عن الحجاب الإلزامي والاحتجاج ضده في إيران … بعض ما يحتاجه الفضول العراقي!

تتواصل منذ شهرين سلسلة متصاعدة من الاحتجاجات المناهضة للحجاب الإلزامي على إمتداد إيران، بعد وفاة الشابة الكردية مهسا (جينا) أميني البالغة من العمر 22 عامًا على إثر إعتقالها من جانب “شرطة الإرشاد” المعنية بتطبيق الأخلاق الإسلامية في الحيز العام، بضمنها فرض الحجاب.

ويُعتقد على نطاق واسع أن أميني تعرضت للضرب على يد هذه الشرطة بسبب عدم إرتدائها الحجاب على النحو المطلوب.

لم يكن موضوع الحجاب مُثاراً في أيام الثورة الإسلامية قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية، فلم يشر زعماء الثورة بصورة مباشرة إلى ضرورة تطبيق الحجاب بعد نجاح الثورة.

عند سؤال صحفي لبناني لزعيم الثورة، آية الله الخميني، خلال إقامته في فرنسا قبيل نجاح الثورة بأشهر عن نيته فرض الحجاب، أجاب قائلاً “ستتمتع المرأة بحرية إتخاذ القرار” بخصوص إرتداء الملابس، ولكنه أضاف أنهم لن يسمحوا للناس بأن يرتدوا ملابسَ تتعارض مع الحياء العام.

وبحسب الوثائق والمقالات المنشورة في صحف عام 1979، بدأ فرض الحجاب لأول مرة في آذار من العام ذاته، أي بعد أقل من شهر على نجاح الثورة، حين غيّر الإمام الخميني موقفه من الحجاب. ونشرت صحيفة كيهان عنواناً رئيسياً في صفحتها الأولى في السابع من آذار، اليوم الذي يسبق الاحتفال بعيد المرأة العالمي، يقول نصه المنسوب للخميني “يجب على النساء إرتداء الحجاب في المكاتب” في حين كانت مجموعات سياسية مختلفة تستعد لعقد أول احتفال باليوم العالمي للمرأة في اليوم التالي. ونقلت كيهان عن الخميني قوله ايضاً: “يمنع وجود أي إثم في الوزارات الإسلامية، وتُمنع النساء العاريات من الحضور إلى الوزارات الإسلامية”. هكذا إنطلق الحجاب لأول مرة من الدوائر الحكومية إلى المساحات العامة.

ومُنع دخول النساء غير المحجبات إلى المكاتب الحكومية في يوليو 1980. وقبل بروز المانتو بعد ذلك بسنوات كخيار للنساء لتجنب ارتداء الجادور كان يطلب منهن ارتداء ملابس باكمام طويلة تغطي الجسد فضلاً عن تغطية الشعر.

وبالرغم من أن الدستور الإيراني، المُصادق عليه في استفتاء شعبي في ابريل 1979، لم يُشر إلى موضوع الحجاب، شرّعَ البرلمان الإيراني في عام 1983 قانوناً جعل إرتداء الحجاب إلزامياً. لم يحدد القانون ماهية الحجاب ومواصفاته بالضبط، لكنه نصّ على عقوبة تصل إلى 74 جلدة للنساء اللواتي لا يرتدين الحجاب في الأماكن العامة بالصورة المطلوبة. عُدل القانونُ لاحقاً لفرض غرامةٍ مالية، تغير مقدارها على مر السنين بتغير الوضع الاقتصادي، وحكمٍ بالسجن على المخالفات لفترة بين 10 أيام إلى شهرين . فُرضت هذه القيود بإصرار منذ ذلك الحين ليصبح الحجاب ملزمأ على جميع الإناث فوق السابعة من العمر، من ضمنهن غير المسلمات.

بسبب عدم تحديد مواصفات الحجاب المطلوب قانونياً، أصبح لكل مؤسسة حكومية أو وزارة تفسيرها الخاص بها وتعليماتها بخصوص مواصفاته وكيفية تطبيقها. ومع ذلك، هناك عقوبات لمن يرتدين “الحجاب السيء” كما تطلق عليه شرطة الإرشاد. تخلق قلة الدقة هذه غموضاً لدى النساء والفتيات حول ما هو المطلوب منهن، وتعطي مرونةً لشرطة الإرشاد لفرض تفسيرها الخاص، المتعسف أحياناً للحجاب.

وفي أغلب الأوقات، تنتهي النساء المرتديات ملابسَ تعتبرها شرطة الإرشاد غير مناسبة بالاعتقال إلى أن يجلب أحد أفراد أسرهن ملابسَ مناسبة لهن ويوقعن على وثيقة يتعهدن فيها بإرتداء ملابس مناسبة في المستقبل. وفي بعض الاحيان ، تُرسل النساءُ إلى مركز للتوجيه لتعليمهن كيفية ارتداء الملابس المناسبة.

وبدأ إحتجاج النساء ضد الحجاب الإلزامي بشتى الطرق مباشرةً بعد إعلانه في 1979، وخاصةً من قبل موظفات القطاع العام ، بما في ذلك التظاهرات والذهاب الى دوائر الحكومية بالملابس السوداء كإعلان عن الغضب. بعض النساء المحجبات شاركن في هذه الاحتجاجات وطالبن بحرية اختيار ملابسهن، لكن سرعان ما قُمعت جميع الاحتجاجات.

وقبل بضع سنوات، أطلقت الناشطة المدنية مسيح علي نجاد ألمقيمة في أمريكا حملة بعنوان “الحريات الخفية للمرأة”، إذ تقوم نجاد بنشر صور لنساء بدون حجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، كإسلوب لمناهضة الحجاب الإلزامي. ونجاد من أبرز النساء الناشطات المناهضات للحجاب الالزامي في إيران، إذ كان لها دور مؤثر في دعم وتشجيع الاحتجاجات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

وبحسب نشطاء، فقد توفي ما لا يقل عن 336 شخصاً منذ بداية الاحتجاجات حتى الآن، بينهم 52 طفلاً، وأعتقل

15,094، بينهم 441 طالباً جامعياً. وامتدت الاحتجاجات لتشمل 138 مدينة في مختلف أرجاء إيران .

وبالرغم من محاولات الدولة الإيرانية إيقاف الاحتجاجات بشتى الطرق، فإنها فشلت بذلك لحد الان، بل توسعت هذه الاحتجاجات و أضافت اليها المطالبة بإسقاط النظام السياسي.