تقارير سردیة: مشاريع على الورق: العراق عاجز عن مواجهة 300 يوم من الغبار سنوياً

مشاريع على الورق: العراق عاجز عن مواجهة 300 يوم من الغبار سنوياً

على الرغم من أن العراق وضع التصحر في خطته الإستراتيجية 2015 -2030، في الباب رقم(15)، ولكن بعد مرور سبع سنوات لم تظهر مؤشّرات على جدية الحكومات العراقية المتعاقبة في تنفيذ مشاريع لمكافحته.

سيف العبيدي وفريق نينوى الاستقصائي

أيار مايو 2022

يوم الاثنين 16 أيار/مايو 2022 أجبرت عاصفة ترابية هائلة، الملايين من سكان العراق على إحداث تعديلات طارئة لطقوس حياتهم في ذلك اليوم، بعد تسببها بإدخال الآلاف للمستشفيات مصابين بحالات اختناق.

فيما انخفض مستوى الرؤية بنحو حاد ووقعت حوادث مرورية في أنحاء مختلفة من البلاد، واضطرت وزارتا التربية والتعليم لتعليق الدوام في المدارس والجامعات وأوقفت الحكومات المحلية  لسبعِ محافظات في الوسط والجنوب الدوام في المؤسسات العامة باستثناء المستشفيات.

وأرجأت سلطات الطيران، الرحلات الجوية المقررة في ذلك اليوم من وإلى مطارات بغداد والنجف والسليمانية الدولية، فيما مضت حركت النقل البري بنحو سلحفاتي، لحين انقشاع الغبار، تاركاً بصمته الصحراوية في كل مكان.

حدثٌ بات شبه يومي، لموجات عواصف ترابية متلاحقة تضرب معظم أجزاء العراق، تقدر وزارة البيئة أعدادها بـ 272 عاصفة خلال السنة الواحدة، جراء ظاهرة التصحر المتفاقمة، بعد سنوات من الجفاف لشح الأمطار وتقاعس الدولة عن وضع برامج طارئة لإنقاذ الغطاء النباتي المتقلص عاماً بعد عام، حسبما يقول خبراء.

ويقولون أيضاً أن الحكومات العراقية المتعاقبة عجزت عن القيام بأي فعل دبلوماسي منتج، لمواجهة سياسة تركيا المائية وتحكمها بالإمدادات في نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من أراضيها، بسدود بنتها عليهما، مما يهدد بجفافهما.

وتجاهلت الدعوات الشعبية لاتخاذ موقف تجاه إيران التي قطعت تدفق المياه عبر جميع الروافد التي تدخل العراق عبر أراضيها. كما أنها، أي الحكومات العراقية، لم ترصد الأموال لإكمال تنفيذ مشاريع إستراتيجية كبرى، مثل مشروع ري الجزيرة غربي البلاد ولا حتى الاهتمام بإنشاء أحزمة خضراء لحماية المدن من غزو الرمال.

ونتيجة لكل ذلك، صارت العواصف الترابية واقع حال لمعظم فترات السنة، كما أن ينابيع نضبت، وجداول جفت، ومسطحات مائية اختفت، كبحيرة حمرين في محافظة ديالى شمال العاصمة بغداد.

نحو 300 عاصفة ستضرب البلاد في كل عام.. من يوقف زحفها؟

مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض، أشتكى من قلة التخصيصات المالية والموارد المائية، لكبح العواصف الترابية التي قال بأن أعدادها ستصل في السنة الواحدة، إلى 300 عاصفة بحلول 2055.

ولمواجهة ذلك، ذكر المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، بأن العراق يحتاج إلى زراعة أكثر من 15 مليار شجرة في الأقل وذلك لانحسار الغطاء النباتي وتقلص المساحات المزروعة.

وهنالك من يرى بأن الرقم مبالغ فيه كثيراً، فالأكاديمي المتخصص بالزراعة  د. صلاح حسام، يرى بأن ” 5% منه كافٍ لزراعتها في مناطق البلاد الغربية، لتعمل كمصد للغبار وتحسين بيئة المكان”  لكنه يشترط اعتماد برنامج وطني تخصص له ميزانية عامة ضخمة، تشترك في تنفيذه جميع المؤسسات الحكومية.

