تحقيقات استقصائية: طريق باتجاه واحد .. قاصرات يجبرن على الدعارة وامتهان الرقص

طريق باتجاه واحد .. قاصرات يجبرن على الدعارة وامتهان الرقص

الكثير من ضحاياها قاصرات: بعلم الحكومة ودعم الميليشيات رواج أعمال شبكات الدعارة في العراق

بنين إلياس/ كاون الأول 2022:

خلف طبقة سميكة من مساحيق التجميل، وضحكة مصطنعة مجلجلة لسبب أو بدونه، تخبئ تونه(15سنة)طفولة بددتها غرف المساجات الحمراء في بغداد ومراقص الليل في أربيل، وفي رأسها الصغير ذكريات قريبة لحضن أم دافئ وشقيقة صغرى تعتقد بأنها فقدتهما للأبد.

تنظر بعينين ساهيتين إلى نفسها في مرآة غرفة مشتركة مع أخريات بمثل عمرها في شقة بمنطقة جيفين بأربيل، ثم تقول فجأة كأنها اكتشفت حقيقة ما يجري لها للتو: “أبي هو من فعل هذا بي !”.

تجتمع الدموع بعينيها وهي تروي كيف أن والدتها معلمة الرياضيات، أخذتها مع شقيقتها من والدها وسط البصرة، إلى منزل جدها في أطراف المدينة. كانت في الثانية عشر وقتها، وتذكر جيداً أن خلافاً حامياً نشب بين والديها، بعد إعلان أبيها زواجه بامرأة أخرى.

أشاع الأب معلومات تفيد بأنه عثر على رجل في البيت كان على علاقة بالأم، وأن هاتفها مليء بالمحادثات مع رجال آخرين واتهمها بأن لديها علاقات جنسية بهم. تُمسِك مشطاً مسطحاً وتشير به إلى المرآة:

“كله كذب، لقد كنت قرب أمي دائماً وأعرف بأن أبي أختلق كل ذلك لتشويه سمعتها انتقاماً منها”، تفكر قليلاً والمشط المرتعش في يدها مازال موجها نحو المرآة :”حتى في المدرسة، كنا أنا وسمسم شقيقتي معها، لأنها كانت معلمتنا، لم أرها يوماً تكلم رجلاً بالطريقة التي اتهمها بها أبي”.

تصف أمها بأنها كانت ملتزمة دينياً، تصلي الفروض وترتدي الحجاب، وتتقن اللغة الأنكليزية وتجيد صنع الطعام والمعجنات. ترتسم على وجه تونه ابتسامة شوق وهي تقول ذلك، ثم سرعان ما يشطبها الانفعال: “كان يهدف من اتهامها بشرفها، اثبات عدم قدرتها على تربيتنا أنا وشقيقتي، لكي يأخذنا، لقد سمعته بأذني وهو يقول لها مثل هذا الكلام ذات مرة”.

تغلظ صوتها مقلدة صوت والدها: “لن تحصلي مني على فلس واحد وسآخذ البنتين منك، الكل يعرف الآن بأنك غير شريفة، والمحكمة لن تصدقك وتكذبني”.

ترفع المشط بهدوء، تمرره على الجهة اليسرى من شعرها الطويل الفاحم، وتذكر بأن أخوالها وجدها اتفقوا على قتل والدها، لقد سمعتهم وهم يخططون لذلك غسلاً للعار، لكن جدتها تدخلت وأخبرتهم أنهم سيؤكدون أكاذيبه، وأن من الأفضل أن يتعاملوا معه بسياسة، وأن يجلسوا معه لسماع طلباته مقابل طلاق ودي دون مشاكل.

وهذا ما حدث لاحقاً وكان هذا في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر2019، إذ اجتمعوا به، واتفقوا على أن يطلق الأم، مقابل توقفه عن الحديث عنها بسوء، وتنازلها عن كافة حقوقها وكذلك عن حضانة الفتاتين.

تنقل المشط إلى الجهة اليمنى، متذكرة لحظة انفصالهما هي وشقيقتها عن أمهما في ذلك:”كنا نصرخ بأعلى صوتينا، وجدي وجدتي وأخوالي يراقبون دون أن يفعلوا شيئا، لقد تركوه يأخذنا، هكذا بكل بساطة”.

