تحقيقات استقصائية: متجاوزة التقييم العلمي والمسؤولية الأخلاقية .. رواج “تجارة الشهادات العليا” بالجامعات اللبنانية والإيرانية

متجاوزة التقييم العلمي والمسؤولية الأخلاقية .. رواج “تجارة الشهادات العليا” بالجامعات اللبنانية والإيرانية

دمج أصحاب "الشهادات العليا التجارية" بقطاع التعليم العالي العراقي والادارات العليا للدولة ستحمل نتائج كارثية

ولاء ريّا – أحمد حسن/ آذار مارس 2023:

يطالع “جمال.ط” شهادة “الدكتوراه” في حقل القانون، المعلقة على جدار صالة الاستقبال بمنزله، والتي طالما افتخر بها، حيث حصل عليها بعد جهد دراسي امتد لثلاث سنوات في أروقة إحدى الجامعات اللبنانية، لكن شهادته تلك باتت محل تشكيك.

يشير إلى شهادته قائلا: “اغتربت لسنوات، ودرست كل يوم لساعات إلى أن حصلت عليها، كانت سنوات صعبة، اضطررت فيها إلى بيع سيارتي الشخصية لكي أؤمن أقساط الدراسة ونفقات الاقامة”.

يضيف التدريسي في احدى الجامعات الأهلية العراقية، بينما ترتفع نبرة صوته وهو يلقي بنظارته جانبا “كان المشرف على اطروحتي من خيرة التدريسيين العرب في مجال الحقوق، لديه مؤلفات عديدة، عملنا طوال أكثر  من عام لكي تظهر اطروحتي بالشكل اللائق، لكن الكل بات اليوم يشكك في صحة شهاداتنا، لأن هناك من حصلوا على شهاداتهم دون جهد”.

يردف بنبرة جازمة: “جلهم من المسؤولين، بعضهم يشغلون مناصب مهمة بالدولة، دفعوا المال ونسقوا مع أساتذة وموظفين في تلك الجامعات ليحصلوا على شهاداتهم، هذه باتت تجارة مربحة للطرفين، تجارة يقف خلفها أناس قدموا كل أنواع التسهيلات لادامة أرباحهم”.

كانت الجامعات اللبنانية ولنحو عقدين من الزمن مقصدا لعشرات الآلاف من العراقيين الراغبين بإكمال دراساتهم العليا وبمختلف الحقول العلمية والإنسانية، مثل جامعتي الجنان والجامعة الإسلامية اللتين تضمان إلى اليوم آلاف العراقيين الساعين إلى تحسين رواتبهم ومواقعهم الإدارية أو ضمان فرص تعيين حكومي من خلال حصولهم على شهادات عليا.

 

فيديو يظهر تعرض طلبة دراسات عليا عراقيين إلى الاعتداء من قبل قوات أمنية لبنانية أثناء مراجعتهم وزارة التربية حيث يتزاحمون بالعشرات لمعادلة شهادة البكالوريا، وسط تشكيك متصاعد بتلك الشهادات التي توصف بـ”التجارية”

تقدر أعداد الطلبة العراقيين في جامعة الجنان بما يقرب من 13600 للعام الدراسي المنصرم (2021-2022)، أما الجامعة الإسلامية في لبنان، فقد ضمت في العام الدراسي 2020-2021 بحدود 4000 طالب عراقي في كلية الحقوق وحدها، و900 طالب في كلية الإدارة والاقتصاد وعدد قليل في بقية الكليات، بحسب طلاب من الجامعتين المذكورتين، إذ تعذر الحصول على أرقام أو إحصائيات رسمية (تواصلنا مع الجامعة عدة مرات ولم نحصل على جواب لأرقام رسمية). وبحسب تصريح صحفي لرئيس الجامعة الإسلامية: “تكلّموا عن آلاف الشهادات المزورة، طلبت لوائح بأسماء الخريجين واختصاصاتهم من سنة 2016 إلى سنة 2021، تبين أن الخريجين من هذه الجامعة من ماجستير ودكتوراه في ست كليات خلال السنوات الستة حوالي 1,111 خريج من كافة الجنسيات”.

يقول الناشط في مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة محمد الربيعي، الذي اهتمت مؤسسته بمعرفة أرقام الطلاب الدارسين في لبنان: “نحن كمؤسسة مختصة بقضايا دعم الشفافية والنزاهة، لم نحصل على إحصائيات بشأن عدد الطلاب، فليست هنالك إجراءات ترغم الطلاب على الحصول على وثائق من وزارة التعليم أو الدوائر الرسمية للدراسة في الخارج يمكن من خلالها إحصاء أعداد الطلاب، لكننا نعرف بأن هنالك عشرات الآلاف من الطلبة العراقيين تواجدوا في لبنان من أجل الدراسة”.

ويستدرك الربيعي: “وزارة التربية اللبنانية تملك الإحصائية الدقيقة، لأن هذه الجامعات طلبت مصادقة وزارة التربية، لكن وجود سماسرة عراقيين يتعاملون مع الدوائر الحكومية ويحصلون على مبالغ تتراوح بين 200 إلى 500 دولار لتصديق كل وثيقة من تلك الوزارة جعل الجميع يتبرأ من الاعلان عن الاعداد، وللاسف معظمها كانت تخرج بصيغة غير قانونية، والدليل على ذلك ما قامت به الجامعة الإسلامية منذ أشهر بعزل المنسق أو ممثلها الذي ينقل الوثائق من وزارة التربية اللبنانية إلى الجامعة بسبب الابتزاز”.