ولفت إلى أن العراق يحل بالمرتبة ١٨١ على مستوى العالم من حيث نسبة الغابات لإجمالي مساحة البلد إذ بلغت ١.٩%. وهي نسبة متدنية جداً حسبما يقول، لبلد يجري فيه نهران.

وحين توجهنا بالسؤال لوزارة الزراعة، عن دورها في التشجير، وجدنا أنها تقوم فقط بمنح الأشجار المعمرة للجهة الرسمية التي تطلبها ولا شيء غير ذلك. واتضح أن مسألة التشجير والحزام الأخضر في المحافظات، أمر منوط بحكوماتها المحلية ولا دخل لوزارة الزراعة أو أي وزارة أخرى بها.

الخبير الزراعي لقمان مصطفى، يشك بقدرة الحكومات المحلية في المحافظات الاعتماد على نفسها في تنفيذ مشاريع لمكافحة التصحر، فوفقاً لما يرى فأن الأموال التي يفترض رصدها لمشاريع مشابهة تفوق إمكانيات المحافظات التي تشكو في الأصل من قلة المبالغ السنوية التي تحصل عليها لتنفيذ مشاريع في قطاعات مختلفة وبعضها معطلٌ منذ سنوات لعدم كفاية تلك المبالغ التي رصدت لها أو بسبب الفساد الذي يقول بأنه مستشرٍ.

ويضيف إلى ذلك، أن مناطق معينة من العراق كنينوى، تعاني في الأصل من بنية تحتية مدمرة بسبب الحرب على داعش 2016-2017، وتنتظر منذ نحو خمس سنوات أن تحصل على مبالغ كافية لإعادة أعمار مرافقها العامة التي مازال خرابها ماثلاُ للعيان.

ويستدرك الخبير الزراعي “وستكون مسألة إنشاء حزام أخضر علي سبيل المثال بالنسبة للمواطن البسيط الذي يعاني من البطالة والفقر أمراً كمالياً، لأنه يفكر بالدرجة الأساس في توفير قوت يومه وعائلته وسقفٍ يغطي رؤوسهم”.

يسانده في رأيه هذا، مجموعة من باعة الخضار الجوالين في مدينة الرمادي، كانوا قد غطوا وجوههم بأغطية رؤوسهم ولم تكن ظاهرة منهم سوى عيون تتابع بأسى عاصفة ترابية ابتلعتهم فجأة.

قال أحدهُم ويدعى حازم فوزان، أنه لا يصدق أي مشروع عام تعد به الدولة، لأنه “إذا نفذ فسيكون بمواصفات سيئة والأموال التي صرفت عليه أو سرقت بأسمه، مهدورة، ونحن الفقراء أولى بها …”

أيده الباقون بصوت واحد” أي والله” وقال آخر وأسمه فرقد أدريس”هذا الغبار، غضب من الله علينا…” ثم وبعد نوبة سعال أشار إلى السماء “الله ينتقم منا لأننا سمحنا للسياسيين أن يسرقونا، بل ونشجعهم كل أربع سنوات بانتخابنا لهم”.

أما في مدينة كركوك فقد اكتست أسطح الأبنية والمركبات والأرصفة بطبقة من الغبار، فيما كانت كثافتها تحجب الرؤية في الطرقات، طوال يوم الأثنين 16أيار/يونيو2022.

في سوق المدينة القديم، ركن كمال لقمان، سيارته الأجرة بجانب الطريق، ومع ذلك كان قد ارتدى كُمامة ولف منشفة مبلولة بالماء حول رقبته، حرك ماسحتي زجاج النافذة الأمامية وأشار إلى آثار التراب التي شكلتاها على جانبي الزجاج من الخارج:

“قضينا عمرنا بين دخان حقول النفط، والآن العواصف الترابية”.

رفع كُمامته نحو الأعلى قليلاً، وقال بشيء من السخرية “كنا نستخدمها لكورونا، والآن للغبار، وكلاهما فايروس قاتل”.

التصحر والعواصف الرملية

د.يوسف الأشيقر يفرق بين التصحر والعواصف الرملية بقوله “الأول يمكن وقفهُ أما الثاني فمستحيل” ويشير إلى أن كل أرض رملية بالعالم مجاورة لأرض طينية، ستتمدد عليها مع الوقت إذا لم نتخذ إجراءات حماية وعزل.