من هناك، أخذهما مباشرة بالسيارة إلى العاصمة بغداد، وفي وقت متأخر من الليل وصلوا مكاناً عرفت لاحقاً بأنه مركز مساج في منطقة المنصور، لكنها وشقيقتها بقيتا في حوض السيارة الخلفي، لحين ركبت معهم امرأة جميلة شقراء أسمها هيام عرفت نفسها بأنها زوجة أبيهما الجديدة، وتوجهوا بعدها إلى شقة في ذات المنطقة.

تولت تونه رعاية شقيقتها وكان والدها قليل التواجد، وحين كان تسأله عن موعد ذهابها للمدرسة كان يتهرب من الإجابة، وأصبحت تشاهد الرجال بمختلف الأعمار يدخلون إلى الشقة بحضور أبيها وفي غيابه وتصحبهم هيام إلى غرفة النوم.

ثم أخذت زوجة الأب تطلب منها مساعدتها بتعطير غرفة النوم تحضيراً لاستقبال الزبون التالي، وأجبرتها على مساعدتها في تدليك البعض منهم، ورضخت لذلك على أن تبقى شقيقتها بعيدة عن الأمر.

وذات يوم، أبقتها لوحدها في الغرفة مع زبون كبير في السن، وخرجت بذريعة الرد على هاتفها، فأخذ يداعبها وهي تقاوم، وحين دخلت هيام قالت للمسن وكأنها تتحدث عن سلعة معروضة للبيع: “سعرها مختلف”.

تكرر الأمر، وصار معتاداً أن يطلب الزبائن أناملها الصغيرة لتدعك بها جلودهم الخشنة، ويمدون هم أيديهم إلى مواضع في جسمها بين الحين والآخر، وسار الأمر بهذا النحو خلال فترة تفشي كورونا إلى منتصف 2021، عندما نقلها والدها مع شقيقتها إلى أربيل.

تقول بحسرة والكلمات تخرج من بين شفتيها الملطختين بحمرة قانية: “سألته في الطريق ذلك اليوم عن أمي، فأجابني بأنها ماتت وأن عليّ نسيانها”.

أخذها إلى منزل كبير وفخم في أربيل، طلب منها البقاء في باحة المنزل بينما دخل هو، وبعد دقائق، تبعته لتفاجأ بان والدها يتحدث مع الرجل المسن الذي تحرش بها في بغداد، وتناول منه رزمة من الدولارات، ثم أخذ شقيقتها معه وتركها هناك.

مخيلتها الصغيرة أقنعتها بأنه ذاهب لقضاء حاجة وسيعود بسرعة، رافقتها خادمة فلبينية إلى غرفة نوم واسعة، أستقلت على السرير وغطت في نوم عميق من شدة التعب، وحين أفاقت وجدت المسن فوقها وبدأ باغتصابها.

فقدت في تلك الليلة بكارتها، ورغبتها في الكلام “أصبحتُ خرساء” تقول متمتمة، وتواصل الحديث كأنها تنقل تفاصيل مشهد تراه امام عينيها: ” كنت أدخل خزانة الملابس لساعات وأبكي، والرجل المسن يدخل الغرفة ليلاً، ويغتصبني مرة واثنتين وثلاثة، دون أن يكلمني حتى، ثم يخرج واسمع صوت المفتاح يدور في قفل الباب”.

الفلبينية كانت تفتح الباب صباحا، ومعها شيء من الطعام، تنظف الغرفة وتلتقط الأغطية التي كانت في بعض الأيام بها آثار دماء. وكانت تونه تفكر طوال الوقت بشقيقتها سمسم، وإن كان والدها قد باعها بدورها لشخص آخر، وفكرت طويلاً بأمها، ليس بشوق كالسابق، وإنما بكره شديد، لأنها تركتها مع شقيقتها لذلك المصير.

بقيت تونه لنحو شهر تغتصب كل ليلة، وتم نقلها بعدها إلى مرقص ليلي، تولت إمرأة في الثلاثين من عمرها تهيئتها للصعود الى المسرح والرقص مع فتيات أخريات أصبحن صديقات لها، إذ كن جميعهن بطريقة أو بأخرى يشبهنها، عائلة مفككة وأب أو أم أو كلاهما، غير مكترثين بمصير بناتهما بل أقدم احدهما على دفعهن لذلك الطريق.

