مطار الأنبار … فساد بمليارات الدولارات
خلافاً للقانون متنفذون في الأنبار يبيعون عقارات قرب مطار قيد الانشاء تصل أقيامها لمليارات الدولارات
خلافاً للقانون متنفذون في الأنبار يبيعون عقارات قرب مطار قيد الانشاء تصل أقيامها لمليارات الدولارات
فاضل محمد(58سنة) موظف حكومي، يسكن مع عائلته منزلاً مستأجراً في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، غربي العراق. يشتكي من عدم حصوله على أرض سكنية أسوة بموظفين آخرين، رغم خدمته الطويلة التي قاربت 30 سنة.
محمد، الذي يعيل عائلة من سبعة افراد تعتمد في تأمين متطلباتها على راتبه الذي يذهب ثلثه لايجار منزل، يردد بأسى “الفساد وراء كل شيء”. يشير عبر نافذة سيارته التي يقودها الى أراضي منطقة الوفاء التي شكلت مركز “صفقة فساد مليارية” جديدة أبطالها موظفون كبار وفقاً، جرى من خلالهم وخلافاً للقانون توزيع وتمليك عشرات الآلاف من قطع الأراضي السكنية في منطقة حيوية سيتم بناء مطار دولي فيها.
يباعد بين أصابع يده اليمنى: “ليس لدي شبر من الأرض في هذا البلد. خدمتي الوظيفية أكبر من أعمار كثيرين حصلوا على أراض وأموال بسبب علاقاتهم بالمسؤولين والأحزاب.. هنا حصل نافذون في السلطة على مئات قطع الأراضي”.
أخبار عملية الفساد تلك ظلت تتردد لأشهر سراً على ألسنة موظفين واصحاب مكاتب عقارات، خوفاً من الملاحقة في محافظة تحكمها جهة سياسية نجحت في فرض سطوتها الأمنية كما نفوذها السياسي على غالبية دوائرها.
قبل أن تكشف هيئة النزاهة يوم الثلاثاء 4 نيسان/أبريل2023 عن تنفيذها لعملية وصفتها بالكبيرة والاستثنائية، ألقت القبض خلالها على مدير التسجيل العقاري في الأنبار مع خمسة موظفين آخرين بتهمة التلاعب وتزوير الأوراق الخاصة بنحو 70 ألف عقار (قطعة أرض بمساحة 300 متر مربع) كما ضبطت مبالغ مالية تقدر بنحو مليوني دولار، ومخشلات ذهبية والعديد من الأختام المزورة.
وفق بيان للهيئة، العملية جرت بالتنسيق مع وزارة العدل ومحكمة جنايات مكافحة الإرهاب، بعد تلقي معلومات أفادت بأن مدير التسجيل العقاري ومعه موظفون ضمن إدارته قاموا بتمليك أراض في ناحية الوفاء، 35 كم جنوب غرب مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، مبينة أن المتهمين “قاموا بفرز آلاف العقارات بنحو غير أصولي وإنجاز بعض منهم معاملات التسجيل العقاري في محال سكناهم، فضلاً عن تحويل ملكية العقارات وتثبيت التواقيع بأختام وليس تواقيع حية، وطباعة معاملات التسجيل والاستمرار بالتسجيل، بالرغم من إيقافه حسب كتاب مديرية بلدية الأنبار”.
ولمنع استمرار تحويل ملكية هذه الأراضي لحين إكمال التحقيقات اللازمة، طلبت مديرية تحقيق بغداد التابعة لهيئة النزاهة في 29/3/2023 من المدير العام للتسجيل العقاري، وضع إشارة عدم تصرف على العقار التابع لبلدية الوفاء، الذي يضم هذه الأراضي ورقمه(83)من التسلسل رقم(90000 لغاية التسلسل رقم 160000).
وناحية الوفاء، التي تم تمليك هذا العدد الكبير من العقارات بنحو غير شرعي فيها، تقع في ذات المنطقة التي تخطط إدارة المحافظة لبناء مطار دولي فيها، ما يظهر أن المتورطين كانوا يعرفون بأن قيمة هذه الأراضي سترتفع بنحو كبير خلال الفترة المقبلة ولهذا تم التركيز عليها تمليكاً وبيعاً.
وما يزيد تعقيد هذا الملف، هو أن أصل هذه الأراضي زراعي تملك عشائر المنطقة حق استغلالها، وتقطيعها وتوزيعها دون التفاهم معها، سيثير مشاكل معقدة قد تتحول الى نزاعات مسلحة تهدد الأمن في المحافظة، وفق متابعين للملف.
