بين اكراد العراق وإيران… عندما لا يكون التعاطف كافيا!

اعتادت عيون الاكراد الايرانيين متابعة ما يحصل غربهم في اقليم كردستان العراق باعجاب حيث اكراد مثلهم حققوا ما حرموا هم منه: حكم انفسهم في اطار فيدرالي. احاسيس الخيبة استبدلت هذا الاعجاب بعد عجز الاقليم في ان يتعاطف مع اكراد ايران في وقت شدتهم.

يتوحد الاكراد على جانبي الحدود في مشاعر ووقائع كثيرة اذ تجمعهم ثقافة مشتركة و حس تاريخي بالظلم، وحلم سياسي بمستقبل واحد.

راقب الأكراد الايرانيون أحداث السياسة و الامن في الاقليم باهتمام وفضول كبيرين، دعماً وتشجيعاً لنظرائهم من الاكراد العراقيين.

يتلمس المتتبع اهتمام أكراد إيران بالاقليم عبر تظاهرات داعمة واعلانات بهجة فضلا عن جمع التبرعات وارسال المتطوعين المدنيين و العسكريين دعما لاكراد الاقليم في أوقات الشدة.

شارك الأكراد الايرانيون بالاحتفال بسقوط نظام صدام حسين عام 2003، وبتشكيل اقليم كردستان في عراق فيدرالي. مثل الاثنان، الخلاص من صدام وتشكيل الاقليم، خطوة كبيرة نحو تحقيق الحلم الكردي المشترك.

تواصل هذا الاهتمام بالسياسة في العراق، اذ صار لدى الاكراد في العراق دور سياسي بارز في البلد.

برزت الحماسة الايرانية الكردية عند انتخاب جلال طالباني كأول رئيس كردي للعراق عام 2006، إذ تظاهر المئات من الاكراد في شوارع المدن الكردية في ايران و رقصوا الرقصات الشعبية (الدبكة الكردية) فيها تعبيرا عن فرحهم.

اخرون حملوا علم اقليم كردستان، فيما اشعل غيرهم العاب النارية، الى حد الصدام مع قوات الامن الداخلي الايرانية .

تحولت الاحتفالات الى اشتباكات بين المتظاهرين الاكراد وقوات الشرطة وادت الى اصابة عدد من عناصر الشرطة واعتقال عدد كبير من المتظاهرين .

تعتبر الجمهورية الاسلامية في ايران هذه التظاهرات خطرا كبيرا وتعاقب عليها بالسجن واحيانا الاعدام، بوصفها افعالا انفصالية تهدد الوحدة الوطنية الايرانية. انتهى مئات المحتفين بالسجن.

نشرت ايضا بعض الصحف الأسبوعية في المناطق الكردية على الصفحات الأولى لها صوراً لطالباني تحت عنوان “صباح الخير أيها الرئيس”.

في الاوقات الصعبة، دعم الاكراد الايرانيون اشقاءهم الاكراد العراقيين، إذ ارسلت احزاب كردية ايرانية معارضة بعض مسلحيها لمحاربة داعش في الاقليم في 2014. ظهر بعض هذا الدعم ايضاً في الموصل عبر إزالة الألغام والمتفجرات الأخرى بحسب المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لقمان أحمدي لان “حماية جميع أنحاء كردستان واجب وطني” على حد وصفه.

امريكا لم تكن بعيدة عن هذا الدعم ايضاً، اذ دربت قوات كردية ايرانية كي تمكنها من محاربة داعش بحسب رئيس حزب الحرية الكردستاني (باك) حسين يزدانبانا.

الأكراد الايرانيون لم يغيبوا عن لحظة كردية رمزية بالغة الاهمية، رغم نتائجها السلبية الواضحة، حين نظم استفتاء الاستقلال في اقليم كردستان في 25 ايلول عام 2017.

خرج الاكراد في الكثير من المدن الكردية في ايران الى الشوارع ابتهاجا باقامة الاستفتاء ورقصوا فيها، فيما قصفت القوات الإيرانية مناطق حدودية للاقليم، بينما كان الاكراد الايرانيون يوزعون الحلوى بحسب مقال نشر في الصحيفة الايرانية كيهان لندن. تكرر مشهد اعتقال مئات المحتفين بالاستفتاء وسجنهم بنهم التحريض علي الانفصال.

هذه المرة لم يكن الاحتفال فقط على المستوى الشعبي، وانما على المستوى السياسي ايضا، اذ اعلنت الأحزاب السياسية الكردية المعارضة دعمها له بشكل رسمي.

رغم كل هذا الدعم المعنوي والعملي انتهى اكراد ايران بخيبة مفتوحة، لان قصة الاقليم لم تتوج بالنجاح المرتجى فلم يفشل الاستفتاء في الاقليم فحسب بل كلفه حوالي اربعين بالمئة من الاراضي التي كان يسطر عليها.

كما خسر الاقليم الكثير من المكاسب التي حصل عليها بعد 2003، و اصيح طرفا ضعيفا في علاقته ببغداد.

بالنسبة للاكراد الايرانيين، لم يعد الاقليم ذلك المثال الذي كانوا ينظرون اليه باكبار خصوصا بعد فشله في الحد من الفساد و في صناعة تجربة سياسية و اقتصادية و مؤسساتية رصينة و جديرة بالنظر اليها كمثال مُلهم على الجانب الاخر من الحدود.

تعمق حس الخيبة لدى اكراد ايران بازاء ما اعتبروه قلة وفاء من بني جلدتهم الذين لم يقفوا معهم في ايام شدتهم في سلسلة احتجاجاتهم المستمرة بعد مقتل مهسا اميني على يد (شرطة الارشاد) الايرانية.

مظهر الخيبة كان شديد الوقع على اكراد ايران عندما منعت قوات الاسايِش في السليمانية المتظاهرين من الكرد العراقيين من الخروج في مظاهرات لمساندة لاكراد ايران واستخدمت الغاز المسيل للدموع لايقافهم.

درب العلاقة بين الاثنين طويل ولن ينتهي على الاغلب بهذه الخيبة فوقائع الجغرافيا والثقافة والطموح المشترك ستفتح فصولا اخرى في العلاقة بين الاثنين.