يشكك الأستاذ الجامعي طاهر علي (56 سنة) بجزء كبير من تلك الشهادات الممنوحة، ويتساءل عن كيفية الحصول على الشهادة التي تتطلب التفرغ والتواجد في لبنان لفترات محددة في الأقل، وهو ما لم يحصل مع عشرات المسؤولين العراقيين الكبار الذين حصلوا على شهاداتهم بينما كانوا منشغلين بمهام وواجبات وظائفهم العليا في الدولة العراقية؟!

رئيس مجلس القضاء الأعلى خلال نيله شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان (أرشيف)

رئيس مجلس القضاء الأعلى خلال نيله شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان (أرشيف)

ويردد المشككون بتلك الشهادات، أسماء مثل فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، والأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي اللذين حصلاً على شهادتيهما العليا من الجامعة الإسلامية، والأخير حصل عليها في أيلول سبتمبر 2022، وكانت شهادة في الدكتوراه بدرجة امتياز، وكذلك نعيم العبودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي حصل على شهادتين واحدة دكتوراه في اللغة العربية والأخرى ماجستير في حقوق الإنسان من الجامعة الإسلامية في لبنان.

بعض هؤلاء استغل الإجراءات الصارمة التي فرضتها الدولة اللبنانية في العام 2020 بحق الوافدين نتيجة انتشار فيروس كورونا، فتابع (خلافا للقانون العراقي) دراستهم عبر الانترنيت، متحججين بتعذّر سفرهم إلى لبنان، وهذا ما يؤكده محمد الربيعي، بقوله: “جميع المناصب العليا في بغداد ولاسيما في الرئاسات الثلاث حصل أصحابها على شهاداتهم من هذه الجامعات”.

ويشير إلى أن الأسلوب الجديد المتبع من قبل موظفين بدرجات عليا مثل “مدير عام أو مدير قسم”، هو اعتمادهم على أساتذة عراقيين كمشرفين، يكتبون لهم الدراسة أو البحث أو الرسالة، ويكونون أعضاء في لجان المناقشات ويحضرون معهم إلى بيروت، ولذلك “نجد بأن معظم جلسات المناقشة فيها أكاديميون عراقيون”.

الأوضاع التي فرضها انتشار الفيروس، وتحويل الدراسة من حضورية إلى إلكترونية، سهلت على العديد من الطلاب العراقيين عملية التسجيل الإلكتروني والدراسة في العديد من الجامعات اللبنانية الخاصة للحصول على شهاداتها، قبل أن تضج وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي في العراق صيف 2021 بأخبار “اكتشاف 27 ألف شهادة” وصفت بالمزورة، حصل عليها عراقيون من مؤسسات تعليمية لبنانية.

بين اولئك عشرات المسؤولين العراقيين الذين حصلوا على شهاداتهم بينما كانوا ملتزمين بوظائفهم الرسمية في العراق، كلا الأمرين أسهما في اتهامات وجهت لتلك الجامعات بتقديم الشهادات مقابل عوائد مالية وليس استناداً إلى سقوف علمية محددة.

الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي خلال نيله الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان (أرشيف)

الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي خلال نيله الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان (أرشيف)

تلك الشهادات تعد رسمية من الناحية القانونية، لكن تظل مسألة الاعتراف بها متعلقة بالجهة التي ستقدم لها لاحقاً سواءً في العراق أو لبنان.

18 ألف شهادة خلال عام

يقول وليد حسين، وهو صحافي لبناني، يعمل في جريدة المدن الإلكترونية التي أثارت هذه القضية أولاً في 2021: “في العام الدراسي 2020- 2021، منحت إحدى الجامعات اللبنانية ستة آلاف شهادة لطلاب دراسات عليا، 2000 منها في القانون والبقية توزعت على اختصاصات إنسانية مختلفة من بينها العلوم السياسية”.

ويوضح حسين أيضا إلى أن ثمانية عشر جامعة لبنانية أخرى، منحت في تلك الفترة 18 ألف شهادة دراسات عليا، موضحا أن هذه الأرقام قد حصل عليها من مصدر وزاري رفض اطلاعنا عليه، وعبر عن دهشته من هذا الكم الكبير الذي يفوق القدرة الأكاديمية لكبريات الجامعات العالمية، على حد تعبيره. تاركاً دون اجابة، السؤال عن كيفية تأمين المشرفين على كل تلك الشهادات في جامعات عدد أساتذتها محدود.

يقول الطالب فالح محسن (34 سنة) وهو عراقي يدرس في حقل إنساني بجامعة في بيروت، أن مسؤولين عراقيين كبارا حصلوا على شهادات بذات الطريقة: “يسجلون أسماءهم، وتكون دراستهم عن بعد، مع أنهم لا يدرسون عملياً أي شيء، فقط يدفعون الرسوم، والشهادة مضمونة في النهاية، يدعمون بها مراكزهم، فلقب دكتور يعني الكثير إداريا واجتماعيا في العراق” يقول منتقداً.

بعد ساعات من إعلان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في أواخر تشرين الأول أكتوبر 2022، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في العراق بخبر تعيين “نعيم العبودي” وزيرا للتعليم العالي، وهو الحاصل على شهادته من الجامعة الإسلامية في لبنان التي كانت وزارة التعليم ذاتها قد علقت الاعتراف بها في تشرين الثاني نوفمبر 2021.

الوزارة حينها، قررت تعليق الشهادات الصادرة عن (الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، وجامعة الجنان) أيضا “لعدم التزامهما بمعايير الرصانة العلمية وفقاً لقانون أسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية رقم (20) لسنة 2020، على أن يكون التعليق اعتباراً من (11-11-2021) دون أن يؤثر ذلك على الطلبة المسجلين قبل ذلك التأريخ”.

