تركيا تواصل حرق أرض الكرد.. هجمات وقواعد وانتشار دائم
بذريعة اتفاقية أمنية قديمة مع نظام صدام تركيا تمعن في احتلال أراض عراقية مستبيحة البشر والشجر
بذريعة اتفاقية أمنية قديمة مع نظام صدام تركيا تمعن في احتلال أراض عراقية مستبيحة البشر والشجر
“في محيط المكان وسط الأشجار المعمرة كان كل شيء هادئا، وفي مركز تجمع العوائل كانت الأغاني العربية والكردية تصدح عاليا وشباب يدبكون ويتراشقون بالمياه، حين وقعت قذيفة وسط الموقع. كان صوت الانفجار مدوياً وصادماً للجميع، وقبل ان يتصاعد الدخان تصاعدت الصرخات، نساء ورجال يستنجدون واطفال يبكون”.
يقول احمد (32 عاما) السائح القادم من بغداد لقضاء اجازة قصيرة في اقليم كردستان وسط الطبيعة الخلابة والأجواء المعتدلة، والتي انتهت الى مأساة حين سقطت ثلاثة قذائف مدفعية من موقع عسكري تركي قريب لتودي بحياة 9 مواطنين بينهم طفل وتصيب 31 آخرين بينهم ثلاثة في حالة حرجة.
يضيف أحمد:”بدأنا نهرب كل في اتجاه وسط الصدمة التي شلتنا عن التفكير حول ما يحدث.. مر عليَ اكثر من شخص مصاب والدماء تلطخ ملابسه.. بعضهم مشوا لخطوات ثم سقطوا مجددا. قبل ان نفهم ما يحصل وسط الفوضى سقطت قذيفة ثانية ثم ثالثة… لم ارى مشهدا مأساويا كهذا في حياتي”.
ويتابع والعرق يتصبب من وجهه :”هربنا ونحن ندعو الله ان ينجينا.. لم نكن نملك غير الدعاء بالوصول سالمين الى أبعد نقطة ممكنة في الشارع العام بعيدا عن موقع تجمع سياراتنا خوفا من استهدافها”.
حصل القصف في مصيف قرية برخى في ناحية دركار التابعة لقضاء زاخو المحاذي للحدود التركية، والذي يشهد حلاات قصف شبه يومية وعمليات عسكرية مستمرة منذ سنوات حيث أقامت تركيا العديد من القواعد العسكرية والمقرات الأمنية داخل الأراضي العراقية وبين القوى السكنية بحجة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقضاء على وجودهم.
يؤكد عمال يعملون على تقديم الخدمات في المصيف الذي اعتاد استقبال 1000 الى 1300 شخص يوميا منذ اسابيع، ان قذائف أخرى سقطت لكن في أماكن أبعد، فيما انشغلوا هم مع القوات الأمنية التي وصلت سريعا للموقع بحمل القتلى والجرحى الى السيارات لنقلها لمستشفى قضاء زاخو.
يقول دلير وهو احد أبناء المنطقة الذي كان يزور المصيف مع اثنين من أصدقائه :”لا أعرف كم من الوقت مضى قبل ان نتأكد ان ذلك الكابوس انتهى، وان سيارتنا خرجت من المكان وباتت في أمان، بعيدا عن النيران التركية”.
دلير أكد انه يزور المنطقة بين فترة وأخرى بأعتبارها آمنة تماما فالمنطقة قريبة من الحدود التركية وهناك مقرات تركية امنية ومراكز للقوات العراقية ولا وجود للعمال الكردستاني “فلماذا حدث القصف لا اعرف؟.. لماذا استهدفوا السياح؟ ..نعم كنا نسمع ان المناطق القريبة ومحيط المكان قصف في السابق، وان بعض حقول المزارعين تستهدف بنيران تركية، لكن لا احد يتوقع ان يتم قصف مصيف سياحي”.
