حلمٌ للأهالي قائلاً: “سنعمل على إعادة إعمار المطار حتى لو اضطررنا إلى بيع ثيابنا لتأمين مبالغ تغطي التكلفة”. وأضاف أنه بذل جهوداً كبيرةً جداً لإقناع الحكومة المركزية في بغداد لتخصيص المبالغ اللازمة لغاية الآن، وأن مساعيه لم تنجح للحصول على إذن بالشروع في تنفيذ المشروع إلا بعد عقد 14 اجتماعاً مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وعبّر الجبوري، في حوار لصالح برنامج عرض في راديو ONE FM، عن استغرابه من محاولات البعض تعطيل تنفيذ مشروع المطار من خلال اتهامات بوجود شبهات فساد، من بينهم عضو مجلس النواب ماجد شنكالي، وأشار الى أن ذلك حدث أيضاً مع مشروع آخر، وهو مجاري الجانب الأيمن للموصل، ووجّه كلامه إلى النائب: “ركز اهتمامك بقضية الفساد التي تتحدث عنها، لكن لا تعطّل المشروع”.
الخبير الاقتصادي تاج الدين خيري، يؤكد أن للمطار أهمية قصوى لنينوى، في مجال شحن البضائع، وشكك في أن تكون له فائدة كبيرة في مجال نقل المسافرين.
ويقول: “المحافظة تشهد حركة إعمار دؤوبة، وتحتاج إلى المطار لتقليل التكلفة، فبدلاً من إفراغ الحمولات الجوية في مطارات أخرى ونقلها براً إليها، ستصلها بنحو مباشر، كما أن المطار سيعزز من حركة الاستثمار، وهو أولاً وأخيراً سيعني بأن نينوى تعيش عصراً جديداً من الاستقرار”.
ويستدرك: “لكن مجرد إعمار المطار، لن يكون كافياً لاستقطاب المستثمرين، ولا بد من أن يرافق ذلك، إعمار الفندقين الدوليين نينوى أوبروي والموصل، فالأخير دُمّر بالكامل خلال الحرب، مع تقديم تسهيلات مقدمة للمستثمرين المحليين والدوليين، والأهم من ذلك كله الحفاظ على الأمن الداخلي، لأن رأس المال جبان”.
كان يُفترض في 2020، أن تتولى شركتان تركيتان، هما كورك للإنشاءات وكاليون القابضة، إعمار المطار وتشغيله بعد سلسلة مفاوضات، إلا أن سلطة الطيران المدني وقّعت في كانون الثاني/ يناير 2021، مذكرة تفاهم بشأن المشروع مع الشركة الفرنسية ADP INGENIERIE.
آنذاك، قال مدير مطار الموصل المهندس حيدر محمد علي، إن مذكرة التفاهم الموقعة، هي لإعادة إعمار مطار الموصل وتأهيله، شرط أن تدخل فقرات المذكرة حيز التنفيذ خلال مدة ستة أشهر، وهي المدة المخصصة للمذكرة وأجورها 750 ألف يورو مدفوعة من الحكومة الفرنسية كمنحة تُعطى للشركة الفرنسية للاستشارات.
وزارة التخطيط العراقية أكدت في كتابها المرقم 2/5/ 17239 الموجّّه الى محافظة نينوى، أن مجلس الوزراء أدرج مشروع إعادة إعمار مطار الموصل ضمن خطة 2021 ضمن القرض الفرنسي، بكلفة كلية مقدارها، 135,978 مليار دينار، وتخصيص سنوي بمبلغ 72,500 مليار دينار، أي ما يعادل 50 مليون دولار.
وتم وضع خطة للتنفيذ تبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وتنتهي في الشهر ذاته من 2024.
لكن بعد أشهر قليلة فقط، توجهت بوصلة الاهتمام العراقي مجدداً نحو الشركات التركية، وبعد مفاوضات مكثفة، أحيلت المناقصة في آب 2022 الى شركتين تركيتين هما T.A.V و 77 المؤتلفتين، وبحسب رئيس لجنة الإعمار عبد القادر الدخيل، فإن الكلفة تبلغ 268 مليار دينار عراقي، أي أكثر من 200 مليون دولار، وهي من المبالغ المخصصة لميزانية المحافظة.
وأشار الدخيل إلى أن المشروع سينفّذ على ثلاث مراحل، أولها المدرج، ثم البنى التحتية المتعلقة بالمنشآت، والثالثة هي تزويده بالأجهزة الملاحية، وقال إن المحافظة تتعامل مع شركة استشارية بهذا الخصوص، وسيتم رفد المطار بأحدث الأجهزة المصنوعة من شركات عالمية، وفقاً لتأكيده.
