فراس إلياس/ ايار مايو 2023:
ما المعيار الذي يضعه السوداني في إنجاز التعديل الوزاري.. هل يكون محدوداً بوزارات معيّنة، أم سيُحدث هزّة بإجراء تعديلٍ موسّع. وهل سيُطيح بوزراء من كلّ الأحزاب المشاركة في الحكومة.. أما إذا كان البديل من الكتل السياسية ذاتها، فما الجدوى من التعديل؟ الاحتمالات والجدوى من التعديل الوزاري..
بعد مُضيّ ما يقرب من سبعة أشهر على تشكيل حكومته، عبّر محمد شياع السوداني عن رغبته بإجراء تغيير بعض وزراء كابينته، مشيراً إلى أن الأسباب تتعلق بعدم قدرة بعض المستوزرين على تنفيذ برنامجه الحكومي.
وبغض النظر عن حقيقة الأسباب التي تقف خلف خطوة السوداني المرتقبة، يمكن ملاحظة أن هذه الخطوة أثارت العديد من الإشكالات بين السوداني وبعض مكونات “ائتلاف إدارة الدولة” -الإطار التنسيقي وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني- من جهة، وبين السوداني وبعض قيادات “الإطار التنسيقي” من جهة أخرى، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن فرص نجاح السوداني في تحقيق التعديل الوزاري من عدمه.
ما المعيار؟
منذ تشكيله عام 2003، يعاني النظام السياسي من مشكلة بُنيوية، وتحديداً على مستوى العلاقة بين الأحزاب والتحالفات السياسية، حيث أدّت معادلة “المحاصصة المكوناتية” إلى إنتاج حكومات ضعيفة، وغير قادرة على ترسيخ عمل مؤسسات الدولة، ذلك أنها دائماً تخسر المعركة لصالح أجندات القوى السياسية التي تنتجها.
ويواجه السوداني المعضلة ذاتها، إذ كيف سيتمكّن من إنتاج توازن سياسي بين رغبات الكتل السياسية، ومنهاجه الحكومي الذي يطمح لإنجازه؟ وفي سياق آخر؛ يمثل المعيار الذي سيضعه السوداني في إنجاز التعديل الوزاري المرتقب، أهمية كبيرة، خصوصاً وإنه حتى هذه اللحظة لم يحدّد طبيعة هذا التعديل، ما إذا كان محدوداً بوزارات معينة أم تعديلاً موسعاً، وهل سيُطيح بوزراء من كلّ الأحزاب المشاركة، من أجل أن لا يُفسَّر الأمر على أنه استهداف سياسي لكتلة دون أخرى؟ فضلاً عن ذلك؛ كيف سيوازن السوداني بين الضغوط الإقليمية والدولية، وتحديداً الأمريكية، وبين آلية اختيار الوزراء الجدد؟ إذ تؤشر فكرة التعديل الوزاري المرتقب في أحد جوانبها، أنها تأتي في ظل ضغوط أمريكية لتغيير بعض الوزراء التابعين لفصائل مسلحة موالية لإيران، مصنفة على لائحة العقوبات الأمريكية.
وبالأساس، ما المعيار الذي سيضعه السوداني في إنجاز التعديل الوزاري، فهل سيكون محدوداً بوزارات معيّنة، أم سيحدث هزّة بإجراء تعديل موسع؟. وهل سيطيح بوزراء من كلّ الأحزاب المشاركة، من أجل أن لا يفسر الأمر على أنه استهداف سياسي لكتلة دون أخرى؟ أما إذا كان البديل من الكتل السياسية ذاتها، فما الجدوى من التعديل؟
خلافات في كل مكان
تواجه التفاهمات السياسية التي تشكّلت في ظلّها حكومة السوداني تحديات كبيرة على مستوى التزام أطراف ائتلاف إدارة الدولة بتعهداتها لبعضها البعض.