تنظر في ساعة يدها، تقول بعد أن تبلع ريقها: “سيأتون ليأخذونا بعد ساعتين، سنتمايل على المسرح تحت الأضواء، محاطات بحراسة مشددة لمنع اعتداء السكارى علينا، وقبيل الفجر سيتم استئجارنا لممارسة الجنس، أثرياء يأخذونا إلى بيوت أو شقق ثم يأتي من يعيدنا إلى هنا”.

تبتسم بتصنع: “يرحموننا بالمخدرات لكي يخففوا عنا، وها أنا أدخل عامي الثاني، أنام في النهار وأرقص وأضاجَع في الليل”.

تغمض عينيها وترفع رأسها قائلة:”راحتي الوحيدة هي بالنوم، أريد ان أظل نائمة دون استيقاظ، فلم يعد لدي شيء في هذا العالم، كلنا هنا لا نملك شيئاً، حتى الحلي التي نرتديها ونحن نرقص، يعيروننا إياها ثم يستعيدونها منا، القطط السائبة تعيش أفضل منا ونحسدها على حريتها”.

طريق باتجاه واحد

استغلال القاصرات جنسياً في دور الدعارة والمراقص والملاهي الليلية ومراكز المساج في العراق لم يعد مجرد حالاتٍ تحدث هنا أو هناك، بل أصبح أمراً معتاداً في تلك الأماكن، وهنالك حلقات متكاملة لجلب الفتيات وتهيئتهن وبيعهن وزبائن بعضهم يتولون مناصب أمنية وإدارية وحكومية عليا.

والضحايا كما أشارت تونه، تتشابه قصصهن وقد وجدنا من خلال مقابلاتنا مع العديد منهن بأن القواسم المشتركة بينهن هو الفقر المدقع والتفكك العائلي وأشخاصٌ يقودونهن مرغمات أو بإراداتهن نحو الغرف الحمراء.

أما المتخصصون فيؤشرون العديد من الأسباب على أنها وراء لجوء أو دفع الفتيات للعمل في الدعارة بمختلف مناطق العراق، كالحروب وتداعياتها التي أثرت على مجمل الحياة في البلاد ومن ثم الفساد الذي يشوب إدارة الدولة والذي أدى وفقاً للعديد منهم إلى تفاقم الأزمات.

فالباحث في الشأن الإجتماعي مرتضى عباس يعقوب، يلفت إلى أن الجماعات الدينية المتشددة التي شنت حرب شوارع يومية في العديد من المدن العراقية طوال العقدين الماضيين، وقامت بأعمال تصفية جسدية وتفجيرات مستمرة، ثم توج ذلك بسيطرة داعش على أربع محافظات كاملة في 2014 والممارسات التي قام بها ضد الأهالي: “خلف كل ذلك عشرات الآلاف من القتلى والأرامل والأيتام” يقول بأسف.

ويلفت إلى أن ذلك لم يقابله تحرك حكومي لحماية الأسر التي فقدت معيليها، ودعمها مادياً، بل أسهمت من خلال إهمالها بتفكك بعضها “وسلوك فتيات ونساء منها طرقاً غير سوية لتأمين لقمة العيش، وكان بالوسع تدارك ذلك من خلال راتب شهري بسيط لا غير”.

ويشير أيضاً إلى أن بلوغ الفتيات الأيتام الثامنة عشر في الدور المخصصة لهن، دون أن يجدن عائلات تضمهن، يكون الشارع ملاذ البعض غير المحظوظات منهن، ومن ثم يتم اصطيادهن من قبل المتاجرين بالجنس، وفقاً لتعبيره.

وعن السبب الذي يبقي الفتيات راضخات لمستغليهن جنسياً، يقول يعقوب :”هنالك من يكون البغاء مهنة عائلتها، لكن في حالات أخرى كثيرة، تكون هنالك ظروف ما دفعت بالفتاة أو المرأة للمضي في طريق الدعارة، ويكون الرجوع عنه شبه مستحيل، لأنها ستقتل غسلاً للعار حتما، لكون العراق بلد تسود فيه الأعراف القبلية”.

ثم يضيف” إنه طريقٌ باتجاه واحد، لا رجوع فيه”.

