العالم الجديد/ أيلول 2022:
تقضي ريحانة سعيد معظم ساعات النهار جالسة على الأرض ومستندة بظهرها على جدار بيت طيني أشبه بالكوخ في قرية نائية بأطراف قضاء الحضر (110 كلم جنوب الموصل)، تراقب بتوجس طريق القرية المقفر وذهنها منشغل بذكريات حياتها في ناحية حميدات غرب الموصل مع أفراد أسرتها التي لم يُبقِ تنظيم داعش وحرب تحرير نينوى منه سوى ولدٍ واحد مودع في السجن وخمسة أحفاد يتوجب عليها الاعتناء بهم.
قتل زوجها في مطلع 2016 بغارة جوية للتحالف الدولي في شرق مدينة الموصل وفقاً لما تقول، واثنان من أبنائها الأول في أواخر العام ذاته والثاني في شهر أيار مايو2017 وكلاهما قتل في الجانب الأيمن للموصل خلال الحرب.
السيدة التي حفرت التجاعيد خطوط بارزة في وجهها، تتساءل عن ذنب النساء والأطفال في قرارات الرجال “هم رجال ويعرفون ما يفعلونه. لم أستطع منع أي منهم من الانتماء لداعش.. ماذا بيدي أن أفعل؟ لقد كان قرارهم وأنا وزوجات أولادي مجرد نساء لاحول لنا ولا قوة”.
بعد تحرير الموصل بالكامل في تموز يوليو 2017 اعتقلت القوات العراقية ابنها الأصغر وليد (17 عاما) وانتقلت هي وزوجتا ولديها المقتولين، إحداهما كانت حاملاً، وأربعة أحفاد إلى مخيم السلامية شرقي الموصل.
بقوا هناك أكثر من ثلاث سنوات، قبل أن يخرجوا منه مع 67 عائلة أخرى في مطلع 2021 ليغلق المخيم بنحو نهائي، ويضطروا هم للذهاب إلى قضاء الحضر، ويعيشوا جميعهم في بيت طين بغرفة واحدة، منحها لهم قريب من جهتها على سبيل الإحسان.
“رفض أهالي ناحية حميدات عودتنا، أخذوا منزلنا وأرضنا ومركباتنا، وكل ما نملك هناك..” تتوقف عن الكلام، بينما تتابع باهتمام مرور شاحنةً صغيرةً على مسافة من المنزل تاركة خلفها ذيل طويل من الغُبار، ثم عادت لتقول “قدمت بلاغ التبرئة للحكومة، ومستعدة لأقسم بأي شيء يريدونه، أننا لا نشكل خطراً على أحد، وكل ما نرغب فيه هو نعيش بسلام وأن أربي أحفادي في منزلي وليس في هذه الحفرة”.
وتضع كفها على جدار الطين الهش، ثم تواصلُ متشككة “لا أعرف متى سيسقط على رؤوسنا”.
تهاوي السقف الذي يأويهم ليس الخطر الوحيد الذي تخشاه ريحانة، بل همها الأكبر هو أن يدفع أحفادها ثمن ما فعله جدهم وأبواهم، لا سيما وأن تهديدات كثيرة بلغتها بالتصفية من ذوي أشخاص قتلوا على أيدي عناصر داعش “أخاف أن يأخذوا بثاراتهم من أحفادي المساكين”. تقول بنبرة حزن.
ثم تضيف بعد لحظة صمت “الحكومة لا تصدق بأن ولداي وأباهما ميتون، أحدهم جلب لي ورقة أمر قبض بحقهم صادرة من محكمة التحقيق على أساس مادة 4 إرهاب. وقال لي أن علي أن أثبت موتهم بالإشارة إلى مكان الدفن او جلب شهود.
تضع يديها على رأسها ويرتفع صوتها بالنحيب “لماذا فعلتم بنا هذا؟.. إلى متى سنهرب من الناس والحكومة..؟” وتنخرط في نوبة بكاء.
عودة مرفوضة
ريحانة، ليست الوحيدة التي تعاني من رفض المجتمع لها ولأحفادها، بل هنالك آلاف غيرها، اضطروا إلى البدء بحياة جديدة في أماكن أخرى غير مناطقهم القديمة بعد خروجهم من مخيمات النزوح أو الاحتجاز.