فقد وجدت قيادات شيعية في الإطار التنسيقي، مثل نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، أن هناك حاجة لمراجعة بعض الملفات التي تم الاتفاق عليها مع القوى السنية والكردية.
وفي الوقت الذي عقدت حكومة السوداني اتفاقاً سياسياً مع حكومة إقليم كردستان، أعادت من خلاله بعض الاستقرار للعلاقات بين بغداد وأربيل، كانت العلاقة مع القوى السنية لا تسير على ما يرام.
لم يعد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، ومحمد شياع السوداني، يُخفيان خلافاتهما، بسبب ما اعتبره الحلبوسي انقلاباً سياسياً على تنفيذ الاتفاقات التي سبقت تشكيل الحكومة مع قوى الإطار، وأهمها الملفات المتعلقة بالعفو العام وإعادة النازحين والمساءلة والعدالة، وهي خلافات انعكست بصورة غير مباشرة على جلسات البرلمان لتمرير الموازنة المالية للبلاد.
وفي هذا الإطار أيضاً؛ لم تكن العلاقة بين نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، والسوداني أفضل حالاً، حيث تتحدث مصادر سياسية عن عزم السوداني تغيير وزير النفط التابع لائتلاف دولة القانون.
ردّ المالكي على هذه الأنباء بتوجيه نقد واضح لحكومة السوداني، والأكثر من ذلك؛ نفى علمه بوجود تعديل وزاري مرتقب، معتبراً أيّ خطوةٍ في هذا الإطار تمثل انقلاباً على التوازنات السياسية في البلاد.
يدرك السوداني طبيعة المخاطر السياسية التي يمكن أن ينتجها التعديل الوزاري المرتقب على مستقبل حكومته، ولذلك حاول التأكيد على الطابع الفني للتغيير في حكومته.
كما استبعد رئيس الحكومة أن التعديلات التي يطلبها لن تكون استهدافاً سياسياً موجهاً لكتلة أو حزب بعينه، فيما شدد على حقّه الدستوري بإجراء التغيير الوزاري، وقال إنه لن يتنازل عن صلاحياته.
عُدَّت تصريحات السوداني تحدياً لبعض القوى التي دعمت تشكيل حكومته، لكن قوى أخرى تشجّع على منح صلاحيات لرئيس الوزراء، كون حكومته تعمل في ظلّ ظروف حرجة.
تشير التسريبات إلى أسماء خمسة وزراء على الأقل سيشملهم التغيير، الموارد المائية، والتجارة، والزراعة، والتعليم، والدفاع، وقد تصل قائمة التعديل إلى 10 وزراء من بينهم تابعون لائتلاف المالكي.
إجمالاً، ورغم محاولات بعض قيادات “ائتلاف إدارة الدولة” في التعاطي إيجابياً مع خطوة السوداني المرتقبة، لم يُخفِ بعضها الآخر، بالمقابل، رفضه لها، بل حاول شلّ حكومة السوداني بعرقلة تمرير الموازنة المالية، خصوصاً أنها موازنة لثلاثة أعوام لا واحد، إذ تخشى هذه القيادات، تحرّر السوداني من قيود البرلمان التشريعية إذا ما أقر موازنة الأعوام الثلاث (2023،2024،2025)، ولذا فهي تفاوضه قبل أن تمنحه سيولة مالية، قد لا يكون معها بحاجة للدخول في تفاهمات مستقبلية، وهو ما قد يهيئ له أرضية مناسبة للمضي قدماً في إجراء هذا التعديل دون ورقة ضغوط.
تحديّات على الطريق
أظهر السوداني، في مناسبات عديدة، محاولات لإبعاد كابينته الحكومية عن الضغوط السياسية الناتجة عن الخلافات بين أطراف ائتلاف إدارة الدولة، كما حاول الحفاظ على قواعد الاشتباك السياسي مع مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري.
ورغم الإجراءات الإدارية العديدة، وكان آخرها تغييرات موسعة على مستوى المدراء العامين، إلاّ أن السوداني حرص على اعتماد قاعدة التوازن السياسي فيها.