بعد استماعنا لقصة تونه، كان علينا البحث عن الأشخاص الذين يديرون تجارة الجنس(سماسرة)ولم تكن بالعملية السهلة إذ رفض الكثيرون وبريبة شديدة التحدث إلينا، إلى أن وجدنا ضالتنا في(جوحي طبرة 38 سنة).

شاربان قصيران، خدود منتفخة ومتوردة وعينان ناعستان على الدوام وندبة فوق حاجبه الأيمن، وصلعة واسعة جعلته يبدو أكبر سناً وكرش يترجرج مع أي حركة، هكذا بدا جوحي حين قابلناه في منطقة البتاوين بالعاصمة بغداد.

قال بصوته الغليظ، حين شكرناه لموافقته الرد على أسئلتنا: “ليس لدي شيء أخاف أو أخجل منه” ثم قال بعد تردد:”وأنا لا أخالف القانون، فكل شيء يجري برضا الطرفين!”.

واخذ يستعرض علاقاته التي وصفها بالمؤثرة بشخصيات أمنية وسياسية يؤمن لها ما تريد وينظم لها حفلات خاصة، مقابل عدم مضايقته وتسهيل أمور عمله الذي قال بأنه رائج.

ولخص ما يقوم به بكلمات سريعة:”أنا أوفر لهن الحماية والسكن والطعام والعمل!”، سكت قليلاً ثم تلفت قبل أن يقول لكن بهدوء هذه المرة:”  الفتيات ،خصوصا الصغيرات، وحتى الكبيرات، لا يستطعن العمل بمفردهن، لابد من شخص يرتب لهن المواعيد ويستلم الأجور ويحدد الأماكن، ويوصلهن ويعيدهن إذا تطلب الأمر عملهن في الخارج، والأهم منع تعرضهن للاعتداء”.

وذكر بشيء من التوجس، أنه يعثر دائما على فتيات ويساعدهن للعمل في مجال الدعارة مقابل المال وعدد اللواتي يصادفهن في العادة:”هاربات من بيوتهن أو أهلهن يبيعوهن بسبب الحاجة للمال أو أن الدعارة هي مهنة العائلة بالأصل”.

وذكر بأنه يتنقل بين بغداد وأربيل وأن لديه أذرعاً في العديد من محافظات البلاد، والأسعار متفاوتة بحسب المواصفات الجمالية للفتاة وعمرها ويستدرك :”طبعاً كلما كانت أصغر كلما كانت أغلى!”.

وجدنا خلال تقصينا عن المعلومات لهذا التقرير، أن السمسرة لا تقتصر على الرجال، بل هنالك نساء يمارسن هذه المهنة، وفقاً لتدرج عرفي قائم، بأن تتحول العاملة في الدعارة بعد سن الـ35 لتصبح قوادة، وإذا تقدمت بالمهنة تلقب بالشيخة.

وبوسع القوادة التكفل بدار يضم العديد من البنات، تنظم لهن جداول خروجهن أو استقبال الزبائن وهي من تقرر أيهن تذهب لأي زبون، كما أنها المسؤولة عن تقسيم الأعمال المنزلية بينهن.

أما الشيخة أو كما تعرف بـ(شيخة الكار)أي المهنة، فتكون مسؤولة عن عدة بيوت دعارة، وتكون لها سلطة على مجموعة من القوادات المرتبطات بها.

في منطقة البتاوين أيضاً، التقينا(أم طيبة 40 سنة)، ترفض أن توصف بالقوادة مع أنها وظيفتها التي تقول بأنها تمارسها منذ سنوات عدة، وهي تحصل على الزبائن  الجدد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو بعروض لزبائن قدماء بممارسة مجانية لمرة واحدة مع كل زبون جديد يرسلوه إليها.

هي الأخرى، بدأت العمل في مجال الدعارة في سن صغيرة، فقد نشأت في نطاق عائلة تتاجر بالجنس والمخدرات والكحول، وكان والدها يجلب لها الزبائن وهي بعمر 14 سنة.

تقول دون أن يظهر أي تأثر في ملامح وجهها، كأنها تتحدث عن واحدة أخرى وليس عن طفولتها: “بعد عمر 14 دخلت في المهنة وكان والدي ينسق لي العمل، وكان يشترط علي أن يخرج الزبون من غرفتي وهو مبتسم”.

