تحليل: محور المقاومة عبر عيون إيرانية

محور المقاومة عبر عيون إيرانية

اعتبر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي في إيران العميد إسماعيل قاآني في خطاب له في كانون الأول أن “المقاومة من المبادئ التي أكد عليها الدين الإسلامي” وشدد أنه بفضل شهداء المقاومة “بات محور المقاومة منتصرًا على أمريكا والكيان الصهيوني… لم يحصل الأمريكيون إلاّ على البؤس والشقاء” مؤكدا أن “الأمريكيين والأوروبيين ليسوا رجال ساحة المعركة بسبب نفسيتهم الجبانة فقد خسروا ساحة المعركة الرئيسية”.

قاآني شدّد على أن إيران أصبحت اليوم “علامة ذهبية وفي مختلف مجالات المقاومة. في الدفاع العسكري وغيرها” و”أنّه إذا أردنا رفع رؤوسنا والوقوف ضد الغطرسة العالمية والإجرام الأميركي يجب أن نكون من أهل المقاومة” مضيفاً أنه “في كل مناطق المقاومة، بما في ذلك فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن المظلوم، ترى كيف يقف المظلوم وأبناء رسول الله الروحيين بأيادٍ فارغة أمام القوات المدججة”.

قاآني يروج لمصطلح “محور المقاومة” كما يفعل مسؤولون إيرانيون كثيرون في تصريحاتهم.

برز المصطلح لأول مرة ردا على وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لإيران والعراق وكوريا الشمالية ب “محور الشر” في خطاب له عام 2002، لزعمه امتلاكهم لأسلحة خطيرة، وعلى أمريكا نزعها منهم، لحماية مصالح واشنطن وحلفائها.

لا يعرف من هو أول سياسي إيراني استخدم المصطلح، ولكن من المؤكد بروز المصطلح بعد خطاب بوش. بعد ذلك بدأت شخصيات إيرانية مختلفة باستخدامه في خطاباتهم، بمن فيهم زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية الخامنئي، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، وغيرهم من السياسيين ورجال الدين الآخرين، تكرر هذا المصطلح في خطاباتهم لجذب الحشود نحوهم.

المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله الخامنئي اعتبر المقاومة “الكلمة المشتركة والمقبولة من قبل جميع الشعوب في غرب أسيا”، مشدّدا أن “البعض لا يزال ليس لديه الجرأة لدخول الساحة إلا أن الكثير هم في الساحة”.

وقال الخامنئي إن محور المقاومة اليوم “أقوى من أي وقت مضى” و”إن هزائم الأمريكيين في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين نتيجة قوة محور المقاومة”. ووصف نهاية الخلافة الإرهابية لداعش في العراق وسوريا والدور الفعّال لأعضاء محور المقاومة في لبنان وسوريا والعراق كأهم إنجازات الجبهة.

نصوص الدستور الإيراني، المشرع سنة 1979، مهدت لفكرة محور المقاومة بعقود قبل بروز المصطلح. يرتكز الدستور على وجود نقيضين أخلاقيين، الخير والشر، كأساس لصراع إيران مع الغرب، الذي يمثل الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة. وإيران لا تقف في هذا الصراع على حدودها، إنما تصف في دستورها أن عملها عابر للحدود للدفاع عن حقوق “المستضعفين” داخل حدودها وفي جميع أنحاء العالم. ويلاحظ دعم إيران للدول أو الجماعات التي تشاركها هذه الرؤية والمصالح، خصوصا القوى الشيعية، في معاداة الغرب.

كثيرا ما تصف السلطات الإيرانية الولايات المتحدة الأمريكية ب “الشيطان الأكبر” بعد أن استخدم هذا المصطلح زعيم الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني في خطابه في 5 نوفمبر 1979 متهما إياها بالإمبريالية ورعاية الفساد في العالم. جاء خطاب الخميني بعد يوم واحد من اندلاع أزمة الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية، وكثيرا ما يذكر هذا الوصف للولايات المتحدة الأمريكية في بيانات السياسة الخارجية الإيرانية.