تَعامُلُ الكتل السياسية بمنهج “التغانم الحكومي” منذ عقود، يجعلها تفسر أيّ تعديل على انه إقصاء سياسي.
وعلى الرغم من تبريرات السوداني العديدة، إلا أن توقيت التغيير الوزاري، يتزامن مع انعدام ثقة يشوب علاقات الأطراف السياسية المشكلة للحكومة، كما أنه يترافق مع التحرّك لإقالة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان، إضافة إلى أن العديد من الوزارات المشمولة بالتعديل هي وزارات خدمية، يعطلها عدم تخصيص موازنة مالية، أكثر مما تعطّلها الأمور الإدارية.
كما أن التعديل قد يُفسر على أنه إخفاق سياسي للكتلة التي ينتمي إليها الوزير المُقال، ما قد ينعكس عليها سلباً في انتخابات مجالس المحافظات في تشرين الأول المقبل، كما أن هذه الخطوة قد تدفع بعض الكتل السياسية للمضي قدماً في مسألة سحب الثقة عن السوداني نفسه، كإجراء مقابل لتغيير وزرائها.
نتاج هذا كلّه، فإن من الصعب جدّاً على السوداني إلغاء فكرة أن هذا التعديل ليس جزءاً من سياسة إقصائية لصالح جهة من الجهات، ولو لأغراض تخص رئيس الوزراء بشخصه.
بالتالي، فإن أيّ محاولة سيقدم عليها السوداني لن تكون سهلة في ظل التعقيد السياسي، فأغلب الوزراء الذين يمكن أن يشملهم التعديل المرتقب، يتبعون كتلاً سياسية كبيرة في البرلمان.
وقد تهدّد، خطوة التعديل الوزاري مستقبل السوداني السياسي، لا سيما وأن بعض الكتل السياسية يمكنها تفسير هذا التعديل على أنه إخلال بورقة الاتفاق السياسي الذي تشكّلت على أساسه الحكومة، وبالتالي فإنه قد يفتح الباب أيضاً أمام الحديث عن جدوى الاتفاق السياسي الذي قسّم الوزارات والمديريات وفق قاعدة المحاصصة… القاعدة التي حددت صلاحية رئيس الوزراء بالاختيار بين مرشحين تقدمهم الكتلة دون الحديث عن مدى صلاحيتهم في تقرير كفاءة الوزير.
الحال هذه، فإن لقاعدة المحاصصة آليات خاصة تسير عليها الكتل السياسية، وقد تكون أحياناً فوق مبدأ تصحيح المسار الحكومي، فمضي السوداني بخطوة التعديل يعني كسر هذه القوالب، وربما يؤدي ذلك إلى إعادة صياغة التحالفات السياسية من جديد.
جدوى التعديل
تكمن المشكلة في الكتل السياسية، قبل أن تكون في الحكومة. فمكونات “ائتلاف إدارة الدولة” المشكلة للحكومة، لم تصل إلى مرحلة “النضج السياسي” لكي تتعامل بإيجابية مع خطوة التعديل.
تنظر هذه القوى لعملية المشاركة في تشكيل حكومة السوداني على أنها جزء من توافق نخبوي لتوزيع موارد الدولة فيما بينها، أكثر من كونها مشاركة في تعزيز الديمقراطية التوافقية في البلاد.
فعبر مشاركة هذه الكتل في تشكيل الحكومة، تحاول إنتاج “تحالف أوليغارشي” يحتكر القوة والموارد وشبكة العلاقات الزبائنية في البلاد، ولعل هذا ما بدا واضحاً في محاولة احتكارها لأكبر عدد ممكن من قطاعات الدولة عبر الموازنة العامة المقترحة للبلاد، وهذا أيضاً ما تؤكد عليه نسب التضخم الكبيرة في “سياسة التعيين والتوظيف” في العديد من المؤسسات الأمنية والتعليمية في البلاد، دون الأخذ بنظر الاعتبار نسب العجز الكبيرة في الموازنة.