ومما جاء في القرار كذلك “اعتماد نسبة 5 طلاب دراسات عليا لكل تدريسي في جميع الجامعات التي يتواجد فيها طلبة عراقيون، وعدم اعتماد أي جامعة لا تلتزم بهذه النسبة في أي دولة من دول العالم، وإخضاع جميع الرسائل والأطاريح للطلبة العراقيين الذين ينهون دراساتهم خارج البلاد إلى عملية فحص الاستدلال الإلكتروني واعتماد نسبة 20% كحد أعلى لنسبة الاستدلال المقبولة والاستعانة بالجامعات العراقية لغرض الاستدلال الإلكتروني لجميع الرسائل والأطاريح”.

ومع تواصل التشكيك بشهادات تلك الجامعات، اتخذت الجهات اللبنانية بدورها إجراءات قضت بحصول المتقدمين للجامعات اللبنانية على معادلة الشهادة الثانوية كشرط للتسجيل فيها، وهو ما فرض على الطلبة عدة أشهر من الانتظار لتحقيق ذلك.

هذا ما يقوله (س. ع) الذي كان يقف مع أربعة طلاب آخرين أمام وزارة التربية والتعليم اللبنانية في منطقة الاونيسكو في بيروت. ويضيف “قدمت طلبا للحصول على المعادلة منذ أشهر واضطررت إلى تأجيل سفري عدة مرات”. فيما كان يشكو طالب آخر كان يقف بجواره من تأخر مناقشة رسالته بسبب عدم حصوله على المعادلة.

شهادات المعادلة الثانوية

مع تطبيق تلك الإجراءات، انهالت على وزارة التعليم اللبنانية طلبات طلاب عراقيين يريدون معادلة شهاداتهم الثانوية وفقاً لمصدر رفيع المستوى في الوزارة طلب عدم الإشارة إلى أسمه، وذكر بأنهم كانوا يستقبلون في اليوم الواحد خلال 2020 و2021 ما يصل إلى 400 طلب معادلة لطلاب عراقيين “في حين أن طلبات المعادلة في السنة الكاملة لم تكن لتزيد عن 500 طلب”.

وأشار إلى أن لجنة المعادلات في الوزارة أرسلت كتاباً إلى السفارة العراقية تضمنت معلومات عما وصفها بالظاهرة غير المسبوقة وغير الطبيعية “لأننا لم نستطع استيعاب الأعداد الهائلة، ثم وخلال فترة التحقيق توقفنا تماماً عن استقبال الطلبات”.

وكانت وسائل إعلام لبنانية، قد أعلنت عن استعداد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، لاستقبال الطلبة العراقيين الذين تعرضوا لاعتداء من قبل قوات الأمن اللبنانية أمس الخميس.

وعقد ميقاتي في 14 تشرين الأول أكتوبر 2022 اجتماعاً ضم وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي، والوزير المفوض في سفارة العراق في لبنان أمين النصراوي، من أجل بحث شؤون الطلبة العراقيين في لبنان.

وصرّح الحلبي حينها، أن اتفاقاً جرى على وضع آليات محددة تسهل على الطلاب من جهة مراعاة القوانين العراقية المطبقة، وكذلك القوانين اللبنانية المطبقة، موضوع المصادقات والمعادلات، وأعلن: “اتفقنا على متابعة البحث في اجتماعات متتالية، بمعدل اجتماع واحد كل أسبوعين، بيننا وبين فريق السفارة لوضع حد لأي إشكالات قد تصيب أوضاع الطلاب في لبنان”.

وقال أيضاً: “نحن نعمل على تسهيل الموضوع مع مراعاة القوانين المطبقة وعلى الجامعات المعنية التي سببت هذه المشكلة أن تساعدنا لضبط الأعداد التي توافدت إليها من الطلاب العراقيين، لأن هناك أخطاء ارتكبتها بعض هذه الجامعات كما أن هناك أخطاء ارتكبها بعض الطلاب، ولا نريد أن يتم دفع الثمن من قبل وزارة التربية التي تقوم بما عليها في تسهيل مهمة هؤلاء الطلاب”.

محاولات لضبط الأمور

مصدر آخر في الوزارة أخبرنا، بأن وزير التربية اللبناني عباس الحلبي، شكل لجنة تحقيقية لبحث القضية، وأصدر مجلس التعليم العالي قرارات في ضوء النتائج التي توصلت إليها. منها شرط أساسي لقبول أي طالب أجنبي يتقدم لدراسة الماجستير أو الدكتوراه في الجامعات اللبنانية، يتمثل بامتلاك إفادة بمعادلة كل من الشهادة الثانوية والإجازة الجامعية اللتين يحملهما بما يقابلهما في النظام التعليمي اللبناني، وبخلاف ذلك يصبح تسجيل الطالب غير قانوني وتتحمل الجامعة التي استقبلته المسؤولية المترتبة عن ذلك.

كما تضمنت الشروط أن تراعي الجامعة التي تروم تسجيل الطالب الأجنبي، القدرة الاستيعابية والأكاديمية لديها وتوفر التناسب بين عدد الاساتذة وعدد الطلاب.

هذه القرارات حددت بناءً على المادة 63 من قانون التعليم العالي اللبناني رقم 285 الصادر في 30/4/2014، التي توقع غرامة مالية على الجامعة المخالفة والإلتزام بإزالة المخالفة، ومضاعفة الغرامة في حالة تكرار المخالفة، وإذا لم تقم بإزالة المخالفة تمنع المؤسسة من استقبال طلاب جدد لسنة دراسية كاملة. وانطبقت هذه القرارات على السنة الجامعية 2021 – 2022.