ازمة الرهائن بدأت بعد تسعة أشهر من نجاح الثورة، إذ احتجز طلاب موالون للخميني 52 موظفا في السفارة لمدة 444 يوما، وقطعت العلاقات بين البلدين منذ ذلك الحين، وتبنت الدولة الإيرانية هذا الفعل ودعمته. كان هذا الاحتجاز ردا على إدخال الولايات المتحدة لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي لأغراض علاجية ومنحه حق اللجوء، بينما كانت إيران تطالب بإعادته إليها لمحاكمته. فُسّر إدخاله للولايات المتحدة على أنه دعم سياسي للشاه وسعي لإعادته إلى الحكم.

تحارب إيران الغرب الليبرالي، تحديدا أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، بشكل رئيسي بواسطة الخطاب السياسي والعمل العسكري والعمل الإعلامي لمحور المقاومة، بقيادة الحرس الثوري الإيراني، من أجل “تحقيق العدالة للمستضعفين” بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية والدينية والعرقية.

يرد في الدستور الإيراني إن “إقامة حكومة الحق والعدل حق لجميع الناس في أرجاء العالم كافة” لذلك تدعم الجمهورية الإسلامية “النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم”. ويركز الدستور كذلك على أهمية تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على “أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم”.

وفي الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية في 2019، أصدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله الخامنئي بيانًا عن “الدور الكبير للثورة الإسلامية في مواجهة الظالمين في العالم وتشكيل محور المقاومة” مشيراً إلى سياسات أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط. وذكر دعم إيران للحركات المسلحة الفلسطينية ولحزب الله والمنطقة، ولهذا “يحتاج الغرب الآن إلى تحالف كبير مع عشرات الدول لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية سياسياً وأمنياً، وما زال يفشل في ذلك”.

قال الخامنئي إن “استمرار الثورة الإسلامية يظهر أن ما تريده الولايات المتحدة وأوروبا والقوى النووية العالمية لن يتحقق واذا اتخذ جميع أعضاء محور المقاومة قرارات حاسمة في المنطقة، لن يستطيع الأعداء ان يقوموا بأي شيء”.

قال قائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي “ان هزائم أمريكا في سوريا والعراق هي نتيجة المقاومة”، منوهاً إلى أن محور المقاومة هو في أكثر حالاته انسجاماً منذ أربعين عاماً.

محور المقاومة مكون من دول ومنظمات ومجموعات سياسية وفصائل مسلحة وإعلام، بقيادة إيرانية بارزة، وخصوصا الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، بقيادة حسن نصر الله، وحكومة بشار الأسد السورية، والحوثيين في اليمن، والفصائل والأحزاب الشيعية في العراق كذلك لهم دور أساسي في المحور.

بالرغم من أن معظم جهات محور المقاومة هي قوى شيعية، تضم كذلك قوى سنية ومسيحية وحتى إيزيدية، مثل حماس في فلسطين، وحزب التيار الوطني الحر اللبناني المسيحي، بقيادة الرئيس السابق ميشيل عون حينها، وبعض رجال الدين السنة في العراق مثل مهدي الصميدعي وخالد الملا، وحركة بابليون المسيحية، ووحدات مقاومة سنجار الإيزيدية، مما يركز فكرة أن المحور عابر للحدود والمذاهب.

القوات الإيرانية المسلحة لا تقف عند حدود بلادها فقط، بل تعطي لنفسها الحق والواجب للتدخل خارج حدود إيران.

تصف الدولة نفسها في الدستور على أنها “حكومة المستضعفين في الأرض”، على هذا الأساس “فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحكومات الإسلامية والشعبية حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم”.

ويشدد الدستور على هذا المفهوم بذكر أنه “يعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم”، موضحا أن عمله لا يقتصر على الداخل الإيراني، إنما كذلك يحتم العمل خارج حدود الدولة الإيرانية.