تنظر القوى السياسية إلى المشاركة في هذه الحكومة، على أنها مدخل لتمويل أنشطتها الحزبية والمسلحة، دون أدنى اهتمام بإنجاح مهمة الحكومة، وهو ما يطرح تساؤلاً آخر عن جدوى التعديل المرتقب، إذا كانت الكتل السياسية محكومة بعقلية “المشاركة في المغانم” وليس “المشاركة في تحمّل المسؤولية”؟
في الواقع، يدرك السوداني جيداً أن المعضلة الرئيسية لا تكمن في تغيير بعض الوزراء، وإنما بطريقة تفكير وعمل الكتل السياسية، خصوصاً مع عدم وجود ضامن حقيقي على إمكانية أن يكون الوزير البديل أكثر كفاءة من الوزير المقال.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول بأن السوداني يحاول أن يجعل من فكرة التعديل الوزاري المرتقب، وسيلة مهمة للتخلص من التحفظات الأمريكية على بعض الوزراء في حكومته، وتحديداً على وزيري التعليم والعمل والشؤون الاجتماعية، وبالتالي يحاول أن يعالج تحفظات واشنطن بشمول وزراء آخرين بالتعديل، من أجل عدم إثارة تحفظات الكتل السياسية ذات الأجنحة المسلحة.
عليه، فإن التعديل الوزاري المرتقب قد يدخل العملية السياسية في حالة من “الجمود السياسي”، وقد شهد العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، العديد من الأمثلة.
فخلال حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية 2006 – 2014، إلى جانب حكومة حيدر العبادي، أنتجت محاولات استهداف وتغيير بعض الوزراء التابعين للمكون السني والكردي، مثل رافع العيساوي وهوشيار زيباري، أزمات سياسية حقيقية في البلاد آنذاك.
إلغاء التعديل وارد!
يدرك السوداني جيداً طبيعة التحديات التي سيواجهها في حالة المضي قدماً بخطوة التعديل الوزاري المرتقب من دون إجراء تفاهمات سياسية مع ائتلاف إدارة الدولة، ورغم أن بعض الملفات التي استحوذت على الاهتمام السياسي، مثل المناقشات حول الموازنة العامة للبلاد، وتغيير المدراء العامين في بعض وزارات ودوائر الدولة، أجلت خطوة السوداني المرتقبة، إلاّ إنه لم يلغ الفكرة تماماً على ما يبدو، وهو ما بدا واضحاً من تصريحاته الصحفية. فهو يدرك أن خطوة التعديل تتطلب مزيداً من الجهد والحوار من أطراف “ائتلاف إدارة الدولة”، فضلاً عن إيجاد صيغة تعديل لا تخل بقاعدة المحاصصة التي تشكلت بموجبها الحكومة الحالية.
لكن، وبالمقابل، فإن اتساع حجم الصراع السياسي بين المالكي والحلبوسي من جهة، ومع السوداني -إعلامياً على الأقل- من جهة أخرى، قد تؤثر سلباً على مستقبل الحكومة.
إذا ما أن تفكك “ائتلاف إدارة الدولة” كنتيجة للصراع السياسي، فإن السوداني سيكون في موقف صعب للغاية، وهو ما قد يدفعه لتأجيل التعديل حتى تتضح ملامح هذا الصراع، أو البحث عن آلية جديدة للتعديل، قد تقتصر على المدراء العامين والدرجات الخاصة، دون المضي في إجراء تعديل وزاري لم تتفق عليه حتى الآن كل الأطراف المشاركة في تشكيل الحكومة.
*فراس إلياس: أكاديمي وباحث متخصص في الشؤون الاستراتيجية والأمن الوطني
* انجزت المادة من قبل شبكة “نيريج” ونشرت على موقع “جمار”
المزيد عن تحليل
تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20725}" data-page="1" data-max-pages="1">