وهم يشكلون بحسب احصائيات رسمية 14767 عائلة من محافظات (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى)، انتمى فرد في كل منها في الأقل لتنظيم داعش. وبعد تحرير المحافظات الأربع من سيطرة التنظيم بالكامل في صيف 2017، كانت تلك العائلات وجل أفرادها نساء وأطفال، محتجزة داخل مخيمات، أبرزها السلامية والجدعة شرق وجنوب الموصل.
وجد قسم منها طريق العودة إلى مناطقها، بعد تسوية أوضاعها بموجب اتفاقيات عشائرية لضمان عدم تعرضها لأعمال إنتقامية، في حين أن غالبية العائلات قوبلت عودتهم بالرفض التام وصودرت أملاكهم، فلم تجد أمامها من خيار سوى البحث عن مناطق سكنى جديدة تقبل بهم ولا سيما بعد غلق وزارة الهجرة والمهجرين للمخيمات التي كانت تضمهم وكان أخرها مخيم السلامية في كانون الثاني يناير2021.
في حين تشير إحصائيات الأمم المتحدة، إلى أن أكثر من 29 ألف عراقي، كثيرٌ منهم ينتمون لعائلات عناصر داعش، مازالوا متواجدين في مخيم الهول (40 كلم جنوب شرق محافظة الحسكة في سوريا) يرفض غالبيهم العودة لأسباب شتى منها الخوف من الانتقام أو ملاحقة السلطات الأمنية العراقية أو بسبب تدمير مساكنهم.
ومن خلال متابعتنا مع جهات عراقية عدة بشأن العراقيين الساكنين في مخيم الهول وجدنا ان عراقيل عديدة تحول دون عودتهم بما فيه بطء عمليات تسوية اوضاعهم الامنية ووجود ضغط شعبي رافض لعودتهم، خاصة العوائل التي انتمى افرادها لداعش.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد أعلن في شهر أيار مايو 2022 عن نقل 500 عائلة عراقية من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة، وأكد ذلك المتحدث باسم المتحدث باسم وزارة الهجرة علي عباس بقوله أن” 2500 عراقياً قد تم نقلهم من مخيم الهول منذ 2021 بموجب اتفاقية أبرمت بين الحكومة العراقية وقوات سوريا الديمقراطية وبأشراف من الأمم المتحدة”. ولاحقا تم نقل عدة وجبات اخرى ادخلوا في دورات تأهيلية قبل اعادتهم لمناطقهم السابقة او توزيعهم في مناطق جديدة.
(ث. ب) سيدة في عقدها الرابع من ناحية المحلبية (35 كم غرب الموصل)، أدين زوجها بالانتماء لتنظيم داعش، تم اعتقاله وحوكم بالسجن لعشر سنوات في سجن الحوت بمحافظة ذي قار.
لكنها وبخلاف ريحانة، وجدت القبول من أهالي حيها السكني، وسمحوا لها مع أطفالها الأربع بالعودة وشغل منزلها. وكانوا من بين 1100 عائلة لعناصر داعش، اعيدت إلى الناحية بعد ميثاق شرف وقع هناك في 14 تشرين الأول/أكتوبر2020 بإشراف البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة.
تقول بأنها وباستثناء بعض الأحاديث التي سمعتها مع نسوة من ذات المنطقة، لم تتعرض لأي مضايقة تهدد حياتها أو أطفالها “وحتى بالنسبة للاتي تلاسنت معهن فانا أضع نفسي مكانهن، فهنالك من فقدت أخاً أو زوجاً او أبنا، لذلك لا أكتفي بالإصغاء حينما يبدؤون بالحديث وتوجيه الشتائم والسباب لي، مع أن زوجي لم تتلوث يده بدم أحد، وأجبره داعش على العمل معه في قيادة صهريج ما، هذا كل ما فعله”.
وكانت الأمم المتحدة مع منظمات إنسانية دولية ومحلية، قد عقدت منذ تحرير المناطق التي كان يسيطر عليها داعش بين 2016-2017 العشرات من مؤتمرات المصالحة في نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين، لكنها لم تؤد إلى عودة سوى عدد قليل من العائلات التي تورط أفراد فيها بالانتماء للتنظيم إلى مناطقهم.
ويقول الباحث المتخصص بالشأن العراقي عادل كمال، أن أسباباً كثيرة تقف وراء امتناع عائلات عناصر تنظيم داعش العودة إلى مناطق سكناها مع أن معظمها لا تضم سوى نساءً واطفالاً او كبار سن. أهمها “الخشية من الانتقام -الثأر- لكون التنظيم كان قد أمعن في قتل آلاف العراقيين، ولاذ عناصره بالفرار أو قتلوا، بمعنى أن ذوي الضحايا لم يقتصوا منهم أو الدولة، لذا فهم يريدون الاقتصاص من أي شخص يجدون أن له صلة بالتنظيم“.