المحافظ نجم الجبوري، ذكر أن السبب في توقيع العقد مع الشركتين التركيتين اللتين وصفهما بالعالميتين، هو تعثر الاتفاق بشأن تأمين تكلفة المشروع من قرض فرنسي ممنوح للعراق، وعدم امتلاك المحافظة الأموال التي طلبتها الشركة الفرنسية التي كان يفترض أن تنفذه، وأن إدارته اضطرت لإيجاد البديل، بشرط الإسراع في التنفيذ. وتوقع أن تهبط طائرات مدنية في المطار نهاية 2023، وهو ما يشكك فيه متخصصون أكدوا أنه لن ينجز قبل نهاية 2024 في أقل تقدير.
ورداً على سؤال وجهناه إلى مصدر مطلع في محافظة نينوى، إن كان التحويل من الشركة الفرنسية إلى الشركتين التركيتين، يدخل ضمن الصراع الفرنسي – التركي وتأزّم العلاقات بينهما خلال الفترة المنصرمة، أجاب بأن نينوى غير معنية بذلك، وأن الاختيار وقع على الشركتين التركيتين لأن العرض الذي قدمتاه بكلفة أقل من الشركة الفرنسية، مع إدارة المطار وتشغيله، كما أنهما سبق وأن نفذتا مشاريع في العراق، وأن ذلك يشكل تعزيزاً للعلاقات مع تركيا بشكل عام.
وصف ناشطون مدنيون في نينوى تسخير الإعلام الرسمي للحديث عن الانتهاء من إعمار مدرج مطار الموصل، بأنه تضخيم ومحاولة لإظهار الحكومتين المحلية والمركزية على أنهما حققتا إنجازات كبيرة، للتغطية على إخفاقهما في إعادة إعمار البنية التحتية التي كانت تضرّرت بالكامل خلال الحرب مع “داعش”.
وقال الناشط المدني، محمد قاسم، إن الإعلام التابع لمحافظة نينوى انشغل طوال أيام بعرض الأخبار المتعلقة بهبوط تجريبي لطائرة صغيرة في المطار، وبعد تشكيك البعض في قدرة المطار على استقبال طائرات كبيرة، سُخر الإعلام ذاته لتغطية الأخبار عن هبوط طائرة كبيرة تابعة للجيش العراقي كان على متنها وزير الدفاع ثابت العباسي ومحافظ نينوى نجم الجبوري، وأن الأخير صرح بأن الهدف من الهبوط بتلك الطائرة إسكات المنتقدين والمشككين.
وأضاف قاسم، “ذلك كله والحديث فقط عن مدرج واحد صغير لا غير، في حين أن المطار يحتاج إلى سياج خارجي وإلى قاعات للمسافرين ومخازن وورش وبرج مراقبة وأجهزة ملاحظة وآليات وغيرها من الأمور، فماذا لو أكملوا بالفعل مطاراً بكل متطلباته، ماذا كانت حكومة نينوى ستفعله حينها؟”.
وانتقد الكاتب والباحث ناصر وعد الله، ما وصفه استعجال محافظ نينوى في إطلاق التصريحات، قائلاً: “هو ذكر مرات عدة بأن المطار سيكون دولياً، وقريبون منه تحدثوا عن طاقة سنوية تبلغ 600 ألف مسافر، وهذا أمر غير صحيح تماماً، لأن طبيعة مطار الموصل وموقعه الكائن داخل المدينة تقريباً لا يسمحان بهبوط طائرات تابعة لدول أخرى إلا إذا كان الهبوط اضطرارياً. والدليل أن المطار كان محلياً في عهد النظام السابق وقبله، علماً أنه لم يكن هنالك مطار في أربيل أو غيرها من المدن القريبة، بل فقط مطار بغداد الدولي”.
والأمر الآخر الذي انتقد وعد الله المحافظ بشأنه، هو “أنه قال في أكثر من مرة أن المشروع سينجز قبل نهاية 2023، وهذا أمر غير صحيح عملياً، فلن تنجز المشيدات وتستورد الأجهزة ويهيأ المطار للملاحة خلال خمسة أو ستة أشهر فقط، وأي مغامرة لحرق الوقت ستعني مشاكل تشغيلية يومية تسيء إلى سمعة المطار”.