وقد كانت حكومة الأنبار المحلية، قد أعلنت في 6 أيلول/سبتمبر 2021، توصلها لاتفاق مع شركة تركية أسمها (pelkom Turkis) لإنشاء مطار دولي في ناحية الوفاء، على مساحة 3 ألف دونم، سيخصص للنقل والشحن الجويين، بطاقة استيعابية تقدر بـ500 ألف مسافر سنوياً.
التلاعب بالأوراق الرسمية للعقارات، ظاهرة سادت في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش بين 2014 و 2017 ولاسيما محافظتي نينوى والأنبار التي اعتقل فيهما العشرات من الموظفين بعد تحريرهما عقب حرب استمرت لأشهر.
إذ استغلت ميليشيات وأحزاب سياسية وعصابات مرتبطة بها النفوذ المتاح لها ومن خلال موظفين كبار وفي ظل الفراغ الأمني القائم إثر انتهاء الأعمال العسكرية، واستولت على آلاف من العقارات العامة والخاصة بعد تزوير السجلات الخاصة بها.
صراعات واتهامات سياسية
تشير أصابع الاتهام في قضية أراضي ناحية الوفاء، إلى رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، إذ تحدثت مصادر عدة في المحافظة، أن أشخاصاً مقربين من الحلبوسي الذي يتزعم تحالف(تقدم)هم المتورطون في القضية، وهم يمتلكون نفوذاً كبيراً في حكومة الأنبار، ومن بينهم محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي، رئيس حزب التعاون الوطني، المنضوي في تحالف تقدم، في حين أن هنالك من يرى هذه الاتهامات جزءاً من صراع سياسي تشهده المحافظة.
ولم ينفِ الحلبوسي تلك الاتهامات بنحو قاطع، إذ قال خلال تجمع عشائري لأهالي الأنبار في 11نيسان/أبريل2023 أن هنالك من استغل عدم متابعته ورقابته للشؤون العامة في الأنبار في الفترة الماضية بسبب انشغاله بمتابعة ملفات إدارة الدولة وتشريع القوانين بحكم وظيفته في بغداد، فقاموا بالتجاوز على تلك العقارات.
وقال أيضاً: “هؤلاء لن يؤثروا على إنجازات المحافظة، ويسيؤون لأنفسهم فقط، وأنهم أخطأوا وسيتحملون نتائج أخطائهم”. ثم وجه اتهامات لشخص لم يسمه بقوله: “هنالك من يريد تقزيم الإنجازات التي تحققت في محافظة الأنبار، لأنه لم يحقق شيئاً لمحافظته، وأهالي تلك المحافظة يقولون له لماذا لم تبني محافظتنا مثلما يحدث في الأنبار، لهذا فهو يحاول تضخيم ما حدث في الأنبار بخصوص العقارات لتقليل ما تحقق فيها من اعمار”.
تصريحات الحلبوسي، جاءت بعد يوم واحد فقط من قيام محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزيَّـة بإصدار أمر استقدام بحق محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي. وفي تعليقها على الأمر ذكرت هيئة النزاهة الإتحادية، أن أمر الاستقدام جاء وفقاً للمادة 340 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 “جرَّاء الإضرار عمداً بأموال ومصالح محافظة الأنبار، بتوزيع قطع أراضٍ سكنيَّـةٍ في المناطق المحيطة بمطار الأنبار المزمع إنشاؤه، وذلك بالاتفاق مع عددٍ من المتنفذين في المحافظة”.
وعلى الرغم من إجراءات هيئة النزاهة، ومنها عملية اعتقال رئيس اتحاد نقابات العمال فرع الأنبار، والتي جرت يوم السبت8 نيسان/أبريل2023 ونفذها فريق من مديرية التحقيق التابعة لها في بغداد بمشاركة فريق من الهيئة العليا لمكافحة الفساد، بتهمة ارتكابه مخالفات في توزيع قطع الأراضي التابعة لبلدية ناحية الوفاء، إلا أن إعلاميين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي يتهمونها بالعمل على تشويه صورة رئيس مجلس النواب ضمن خطة تستهدفه.
وتأتي فضيحة عقارات منطقة الوفاء، في وقت برز صراع بين القادة السنة المنقسمين الى عدة قوى متنافسة (تقدم، سيادة، عزم)، بشأن من يمثل المكون سياسيا في مواقع اتخاذ القرار ببغداد، ومن يمثل رأس قيادته لتحقيق مطالب جمهوره، في ظل محاولات لإبعاد الحلبوسي عن رئاسة مجلس النواب.