ويشير إلى أن الطابع القبلي الذي يتصف به غالبية العراقيين، يعني عدم قصر الثأر على الجاني (عنصر داعش)، إن كان معروفاً لذوي المجني عليه وعشيرتهم، بل يشمل الذكور من أقربائه. وإن “كان الجاني الداعشي غير معروف، وهو الغالب العام، فان البعض من ذوي القتلى يستهدفون أي عائلة تصل إلى أسماعهم أن فرداً منها كان منتمياً لداعش، متورطاً كان بأعمال قتل أولا”.
وأيضاً فقدان الثقة بعائلات عناصر التنظيم والخشية من أن تتحول مساكنها إلى مخابئ لخلايا التنظيم النائمة، فضلاً عن اعتبار الكثيرين لأفراد تلك العائلات المؤمنين بفكر التنظيم، كميؤوسين من إصلاحهم ويعدون أبنائهم قنابل موقوتة بينهم في حال سمح لهم بالعودة إلى مناطق سكناهم.
التفريق بين المتورطين
هزاع غانم، قيادي في الحشد العشائري في ناحية القيارة جنوب الموصل، قال بأنه يتم التفريق بين عائلات عناصر داعش المتورطين بأعمال قتل، إذ لا يتم السماح لها بالعودة مطلقاً حتى وإن كان من أطلق عليه اسم “الداعشي”، قد قُتل أو نفذ به حكم الإعدام. ويستدرك: “في حالات قليلة، وافق سكان بعض المناطق المتفرقة من نينوى، بتعهد البراءة الذي تقدمه أم أو زوجة الداعشي للجيش أو الشرطة أو الحشد، لقبول عودة النساء والأطفال فقط إلى مساكنهم”.
أما بالنسبة لغير المتورطين بأعمال قتل، يضيف كمال “يشترط أن يكونوا معتقلين أو يقضون أحكام سجن عقوبة لانتمائهم للتنظيم، قبل السماح لنسائهم وأطفالهم بالعودة، وهذا أيضاً يعتمد على القرية أو الحي السكني فقد لا يقبل السكان بعودتهم مطلقاً”.
هجران عبد الستار، شابٌ في العشرين من العمر، من أهالي منطقة الكرامة لا يستطيع التخلص أبداً من مشهد اقتياد عناصر داعش لوالده من أمام المنزل في آذار مارس 2015، ومازال مصيره مجهولاً لغاية الآن.
” كنتُ في الثالثة عشر من العمر، ولدي شقيقتان أصغر مني، يعني مجرد أطفال تكفلت أمنا بتربيتنا، بعد أن اخذوا أبي دون حتى ان يخبرونا بالسبب، أمي تنتظره لغاية الآن وتعتقد أنه قد يعود ذات يوم، وترفض التصديق أنه ربما يكون مدفوناً في واحدة من مقابر داعش الجماعية”.
هو يعتقد بأن عدم السماح لعائلات عناصر التنظيم بالعودة إلى حيهم السكني، أقل قصاص يمكن ايقاعه بالتنظيم ومؤيديه، ويرى بأن الحكومة العراقية قد تساهلت كثيراً بوضع تلك العائلات في مخيمات بدلاً من السجون.
يخالفه الراي قليلاً، عبد المجيد منذر، موظف متقاعد من أهالي ناحية الشورى جنوب الموصل، قتل التنظيم شقيقاً له وخاله وفجر منزله. إذ يقول بأن النساء والأطفال من عائلات داعش ينبغي أن لا يدفعوا ثمن ما أقترفه الرجال فيها من المنتمين للتنظيم.
ويضيف:” قد أتفق مع عدم إعادتهم ليعيشوا في مناطقهم التي تركوها، مراعاة لمشاعر ذوي ضحايا داعش، لكن لا أتفق مع إبقائهم محتجزين في المخيمات، بل ينبغي إسكانهم في مناطق جديدة وإدخال أبنائهم المدارس ليصبحوا جزءاً من المجتمع وليس اعداءً له“.
وكانت نينوى تضم أربع مخيمات تؤوي أفراداً من عائلات التنظيم، وهي مخيمات (الجدعة 1، الجدعة 5، حمام العليل، جبل سنجار، ومخيم السلامية) وجميعها كانت تُدار من قبل المنظمات الدولية وبالتنسيق المشترك مع وزارة الهجرة العراقية.