شامل وعد الله، مهندس حكومي متقاعد، يقيم في منطقة قريبة من موقع مطار الموصل، وقد أكد أهمية المطار للسكان، لكنه يعتقد أن “بناءه في موقعه القديم نفسه خطأ فادح وهدر كبير للمال العام”، موضحاً أنه “قبل قرن من الآن عندما أنشئ المطار، كان بعيداً نسبياً من المناطق السكنية، لكنه الآن وبحكم التوسع والتضخم السكانيين، أصبح قريباً من مركز المدينة”.
“لذا الموقع الحالي غير صالح وكان على الحكومة أن تبني المطار في مكان آخر”، يقول وعدالله، مقترحا استغلال موقع المطار القديم لبناء مستشفيات أو أي مرفق عام آخر يحقق فائدة، خصوصاً أن هنالك ندرة في الأراضي داخل الموصل “والكثير منها التي كانت مخصصة للمشاريع العامة استحوذت عليها جهات نافذة وباعتها لصالحها”.
ويضيف: “الأمر لا يقتصر فقط على إنشاء مطار، بل الطرق التي تؤدي إليه، والموجودة في الجانب الأيمن للموصل وتحديداً الممتدة من الجسر الرابع عبر الجوسق والطيران والطيانة، وهي كلها أفرع قديمة وضيقة، وتوسيعها مستحيل نسبياً إلا إذا تم استملاك المنازل، وإن حصل ذلك، سيحتاج إلى سنوات ومبالغ فلكية”.
المهندس الاستشاري موفق الخطاب، الذي كان مديراً لمشروع مطار الموصل بين 1990-1992، يشدد على أهمية اختيار شركات عالمية لتنفيذ المشروع “بعيداً من المحسوبية وابتزاز المقاولين والشركات وفرض النسب الفلكية عليهم من الميليشيات والمكاتب الاقتصادية التي عجزت الحكومة العراقية لغاية الساعة عن تحجيمهم وردعهم ومحاسبتهم”.
ويشكك في صحة العمل الجاري: “في العادة، يجب أن يسبق عملية الإحالة إنجاز التصاميم والمخططات وجداول الكميات كافة، لكن ذلك لم يتم حسمه لغاية الساعة للأسف الشديد”.
ويتابع: “كثيرون ممن لم يطلعوا على هذه التفاصيل، يلوحون باللائمة على الشركة التركية المنفذة أو دائرة المهندس المقيم أو سلطة الطيران المدني، في حين أن سبب التلكؤ والتأخير تتحمّله الجهة الاستشارية حصراً لتأخرها كثيراً في إنجاز ما هي مكلّفة به وتسليم ما في عهدتها من المخططات والتصاميم وجداول الكميات للجهة المنفذة، لتتسنى لها المباشرة.
عبد المجيد (46 سنة- تاجر مواد غذائية) مطلع على مواقع مطارات العديد من الدول بحكم سفره الدائم، يصرّ على أن المطار سيكون للمسؤولين فقط، “لذلك يتسابقون للحديث عنه عبر وسائل الإعلام”. ويضيف: “أشك في أنه سيستخدم لغير تنقلاتهم المكلفة، وربما لنقل الحجاج والمعتمرين إلى السعودية فقط لا غير”، مشيراً الى أن أعضاء مجلس النواب عن نينوى والمسؤولين الكبار سيستخدمونه كذلك في الدعاية ”لا سيما قبل الانتخابات”.
ويلفت عبد المجيد، “نعلم أهمية المطار لأي مدينة تريد الانفتاح على العالم والاستثمار والتطور، لكن هذا المطار الذي تحيطه أحياء سكنية وقرية آهلة بالسكان، وبهذا الحجم الصغير، لن يكون دولياً كما يحاول المسؤولون في نينوى إيهام الناس بذلك، وأقصد أنه لن تكون هنالك رحلات يومية ولا حتى أسبوعية لطائرات تنقل المسافرين من العراق إليه”.
وذكر عضو سابق في مجلس محافظة نينوى، أن موقع مطار الموصل الحالي الذي يتم إعماره، يبعد من مركز المدينة خمسة كيلومترات فقط، “وهذا أمر جيد للمسؤولين الكبار، لكن ليس لشركات الطيران، والمطار لن يحصل على ترخيص دولي بسبب ذلك”.
وقال إن إدارة محافظة نينوى أو أعضاء مجلس النواب الممثلين عن نينوى، يخفون الحقيقة عن المواطنين، وإن هنالك جهات عراقية حاولت بشتى الطرق منع إنشاء مطار دولي كبير في نينوى جنوب غربها في منطقة السحاجي، وسمحت عبر قنواتها البرلمانية والحكومية بإعادة إعمار مطار الموصل القديم، لأنهم يعرفون أن فائدته ستكون محدودة.