وبحسب مصدر مقرب من اروقة الصراع في الأنبار، فأن الصراع محتدم داخل تحالف “تقدم” ذاته، وتحديداً بين زعيمه محمد الحلبوسي، وعلي فرحان الدليمي محافظ الأنبار، بسبب رفض الأخير تحجيم دوره في الأنبار وتفرد الحلبوسي والمقربين منه بالقرار، وهو ما أدى إلى كشف قضية الأراضي.
ويوضح:”علي فرحان الدليمي، ينتمي لعشيرة ألبو جليب التي تستغل أراض زراعية في ناحية الوفاء، وقد ضحى بتلك الأراضي قبل سنتين من أجل إرضاء الحلبوسي، وهو في وضع حرج جداً في الوقت الراهن، خصوصاً بعد خضوعه للاستجواب لدى النزاهة، وقد يعمد الحلبوسي للتملص من المسؤولية على تحشيد النواب لطلب سحب الثقة منه ووضعه أمام المساءلة”.
أما فيما يتعلق بالإتهامات الموجهة لهيئة النزاهة بالتورط في الصراع السياسي، نفتها الأخيرة في بيان صدر عنها يوم 6 نيسان أبريل2023 قالت فيه: “ما تحدث به بعض الإعلاميين، وما نشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، من ملابسات تربط العمليَّـة الكبرى والاستثنائيَّـة التي نفذتها الهيئة في مديريَّـة التسجيل العقاري في محافظة الأنبار بخلافات وسجالات سياسية مزعومه، هو حديث غير صحيح وعار عن الصحة ولا يمثل الحقيقة والهيئة بأي شكل من الأشكال”.
وقالت الهيئة في بيانها بأنها تلتزم المهنية والحيادية التامة في أداء مهامها لمكافحة الفساد ومنع انتشاره واسترداد الأموال المسروقة بموجب أحكام قانونها النافذ رقم (٣٠ لسنة ٢٠١١) المعدل، وقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية.
الناشط المدني سلام محمد، قال بأن حيثيات القضية تشير بالفعل إلى تورط هيئة النزاهة بطريقة أو بأخرى، وقال: “تم التلاعب بسبعين ألف اضبارة عقارية، وهذا الأمر احتاج إلى أشهر، فأين كانت النزاهة طوال ذلك الوقت؟”.
وهذا رأي الكثيرين ممن تواصلنا معهم في الأنبار، مع عدم نفيهم حصول صفقات فساد في ملف الأراضي. وأكدوا بأن جهات سياسية تتنافس فيما بينها للسيطرة على السلطات التنفيذية في المحافظة، ويعتقدون بأن هيئة النزاهة دخلت في ذلك الصراع.
ويؤكد محامٍ من غرفة محامي الأنبار بعد طلبه عدم الإشارة إلى أسمه، أن أراضي بلدية الوفاء ليس الوحيدة التي تم التجاوز عليها من قبل الأحزاب السياسية، بل هنالك مواقع أخرى غيرها عديدة مثل: “القصور الرئاسية التي كان رئيس النظام العراقي السابق قد أنشأها في الأنبار، ومنطقة اللواء الثامن”.
وهاتان المنطقتان تحديداً، يشكلان محور اهتمام فريق تحقيق من هيئة النزاهة، قدم من بغداد يوم الأربعاء26نيسان/أبريل2023، للتدقيق في أوراقها العقارية بعد تلقي الهيئة شكاوى بوجود مخالفات فيها.
جهات نافذة وراء العملية
المتحدث باسم الحراك الشعبي في الانبار ضاري الريشاوي، يقول بأن اراضي ناحية الوفاء تم توزيعها خارج الضوابط لفئات غير مشمولة أصلاً باستحصال الأراضي، ويقدر عددها بـ150 ألف قطعة سكنية تم بيع البعض منها تجاريا لجهات غير معروفة. وفقاً لما ذكر.
ويوضح:”هنالك 80 ألف قطعة سكنية أخرى وزعت، إضافة الى الـ70 ألفاً التي ضبطت معاملاتها لكونها روجت بشكل غير أصولي”.
ولا يستبعد الريشاوي تواطئ محافظ الانبار علي فرحان الدليمي بالقضية مؤكدا أن ما اقدمت عليه دائرة التسجيل العقاري “تقف وراءه جهات تملك نفوذاً كبيراً فلا يمكن لموظف بسيط أن يقدم على مثل هكذا أمر بدون جهة كبيرة تسنده”.