العدد الكبير للضحايا، وضعت حلقات مسلسل القصف التركي المستمر داخل الأراضي العراقية، في مرحلة جديدة أكثر خطورة، خاصة ان الموقع المستهدف مُنتجع يرتاده سياح قادمون من محافظات بغداد والبصرة والنجف.بين الضحايا شاب لم يمض سوى خمسة أيام على زواجه، وآخر طالب جامعي، وطفل لم يكمل عامه الأول بعد.
سائحون هربوا من سخونة صيف مدنهم الى أجواء وطبيعة كردستان الخلابة للتمتع باجازة قصيرة، لكن النيران التركية تلقفتهم داخل المنتجع وأثناء تواجد نحو 1300 سائح فيه. وهو القصف الثالث الذي يستهدف القرية المذكورة خلال الشهر الجاري، لكن الهجمات السابقة كانت اقل عنفا وحصلت في محيط المنتجع دون خسائر بشرية.
بعد الهجوم، خاطب سائح عراقي بأنفاس متقطعة مليئة بالقلق الرعب والدته، قائلا في مقطع فيديوي صوّره بهاتفه وبلهجته المحلية:”هناك قصف اذا تعرضت لشيء فانا أحبكم .. انتبوهوا لأنفسهم ..انتبهوا لوالدي …احبكم ..إحب أخواتي”.
وخاطب سائح آخر رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي:”أين دولتك وحكومتك يا الكاظمي”. ليأتي رد الكاظمي بطريقة غير مُباشرة بإيفاد وزير الخارجية فؤاد حسين ونائب قائد العمليات المشتركة عبد الأمير الشمري، والسكرتير الشخصي محمد البياتي، وقائد القوات البرية قاسم المحمدي، إلى مكان القصف للتحقيق في الهجوم، وذكر بيان صدر عن مكتبه: “القوات التركية ارتكبت مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية وحياة المواطنين العراقيين وأمنهم باستهداف أحد المصايف السياحية في محافظة دهوك، وأن هذا الاعتداء الغاشم يثبت أن الجانب التركي لم يعر الانتباه لمطالبات العراق المستمرة بإيقاف الانتهاكات العسكرية ضد الأراضي العراقية وأرواح العراقيين”.
ردود فعل شعبية
عقب القصف التركي شهد الشارع العراقي ردود أفعال غاضبة ودعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للرد على تركيا بعدة خطوات اقتصادية ودبلوماسية، تبعتها بيانات ادانة من بعض السياسيين والمسؤولين الحكوميين، بعضهم لم يشر الى تركيا بالاسم صراحة وطالبوا بالتحقيق في الحادثة.
ردود الفعل الشعبية اتسعت في المساء وتضمنت وقفات احتجاجية أمام السفارة التركية وسط بغداد، وإغلاق مكتب إصدار الفيزا التركية في محافظة النجف وحرق العلم التركي أمام مكتب تابع للسفارة التركية في شارع الحولي وسط كربلاء. بالإضافة إلى وصف ناشطين ومغردين على مواقع التواصل الاجتماعي البيانات الحكومية إزاء الاعتداءات التركية بـ”بيانات حكومة ورقية”.
وشهدت العاصمة العراقية مساء الأربعاء (20 تموز 2022) احتجاج للمئات أمام مقر السفارة التركية حيث تم انزال العلم التركي من مبنى السفارة، وشهدت محافظات البصرة والنجف وكربلاء وواسط تحركات مماثلة. لاحقا تم الاعلان عن اغلاق جميع مكاتب اصدار تأشيرات الفيزة التركية، وتأمين مواقع السفارة التركية والقنصليات بمزيد من القوات الأمنية.
ونظم مواطنون الخميس (21 تموز 2022) وقفة احتجاجية أمام مركز تقديم التأشيرات التركية في مدينة كركوك، وانطلقت دعوات لتنظيم تظاهرات ووقفات في العديد من المدن الأخرى.