ويعتقد مثل كثيرين غيرهُ، بأن الأحزمة الخضراء على أطراف الصحاري، هي الحل الأمثل لوقف امتداد التصحر وحماية الأراضي الزراعية الخصبة، فضلاً عن تحسين المناظر وترطيب الجو وزيادة إنتاج الأوكسجين ومنع بعض العواصف الرملية الخفيفة.

أما بالنسبة للعواصف الرملية( Dust Storms )، فيقول “لا توقفها أحزمة خضراء ولا تشجير البيوت ولا باقي الحلول المضحكة التي يقترحها علينا الهواة هنا وهناك”.

ويوضح بأنها ظاهرة مناخية بيئية جيولوجية عابرة للحدود والقارات. تأتي بارتفاعات عالية كحائط عملاق وتسير لمئات الكيلومترات ولا يمكن صدها لا بشجر ولا بحزام. وهي تعتمد على كمية الأمطار المتساقطة بمنطقة ما بكل موسم.

وكلما قلت الأمطار في المناطق الصحراوية والرملية كلما زاد احتمال تشكل عواصف رملية منها. ويضيف “كما إننا لا نتحكم بكمية الأمطار المتساقطة على صحرائنا وعلى صحاري الدول المجاورة فبالتأكيد لا يمكننا التحكم بالعواصف الغبارية القادمة الينا ولا حتى توقعها. وباعتبارنا تلقينا بالعراق والمنطقة بالشتاء الماضي أقل كمية أمطار خلال أربعين سنة فليس من المستغرب أن نتعرض اليوم لأكبر عدد من تلك العواصف مر على ذاكرتنا”.

الاستعداد والتكيف

ويعلق د. يوسف على القائلين بإمكانية زراعة الصحراء وجعلها خضراء بقوله “من المستحيل زراعة الصحراء لسبب بسيط غير التكلفة المهولة هو كيف ومن أين تأتي بالماء لإرواء هذا الزرع؟

ولنفترض جدلا بأننا زرعنا كل الصحراء والبادية العراقية وسقيناها فماذا عن صحراء الدول المجاورة لنا؟ بل إن صحارى أفريقيا تنطلق منها بعض العواصف التي تصل مدننا ومنطقتنا”.

إذن فما هو الحل لمواجهة العواصف الرملية؟ ، يجيب الأشيقر عن ذلك بكلمتين “الاستعداد والتكيف” وذلك بتطوير وسائل التنبؤ المبكر وتحديد مسارات تلك العواصف وشدتها والإعلان عنها.

وتطوير آليات العزل الهوائي في البيوت لمنع دخول الغبار قدر الإمكان، وتحضير المستشفيات وخدمات الطوارئ لحالات الاختناق المصاحبة. وإبلاغ المطارات والمسافرين للإستعداد بوقت أبكر.

كذلك نشر الوعي المروري بشأن القيادة بأوقات العواصف الرملية، وغلق بعض الشوارع والطرق السريعة والتقاطعات الأكثر خطرا. وتنبيه أفراد القوات المسلحة وخاصة بالمواقع البعيدة والمعزولة لأخذ الحيطة والحذر. “هذا ما يمكن فعله لا غير” يقول الأشيقر مختتما كلامه.

مشاريع تشجير فاشلة

الباحث د.عاهد الحمامي، ذكر بأنه يتعين على خبراء المناخ والبيئة في العراق إجراء المزيد من البحوث المتخصصة لتحليل ودراسة الوضع الشامل للعواصف الترابية التي تجتاح البلاد والأسباب التي تؤدي إلى تشكلها.

على أن يعتمد التحليل والتفسير بنحو رئيسي على صور الأقمار الصناعية و البيانات الجوية المتكررة في أوقات مختلفة من العام، خاصة وأن هذه البيانات متوفرة مجاناُ وفقاً لما ذكر، في أرشيفات الأقمار الامريكية (لاندسات) والأوربية (سينتينيل).

مع توالي العواصف الترابية وزيادة حدتها بدءاً من الدخول في موسم ربيع 2022، ظهر محافظ نينوى نجم الجبوري، في تصرح متلفز يؤكد فيه طلبه من مدير بلدية الموصل المهندس عبد الستار الحبو، فرض زراعة شجرة أو أكثر على كل شخص يقوم ببناء دار سكنية داخل مدينة الموصل.