متابعتنا للملف، كشفت أن معظم الطلاب قد سجلوا دون معادلة شهاداتهم الثانوية من الوزارة، ثم حصلت تسوية مع السفارة العراقية بتحديد مواعيد تقديم طلب المعادلة، بواقع 50 طلباً في النهار، حصراً للجامعات المعنية لما يسميه المصدر بـ”الفضيحة”، و50 طلباً آخر خلال المساء، أي أن الوزارة قررت معالجة 100 طلب في اليوم الواحد.

وهذه التسوية تشمل الطلاب العراقيين المسجلين في السابق، في وقت كان يقدر عدد الطلاب العراقيين الذين يدخلون إلى الوزارة يومياً بنحو 300 طالب، يتسلم نحو 200 منهم شهادات المعادلة كل يوم، وفقا لإحصائية حصل مصدنا عليها العام الماضي، وهو ما يفرض التساؤل: “هل لدى الجامعات ما يكفي من الأساتذة للإشراف على أطروحات هذا العدد الهائل من الطلاب؟”.

المصدر نفى وجود إحصائية دقيقة بأعداد الطلاب العراقيين في لبنان، لكن مدير دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي حازم باقر ذكر في آذار مارس 2022، أن هناك أكثر من 13 ألف طالب عراقي في لبنان، من بينهم 1500 فقط مسجلون لدى الملحقية الثقافية العراقية، فيما تشير تقديرات غير رسمية داخل السفارة العراقية، إلى أن أعدادهم تتراوح بين 28 إلى 30 ألف طالب.

وفيما يخص قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية القاضي بتعليق الاعتراف بشهادات كافة الجامعات اللبنانية باستثناء الجامعة الأمريكية في بيروت، يقول المصدر: “أتمنى استمرار قرار عدم المعادلة للشهادات الصادرة من لبنان في العراق، ولكن أعتقد أن الطرف العراقي سيغير رأيه”. وما زال قرار عدم الاعتراف بشهادات الجامعات ساريا للعام الدراسي 2022- 2023.

ذلك الاعتقاد يشاركه أكاديميون مع مصدرنا، فهم يرون أن شروط وزارة التعليم العالي، لا تهدف لحل المشكلة، وهي مجرد محاولة لتقنينها أو منع استفحالها، فالغرامة المالية “إذا فرضت” وأياً كان مقدارها، ستتمكن الجامعة من تسديدها بسهولة، نظرا للأموال الكبيرة التي تتقاضاها أصلاً لمنح الشهادات.

كما أن دعوة الوزارة لتلاؤم عملية تسجيل الطلاب مع الطاقة الاستيعابية للجامعة، يمكن التلاعب بها بسهولة عبر تقديم ما يفيد بقدرتها على ذلك، وهو عملياً أمر يخالف الواقع في ظل عشرات الآلاف من الشهادات العليا التي تقدم سنويا، والتي بكل تأكيد تحتاج إلى آلاف من الأساتذة المتخصصين ومئات من اللجان المشرفة.

المشاكل مستمرة

بعد التسوية وتحديد المواعيد عبر المنصة الإلكترونية، ما تزال هنالك العديد من المشاكل أبرزها الرشاوى التي تقدم للموظفين في وزارة التربية اللبنانية من طلاب عراقيين، إذ يقول مصدر ثالث من الوزارة، إن “راتب الموظف في التربية يبلغ مليوني ليرة شهرياً، أي 25 دولاراً (بحسب سعر صرف السوق السوداء، الدولار الواحد يساوي 80 ألف ليرة لبنانية)، ويأتي الطالب العراقي من المطار إلينا ويريد إنجاز المعاملة والعودة خلال يومين، ولا يريد حتى رؤية الجامعة، وهو ما يعرض الموظفين لضغط كبير”.

ويضيف المصدر: “نحن لا نستطيع استيعاب هذا العدد من الطلبات، فالمعادلات ليست مطلوبة فقط من الطلاب العراقيين، بل من دول أخرى أيضا، لكن الفرق أن العراقيين لا يريدون الالتزام بالشروط”.

وبحسب المصدر، فإن العديد من الطلاب العراقيين “النافذين” وفقاً لتوصيفه، حاولوا التهرب من الإجراءات، وبعضهم تحدثوا مع الوزير، لكن الوزارة أصرت على اعتماد المنصة لتسجيل المواعيد “هذا لإخلاء مسؤولية الموظفين وعدم اتهامهم لاحقا بأنهم من يحددون المواعيد”.

وتأكيداً لما قاله مصدرنا الثالث، يقول محمود، وهو طالب عراقي يدرس الحقوق في الجامعة الإسلامية، أن “العديد من الطلاب العراقيين قدموا رشاوي لموظفين في الوزارة للحصول على المعادلة”.

ويؤكد محمود، أن خطوات معادلة الشهادة الثانوية العامة في لبنان قبل العام 2020 كانت أبسط بكثير “فقد كان المطلوب إحضار الشهادات المصدقة من المدرسة ومديرية التربية ووزارة الخارجية العراقية، وبعدها يتم تصديقها في الملحقية العراقية ببيروت والخارجية اللبنانية، بعد هذه الخطوات يتم تسليمها إلى وزارة التربية اللبنانية التي تسلمنا المعادلة بعد شهر تقريبا، وبعد استلام المعادلة الثانوية يتم إرسال شهادة البكالوريوس إلى العراق التي تأخذ معادلتها ستة أشهر”.