وتعالت اصوات نواب بالبرلمان العراقي من كتل مختلفة لمحاسبة تركيا، وطلب 98 نائباً بعقد جلسة طارئة لمجلس النواب لمناقشة الانتهاكات التركية بحضور كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع العراقيين.
كما اعلنت العديد من شركات السفر والسياحة العراقية، ايقاف الرحلات إلى تركيا تضامنا مع ضحايا القصف.
تحركات حكومية
وعلى صعيد التحركات الحكومية عقد المجلس الوزاري للأمن الوطن اجتماعاً طارئاً، واتخذ قرارات عدة منها مطالبة تركيا بسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد اليها. وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. بالإضافة إلى استدعاء السفير التركي لدى العراق وإبلاغه الإدانة.
وأعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال تفقده لموقع الحادث برفقة بعض القيادات العسكرية، ان القصف التركي أدى إلى استشهاد 9 مواطنين، بينهم طفل، وإصابة 31 آخرين، مطالباً تركيا بايقاف جميع العمليات العسكرية في الأراضي العراقية وتقديم اعتذار إلى الشعب العراقي. وقال ان الخبراء العسكريين الذين وصلوا الى مكان القصف تأكدوا ان الهجوم تم من قبل الجانب التركي.
وكانت خلية الإعلام الأمني قد ذكرت في بيان، إنه “في تمام الساعة 13:50 من هذا اليوم الموافق العشرين من شهر تموز الجاري تعرض مصيف قرية برخ في ناحية دركار التابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك بكردستان العراق إلى قصف مدفعي عنيف”.
بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، ان الاجراءات الدبلوماسية التي سيتخذها العراق “لن تكون تقليدية هذه المرة”، لافتاً إلى أن العراق سيستعين بشركائه وأصدقائه كافة، لإدانة العمل العدائي الذي طال أبناء شعبه.
نفي تركي وتنديد من الكردستاني
وأعلن حزب العمال الكردستاني عدم علاقته بالقصف، وحذر الحزب من “إخفاء هذه المجزرة المتعمدة للدولة التركية”، مشيرا الى انه “هذه ليست المذبحة الأولى للدولة التركية” فهي استهدفت في 11 آب/ أغسطس عام 2020 اثنين من كبار المسؤولين العسكريين العراقيين، كما استهدفت المدنيين في بامرني وكاني ماسي في السنوات القليلة الماضية.
وأضاف “لا تتوجد قواتنا في المنطقة التي وقعت فيها المجزرة، التلال المحیطة تحتلها الدولة التركية وتهيمن على المنطقة، هناك أيضا قوات حرس حدود عراقية وقوات مختلفة من حكومة إقليم كردستان في المنطقة ولسنا موجودین فیها البتة”.
ورفضت تركيا الاتهاكمات الموجهة لها بالوقوف وراء الهجوم، ونفى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، تنفيذ قوات بلاده لهجمات ضد المدنيين في دهوك، وقال :”بحسب المعلومات الواردة من قواتنا المسلحة، لم ننفذ أي هجوم ضد المدنيين في دهوك”.وأضاف: “نرفض الاتهامات الموجهة إلينا ومستعدون للتعاون مع السلطات العراقية للتحقيق”.
تاريخ من العمليات التركية
وتنفذ تركيا منذ 2015 عمليات عسكرية واسعة داخل الأراض العراقية، لكنها وسعت في العامين الأخيرين من عملياتها، وشنت مئات الهجمات التي اوقعت بحسب الفريق العراقي في منظمة صنع السلام المجتمعي (CPT) 138 قتيلا من أبناء اقليم كردستان.
وبحسب المنظمة أدى الصراع بين تركيا والعمال الكردستاني خلال العقود الثلاثة الاخيرة الى إخلاء نحو 600 قرية تقع غالبيتها في محافظة دهوك.