هذا التصريح قوبل باستهجان متخصصين عدوا ما قاله المحافظ مجرد تسويق إعلامي لن يسفر عن نتائج عملية ملموسة، فقد ذكر المهندس الزراعي جعفر قاسم محي الدين، أنه من الجيد إلزام المواطنين بزراعة الأشجار لكنه تساءل “كم منزلاً يتم بناؤها في الموصل خلالا السنة الواحدة؟ “.

ثم يعود ليجيب نفسه “لنفترض والرقم مبالغ به كثيرا، هنالك 1000 منزل يبنى في الموصل، سنويا، هذا يعني زراعة 2000 شتلة، إذا ألزم كل واحد بزراعة شتلتين، سنحتاج إلى 10 سنوات لزراعة 20000 ألف شجرة، بينما سرعة زحف الرمال في غرب وجنوب نينوى تقدر بخمسة إلى عشرة كيلو مترات سنويا”.

ولفت إلى أنه كان شاهد عيان على مشاريع تشجير كثيرة في الموصل خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك من خلال حملات قامت بها بلدية الموصل أو منظمات تطوعية، لزراعة شتلات أشجار في الجزرات الوسطية للشوارع الرئيسية.

لكن لم يبق أي أثر لتلك الاشجار بعد فترة وجيزة “إما أنها لم تسقى أو تم التجاوز عليها من قبل الموطنين والرعاة الذين يجوبون بماشيتهم شوارع المدينة”.

ويقترح محي الدين أن تقوم الإدارات المحلية في المحافظات بتشجيع المواطنين على زراعة الأشجار في حدائقهم المنزلية أو على أرصفة بيوتهم، مقابل تحفيز مادي، بخصم نسبة 5 أو حتى 10% من أجور المياه أو الكهرباء، لكي يلتزم الموطن لاحقاً بالعناية بما زرعه ولا يهمله كما فعلت الجهات الحكومية بآلاف الشتلات التي لم تنمو أبداً، على حد تعبيره.

وعلى الرغم من أن العراق وضع التصحر في خطته الإستراتيجية 2015 -2030، الباب رقم(15)ولكن بعد مرور سبع سنوات لم تظهر مؤشرات على جدية الحكومات العراقية المتعاقبة في تنفيذ مشاريع لمكافحته.

ويفسر ذلك محللون ومتابعون للِشأنين السياسي والاقتصادي، بوجود أولويات أخرى، تتعلق بالخدمات والصحة، في حين أن معالجة التصحر سيعني وفقاً لما يقولون، انتعاشا زراعيا وازدهارا في الثروة الحيوانية مما يعني تحريك عجلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على المنتجات الزراعية والحيوانية المستوردة.

وحتى المبادرات التي قامت بها بعض المحافظات لإنشاء حزام أخضر يقيها زحف الرمال، باءت بالفشل وتبدد الأموال الطائلة التي رصدت لها، ومنها مشروع كان يفترض أن يلف مدينة كربلاء بطول 70 كيلومتر وبعرض 100 متر، إلا أن ما تم تنفيذه منذ 2016 تجاوز 50% بقليل فقط.

مشروع وطني

ومن خلال بحثنا عن إمكانية وجود خطط ومشاريع وطنية عملية قابلة للتطبيق لإنقاذ العراق من خطر التصحر الداهم، وجدنا أن وزير الموارد المائية السابق، د. حسن الجنابي، قد أعد مقترح مشروع أسماه(الحزام الوطني الأخضر)واصفاً إياه بخط الدفاع الاول لمقاومة زحف الرمال ووقف تمددها عند غرب نهر الفرات.

يفترض أن يستغرق إنشاء المشروع بين 5-10 سنوات، وأن يقسم إلى مراحل  تبدأ من شمال مدينة الموصل حتى جنوبي البصرة، بطول 1000 كم تقريباً، وبعرض من 1 إلى 5 كم، وأن يتألف من غطاء نباتي تشكله أشجار مثمرة وغير مثمرة وأعشاب تنمو في بيئة حارة.

وقدر الجنابي حاجة مشروعه لزراعة(220)مليون شجرة، بكلفة تتجاوز المليار دولار، وأنظمة ري متنوعة لتغطية كامل المساحة بكلفة تتراوح بين600 إلى 1,5مليار ونصف المليار دولار.

