

بتفاؤل حذر، تراقب الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة سلسلة الاحتجاجات الأخيرة في إيران، بينما يتواصل هجوم القوات المسلحة الإيرانية ضد مقرات بعضها داخل حدود إقليم كردستان العراق. وجود هذه الأحزاب في داخل الإقليم أدى إلى تقييد نشاطها في الداخل الإيراني الكردي على نحوٍ خيّبَ آمال جمهورها، كما شكل في الوقت نفسه ضغطاً سياسياً كبيراً على الإقليم.
الاحباط تغلغل في قلب الجمهور الكردي الإيراني، اذ خيبت الاحزاب امال جمهورها الذي كان فخورا بمواقفها ضد النظام، وأصاب الكرد الايرانيين خذلان عميق اذ تساورهم احاسيس بأنهم أصبحوا كبش فداء يتعرض للقتل والاعتقال والتهميش بحجة موالاتهم للمعارضة الكردية.
فبعد ارسال طهران حينها اشارات سلام إلى القوى الكردية، انتقلت سريعاً إلى مواجهة هذه الاحزاب بشراسة. جاءت المواجهة بعد اربعين يوما فقط من انتصار الثورة، اذ اشتبك مسلحو هذه الاحزاب الكردية مع القوات الإيرانية التي تقدمت للسيطرة على المدن الكردية وفرض الحكم الاسلامي المركزي عليها. كانت رغبة هذه الاحزاب الاستفادة من نهاية نظام الشاه وتطبيق الحكم الذاتي في المناطق الكردية. اشد هذه الاشتباكات كانت في مدينة سنندج، مركز الثقافة والنزوع القومي الكردي في إيران. استمرت المعارك 24 يوما سقط خلالها نحو مئتي قتيل.
خسرت الاحزاب هذه المواجهة ولم تستطع التوصل إلى اتفاق مع السلطة المركزية في طهران، فاضطرت إلى مغادرة مناطقها نحو المناطق الحدودية عراقية بعد انهيار مفاوضاتها مع قيادة الثورة الاسلامية في إيران صيف 1979.
في آب من العام نفسه، أفتى المرشد الاعلى للثورة الاسلامية آية الله روح الله الخميني خلال خطبة شهيرة باعتبار المعارضة الكردية من الكفار، ثم تلى الاية القرانية “أشدّاء على الكفار رحماء بينهم” وطلب من الحكومة والجيش وجميع القوات الإيرانية التعامل بشدة مع القوى السياسية الكردية، بسبب وقوفها ضد الجمهورية الاسلامية، ودعوتها الجمهور الكردي للتصويت ضد إقامتها في الاستفتاء العام في نهاية اذار 1979. كان الغرض من تلك الفتوى فرض سلطة الحكومة الإيرانية على الاحزاب الكردية ومعظم الجمهور الكردي المطالب بالحكم الذاتي المرفوض بشدة من جانب طهران.
تسببت الفتوى بإراقة الدماء، تاركة ذكرى مريرة لدى الاكراد الايرانيين واحزابهم. ولاحقا حرم الاكراد من حق الحصول على مقاعد في مجلس الخبراء الذي ينتخب المرشد الاعلى.
الاحزاب الكردية غادرت إيران إلى إقليم كردستان العراق تدريجيا، لإيقاف هجمات طهران التي وصفتها هذه الاحزاب ب “الإبادة” في ذلك الوقت. وبحسب منظمات كردية معنية بحقوق الانسان، قُتلَ أكثر من 10000 مدني بسبب الفتوى التي أصدرها الخميني، ردا على مطالب الكرد بالحكم الذاتي، الذي يتعارض مع النظام المركزي في الجمهورية الاسلامية.
الاهداف السياسية تختلف من حزب كردي لاخر، منها من يرى وجوب ان يكون للاكراد حقوق المواطنة وحرية التعبير والتمثيل السياسي وهناك من يذهب إلى المطالبة بالحكم الذاتي وحتى انشاء دولة كردية مستقلة.