عضو مجلس النواب السابق عن محافظة الأنبار فارس الفارس، يشاطر الريشاوي رأيه بعدم استبعاد وقوف جهات كبيرة نافذة خلف الموضوع، مؤكدا وجود فساد كبير في ملف العقارات، وأن هنالك الكثير من الأراضي في مختلف المدن التابعة لمحافظة الأنبار تم التجاوز عليها، الا أن أراضي ناحية الوفاء بمساحاتها المختلفة وأعدادها الكبيرة فضلا عن طريقة بيعها “شكلت صدمة للمواطنين في المحافظة خاصة ممن لديهم استحقاق بالحصول على قطعة ارض”.
أما القيادي في تحالف الأنبار الموحد محمد دحام، فقد اتهم من وصفهم باتباع الحلبوسي، بالاستحواذ على أراضي زراعية في محيط موقع المطار المزمع إنشاؤه، تعود ملكيتها لعشائر تقطن المنطقة، وحولوها إلى أراض تابعة للبلدية ومن ثم بيعها لصالحهم.
وقال بأن :”مايزيد عن 3000 قطعة ارض منها تم بيعها عن طريق مكاتب غير معروفة”. وحذر من أن ذلك قد يشعل فتنة تهدد امن المحافظة مستقبلاً، على حد تعبيره.
من أجل تحديد دور هيئة النزاهة في الأنبار بقضية أراضي ناحية الوفاء، وبمتابعة الملف من النقطة التي بدأ معها كل شيء، لم نجد أي مؤشر يوحي لهيئة النزاهة. في وقت أكد وزير العدل خالد شواني، ان الملف انكشف من خلال رسالة وصلته، وأن من قام بالإبلاغ عن التجاوزات العقارية كان مواطناً لا يملك أية صفة رسمية.
الوزير قال خلال استضافته في برنامج لصالح قناة الفضائية العراقية، أن مواطناً أبلغه بالتجاوزات العقارية برسالة عبر تطبيق واتساب وأنه تجاوب مع الإبلاغ وطلب من مرسله ما يثبت قوله لأن الأمر قد يكون مجرد اتهام، وفقاً لما ذكر.
وأضاف: “أرسل لي الأدلة، وتأكدت من أنها صحيحة، ثم أرسلتها إلى هيئة النزاهة، وقد تفاعل رئيس الهيئة بشكل كبير، وكان حاسماً في الموضوع لأنه قرر اتخاذ الإجراءات خلال أقل من 24 ساعة من تبليغنا وتم الكشف عن عملية الفساد الكبيرة”.
ونفى وزير العدل خلال المقابلة، أن يكون للموضوع أية جوانب سياسية، وقال: “القضية مهنية إدارية صرفة تتعلق بمكافحة الفساد ولم يتدخل فيها أي طرف سياسي”.
ويؤكد عضو مجلس النواب حسين مؤنس، الذي يرأس حركة “حقوق”، ما ذهب إليه وزير العدل بقوله أن الملف غير سياسي وغير خاضع إلى (المساومات والإبتزاز والتسويات السياسية). لكنه في ذات الوقت يناقض ما ذكره في أنه أول من علم بقضية الأراضي.
إذ ذكر النائب في تصريح مصور وزعه مكتبه الإعلامي في 11 نيسان/ أبريل2023، أنه عمل على ملف أراضي ناحية الوفاء على مدى ثلاثة أشهر وأنه وزملاؤه تعرضوا إلى مساومات وتحديات طوال تلك الفترة (دون أن يحددها).
وأضاف: “سلمت الملف إلى رئيس الوزراء، الذي بادر فوراً بالإيعاز للجهات الأمنية لمداهمة الأماكن المشبوهة واعتقال المتهمين”.
https://www.youtube.com/watch?v=0j6EH1qV79I
وذكر مؤنس، أن لديه ملفاً آخر يتعلق بذات القضية سيقوم بتسليمه للقضاء العراقي، وقال أيضاَ: “قيمة هذا الملف بأكمله تعادل 10% من العجز في موازنة 2023″.
وهذا يعني أن قيمة الأموال المرتبطة بالملف وفقاً لما يقوله النائب تبلغ 4.85 مليار دولار، إذ أن مجلس الوزراء العراقي كان قد وافق في شهر آذار/مارس المنصرم على الميزانية العامة لسنة 2023، بعجز يبلغ 48.5 مليار دولار، أي 63 ترليون دينار عراقي.
ويرى المحلل السياسي عادل عبد الوهاب، أن نفي الوزير والنائب للجانب السياسي في قضية أراضي ناحية الوفاء، دبلوماسي، ولا سيما أن القضاء او أياً من الجهات الرسمية لم تشر إلى تورط ساسة أو جهة سياسية في الأمر.