ونحو 22 مليون دولار، لإنشاء عشر مجمعات سكنية للعمال والمشغلين وغيرهم، وتوفير الكهرباء لأنظمة الري. فضلاً عن كلف أخرى لفتح وتعبيد طرق جديدة واستملاك الأراضي وحفر الآبار وتحلية المياه.

على أن ترصد مبالغها من ميزانيات تنمية الاقاليم في المحافظات التي سيمتد فيها الحزام، ومن خلال استثمارات أجنبية وقروض ومنح دولية، وأن تقوم الحكومة باستحداث وزارة خاصة أو هيئة، تكون مهمتها الإشراف على تنفيذ المشروع والتواصل مع الجهات الدولة وإبرام التعاقدات معها.

ويعتقد الجنابي بان مشروعه، سيسهم وبنحو فعلي في وقف زحف الرمال ومنع وصولها إلى العمق العراقي، وحماية خصوبة أرض وادي الرافدين ورفع مستوى الإنتاج الزراعي وإيقاف التدهور البيئي وحماية التنوع الاحيائي المهدد بسبب التغيرات المناخية وارتفاع حرارة سطح الأرض.

فضلاً عن خلق فرص عمل لآلاف المواطنين العراقيين من مختلف المحافظات وتحريك الاقتصاد الوطني وخلق حالة تضامن عامة لإنجازه وتعزيز امكانيات البحث العلمي وتطوير القدرات في مجالات الطاقة المتجددة والبيئة والهندسة.

وفتح فرص الاستثمار في العراق والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في ميدان التشغيل ومكافحة التصحر والتسويق والإدارة والتنسيق والتصدير، وتحقيق الوقاية من الأمراض التي تسببها العواصف الترابية للسكان وتقليل الضغط على المستشفيات والمستوصفات الوطنية وتوفير كلف العلاج.

حصاد المياه

البروفيسور د.مروان متعب آل سيد، وضع هو الآخر مشروعاً بوسعه وفقاً لما يذكر أن ينقذ العراق من الجفاف والتصحر ونشر الاخضرار والازدهار  لعموم مناطقه، ويحدث نقلة نوعية زراعية ويعمل على تعزيز الأمن الغذائي والمائي.

ويرتكز مشروعه على بناء 200 سد صغير على طول نهر دجلة والفرات، للاستفادة من مياه بحيراتها في الزراعة والصناعة والسياحة والسكن والمناخ، مما يؤدي إلى استغلال أمثل  في زراعة السهول الفيضية(Flood Plains )المحيطة بالنهرين والبالغة مجموع مساحاتها نصف مليون دونم، والتي فيها ترب خصبة جداً Fluvial Soil)ومياه وفيرة وستنجح فيها كما يأمل زراعة الفواكه و الخضار و الأعشاب  الدوائية.

واستخدام وسائل الري الذكية وتوفير البنية التحتية من سكن و طاقة مستدامة وطرق و خدمات صحية وتعليمية في هذه السهول وإنشاء شبكة من أنابيب تصريف المياه الثقيلة ومحطات المعالجة في مواقع السكن في السهول الفيضية وقرب السدود.

وتشييد معامل تكنولوجية صغيرة وكبيرة للتصنيع الزراعي-تعليب وتجفيف وتجميد و تصنيع دوائي- في هذه السهول قرب السدود.

وتنمية الثروة السمكية من خلال إقامة بحيرات زراعة الأسماك قرب هذه السدود واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تربية واستثمار الثروة الحيوانية في بحيراتها.

ويقول بأن هذه السدود ستلبي كذلك متطلبات حصاد مياه الأمطار في العراق، لأن كافة الوديان وتفرعاتها في عموم  العراق تصب مياهها في فروع ونهري دجلة والفرات مما سيخلق “ثروات مائية متجددة وهائلة وغير ناضبة مجمعة في هذه السدود المتدرجة على طول وعرض العراق  ولا تذهب الى الخليج خاصة في السنوات الممطرة”.

ويضيف إلى كل ذلك، إمكانية سحب المياه من هذه السدود إلى مناطق شرق وغرب فروع النهرين لتغطية مساحة العراق بما فيها مناطق الجزيرة، الصحراء الغربية، وذلك  باستخدام الأنابيب  العملاقة والمتفرعة لري المحاصيل الإستراتيجية كالحنطة والشعير والذرة  والفواكه والخضار كماء(خابط) غير مصفى بزراعة مقننه وذكية.