الاحزاب الكردية الإيرانية الرئيسية الموجودة في إقليم كردستان وتملك قوى عسكرية هي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا)، وحزب كومله الثوري للكادحين الكردستاني إيران ذو الاتجاه اليساري، وحزب الحرية الكردستاني (باك)، وهو حزب قومي يسعى إلى الحصول على الحقوق الوطنية الكردية داخل جمهورية فدرالية ديمقراطية في إيران، ويوجد أيضاً حزب الحياة الحرة الكردستاني (بجاك) وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني في إيران، وله توجه قومي ويطالب بالحكم الذاتي ل “كردستان إيران”.
معظم النشاط العسكري والسياسي في إيران قهر بشكل كبير بعد التمرد الكردي، ولكن استمر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في نشاطاته في الثمانينيات. وجدد الحزب أنشطته العسكرية في عام 1989. وكان يقوم بهجمات ضد القوات الإيرانية على مدى عدة اشهر عام 1990 ادت إلى قتل نحو 300 جندي إيراني. ورغم كون الاحزاب مسلحة، لكنها غير نشطة عسكريا في الوقت الحالي، اذ لم تحصل اي عمليات عسكرية ضد إيران منذ سنين عديدة، ما عدا اشتباكات محدودة بين الجهتين تحصل في فترات متباعدة.
ولا تملك الاحزاب خطة جاهزة للرد على الهجمات المتكررة التي تتعرض لها، بل هم متشبثون بالانتظار متأملين سقوط الجمهورية الاسلامية الإيرانية، اذ يعتقدون أنها تلفظ انفاسها الأخيرة.
بعد البطش الذي تعرضت له الاحزاب من الدولة الإيرانية وقفت مكتوفة الايدي ولم تتمكن من استعادة فعاليتها، مما غير نظرة جمهورها اذ اصبحت تشكل عبئا عليه. من جانبها، اتخذت السلطة محاربة الاحزاب المعارضة حجة للتضييق على من تشك بولائه من الاكراد الايرانيين، وتجلى ذلك بوضوح في سلسلة الاحتجاجات الأخيرة.
الاحباط تغلغل في قلب الجمهور الكردي الإيراني، اذ خيبت الاحزاب امال جمهورها الذي كان فخورا بمواقفها ضد النظام، وأصاب الكرد الايرانيين خذلان عميق اذ تساورهم احاسيس بأنهم أصبحوا كبش فداء يتعرض للقتل والاعتقال والتهميش بحجة موالاتهم للمعارضة الكردية.
الجمهورية الاسلامية الإيرانية تصف هذه الاحزاب على انها “انفصالية” و”ارهابية” ودائما ما تطالب إقليم كردستان ان يخرجها من اراضيه. وكذلك الاعلام الإيراني الذي يكرر مثل هذه المطالبات.
موقف إقليم كردستان مغاير لهذا، اذ لا يمانع من وجود هذه الاحزاب في العراق بسبب الرابطة القومية مع هذه الاحزاب وشعور حكومة الإقليم بأن الاحزاب تتعرض للاضطهاد. ودائما ما تدين حكومة الإقليم الهجمات الإيرانية لاستهداف مراكز الاحزاب في الإقليم، وتدعو إيران إلى وقف الهجمات، التي تصفها بأنها “انتهاكات مستمرة” لسيادة العراق والإقليم، وأنها “غير مبررة وانتهاك صارخ للقانون الدولي وعلاقات الجوار”. وكذلك حكومة بغداد لا تعارض عمليا وجود الاحزاب بصورة مباشرة.
الهجمات الأخيرة على هذه الأحزاب تشكل ضغطا على إقليم كوردستان، لكن لم يتخذ الإقليم أي إجراءات لاجبارها على المغادرة بسبب حس التضامن الكردي-الكردي العابر للحدود واستعداد سلطات الإقليم والكرد العاديين دفع ثمن هذا التضامن الفادح احياناً.
وليس لدى الاحزاب نية للرحيل، فمصيرهم السجون والاعدام ان عادوا لمناطقهم، وخمول مستفحل ان بقوا في الإقليم، ولا توجد مناطق أخرى تستقبلهم لأسباب جغرافية وسياسية. لا أمل لهذه الاحزاب حاليا سوى انتظار تغير درامي في طهران.
المزيد عن تحليل
تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":29227}" data-page="1" data-max-pages="1" data-start="1" data-end="1">