ويقول:”لكن هذا لا يعني بأن الأمر صحيح، فالوزير والنائب وأبسط مسؤول أو حتى أي مواطن عادي، يعرف بأن 70 ألف قطعة أرض لا يمكن توزيعها خلافاً للقانون، دون أن تكون هنالك جهة سياسية تملك أدواتها داخل التسجيل العقاري والبلدية وغيرها من المؤسسات المعنية”.
هل المطار وهمي !
ويعتقد البعض في الأنبار، ومن بينهم ضاري الريشاوي، أن إعلان الحكومة المحلية في 2021عن الاتفاق مع شركة تركية لإنشاء مطار دولي في منطقة الكيلو 35 غرب المحافظة، كان عبارة عن خدعة، لكي يقبل المواطنون على شراء الأراضي هناك، وبالتالي ترتفع أسعارها، ويحصل المستفيدون وهم موظفون حكوميون مرتبطون بحزب رئيس مجلس النواب(تحالف تقدم)، على مكاسب كبيرة.
والاتهام هذا يتماشى في جزء منه مع ما أشار إليه بيان هيئة النزاهة في 4نيسان/أبريل2023 في أن المتورطين بالقضية كانوا يعرفون بأن قيمة هذه الأراضي سترتفع بنحو كبير خلال الفترة المقبلة بسبب مشروع بناء المطار.
وهذا المطار وفقا للريشاوي، لم ينشأ منه سوى سياج خارجي تم التعاقد عليه بمبلغ 43 مليار دينار، وهو لا يكلف سوى 20 مليار دينار”. في حين أن إدارة محافظة الأنبار كانت قد أعلنت في آذار/مارس 2022، تسليمها الأرض المخصصة لإنشاء المطار إلى ممثلي شركة (polikon ) التركية، لتنفيذ المرحلة الاولى المتمثلة بتشييد المحيط الخارجي وابراج المراقبة الخاصة بالمطار.
وعلى الأرض، في الموقع المحدد لإنشاء المطار الدولي، تبدو هنالك أعمال جارية بالفعل لإنشاء السياج الخارجي، لكن بوتيرة بطيئة، وهو ما تعزوه مصادر في ديوان محافظة الأنبار إلى ضعف التخصيصات المالية، وأن التصميمات لوحدها كانت قد كلفت 74 مليار دينار في 2021، وكانت تعادل حينها أكثر من 50 مليون دولار.
وذكر علي حسين خضير، من دائرة المهندس المقيم، أن المرحلة الأولى لإنشاء مشروع المطار المحالة لشركتي( ميتاج وبوليكوم) قد بدأ تنفيذها في 31/5/2022، على مساحة تقدر بأكثر من 6 ألف دونم. وقال بأن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء:”السياج الأمني بطول 17 كيلومتر، وطريق أمني محاذي له، وأبراج حماية، وقناة كوكنكريتية للأعمال الكهربائية بطول 17 كيلو متر”.
ولفت إلى أن الوقت المحدد لإنجاز المرحلة الأولى هي سنتان، لكنها عاد ليقول بأنها قد تكتمل خلال سنة، وأن المراحل اللاحقة سيبدأ العمل بها تباعاً بعد إكمال كل مرحلة.
ولم نحصل على إجابة من إدارة محافظة الأنبار، بشأن طبيعة المراحل التالية، ومدد تنفيذها، والمبالغ التي رصدت لها، ولا سيما أنها كانت قد أعلنت في 2021 بان المطار سيكون الأكبر والأحدث على مستوى العراق، مما يبقي باب التوجس مفتوحاً على احتمال أن يكون “مشروع المطار المزعوم”كما تعتقد بعض مصادرنا “مجرد طعم لإغراء المواطنين بشراء الأراضي في تلك المنطقة”.
ويستدلون في ذلك على قضية التوزيع غير المشروعة، وأيضاً إلى أسعار قطع الأراضي قبل إعلان مشروع المطار والتي لم تكن تتجاوز في أحسن الأحوال عن مليون وخمسمائة ألف دينار (أكثر من ألف دولار) للقطعة بمساحة 300 متر مربع، ارتفعت لتبلغ كحد أدنى نحو 6 مليون دينار (نحو 4100 دولار) فيما بلغت أخرى وحسب موقعها نحو ثلاثة أضعاف ذلك المبلغ، حتى قبل بدء عمليات البناء في المنطقة. وهو ما يعني أن الأسعار سترتفع عدة أضعاف في حال المضي ببناء المطار ومد الطرق وشبكات الخدمات اليها.