وزيرة الهجرة إيفان فائق أعلنت مراراً عن برنامج تبنته وزارتها لغلق ملفات النزوح في نينوى، وشرعت بالفعل في تنفيذه، غير أن مشاكل اعترضت انجازه بالكامل، حيث بقي مخيم الجدعة فقط والذي افتتح في 2018 يحتجز عائلات عناصر داعش على الرغم من الاعتراضات الشعبية المتكررة في نينوى على وجودهم هناك مع فشل جهود الوزارة في اعادتهم الى مناطق سكناهم.
حلول غير كافية
محاولات محلية كثيرة جرت بمشورة دولية لمعالجة أوضاع عائلات عناصر داعش، ولاسيما الذين انتموا له دون إيمان عقائدي، وإنما فقط بسبب الضغط او لأسباب مالية، بسبب تفشي البطالة والفقر المدقع خلال سيطرة التنظيم بين حزيران يونيو 2014 وتموز يوليو 2017. ومن بين تلك المحاولات ما يعرف بـالتبرئة التي أقرتها لجان المصالحة الوطنية بدعم وإشراف من الأمم المتحدة.
وبحسب مصدر في محاكم استئناف منطقة نينوى الإتحادية، فان التبرئة تألفت من عدة مراحل، أولها التدقيق في سير أفراد تلك العائلات والتأكد من عدم تورطهم فضلاَ عن الذين انتموا لداعش بأي أعمال إجرامية كالقتل والاستحواذ على أموال الآخرين.
ومن ثم توقيع وثيقة التبرئة أمام قاض في المحكمة قبل السماح لأولئك الأفراد بالعودة التي تستلزم كذلك موافقة أهالي المنطقة. وأيضاً بتنظيم معاملاتهم القانونية كبيانات الولادة والوفاة والقسامات الشرعية وسواها.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن لا نص في القانون العراقي عن التبرئة وإنما هو إجراء عرفي أعتمد لمرحلة مؤقتة. وتخول وثيقة التبرئة السلطات الأمنية بالسماح لحاملها بالعودة إلى منطقة سكنه بشرط عدم ممانعة سكان المنطقة.
والتبرئة لاقت معارضة شديدة في أنحاء متفرقة من نينوى خاصة في السنوات الاولى من انهاء وجود داعش، وقسم من العشائر والحشود العشائرية طالبت عائلات عناصر داعش بالمساعدة على تسليمهم إلى القوات الأمنية بدلاً من التبرئة منهم.
وكثير من ممثلي تلك العشائر على قناعة تامة بأن كل عناصر داعش متورطون بكل الجرائم التي نفذها التنظيم، لأن مجرد انتمائهم له يعني تورطهم المباشر، لذلك فهم غير مستعدون لتقديم أية تنازلات، الا بعد تسويات او دفع مبالغ مالية.
الشيخ ميسر الحاصود الدليمي أحد شيوخ محافظة نينوى تحدث عن شروط عدة ينبغي توافرها قبل السماح لعائلات عناصر التنظيم بالعودة إلى المناطق التي لعشيرته تواجد فيها في جنوب الموصل. منها “تكفل ذوو عائلات مقاتلي داعش بدفع دية لقاء العدد الكبير من أبناء العشيرة الذين قتلوا على أيدي مقاتلي التنظيم. وألا تتم العودة إلا بعد دفع الدية التي تعمل العشائر على تحديدها. وفي حال تم ذلك يُجبر العائدون على الخضوع لدورة تأهيلية في مجال مكافحة الفكر المتطرف وأن يقدموا ما يثبت حصولهم على شهادة من منظمة مختصة بهذا المجال تؤكد فيها أن الفكر المتطرف لديهم قد زال”.
لكن بعض تلك الشروط صعبة التحقيق، فاذا كان الحصول على شهادة من جهة تؤكد ان هؤلاء مؤهلون بالاندماج في المجتمع ولا حضور للفكر الداعشي في عقولهم، فان توفير الأموال لدفع الدية أمر صعب جدا خاصة ان معظم هؤلاء يعانون من تدهور اوضاعهم نتيجة فقدان اموالهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم.