وأيضاً ضخ المياه من كافة البحيرات عن طريق شبكة الأنابيب العملاقة الى كافة القرى والنواحي العراقية ونصب محطات للتصفية و التنقية لأغراض الاستهلاك البشري والحيواني.

ومن شأن ذلك حسب رؤيته، تعظيم الثروات المائية الجوفية وتحسين التربة والمناخ والقضاء على موجات الغبار والعواصف الترابية من خلال زراعة ملايين الأشجار والغابات في الجزيرة و المناطق الجرداء و القضاء على ظاهرة التصحر.

ويعتقد البروفيسور مروان، بأن مشروعهُ الذي يعده ثورياً، أفضل من إنشاء سدود كبيرة تكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات، فضلاً عن تكاليف مماثلة لاحقة للتشغيل وحقن الأسس. وتتسبب بتغييرات في خصائص المياه وترفع معدلات الرطوبة وهدر كميات كبيرة من المياه بسبب تبخرها.

إضافة إلى أن السدود االكبيرة “معرضة لهزات أرضية وصدوع حركية قد تؤثر على جسم السد  وتحول ترب السهل الفيضي للنهر ما بعد  السدود إلى ملحية غير مفيدة للزراعة وتغمر قرى بأكملها وتهجر سكانها حين يتم إنشاؤها”.

مشروع ري الجزيرة

قد تظل الخطط والمقترحات حبراً على ورق الانتظار، لكن ثمة مشاريع استراتيجة كبرى في العراق، كانت قد أقرت في عهد النظام السابق ورصدت لها الأموال وتم تنفيذ أجزاء منها، وبعد 2003 قدمت بعض الدول قروضاً ومنحاً لإنجازها، لكن هذا لم يحدث أبداً.

أهمها على ألإطلاق مشروع ري الجزيرة غربي محافظة نينوى، الذي يعد واحداً من أهم المشاريع الأروائية، ليس في العراق فحسب، بل على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط بنحو عام.

يتألف من ثلاثة أجزاء أو أقسام(شمالي وشرقي وجنوبي)تؤمن مياههُ من بحيرة مشروع سد الموصل المقام على نهر دجلة شمالي العراق(35كم شمال الموصل) وكان يفترض أن يغطي مساحة تزيد عن 750 ألف دونماً بواقع 250 ألف دونم لكل جزء (الدونم بموجب التشريعات العراقية يعادل 2500 متر مربع).

وبحسب مدير الموارد المائية في نينوى قصي محمد، فأن القسم الشمالي المنفذ، يغطي ناحية ربيعة وقضاء تلعفر غرباً، والجنوبي، يصل إلى قضاء الحضر وناحية القيارة جنوب الموصل، فيما الشرقي يغطي سهل نينوى، قضائي تلكيف والحمدانية، وناحية بعشيقة وصولاً لجنوب شرق الموصل باتجاه محافظة كركوك.

وقال بأن العمل بالمشروع بدأ في ثمانينات القرن المنصرم، وتوقف بسبب تداعيات حرب الخليج الثانية 1991 والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق واستمرت زهاء 12 سنة.

“في حال تنفيذه، سيتغير شكل نينوى، ويتم القضاء على الجفاف والتصحر، وتحويل الأراضي الميتة إلى مروج خضراء بنفع اقتصادي وأمني واجتماعي وسياحي وبيئي لعموم العراق” يقول مدير الموارد المائية.

ويتابع بأسف “الجزء الوحيد الذي أنجز لكن بنحو غير مكتمل، ويعمل في الوقت الراهن بأقل من نصف طاقته هو قسم المشروع الشمالي”.

إذ أن أعمال إنجازه لم تكتمل على الرغم من استئنافها بعد 2003، فقد توقفت مجدداً أثناء سيطرة تنظيم داعش على الموصل ومدن عراقية أخرى بين 2014و 2017، وتسببت المعارك خلال تلك الفترة بأضرار بالغة لحقت بالمحطات وشبكات فروع المشروع.

وبعد استكمال حرب تحرير نينوى من داعش، باشرت وزارة الموارد المائية وبدعم من منظمات دولية، في مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة-الفاو- بإعادة تأهيل المرحلة الأولى من مشروع القسم الشمالي والذي يغذي 100 ألف دونم.