وذكرت بأن أهلها(والدها أو شقيقها الأكبر أو أمها)هم من كانوا يستلمون المال من الزبائن ويعطونها نصفه، وقدرت واردها اليومي بنحو150دولارفي الشهر وقتها. وحدث أن وقعت في حب شاب وهي لم تبلغ الثامنة عشر، واكتشفت حينها، بأنها لن تكون قادرة على الزواج إلا بشخص من الأقرباء، لكي تستمر في المهنة.

وعن وجود القاصرات في بيوت الدعارة والمراقص، تقول أم طيبة ببرود:”هذا سوق، وهنالك طلب على القاصرات، الكثيرون يفضلون النساء صغيرات في العمر، والبعض يدفع مبالغ كبيرة إذا كانت البنت عذراء!”.

وهي لا تتردد بالقول إن فساد رجال أمن يساعدها كثيراً في ازدهار عملها، بل تعتمد عليهم كزبائن رئيسيين في كثير من الأحيان. قالت وهي تقرب يديها من بعضهما على أنها تمسك ببندقية “حتى هؤلاء، يأخذون من بعض الملاهي والبيوت نقوداً من أجل الحماية”، وعندما سألناها إن كانت تقصد الميليشيات. هزت رأسها موافقة دون أن تنبس ببنت شفة.

اهمال حكومي وتعطل تنفيذ قوانين

المحامية زينب محمد لاوي تقول بأن قانون مكافحة البغاء رقم 8 لسنة 1988، عالج مسألة استغلال الفتيات القاصرات في المادة الخامسة الفقرتان الأولى والثانية والثالثة:

  • من استبقى ذكرا أو انثى للبغاء أو اللواطة في محل ما بالخداع أو بالإكراه والقوة والتهديد وكان عمر المجني عليه أو عليها أكثر من ثماني عشرة سنة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات.

2- وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة إذا كان عمر المجني عليه أو عليها دون الثامنة عشرة سنة.

3- على المحكمة الحكم بالتعويض العادل للمجني عليه أو عليها في الحالتين السابقتين.

وتشير إلى أن الصعوبة تكمن في تطبيق وإيقاع هذه العقوبات، لكون الضحايا من القاصرات وحتى البالغات، سيتحولن إلى متهمات في حال قمن بتقديم شكوى، لأن أمرها سينفضح “وتستدرك” وقد يكون الأمر مضاعفاً لدى القاصرات”.

وتبين المحامية أن (غسل العار) عقوبة غير قابلة للاستئناف والتمييز في المجتمع، لهذا فالمرغمة على العمل في الدعارة تفكر ألف مرة قبل أن تلجأ للقضاء: “فإن تعامل معها القانون على أنها ضحية فإن أهلها/عشيرتها/جيرانها لن يفعلوا”.

وترى بأن أفضل حل للمشكلة يكمن في الوقاية منها، وتوضح :”بأن يشرع قانون حماية الطفل، الذي سيكون له أثر كبير على العائلة العراقية وينقذ الكثير من الفتيات من الوقوع في شباك الاستغلال وبكل أشكاله”.

وكان مجلس النواب العراقي قد أنهى يوم الأحد 6 تشرين الثاني/نوفمبر2022 القراءة الأولى لقانون حماية الطفل، وتتضمن الفقرة الثالثة من مادته الثانية:

“حظر الإتجار بالطفل أو استرقاقه أو إكراهه على العمل أو استغلاله بأي شكل أو زجه بالنزاعات المسلحة أو استغلاله في البغاء والأمور الجنسية والإباحية ولأي غرض كان.

ونصت المادة الخامسة على أن الدولة تكفل حماية الطفل من خلال حظر الأفعال التالية:(ثانياً) استغلاله جنسياً وبأي شكل من الأشكال. (تاسعاً)دخولهُ وعمله في النوادي الليلية وصالات القمار والملاهي أو شرب الخمور.

وتكفلت الدولة في المادة السادسة من ذات القانون بتوفير دور للرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والتربوية والتعليمية للطفل الذي حالت ظروفه دون أن ينشأ في أسرته نشأة سليمة أو الذي يعاني من التفكك الأسري نتيجة فقدانه أحد والديه أو كليهما.