مساءلة الأطفال والنساء
العديد من النشاطين المدنيين ممن يعملون في مجال حقوق الانسان وأوضاع النازحين، يرفضون كل تلك الاجراءات التي تعرقل اعادة اندماج عوائل من تورطوا مع تنظيم داعش في المجتمع، وتحول دون تمكنهم من استعادة حياتهم الطبيعية، منبهة الى أن ذلك قد يبقي الشروخ المجتمعية ويخلق مشاكل مستقبلية.
الناشطة المدنية زينة محمود، ترى بأنه من الواجب إبعاد النساء والأطفال عن المساءلة والملاحقة المجتعية، والتعامل مع هؤلاء كضحايا والعمل على توفير الرعاية اللازمة لهم من أجل عدم أحداث خلل في بنية المجتمع. وحذرت من أن الاستمرار في احتجازهم او الاساءة لهم سيعني تفاقم المشكلة وليس حلها.
وأوضحت: “سيحقد الأطفال على المجتمع، وسيكونون على الدوام مشاريع للانتقام منه، خصوصاً الذين يعانون من الحرمان ويتم تربيتهم على هذا الفكر الخطير، وتغذيته بتحميل المجتمع مسؤولية مقتل الوالد وفقدان الأملاك والحرمان من الحرية”.
وتشير إلى أن عدد الأطفال من أبناء عناصر داعش من الذين كانوا متواجدين في المخيمات حتى منتصف 2021 كان يبلغ 17364 طفلاً، فضلاً عن أطفال مجهولي النسب بلغت أعدادهم 743 طفلاً.
أستاذ علم الاجتماع حازم حسام الزبيدي، يحذر بدوره من مخاطر إبقاء هذه العائلات في المخيمات بقوله “لقد كانت جزءاً من المجتمع والآن أصبحت غير مرحب بها وهذا يعني تشكل فجوة تؤثر على التماسك الاجتماعي، خاصة أننا نتحدث عن عشرات آلاف الأشخاص وليس بضعة مئات“.
ويشير إلى رصده ظواهر اجتماعية فيما أسماها بمرحلة ما بعد داعش. منها عدم رغبة المقبلين والمقبلات على الزواج الاقتران بأشخاص من عائلات كان لها صلة بتنظيم داعش. كما أن لا رغبة للعائلات المحيطة بالتزاور مع هذه العائلات أو التفاعل مع مناسبات الفرح والحزن التي تحدث فيها.
لكن التسامح واعادة الاندماج التي ينادي بها بعض نشطاء المجتمع المدني والباحثين وحتى أبناء العشائر، يصعب على نور الدين غازي، تقبله.
الشاب يحمل على الدوام معه ورقة مطوية في جيبه مكتوب فيها أسماء 16 شخصاً من أفراد أسرته، قتلوا بأيدي عناصر داعش أو بسببهم في مدينة الموصل.
يخرجها ويفردها على مهل فوق منضدة أمامه، ويقرأ أسماء أول ستة منهم، وهم اثنان من أعمامه وأربعة من أبنائهم، قتلهم عناصر داعش رمياً بالرصاص في منطقة الإصلاح الزراعي، جنوب غرب الموصل سنة 2015 بتهمة التعامل مع القوات الأمنية العراقية.
ثم يقرأ أسماء اثنين آخرين، هما شقيقه الأكبر وابن خالته اللذان ألقى عناصر داعش القبض عليهم مطلع 2016 ويعتقد أنهم دفنوهما في مقبرة جماعية تسمى الخسفة تقع الى الجنوب من الموصل، لم يتم فتحها لغاية اليوم، وترجح مصادر في الحكومة المحلية أنها تضم رفاة أكثر من خمسة آلاف شخص من ضحايا التنظيم.
ويعدد أسماء الثمان الآخرين، وهم عمته الكبرى وزوجها وابنها وزوجته وأطفالهم الأربع، قال بأنهم قضوا جميعاً بقصف لمنزلهم في منطقة الميدان في شباط فبراير2017، خلال معارك تحرير الجانب الأيمن في الموصل من سيطرة داعش.
يعيد طي الورقة ويدسها في جيبه مجدداً، ويقول “كيف يمكن وبكل بساطة أن نسمح بعودة عائلات من قتل كل هؤلاء ليسكنوا بجوارنا وكأن شيئا لم يكن؟“.
رغم ذلك، يقول نور الدين، انه لا يبحث عن الانتقام. ويرى ان الزمن “ربما يكون كفيلا بمعالجة جراح الطرفين”.
انجز التقرير تحت اشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية
المزيد عن تقارير سردیة
تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19839}" data-page="1" data-max-pages="1">