ويتابع بالكثير من الاستغراب “مطار دولي كبير في نينوى، حيث الأرض الخصبة للزراعة والاستثمار والصناعة والتجارتين المحلية والدولية، سيعني تقليل الاعتماد وبدرجة كبيرة على مطار أربيل الدولي (83 كم شرق الموصل)، كما أن هنالك مخططاً لبناء مطار دولي في محافظة دهوك (80 كم شمال الموصل) وسيؤثر عليه كثيراً”.
وأضاف أن مطاراً ينفذ في الوقت الراهن بمحافظة الأنبار جنوب نينوى ”وهو يشيّد حالياً بكثير من الدعاية لصالح محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، وهو من أبناء المحافظة ذاتها، ويظهر اسمه على أنه عراب إعادة إعمار مطار الموصل الحالي، ويحرص حزبه الذي يسيطر على المناصب الكبيرة في المؤسسات الحكومية بنينوى، على اعتبار ذلك ضمن إنجازاته”.
وتساءل عضو المجلس السابق “هل هي مصادفة أن يعمل الحلبوسي على بناء مطار دولي يقول إنه الأكبر في العراق على أرض محافظته، وفي المحافظة المتاخمة لها وهي نينوى، يسخّر جهوده ونفوذه لإعادة إعمار مطارها الصغير الواقع قرب مركز مدينة الموصل بمدرج لن تهبط فيه في ما يبدو سوى طائرته وغيره من المسؤولين!”.
ومن القرائن التي يقدمها عضو المجلس السابق: “كل مسؤول يظهر في مطار الموصل أو خلال البرامج الإذاعية أو التلفزيونية التي تخصَّص للحديث عن المطار، يقدم الشكر والعرفان للحلبوسي، ويثني على جهوده الكبيرة في أن يرى مشروع إعادة إعمار مطار الموصل النور، وعلى رأسهم محافظ نينوى نجم الجبوري”.
(ك، خ) مستثمرٌ طلب عدم الإشارة إلى اسمه الصريح، اضطر إلى مغادرة مدينة الموصل بعد أشهر قليلة من اختياره لانجاز مشروع صناعي داخل مدينة الموصل في سنة 2018، يصف محافظة نينوى بأنها غارقة في الفساد، ويتهم المسؤولين بأنهم أداة لإشاعة ذلك لصالح الكتل والأحزاب التي وضعتهم في مناصبهم، وفقاً لتعبيره.
ويقول، “الفساد هو المانع الرئيسي لتطوير حركة الاستثمار في نينوى، ولن يفعل المطار شيئاً إن لم تتم معالجة تلك المشكلة، فعليك أن تدفع للحصول على أرض لتنفيذ مشروعك، وأن تدفع للرخصة، وللبناء، وأن تدفع للدوائر الحكومية التي تحتاج إلى موافقتها، والى موظفي الضريبة، وبعدها تتقاسم معك الميليشيات والعصابات حصتك، لذلك نجد أن أكثر شيء ينجح هناك حالياً هو المطاعم فقط!”.
ورغم الاستياء الشعبي من الأخبار المتعلقة بظاهرة الفساد الإداري في نينوى، والمعزَّزة ببيانات تصدرها هيئة النزاهة بين الحين والآخر عن إجراءات اتخذتها بحق موظفين صغار في الكثير من الدوائر الحكومية، هنالك من يرى أن تنفيذ مشاريع صغيرة أفضل من لا شيء، ومن بين هؤلاء، يونس حسيب، وهو مهندس معماري يعمل لحسابه.
يقول، إن “الجهات الحكومية في السابق (سنوات نشاط الجماعات الدينية المسلحة بين 2004 و2017) كانت تتذرع بتدهور الأمن ولا تنفذ مشاريع ذات نفع عام، والمبالغ المخصصة لها كانت تتبخر حيث تتقاسمها الأحزاب والمسؤولون”.
ثم يضيف بنبرة جادة: “الآن، الوضع الأفضل، هم ما زالوا يسرقون، لكنه ينفذون شيئاً على الأرض، وبالنسبة إلي فإن إنشاء مطار صغير ويواجه عيوبا جوهرية وحتى وإن كان ملاصقاً لمنزلي، هو إنجاز كبير في زمن الفساد هذا!”.