ونصت المادة التاسعة، أولاً، على فرض عقوبة الحبس أو الغرامة على كل من شغل الطفل في النوادي الليلية أو صالات القمار أو شرب الخمور، أو سمح بدخوله إليها.

وعدت المادة العاشرة(ثانيا)ظرفاً مشدداً إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو مكلف برعايته او إيوائه.

ويتهم المحامي صفاء اللامي الحكومة العراقية بتجاهل انتشار الدعارة والجرائم التي ترتكب بحق فتيات قاصرات يخطفن أو يجبرن على العمل في دور البغاء والملاهي الليلية، حسبما ذكر

وبحكم اطلاعه على ملفات كثيرة في المحاكم واحتكاكه بالمحققين القضائيين، بقول بأن هنالك نساءً يتجولن في شوارع معينة في بغداد أو مرائب النقل أو صالات التجميل لرصد الفتيات الفارات من منازلهن أو المشردات او المتسولات واستدراجهن إلى بيوت الدعارة بحجة مساعدتهن.

ويلفت إلى طريقة أخرى يتم استدراج الفتيات عبرها إلى دور البغاء، من خلال قيام قابلات يقمن بـ(الإجهاض وإعادة البكارة)باستغلال متورطات بعلاقات جنسية خارج الزواج، وتهديدهن بالفضيحة وعواقبها وأن مساعدتهن ستحتاج إلى مبالغ كبيرة: “فتتوسل الضحية وتستنجد للحصول على المساعدة مقابل أي شيء، وهذا الشيء يكون في بعض الأحيان عملاً في بيوت الدعارة”.

المحامي صفاء تحدث أيضاً عن قابلات يجرين عمليات إجهاض مقابل 500 دولار(729 ألف دينار) وعمليات إعادة البكارة مقابل 1250 دولار(1,824000 دينار)للعملية، ورواج عملهن في السنوات الأخيرة، مؤشر بالنسبة إليه على ازدياد معدلات الدعارة.

زيادة يعزوها إلى الحروب التي أورثت الفقر للكثير من المواطنين، وأيضاً ضعف الدور الحكومي، بل تورط شخصيات فيها وجهات تابعة لميليشيات وأحزاب(لم يسمها) تدعم وتوفر الحماية لشبكات الدعارة والمراقص والملاهي الليلية وصالات القمار، حسبما يقول.

وذكر بأن الحل لتدارك المشكلة، يكمن في تفكيك تلك الشبكات، وتنظيم ورشة تدريبية تثقيفية في المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية لبث الوعي وتعريف الشباب بخطورة ما يحدث في دور الدعارة من انتشار للأمراض والجرائم كالتجارة بالأعضاء البشرية.

ودعا الجهات الأمنية إلى ملاحقة القائمين على صفحات في التواصل الاجتماعي: “الذين يروجون للدعارة ويرسمون صور زاهية لحياة الملاهي ودور الدعارة ويقدمونها على أنها الحياة الفاخرة والمختصرة للثراء وطبعاً الحقيقة غير ذلك”.

ولا يتم في العراق نشر أي إحصائية تتعلق بالدعارة من قبل وزارة الداخلية العراقية، ولكن بين الحين والآخر، يتم نشر أخبار مصدرها وزارة الداخلية في وسائل الإعلام المحلية، تفيد بالقبض على متورطين بالدعارة، وعادة ما تكون أخباراً مبهمة بلا تفاصيل.

أبرز تلك الأخبار، كانت التي نشرت في أواخر كانون الثاني/ يناير 2022، وتحدثت عن القبض على عناصر شبكة دعارة تكونت من 73 امرأة أغلبهن بأعمار تحت سن الـ18، في مجمع سياحي على طريق كركوك أربيل.

وقبلها في 2 تشرين الأول/أكتوبر، 2021 نشر خبر عن القبض على عناصر شبكة دعارة وتجارة بالبشر تقودها إمراه تدعى(بطيخة) في منطقة المشتل ببغداد، ونشرت الوزارة صور لها ولعناصر الشبكة دون إظهار ودجوههم.