وما حدث بعد 2020 هو تحويل طلبات الوزارة إلى البريد اللبناني، ويشرح محمود: “في الشهر السابع من العام 2020، قررت وزارة التربية اللبنانية بعد الإقفال الذي دام ستة أشهر بسبب كورونا، عدم الاستلام والتسليم للطلاب العراقيين فقط، وأن يقوم الطالب بتسليم الوثائق إلى مكاتب ليبان بوست (البريد اللبناني) مع رسوم للمعادلة”.

ويتابع: “بعد تسليم الوثائق من قبل طلابٍ كثر، فوجئ هؤلاء بقرار وزارة التربية اللبنانية بعدم الاستلام من البريد اللبناني، علماً أنهم سلموا الوثائق منذ تاريخ 16/11/2021 وتم إرجاعها إليهم بعد مضي سبعة أشهر، وقررت وزارة التربية اللبنانية بدء استلام الوثائق من الطلاب في شهر أيار مايو ٢٠٢٢ بشرط حجز موعد عبر المنصة الإلكترونية”.

أما عن آلية إجراء معادلة الشهادة الثانوية، فيؤكد محمود، أن 50 طالباً عراقياً كانوا يسلمون بشكل يومي أوراقهم في وزارة التربية وبعد ثلاثة أسابيع يستلمون المعادلات، استمرت هذه الآلية لمدة شهر ثم تم إلغاؤها، وأغلب الطلاب الذين يراجعون الوزارة هذه الأيام، يفعلون ذلك من أجل استلام المعادلات، وليس تقديم طلبات المعادلة.

وعن نفسه، فإنه لم يعادل شهادة الثانوية لغاية الآن، وسيحتاج إلى ستة أشهر لمعادلة شهادة البكالوريوس في العراق، ويقول “شرط المعادلة في العراق بأن لا يكون الطالب قد تعدى السنة الثانية لدراسة الماجستير، ولكن أغلب الطلاب تعدوا السنة وثمانية أشهر ولم يقوموا بالمعادلة لغاية الآن”.

طالبٌ عراقي آخر، قابلناه في مدخل وزارة التربية اللبنانية، قال بشيء من الغضب: “أنا حاليا مستعد لدفع أي مبلغ لمن يستطيع أن ينظم لي معاملة المعادلة”، متهما دون أي تحفظ، موظفين في الوزارة بتلقي الرشاوى، وكذلك موظفين في الجامعات اللبنانية.

أيده طالب آخر كان يقف على مقربة منه، قال إنه يدرس في الجامعة الإسلامية، وذكر بأن موظفين من الجامعة رفضوا إعطاءه (إفادة) قبل أن يدفع لهم مبلغ مليون ليرة لبنانية (تعادل 33 دولاراً حينها، ونحو 12.5 دولارا بسعر اليوم).

ولا يستبعد الإثنان، قيام وزارة التربية اللبنانية بالتضييق عليهم من أجل أن يدفعوا مبالغ خارج نطاق الرسوم للموظفين، وقالا بأنهما يعرفان الكثير من الطلاب حصلوا على شهاداتهم “من دون أن يقدموا أصلاً طلبات المعادلة المفروضة كشرطٍ أساسي”.

الحلبي يبحث مع السفير العراقي السابق حيدر شياع البراك تسريع إجراءات المصادقات (14 نيسان 2022)

الحلبي يبحث مع السفير العراقي السابق حيدر شياع البراك تسريع إجراءات المصادقات (14 نيسان 2022)

بيئة خصبة للفساد

هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها جامعات لبنانية بالتزوير وبيع الشهادات، ففي آذار مارس 2019، تم إيقاف المدير العام السابق للتعليم العالي في لبنان، أحمد الجمال، قضائياً في ملف تلقي رشى لقاء منحه شهادات مزورة، وأطلق سراحه لاحقًا بكفالة مالية.

وتم لاحقاً إعفاؤه من مهام وظيفته، ووضع تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء، بناءً على مرسوم صادر في تشرين الأول أكتوبر من العام نفسه.

ومن خلال تقصينا عن الجامعات اللبنانية التي كانت متورطة حينها، وجدنا بأنها ما تزال مفتوحة الأبواب وتستقبل طلاباً، ما يعني عدم اتخاذ أي إجراء قضائي أو في الأقل أكاديمي ضدها.

ومن بين تلك الجامعات، جامعة AUL التي أحيل رئيسها للتوقيف في حينها، وجامعة الثقافة والآداب AUC.

بيع أم تزوير؟

العديد من وسائل الإعلام ولاسيما العراقية التي تطرقت للموضوع وصفته بـ”تزوير الشهادات”، لكن البعض يرى بأن منح الشهادات يتم عن طريق البيع وليس التزوير، منهم المحامية إليان عازار، التي تفرق بين الحالتين، بقولها “في التزوير هناك طرف واحد يقوم بذلك، وتفصل المادة 453 من قانون العقوبات هذه الحالة وتسميها بالتحريف، أما في حالة البيع، فهناك طرفان فاعلان في الجريمة البائع والمشتري، الجامعة – الطالب، ولكن ليس هناك مادة قانونية واضحة في قانون العقوبات اللبناني تنص على حالة شراء الشهادة، ولكن قد ترتبط قانونا بالرشوة”.

وسواء كانت تزويرا أو بيعا غير قانوني، فإن ذلك يشكل جزءا محدودا من ما يدفعه الطلاب العراقيون في لبنان، بحسب العديد من الطلاب، فهنالك تكاليف السفر والأقساط والإقامة وغيرها.