الدستور الإيراني أيضا ينص على أهمية الحفاظ على وحدة واستقلال البلد ويذكر: “تقوم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس الامتناع عن أي نوع من أنواع التسلط أو الخضوع له، والمحافظة على الاستقلال الكامل، ووحدة أراضي البلاد، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز مقابل القوى المتسلطة، وتبادل العلاقات السلمية مع الدول غير المحاربة”.

لمحور المقاومة لحظتا انتصار مهمتان يذكرهما المحور بكثرة. الأولى كانت في هزيمة حزب الله لإسرائيل في حرب تموز 2006 والتصدي للقوات الإسرائيلية، عبر الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.

بدأت إيران بدعم حزب الله اللبناني منذ نشأته عام 1982، عبر تقديم الدعم العسكري، والمالي وكذلك الاستراتيجي. واستمرت إيران بهذا الدعم، الذي زاد في حرب تموز.

كان هذا الدعم سببا رئيسيا لردع حزب الله بقيادة حسن نصر الله للقوات الإسرائيلية في لبنان. إذ كانت إيران ترسل الأسلحة والعتاد للحزب عن طريق سوريا.

تذكر مواقع إسلامية كثيرة أن دعم إيران لحزب الله يبلغ من 700 إلى 800 مليون دولار شهريا. إيران تدعم حزب الله باستمرار.

في حينها كان يوجد التفاف عربي حول انتصار حزب الله، لأنه أول مرة استطاعت قوة عربية أن تهزم إسرائيل، وتمنعها من إنجاح مخططاتها. لم يكن حينها مصطلح “محور المقاومة” شائعا.

اللحظة الثانية لنجاح المحور هو ما يعتبره محور المقاومة هزيمته لداعش نهاية عام 2017. أبرزت قصة هذه الهزيمة، كما يفهمها المحور، رسالة مشهورة بعثها سليماني إلى الخامنئي التي ذكر فيها ما وصفه بانتصارهم على داعش.

ركزت الرسالة على تضافر جهود قوات محور المقاومة، التي أدت إلى هزيمة داعش، وتجاهلت تماما دور التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة في هزيمته.

في الرسالة، شكر سليماني قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران لدورها في مكافحة تنظيم داعش، وكذلك شكر حزب الله ومقاتلين من أفغانستان وباكستان.

وقال سليماني أن “أعداء الإسلام” افتعلوا “هذه الفتنة الخطيرة والمسمومة” ضد المسلمين، وأعلن “اجتثاث هذه الشجرة الخبيثة الملعونة نيابة عن جميع القادة والمجاهدين المجهولين في هذه الساحة وآلاف الشهداء والجرحى الإيرانيين، العراقيين، السوريين، اللبنانيين، الأفغان والباكستانيين المدافعين عن المقدسات”.

السلطات الإيرانية اتهمت الولايات المتحدة بخلق داعش، وبذلك هم اعتبروا محاربتهم لداعش قتال ضد المخططات الغربية، التي تصفها ب “المؤامرة”.

وأضاف سليماني “كل هذه الجرائم تم التخطيط لها وتنفيذها عبر القيادات الأمريكية والمؤسسات المرتبطة بها”.

وأشاد سليماني بدور إيران في محاربة داعش، وقال “ان الحكومتين العراقية والسورية والجيشين والشباب في هذين البلدين لاسيما الحشد الشعبي المقدس وبقية الشباب من سائر بلدان العالم الإسلامي والحضور القوي لحزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله حفظه الله تعالى كان لهم دور أساسي في هزيمة هذا التيار الخطير”.

وقال في نهاية رسالته “أهنئ وأبارك لسماحتكم ولشعب إيران الإسلامية العظيم والشعوب المظلومة في العراق وسوريا وسائر المسلمين هذا النصر العظيم والمصيري”.

سليماني احتكر كامل الفضل لنفسه ومحور المقاومة في هزيمة داعش في الرسالة، ناكرا دور التحالف الدولي المهم في محاربة التنظيم. هذه هي السردية التي تقدمها إيران بخصوص تنظيم داعش.