وعادة ما تنفذ الهجمات بالمدفعية والطائرات المسيرة، فقبل هجوم زاخو الأخير بيومين، تعرضت عدة مناطق بناحي دركار الى قصف سمع دويه في منطقة بيرسفي التي تضم مخيما للنازحين الايزيديين الذين اصيبوا بالهلع. وهجر سكان العديد من القرى في زاخو مناطقهم ببسبب القصف في العامين الاخيرين، ويخشى هؤلاء التقرب من قراهم او التوجه لمزارعهم الا بعد موافقات امنية تركية.
واستهدفت مسيرة تركية، سيارة كانت تقل خمسة أشخاص بينهم امرأة غربي محافظة نينوى في 17/7/2022 أسفر عن مقتلهم جميعاً.وذكرت مصادر امنية كردية ان السيارة كانت تحمل عناصر من حزب العمال الكردستاني، لكن تبين لاحقا ان سائق السيارة عربي من أهالي نينوى وليس له علاقة بالكردستاني، ومازالت هوية القتلى الآخرين مجهولة.
وسبق ذلك قصف بطائرة مسيرة أيضاً في قضاء كلار التابع لمحافظة السليمانية استهدفت سيارة كان فيها أربعة أشخاص ينتمون الى حزب سوري موالي لحزب العمال، أسفر عن مقتل ثلاثة منهم. وذكرت مصادر كردية ان بين القتلى مسؤول محلي كردي سوري كان قد وصل الى الاقليم للعلاج.
وفي 26 أيار 2022 قتل طفلان واصيب رجلان، في منطقة بامرني حيث توجد قاعدة عسكرية تركية، حين كانوا يتواجدون في تجمع احتفالي كبير شارك فيه المئات من أبناء المنطقة. وفيما اتهم سكان القوات التركية بقصفهم، ذكر مسؤولون محليون ان الضحايا سقطوا جراء تبادل قذائف مع حزب العمال الكردستاني.
وتعرضت منطقة سنجار للعديد من الهجمات بالطائرات المسيرة، آخرها في 17 حزيران واستهدفت مقرا تابعا للادارة المحلية لمنطقة سنوني والتي تضم ايزيديين موالين لحزب العمال الكردستاني، لكن الهجوم ادى الى مقتل طفل كان جالسا في محل والده لبيع القرطاسية كما قتل مدنيون آخرون. وفي حزيران 2021 أسفر هجوم تركي عن مقتل أفراد عائلة في مصيف كونه ماسي بالسليمانية.
ويقدر الصحفي الكردي كريم عبدالله، عدد من قتلوا في الهجمات التركية خلال نحو عامين بأكثر من 30 شخصا .
40 قاعدة ومركز أمني
وعززت تركيا حضورها الامني المباشر في اقليم كردستان في السنوات الخمس الأخيرة، بانشاء أكثر من 40 قاعدة عسكرية ومركز امني، بحسب ما تظهره خرائط تركية رسمية، في مواقع على طول الحدود وبعمق يصل احيانا الى 30 كلم داخل الاراضي العراقية، ومدت طرق عسكرية الى مقراتها وقامت باقتلاع مئات آلاف الاشجار.
لكن مصادر كردية تقول ان تلك القواعد والمراكز الأمنية ونقاط المراقبة، وصل عددها في الأشهر الأخيرة الى 70 مركزا، تتوزع غالبيتها في نقاط جبلية بمناطق متفرقة من محافظة دهوك ويعمق يصل الى 30 كلم، فيما تتوزع الاخرى في محافظة اربيل مشكلة ما يشبه الحزام الأمني الممتد من الأراضي السورية الى الأراضي الايرانية.
وتستخدم تركيا تلك المقرات لمهاجمة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، لكنها تسببت في الوقت عينه باخلاء عشرات القرى الكردية من سكانها وحرمان مواطنيها من مصادر دخلهم المعتمدة على الزراعة والرعي والمناحل، بسبب تعرضها الدائم للقصف ومنع المزارعين من الوصول اليها بسبب قربها من تلك المواقع.