ويقول طالب في جامعة الجنان، أن “الطلاب العراقيين ينعشون الاقتصاد اللبناني، ولكن من المستفيد الحقيقي، إنهم شبكات مؤلفة من الميسورين وأفراد في إدارات الجامعات وبعض موظفي الدوائر الرسمية”.

وكمثال عن نفقات الطلاب العراقيين في لبنان، فإن جامعة الجنان لوحدها، بحسب معلومات حصلنا عليها، هناك 13600 طالب عراقي، أقل ما يدفعه الواحد منهم هو 500 دولار سنويا كقسط للجامعة، وقد تزيد أو تنقص حسب الاختصاص، لذا فهذه الجامعة تجني حوالي 6,800 مليون دولار سنوياً من الطلاب العراقيين.

لماذا لبنان؟

قد يعتقد البعض أن سهولة الحصول على الشهادات في لبنان هي السبب الأساسي والأول الذي يدفع الطلاب العراقيين للدراسة في لبنان، ومن الممكن أن يكون هذا الاعتقاد صحيحاً لو أن جميع الطلاب العراقيين هم من أصحاب النفوذ والأموال، لكن آلاف الطلاب العراقيين يتوجهون للدراسة في لبنان بسبب انخفاض تكلفة الدراسة، مقارنة بباقي دول العالم، خاصة بعد الانهيار في سعر صرف العملة اللبنانية.

وعن ذلك يقول (أثير.أ) طالب في جامعة الجنان بمدينة طرابلس بلبنان، أنه اختار الدراسة في لبنان بسبب “الأسعار المعقولة” التي يتم اعلانها عن الدراسة، ولكنه فوجئ لاحقا بزيادة الأقساط وتحويلها من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي، ما سبب له وللعديد من زملائه حالة من الاستياء، لأنهم شعروا بتعرضهم للاستغلال مع اضطرارهم للدفع.

من جهته، يقول ثابت، وهو طالب ماجستير في الإدارة المالية بالجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، أنه درس الفصلين الأول والثاني عن بعد، أما الفصل الثالث فقد كان حضوريا، وبرر اختياره الدراسة في لبنان بسبب قربها من العراق وسهولة الدخول إليها دون تعقيدات. يفكر قليلاً ثم يضيف: “وعامل اللغة سبب آخر مهم”.

من جهته، يؤكد محمود، طالب الحقوق في الجامعة الإسلامية ما قاله زملاؤه “الغالبية تفضل لبنان بسبب انخفاض أسعار الليرة أمام الدولار، ولأن الدراسة كانت عن بعد أثناء جائحه كورونا، ولأنه بلد سياحي تتاح فيه فرصة الترفيه للطالب أثناء الدراسة”.

لكن السبب الأهم الذي يدفعهم للدراسة في الخارج، هو فشلهم في الحصول على مقاعد للدراسات العليا في العراق، والتي تحدد وزارة التعليم العراقية أعدادها وشروطها.

ويقول الباحث والأكاديمي بجامعة بغداد (ع.ج)، أن طلاباً عراقيين يلجأون إلى الدراسة في الخارج، هرباً من التعقيد في الجامعات العراقية، وثانياً “لأن البعض بامكانه شراء الشهادة من الخارج بالمال، دون دراسة وكتابة!”.

ويوضح: “هنالك شروط للمعدل التنافسي في الدراسات العليا، بينما في لبنان لا شروط ولا أي شيء، وهنالك عراقيون يشترون هذه الشهادات من الأموال التي سرقوها من بلدهم من جامعات تبيعها لمن يدفع”، على حد وصفه.

ويقصد بذلك سياسيين وبرلمانيين شاع أمر حصولهم على شهادات من لبنان، ويعود للقول: “طبعا أستثني بعض الجامعات المحترمة في بيروت”.

ويشير الأكاديمي العراقي إلى فئة أخرى تلجأ للحصول على الشهادات العليا من جامعات لبنانية، وهم موظفون في القطاع العام، يستخدمون تلك الشهادات لزيادة مرتباتهم الشهرية التي قد تصل نسبتها إلى 100% “يمكنهم مع ترقيتهم الوظيفية تعويض ما يدفعونه للدراسة خلال عام أو اثنين”.

ويتابع (ع.ج) “هذا دافعهم الأساسي للحصول على الشهادات، ولذا لا يهتمون لأساليب الحصول عليها، وليس هناك من سيختبرهم بشأن الخبرات والمعلومات التي يفترض انهم استحصلوها”.

في إيران أيضاً!

لا تقتصر دراسة الطلاب العراقيين على لبنان، بل تشمل روسيا وقبرص وتركيا ودولا أخرى، فضلا عن إيران، التي تشترط التعليم باللغة الفارسية، والتي تشهد رغم ذلك، إقبالا من العراقيين على الدراسة فيها، وخصوصا جامعة آزاد الإسلامية التي تملك 31 فرعا تنتشر في أنحاء البلاد، حيث تتم الدراسة بالنسبة للعراقيين عبر الأنترنيت، بالاستفادة من استثناء وضعته إدارة الجامعة للعراقيين حصراً، ولا سيما بعد تهافت الكثيرين منهم للتسجيل فيها. وفي ضوء ذلك، نشأت شبكة كبيرة تبدأ بالمعقبين (الميسرين) والوسطاء، والمترجمين وموظفين لتوجيه وتسجيل العراقيين، فيما استحدثت الجامعة دراسة الترجمة خلال أزمة جائحة كورونا.