لترسيخ هذه السردية، تولى اعلام هذا المحور ابراز حضور سليماني في جبهات القتال المختلفة في ميادين القتال بسوريا والعراق، بوصفه مخططا عسكريا واستراتيجيا اشرف على هزيمة التنظيم.

لم ينحصر دور إيران في محور المقاومة على النطاق العسكري فقط، وإنما امتد كذلك إلى الاعلام، اذ أسست الدولة الإيرانية “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” في عام 2007 كهيئة تابعة ل “وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي”. ويرأسها أحد الوزراء بعد الحصول على موافقة المرشد الأعلى على توليه المنصب. وركز الاتحاد على إعلامه في العراق ولبنان، قبل أن يمتد إلى اليمن وسوريا.

كلف “الاتحاد” بنشر سردية معادية لأمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط، بوصفه مظلة لوسائل إعلام “محور المقاومة” في جميع أنحاء المنطقة. ويزود “الاتحاد” هذه المنافذ الإعلامية بالدعم المالي والتكنولوجي والتنظيمي، ويساعد في تدريب موظفيها، ويضع استراتيجية موحدة لكي تقوم بمتابعتها.

لدى “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” اليوم أكثر من 200 شركة حليفة في 35 دولة، معظمها في الشرق الأوسط. تشمل هذه الشركات القنوات الفضائية ومحطات الراديو والمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء ومراكز التدريب وشركات الإنتاج الإعلامي ومراكز البحوث. من أبرزها قناة المنار اللبنانية، “بريس تي في” المحظورة من قبل أمريكا، وقناة العالم، وقناة العهد العراقية.

الأوساط السياسية الإيرانية، خصوصا المحافظة منها، تدعم محور المقاومة.

علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية، تحدث عن إيران والمنطقة وأهمية ما تفعله بخصوص محور المقاومة في لقاء، قال فيه: “لقد اقترب محور المقاومة من التفوق في المنطقة”.

أضاف أن “إيران في قلب جبهة المقاومة وتعمل جنباً إلى جنب مع اليمن ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق، فهي قد ساعدت العراقيين ضد داعش، وما حدث في سوريا كان فريداً أيضاً، لذلك لدينا أصدقاء في المنطقة ونحن معاً إلى جانب بعضنا البعض”.

وذكر أن “أهم إنجاز” في الثورة في إيران هو “تشكيل جبهة المقاومة التي استمرت بقوة، وستعمل قريباً مع كل المسلمين الأحرار في العالم على تحرير فلسطين من هيمنة الكيان الصهيوني الغاشم واحتلاله”.

قال ولايتي إن “الجبهة الدفاعية أنقذت بغداد ودمشق وبيروت من القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي”.

مع ذلك هناك من يعترض على محور المقاومة، وإن بتحفظ.

انتقد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في تسريب صوتي مثير للجدل محور المقاومة وسليماني، ضمن حديثه عن مواضيع عديدة.

قال ظريف في التسجيل إن “الميدان العسكري في الجمهورية الإٍسلامية هو الذي يحكم”، مضيفاً “لقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدل أن يخدم الميدان الدبلوماسية”.

الميدان هو الوصف الإعلامي الذي تستخدمه السلطات في إيران لتصف المناطق التي يقاتل فيها محور المقاومة.

وزارة الخارجية الإيرانية قالت أن التسجيل تضمن “مواقف شخصية” واقتطع من “حوار ضمن اللقاءات الروتينية في إطار الحكومة” ولم يكن للنشر. تسبب التسجيل بمشاكل لظريف وأضعف موقفه السياسي في إيران.

أغضب التسجيل المسرب الكثير من السياسيين والإعلاميين الإيرانيين، خصوصا بسبب انتقاده الضمني لسليماني، الشخصية التي أصبحت تتمتع بما يشبه القداسة في إيران، بعد اغتياله في ضربة جوية أمريكية في بغداد مطلع 2020.

المزيد عن تحليل

تحليل","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":29202}" data-page="1" data-max-pages="1" data-start="1" data-end="1">