وعادةً توجه تلك المقرات الطائرات المسيرة التركية لتنفيذ هجماتها ضد مقاتلي العمال، والتي بين فترة وأخرى يذهب ضحيتها مدنيون عزل بقرى محافظتي أربيل ودهوك.
كما ان لتركيا قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة بقضاء الشيخان. وطلبت الحكومة العراقية عدة مرات القوات التركية بالانسحاب من العراق واخلاء مقراتها لكنها لم تفعل، متحججة بحماية امنها القومي وبوجود اتفاقية امنية وقعت في الثمانينات مع الحكومة العراقية التي كان يقودها صدام حسين.
وفي وقت سابق نفى وزير الخارجية العراقي وجود اتفاقية بين تركيا والعراق، وقال “لا توجد اتفاقية مع الجانب التركي للتدخل العسكري هناك محضر اجتماع وقعه “طارق عزيز” مدته عام واحد.
ويؤكد مسؤولون عراقيون آخرون عدم وجود اتفاقية حالية تسمح لتركيا بالتدخل، ويؤكدون الغاء اي اتفاقية وقعت مع الحكومات قبل 2003.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، انه “لايمكن لتركيا أن تحتج بالاتفاقية مع النظام السابق لأن هذه الاتفاقية لم تجدد بعد 2003 ولم تودع نسخه منها في الأمم المتحدة وفق المادة 102 من الميثاق”.
ويعد التميمي القصف التركي بأنه “خرقاً للقانون الدولي”وقال ان “تركيا تخرق القانون الدولي بضرب العراق، وأرى أن ذلك يخالف المواد 1 و2 و3 من ميثاق الأمم المتحدة التي اوجبت على كل الدول احترام سيادة الدول الأخرى”.
وتابع، “يمكن للعراق إقامة الشكوى على تركيا، ولا يمكن لتركيا ان تحتج بالمادة 51 من الميثاق التي تتيح حق الدفاع الشرعي ولكن بشروط أولها اعلام مجلس الأمن اولا باول”.
ويصف التميمي الاعتداءات التركية على الأراضي العراقي بـ”جرائم إبادة جماعية” وفق اتفاقية منع الابادة الجماعيه لسنة ١٩٤٨: “تكرار هذه الضربات هو استهانه بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويمكن للعراق بموجب المادة 9 من هذه الاتفاقية ان يلجأ إلى محكمة العدل الدولية أيضا”.
ادانات ومواقف سياسية
وأدان مجلس وزارة كردستان القصف التركي بإشارته إلى أن المواجهات التي تدور بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية للإقليم، أصبحت تشكّل مصدر تهديد وخطراً دائماً على حياة المواطنين. مُطالباً بإبعاد كردستان والنأي به عن المشاكل والنزاعات الإقليمية التي يكون ضحيتها المواطنون الأبرياء.
كما أدان رئيس الجمهورية برهم صالح القصف التركي، وعده انتهاكاً لسيادة البلد وتهديداً للأمن القومي العراقي: “تكرارها غير مقبول بالمرة بعد دعوات سابقة لوقف مثل هذه الاعمال المنافية للقانون الدولي وقواعد حسن الجوار”.
في حين ذكر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أنه “لاينبغي أن يكون العراق ساحةً مفتوحةً لتصفية الحسابات الإقليمية والصراعات الخارجية، ويدفع لأجلها العراقيون فواتير الدماء بلا طائل”. دون الاشارة الى تركيا بالاسم، وهو ما جعله محل انتقاد لعشرات الناشطين، وصفوا تغريدته بـ”المخجلة ازاء حجم الجريمة”.
وجاء الموقف العراقي الأبرز من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ومن خلال أربعة مقترحات قدمها قائلا ان تركيا “زادت من وقاحتها ظناً منها ان العراق لايستطيع الرد الا بإدانة هزيلة من وزارة الخارجية مع الاسف الشديد”.