جامعة آزاد الايرانية التي تستقبل آلاف الطلبة العراقيين

ويصل عدد الطلاب العراقيين في إيران إلى 50 ألف طالب يتوزعون بين عدة جامعات، وأغلبيتهم يدرسون عن بعد عبر الأنترنيت، بحسب معلومات أفاد بها مصدر حكومي في إيران نهاية العام 2022، في حين أعلنت السفارة العراقية لدى إيران في آذار مارس 2022  عن وجود 60 ألف طالب عراقي يدرسون في الجامعات الإيرانية.

وفي كانون الثاني يناير 2022 أعلن نائب وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني ورئيس منظمة شؤون الطلاب، هاشم داداشبور، أن حوالي 57 ألف طالب عراقي يدرسون في الجامعات الإيرانية. ويبدو أن الرقم المذكور ارتفع مؤخرا، إذ قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي نعيم العبودي، خلال حديث صحفي في 6 آذار مارس 2023 إلى أن هنالك “75 ألف طالب جامعي عراقي يدرسون في إيران، وأن الطلب على الدراسة في إيران كبير جداً”. وأوضح أن الجامعات العراقية غير قادرة على الاستجابة لهذا الحجم من الطلبات، داعياً إيران “لزيادة استيعاب قبول الطلاب العراقيين لديها”.

يقول “م.ق” وهو مترجم في جامعة آزاد الإسلامية، طلب الإشارة إلى اسمه بالحرفين الأولين، إن الطلاب العراقيين ينفقون ملايين الدولارات على الدراسة في إيران، إذ أن دراسة الماجستير تكلف 1400 دولاراً عن أربعة فصول دراسية، 300 دولار لكل فصل.

وهذا المبلغ يشكل فقط أقساطاً للجامعة، وهنالك تكاليف أخرى، إذ أن حجز المقعد الجامعي يصل سعره إلى 400 دولار، وتدفع للميسر وبعلم من الجامعة، وهنالك أجور للمترجمین عند التسجيل تصل إلى 100 دولار إذا كان عدد الطلاب أقل من 10 مثلاً، وأجورهم عن كل فصل دراسي تتراوح بين 300- 500 دولار. ويحصل المعقب على 10 أو 15% وقد تصل نسبته أحيانا إلى 20% مما يدفعه الطالب للجامعة ويتم ذلك أيضا بمعرفة الجامعة.

كل ذلك يبدو اعتياديا في دولة يعاني اقتصادها بشدة بسبب العقوبات، لكن الأمر الخطير يتمثل بظهور حلقة جديدة يعتمد عليها بعض الطلاب العراقيين، هم “مؤدو الامتحانات”!، إذ يدفع بعض الطلاب مبالغ لمن يؤدون الامتحانات بدلا عنهم، تختلف بحسب الاختصاص، ففي الدراسات الهندسية على سبيل المثال تصل التكلفة إلى 150 دولاراً (218000 دينار) عن كل امتحان يتم عن بعد.

أما رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، فتوجد مكاتب خاصة تقدم هذه الخدمة بشكل شبه علني، وتكلفة الأطروحة تتراوح بين 500 إلى 800 دولار ( 729000- 1166000 دينار).

في جامعة آزاد بمحافظة أصفهان يتراوح عدد الطلاب العراقيين بين 7000- 8000 طالب في الدراسات العليا للفصل الثاني من العام الدراسي 2021 – 2022، وفقاً لمعقبي معاملات أخبرونا بذلك بعد رفض الإدارة إعطاءنا إحصائية دقيقة بأعدادهم.

معظم هؤلاء الطلاب من محافظات جنوبي العراق، وهنالك طلاب من محافظة ديالى، والكثير منهم منتمٍ للحشد الشعبي ويبحث عن فرصة لتحسين موقعه وراتبه.

وعلى الرغم من كل التشديدات المفروضة على الطلاب العراقيين الخارجيين، تستمر محاولات الالتفاف على القرارات، فقد عمدت إدارة جامعة آزاد إلى استقبال طلاب عراقيين جدد للعام الدراسي الحالي 2022- 2023، وتسجيلهم على أساس أنهم طلاب قدامى، أي أن سنة المباشرة تكون 2021- 2022، مع أنهم في الفصل الدراسي الأول.

وفي حلقة “الشهادة مقابل المال”، تقوم الجامعات بابتداع سبل مختلفة للحصول على المال، إذ قامت إدارة جامعة آزاد بفرض تكاليف اضافية عى الطلاب العراقيين الذين اتموا دراساتهم، من ضمن هذه التكاليف 200 دولار (291000 دينار) كرسوم للحصول على وثيقة إتمام الدراسة.

وتصل حالات الفساد إلى قاعات مناقشات رسائل الماجستير. إذ يورد أحد الطلاب ما حصل خلال حضوره مناقشة رسالة زميل له:” لم يكن يعرف حتى مضمون الرسالة، وبدل أن يقدم المعلومات الدقيقة عن بحثه تطرق إلى أمور جانبية وتحدث عن صعوبات سفره إلى إيران، بينما اهتم المترجم بعرض تفاصيل الرسالة بدلا عنه.. الأمر كان أشبه بمسرحية والأدوار موزعة”.

بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، يسجل الطلاب العراقيون في الجامعات الإيرانية ويروجون معاملاتهم عن طريق شركة يديرها شخصان هما (محمد وعلي الجبري)، وقبلها كانت شركة أخرى تتولى هذا الأمر كان يديرها شخصٌ سوري الجنسية اسمه مصطفى الباشا.