والعمل جارٍ الآن لتأهيل وتشغيل المرحلة الثانية من ذات القسم بمساحة 100 ألف دونم أيضا، ويتوقع المدير قصي، أنجازه خلال العام 2023، مشيرا إلى أن المرحلة الثالثة ستغطي مساحة 40 ألف دونم وسيتم المباشرة فيها فور الانتهاء من المرحلة الثانية.

القسم الشرقي

وحسب توقعات موظفين في وزارة الموارد المائية فأن القسم الشرقي للمشروع، قد يباشر به في النصف الثاني من 2022.

ويقول المهندس المقيم على مشروع ري الجزيرة الشرقي خالد الحسو أن المشروع يتغذى من بحيرة سد الموصل شمالا وسيغطي 250 ألف دونماً ويمتد في مناطق سهل نينوى (تلكيف، بعشيقة، والحمدانية، وبرطلة والنمرود، وينتهي بقرية العدلة بالقرب من منطقة الزاب جنوب شرق الموصل.

بطول كلي يبلغ 82 كم “في أراضٍ تصنف على أنها جيدة جدا وممتازة، ما يعني أن الانتاج الزراعي فيها سيكون بمستوى عال جداً”.

وكانت وزارة الموارد المائية قد وقعت في تشرين أول / أكتوبر 2009، عقداً مع شركة تركية لتنفيذ الجزء الشرقي من مشروع ري الجزيرة، لكن العمل توقف بسبب سيطرة تنظيم داعش على المنطقة سنة 2014، ولم تنجز منه أي مرحلة.

ويرهن الحسو مدة انجاز هذا القسم من مشروع ري الجزيرة، بتوفر التمويل، فإذا تم رصد مبالغ كاملة تغطي تكاليف إنجازه، يتوقع أن يستغرق العمل بين 5 إلى 6 سنوات. وأكد مجدداً أهمية المشروع كونه سيسهم بتحويل محيط الموصل إلى منطقة زراعية وسياحي، وتوفير آلاف من  فرص العمل خلال التنفيذ وبعده.

أسئلة كثيرة حاولنا إيجاد أجوبة بخصوصها عن الجزء أو القسم الجنوبي لمشروع ري الجزيرة الجنوبي الذي يعد الأهم، لأنه في حال إنجازه سينتشل قضائي بعاج والحضر وناحية تل عبطة (غربي وجنوبي نينوى)من التصحر.

إذ سينهي زحف الرمال بنحو نهائي ومعها العواصف الترابية، ويغطي حاجة البلاد من الحبوب(الحنطة والشعير)بل ويحولها وفقاً لما أفاد به موظفون في زراعة نينوى، إلى مصدر للحبوب والكثير من أصناف الخضر والفواكه.

لكننا لم نجد أن أي تصاميم قد وضعت له، وأن ما حدث، هو مجرد نقاش جري بشأنه بين الحين والآخر في وزارة الموارد المائية ، لكن دونما إجراء ملموس لعدم وجود تخصيصات مالية.

لكن موظفاً في الوزارة أخبرنا طالباً التحفظ على أسمه، أن هذا القسم كان من الأولويات بالنسبة لوزارته وكن يفترض أن يتم إنجاز عدد من مراحله( محطة الضخ والتوليد وقناة التغذية) بتمويل من قرض ياباني بعد توقيع اتفاقية بهذا الخصوص ف 2009 .

لكن آخر ما يتعلق بالمشروع هو قيام استشاري يابان يدعى سانيو بتحديث جدواه الإقتصادية وأن اجتماعات ونقاشات مستفيضة جرت بين وزارات الموارد المائية والزراعة والتخطيط بشأنه بغية وضع التصاميم الخاصة بالمشروع، لكن ذلك لم يحدث بسبب الأحداث الأمنية في نينوى وسيطرة داعش عليها في حزيران 2014.

داخل شقته في الصالحية بالعاصمة بغداد، يقضي الشيخ عايد حمود(72سنة)، حجراً طوعياً، بسبب ربو مزمن يعاني منه، يتفاقم بنحو يهدد حياته إذا خرج وقت هبوب عاصفة ترابية. يقول بأسى بالغ “أجبرني التصحر على ترك زراعة أرض آبائي وأجدادي في نينوى، بعدها أجبرني الإرهابيون على ترك المحافظة، وهاو هو الغبار يجبرني على البقاء هنا مثل مسجون”.

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19545}" data-page="1" data-max-pages="1">