ومقترحات الصدر تقتصر على تقليل التمثيل الدبلوماسي مع تركيا. وغلق المطارات والمعابر البرية معها. ورفع شكوى لدى الأمم المتحدة بالطرق الرسمية وبأسرع وقت ممكن. وإلغاء الاتفاقية الأمنية معها.
وتبع الصدر، زعيم تيار الحكمة الشيعي عمار الحكم بوصفه ما حصل: “هذه الأفعال المدانة وغيرها من تكرار قصف مدن وقرى كردستان العراق فضلا عن أنها تنتهك سيادة العراق فإنها تستدعي وقفة جادة من قبل الحكومة العراقية لشجبها وسلك الطرق الدبلوماسية للحيلولة دون تكرارها”.
فيما حمّل الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الحكومة العراقية مسؤولية القصف التركي على الأراضي العراقي، و دعا مجلس النواب إلى القيام بواجباته ازاء منع انتهاك السيادة العراقية وحفظ حرمتها.
من جانبها، اتهمت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي والذي يسيطر على أغلب المناطق التي تتعرض للقصف التركي ويعد حليفاً لأنقرة بأن الحكومة المركزية مقصرة في حفظ أرواح مواطنيها وسيادة أراضيها. مطالبةً الحكومة التركية بالكف عن قتل الأبرياء وازهاق أرواح النساء والأطفال واخلاء القرى من ساكنيها بذريعة وجود مسلحي حزب العمال الكردستاني.
الولايات المتحدة الأمريكية وعبر سفارتها في بغداد بدورها أدانت الهجوم على محافظة دهوك، وذكرت في بيان:”تدين الولايات المتحدة الهجوم الذي وقع يوم أمس في محافظة دهوك العراقية والذي أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين”.
وأضاف البيان إن “قتل المدنيين أمر غير مقبول ويجب على جميع الدول احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي بما في ذلك التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بحماية المدنيين”، مقدمة تعازيها لأسر الضحايا وتعاطفها مع المصابين، وختمت “نواصل دعمنا القوي لسيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره بما في ذلك إقليم كردستان العراق”.
أما بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) فاكتفت بإدانتها القصف في دهوك، وطالبت بإجراء تحقيق شامل لتحديد الظروف المحيطة بالهجوم.
ضعف الدولة والحكومة
وفي اطار تفسير الهجمات التركية وأهدافها، يقول المحلل السياسي والأكاديمي الكردي عدالت عبدالله، ان الموقف الضعيف للدولة العراقية إزاء العدوان التركي المتواصل هو من وراء تجدد جرائم الجيش التركي بحق العراقيين. ويضيف ان الأتراك قتلوا منذ العام 1991 إلى اليوم مئات المواطنين في المناطق الحدودية، واليوم يقتلون عراقيين عرب بدم بارد، وموقف بغداد من كل ذلك لم يكن سوى بيانات استنكار.
ويعلق الصحفي منتظر ناصر على الانتهاكات التركية قائلا:”وانت صامت.. يسرقون نفطك وغازك بالتواطؤ مع زعماء سياسيين معروفين وانت تبارك.. يصدرون لك منتجاتهم وانت تمررها وتدمر صناعتك الوطنية.. يدخلون اليك افواجا من الارهابيين وانت تدخل عليهم أفواجا من السواح وتسمح باذلالهم في الحدود والشركات”.
ويضيف:”الياتهم العسكرية تجتاح حدودك وتقضم اراضيك وتقيم القواعد فيها وانت لا تصدر حتى بيانا.. إذن فلا مانع أن يقصفوك ويقتلوا شعبك!!! لأنهم أمنوا ردود أفعالك!”.
ويرى الكاتب والصحفي سامان نوح، ان تركيا من خلال استهدافاتها للمدنيين في المنطقة الحدودية التي نشرت فيها قواعدها الأمنية، “تريد منطقة خالية من السكان او في الحد الادنى منطقة بلا حياة، خالية من اي نشاط اقتصادي”.