ويشتكي طلاب عراقيون مما يصفونه باستغلال الشركات الوسيطة لهم، يقول طالب من محافظة ديالى، أن مصدر ترويج معاملات الفيزا للطلاب العراقيين محصور بمحمد الجبري، وعلى الرغم من أن تكلفة الفيزا الإيرانية رمزية وتدفعها عادة الجامعة، إلا أنه يفرضها عليهم بسعر يتراوح بين 100 إلى 150 دولاراً (145000-218000 دينار)، وذلك بالاتفاق بين شركته والجامعة الإيرانية.

مسؤولون عراقيون في وزارة التعليم العراقية حملوا الطلاب العراقيين الذين يقدمون لجامعات وصفوها بالتجارية وغير الرصينة، مسؤولية عدم الاعتراف بشهاداتهم، ووصفوها بأنها مزورة أو غير ذي قيمة.

لكنهم في ذات الوقت أكدوا أن لا سبيل لمنع ذلك، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بشراء شهادة تعرضها جامعة خارجة البلاد، وتوقعوا أن يستمر هذا في لبنان وإيران ودول أخرى.

ورصدنا خلال شهر تشرين الثاني أكتوبر 2022، صفحات للتواصل الاجتماعي موجهة للعراقيين، تروج للدراسة في الخارج، وعبر منشورات تركز على سهولة الدراسة في قبرص ودول أخرى.

هل سيتغير الموقف من الجامعات الإيرانية واللبنانية؟

لا يستبعد مراقبون أن يقدم وزير التعليم العالي العراقي نعيم العبودي، على إعادة “الاعتراف بالجامعات التي كانت وزارته قد علقت الاعتراف بشهاداتها، خاصة لمن يريد استخدامها داخل العراق”، لأنها غير معترف بها خارج البلاد.

علما أن جامعات النفقة الخاصة اللبنانية المعترف بها للعام الدراسي 2022- 2023 فقط جامعتان اثنتان هما الجامعة الاميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الاميركية. وذلك وفقا للدليل الصادر عن دائرة البعثات والعلاقات الثقافية الصادر بتاريخ 12 حزيران يونيو 2022 والمعمول به ابتداءً من الأول من أيلول 2022.

المعايير التي اتبعتها دائرة البعثات والعلاقات الثقافية لتحديد الجامعات المعترف بها في العراق.

وعن إمكانية إعادة الاعتراف بالجامعات الأخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي كامل الحساني، أن “كل شيء وارد”، مبينا أن الوزير العبودي “لا يختلف عن بعض المسؤولين الذين حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها، فقط ليعرف بنفسه على أنه دكتور ويحمل شهادة أكاديمية”.

ويتفق الكاتب المحلل السياسي عقيل عباس مع رأي الحساني، مشيرا إلى “وظيفة هذه الجامعات غير الرصينة هي أنها تمنح الساسة خصوصا الإسلاميين الشيعة، خطا سريعا للحصول على الوجاهة الأكاديمية التي يوظفونها سياسيا”.

ولا يستبعد عباس، أن يعيد الوزير الجديد الاعتراف بهذه الجامعات، لكن ليس قبل أن تستقر الأمور للحكومة الجديدة. “ساسة الإطار التنسيقي الذين يتولون الحكم سيكونون أكثر حذرا هذه المرة لعدم استفزاز الجمهور المرتقب والذي يريد أن يقتنص الأخطاء.”

ويضيف عباس:” هذه الملفات لن تفتح بسرعة، ربما في وقت انشغال الجمهور بقضية سياسية أو اقتصادية، يمكن أن تمرر مثل هذه الأمور”.

ويشير الحساني إلى أن أحد “رؤساء الهيئات المرتبطة بالقانون، لديه شهادة ماجسيتر ودكتوراه من جامعة غير معترف بها بالأصل، ولكن تم تعديل قانون أسس تعادل الشهادات والدراجات العلمية العربية والأجنبية خلال السنوات الماضية، حتى يتمكن من معادلة شهاداته”.

قد تكون هذه التوقعات صادقة، اذ رصد فريق التحقيق 12 قناة في التلغرام لمكاتب مازلت فاعلة حتى الآن، تقدم عروض دراسية للعام الحالي والمقبل في جامعات في إيران وباختصاصات متنوعة ومنح عديدة، متجاهلة بذلك القرارات الاخيرة بعدم معادلة الشهادات.

ويرى الأكاديمي المتقاعد د. محمد عبد الله أن المشكلة في الشهادات العليا التي يحصل عليها الطلاب العراقيون من الجامعات التي يتم وصفها بغير الرصينة في لبنان أو إيران، لا تتمثل في نص الرسالة أو الأطروحة المقدمة “لأنها تكون في العادة حسبما يقول سليمة ومتكاملة من الناحية العملية والشكلية، لأن من يعدها لهم متخصصون يتولون كتابتها وفق الاشتراطات المطلوبة.

المشكلة الحقيقية تكمن في أن “من يحصل على تلك الشهادات لم يتعلم شيئاً من دراسته العليا، وبعضهم لا يحضر ولا حتى محاضرة أو حتى مناقشة بحث واحد، والتي تعد من متطلبات الحصول على الشهادة، فالأمر يشبه أن تعطي شهادة في الطب لشخص لم يدرس الطب قط”، يقول عبد الله.

ويشترط لتدارك هذه المشكلة، وضع آلية لمعادلة الشهادة بعد عودة الطالب الحاصل عليها، وذلك بأن تتولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تشكيل “لجنة مستقلة وصارمة في قواعدها” تناقش الطالب في كل تفاصيل رسالته أو أطروحته “للتأكد من علمية الطالب وتمكنه مما قدمه”.

أنجز التحقيق بدعم وتحت إشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":20301}" data-page="1" data-max-pages="1">