الانتحار في نهاية المطاف 

أعلنت السلطات الأمنية في أربيل، يوم الخامس من  أيلول/ سبتمبر2022 انتحار فتاة قاصر تُدعى مروة القيسي (17سنة)، ألقت نفسها من الطابق 11 من المبنى الذي كانت تسكن فيه بالقرية اللبنانية ويتألف من 17 طابقاً، وذلك بعد فترة وجيزة من عودتها من الملهى الليلي الذي كانت تعمل فيه.

الخبر ولد ردة فعل شعبية غاضبة، وارتفعت الأصوات المطالبة بتفكيك عصابات الإتجار بالبشر وملاحقة مستغلي القاصرات جنسياً عبر القضاء للحد من الجرائم التي ترتكب.

وذَكر العديد من الناشطين عبر منشورات لهم في وسائل التواصل الاجتماعي، بحالات الانتحار التي ارتفعت معدلاتها في العراق خلال السنوات القليلة المنصرمة، ولاسيما التي كان ضحاياها من الشباب، وربطوها بتنامي ظاهرة تعاطي المخدرات والدعارة.

مستشارة الصحة النفسية اخلاص جاسم جبرين، تؤكد بأن لدى الفتيات العاملات في الدعارة نزعة نحو الانتحار لأنهن يكرهن أجسادهن، ويدفعهن اضطرابهن النفسي لذلك، وفق تعبيرها.

وتبين: “تكرار ممارستها للجنس مع أشخاص عديدين، يجعلها تشعر بأنها أصبحت غير مالكة لجسدها، الأمر الذي يجعلها تحتقر نفسها، فتصاب بالاكتئاب، وقد ينتهي بها الأمر إلى ادمان المخدرات، والموت من مضاعفاته أو الانتحار”.

جبرين تشير كذلك إلى ان الفتيات العاملات في الدعارة، قد يوجهن كرههن إلى المجتمع(شخصيات مضادة للمجتمع).

وبتوضيح أكثر تقول: “يتحول البعض منهن إلى إدارة شبكة دعارة خاصة بها-قوادة-أو تاجرة مخدرات أو تعمل في الجاسوسية أو التزوير أو كل هذا معاً. وقد ينحصر تخطيطها في اصطياد الرجال المتزوجين بهدف إحداث مشاكل في حياتهم الأسرية”.

“أفكر كثيراً بالانتحار” هذا ما تقوله سمارة 18 سنة، تعمل في كوفي شوب بالعاصمة بغداد، وليلاً في بيت للدعارة. تقول بأنها هربت من منطقة ريفية بمدينة العمارة جنوبي البلاد، بسبب ضربها من قبل والدها وأشقائها وعدم السماح لها بالذهاب إلى المدرسة أو حتى مشاهدة التلفزيون.

ترفع كم ردائها كاشفة عن وشم وفاة على ذراعها، تقول وهي تمرر أصابها على الوشم “أخفيت به آثار حرق تسبب به شقيقي لأنه رآني وأنا أستمع إلى الأغاني في التلفزيون ذات مرة”.

وتروي كيف أنها تمكنت قبل هروبها من استخدام هاتف قديم منسي لأحد أشقائها، وتعرفت عبر الفيسبوك على شاب أسمه(حمودي)من بغداد، أقنعها بالهرب وسرقت 100 ألف دينار(68دولار) من والدها واستقبلها في بغداد.

أخذها إلى شقة وتعامل معها كزوجة لنحو شهرين، ثم نقلها إلى منزل كبير قال بأنه لعائلته، لكن تبين أنه بيت دعارة فيه 13 فتاة أخريات، تديره امرأة مسنة يلقبونها بـ(الحجية).

ترفع ورقة نقدية من فئة عشرة آلاف دينار، أقل من سبع دولارات وتقول بنبرة حزن: “أحصل على مثل هذه في كل ممارسة للجنس، وقد يتكرر ذلك في الليلة ثلاثة او أربع مرات، وظهر اليوم التالي أذهب للعمل في الكوفي شوب الخاص بالحجية”.

تطوي الورقة النقدية، تشد عليها بقبضتها، ويبدو التعب والندم ممتزجين بوضوح في ثنايا كلماتها :”ذل وإهانات أخوتي وأبي، أرحم بملايين المرات من الذل الذي أعيشه الآن، لهذا أفكر بالموت لكي أرتاح”.

 

  • أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19918}" data-page="1" data-max-pages="1">