ويضيف “وجود تفاعل سكاني وحركة اقتصادية في المنطقة التي تريد أنقرة انشاء حزام أمني فيها، لا يخدم مشروعها وربما يسبب القلق لها ففي النهاية هؤلاء كرد لا يحبون من يحتل اراضيهم”.
ويضيف :”طوال العامين الماضيين قامت تركيا بعشرات الهجمات المحدودة في محيط قرى المنطقة وداخل حقولها الزراعية، أوقعت العديد من القتلى الكرد ولم يكترث احد بمقتلهم باعتبار المنطقة أمنية والخطأ وارد في استهداف اشخاص بين الحقول لا يمكن تحديد هويتهم هل هم مزارعون ام مقاتلون”.
ويوضح :” بالنتيجة فرغت العديد من القرى مع تكرر استهدافها ولم يستطع سكان قرى اخرى من مزاولة الزراعة والعمل في مناحل العسل وجني المحاصيل الربيعية وباتوا شبه محاصرين داخل بيوتهم”، مشيرا الى ان تركيا “تفرض ما يشبه الطوق الامني حول مراكزها واي اقتراب منها يتم الرد عليه نارياً”.
تدمير السياحة
بحسب رواية معاذ وهو صاحب الموقع السياحي المستهدف، وعاملين آخرين في الموقع، فان المكان يشهد منذ اسابيع توافد آلاف السياح حيث تحولت الى مقصد لكل من يزور زاخو من جنوب ووسط العراق.
وقال أحد العاملين: “منذ ست سنوات ونحن ندير المكان ومؤخرا بذلنا جهدا كبيرا وصرفنا أموالا طائلة لتوسيعه وتأهيله لاستقبال اكبر عدد من السياح.. شهدنا فعليا في الأسابيع الأخيرة انتعاشة غير مسبوقة حيث كان يقصد المكان أكثر من 100 سيارة يوميا محملة ببضعة آلاف من السياح، لكن الهجوم دمر كل شيء وقضى على السياحة هنا تماما”.
وسجلت محافظة دهوك، توافد اكثر من 100 الف سائح خلال فترة عيد الأضحى فقط وهو ضعف الرقم الذي كانت تتوقعه مديرية السياحة.
وكان مدير سياحة زاخو جيا امين قد توقع أن تصل أعداد السياح لزاخو في نهاية العام الحالي إلى 270 الف سائح، وقال ان خطة المديرية وإدارة المنطقة تتمثل في رفع اعداد السياح الى ما بين 500 و600 الف سائح خلال العام المقبل من خلال تنفيذ عدد من المشاريع السياحية الجديدة.
لكن كل ذلك بات مهدداً ان لم يكن قد انتهى فعليا بشكل نهائي. يقول شفان الذي يعمل في مصيف قريب تم اغلاقه أيضا بعد الهجوم لأسباب أمنية :”لقد دمروا مصدر رزقنا… قضوا على السياحة هنا تماما فمن سيأتي بعد هذه الضربة”.
وأعلن مسؤول في احدى الفرق التي تنظم رحلات سياحية الى دهوك من وسط وجنوب العراق، الخميس 21 تموز، عن قيام نحو 50 شركة سياحية بالغاء برامج رحلاتها الى دهوك .
يقول عضو برلمان كردستان عثمان سواره ان عدم اتخاذ أي موقف رسمي من حكومة بغداد وأربيل على حدٍ سواء، سيدفع الى إستمرار هذه الاعتداءات التركية داخل الاراضي العراقية. ويُحذر من تطوّر هذه الهجمات واتخاذها أشكالا أخرى أكثر خطورة من الحالية.
ويكشف سواره عن رفع العديد من التقارير إلى حكومتي بغداد وأربيل عن المناطق الحدودية التي تتعرض إلى القصف التركي بعد زيارتها، إلا أنه يتسأل عن أسباب عدم اتخاذ أي اجراء حيال ذلك.
أنجز هذا التقرير بدعم من شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية ونشر على موقع درج