تحقيقات استقصائية: بيلاروسيا والاتحاد الاوربي.. “حرب دول” وقودها عراقيون حالمون بالهجرة

بيلاروسيا والاتحاد الاوربي.. “حرب دول” وقودها عراقيون حالمون بالهجرة

تكشف منظمة "لوتكه" المعنية بشؤون اللاجئين عن هجرة أكثر من 193 الف شخصا من العراق منذ العام 2018، غالبيتهم من مناطق اقليم كردستان، وسجلت الأشهر العشر الأولى من العام 2021 هجرة أكثر من 37 الف شخص من العراق

العالم الجديد/ نوزت شمدين:

على الطريق الواصل بين مدينتي دهوك وزاخو في اقصى الشمال العراقي، في ساعة مبكرة من الصباح كانت حافلة نقل تابعة لمكتب نقل وسياحة تركي تنتظر اكتمال عدد ركابها ومعظمهم عراقيون في مقتبل العمر يحملون تأشيرات دخول سياحية، للانطلاق نحو مدينة شرنخ جنوب شرق تركيا ومن مطارها الى اسطنبول حيث تنتظرهم هناك رحلة خطرة محددة الأهداف لكنها مجهولة النهاية.

الشاب العشريني شفان وهو خريج جامعي ينتظر منذ ست سنوات ايجاد فرصة عمل، قرر في مطلع تشرين الثاني نوفمبر خوض “الرحلة الأصعب والأخطر” في حياته بالهجرة بحثا عن “وطن بديل” ومعه ثلاثة من زملائه كلهم من محافظة دهوك، استسلمت أخيرا عوائلهم لقرارهم بالهجرة بعد مقاومة طويلة للفكرة التي تراود عشرات آلاف الشباب من أبناء الاقليم الأغنى والأكثر استقرارا في العراق.

لم يكن سكان المدينة الجميلة التي تعد مقصدا سياحيا لمئات آلاف العراقيين، قد استيقظوا بعد، لكن والد شفان وهو كهل سبعيني يرتدي الملابس الكردية الشعبية، لم ينم ليلته مثل باقي افراد العائلة. أصر على ان يودع ابنه حتى المحطة الأخيرة فقد لا يمتد به العمر لرؤيته مجددا. لم يكف عن تقبيل إبنه بينما كان الدموع تلتمع في عينيه وهو يقرأ له آيات قرآنية.

كل يوم تستيقظ المدينة التي تتعالى في كل ركن فيها الأبراج السكنية والتجارية الحديثة، على أخبار هجرة العشرات من أبنائها. يقول دلير احمد الذي كان يودع أحد اصدقائه في ذات الحافلة “انظر اليهم، جُلهم شباب بلا أمل سينطلقون في رحلة خطرة الى حدود روسيا البيضاء (بيلاروسيا) على أمل ان تفتح من هناك أوربا أبوابها لهم”.

وتقدر مصادر رسمية باقليم كردستان ان ما بين 16 الى 17 ألف شخص عالقون على الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا، بينهم نحو 8 آلاف من مواطني اقليم كردستان العراق.

مع تحرك الحافلة لاحقت عينا شفان خطوات والده المتعثرة، بينما لوح بيديه وهو يردد في وداعه الأخير:”لا تقلق يا أبي سأكون بخير.. سيفتحون الحدود.. لابد ان يفتحوا الحدود”.

وجهات متعددة وهدف واحد

شفان الذي يسافر برفقة زملاء حصلوا على تأشيرات دخول الى روسيا البيضاء عبر تركيا، لم يخف وجهته التي تقاطعت مع وجهات مسافرين آخرين بعضهم باتجاه اليونان عبر البحر وبلغاريا عبر البر، قال بعد سماعه تحذير تاجر كردي كان متوجها الى اسطنبول في رحلة عمل:”ساذهب الى بلاروسيا وليحدث ما يحدث”.

ثم اردف متسائلا وكأن موجة شك ساورته: “هل يمكن ان يتركوا الناس تموت في الغابات؟.. هل يمكنهم ان يتفرجوا عليهم وهو يموتون  من البرد والجوع؟”.

سينضم الى شفان، الذي يخطط لكي يسافر عبر تركيا، زملاء آخرون سيصلون عبر دمشق الى “مينسك” عاصمة روسيا البيضاء، فيما يؤكد مدراء مكاتب سفر ان رحلات تضم عراقيين تواصلت من عدة دول كلبنان والامارات الى ذات الوجهة طوال الأشهر الماضية رغم بعض العوائق.

في مطلع تشرين الثاني نوفمبر، قدر النائب ببرلمان اقليم كردستان سيروان بابان، عدد المهاجرين الكرد العالقين على الحدود في روسيا البيضاء بنحو اربعة آلاف شخص، بينهم 250 طفلا و700 امرأة، الى جانب بضع مئات آخرين في عاصمتها مينسك ينتظرون ما سيحدث. لكن الرقم تصاعد خلال الأيام اللاحقة.

يقول بابان، أن روسيا البيضاء وفي اطار صراعها مع دول الاتحاد الأوربي منحت التأشيرة السياحية للعراقيين، لأنها تعرف ان مواطني هذا البلد منزعجون من الأوضاع على نحو عام ومن غياب العدالة وانهم في وضع مالي افضل مقارنة ببقية الدول، مشيرا الى أن مكاتب السفر استغلت الاقبال الكبير والتسهيلات حتى ارتفع سعر التاشيرة من 50 دولارا الى 3000 آلاف دولار.

ناشطون حقوقيون يقولون ان اعلان بولندا لحالة الطوارئ في المناطق الحدودية لشهرين ونشرها لأكثر من 12 الف جندي لمراقبة الحدود ومنع تدفق اللاجين، وقرارها الصارم في اعادة اي متسلل، فضلا عن قيام بغداد بوقف الرحلات الجوية الى مينسك لم يمنع استمرار وصول العراقيين الى البلد.

https://www.facebook.com/MuhamadRauf76/videos/411307307318268

كما يستبعد أصحاب مكاتب سفر باقليم كردستان بأن يعطل قرار تركيا بمنع العراقيين من الصعود على متن رحلات جوية متوجهة إلى روسيا البيضاء، وصول مئات العراقيين الى هناك “سيبحثون عن وجهة اخرى وسيجدون طريقا في النهاية للوصول” يقول (ح.ع) وهو صاحب مكتب لنقل المسافرين في دهوك، ويضيف “طالما مينسك تستقبلهم فسيصلون”.

ويضيف “الشركات التي تحقق ارباحا كبيرة ستجد طرقا اخرى لايصال المهاجرين، وبعض الشركات تعمل على نقلهم الى موسكو (عاصمة روسيا) ومنها الى مينسك، فالدولتان تتمتعان بعلاقات ممتازة”.

وكانت شركة الطيران البيلاروسية “بيلافيا” التي تنظم عدة رحلات الى مينسك اسبوعيا قد أعلنت، في 12 تشرين الثاني بأن تركيا قررت منع الرعايا السوريين والعراقيين واليمنيين من الصعود على متن رحلاتها المتوجهة إلى بيلاروسيا، بعد تزايد اتهامات الاتحاد الأوروبي لمينسك بالوقوف وراء أزمة تدفق المهاجرين الجديدة. ويسعى الاتحاد الى فرض عقوبات ضد شركات طيران تقل “المهاجرين” الى روسيا البيضاء.

يقول المحامي دلوفان برواري، ان تقارير صحفية تشير الى وصول 6600  شخص الى دول الاتحاد الاوربي وبشكل خاص المانيا عبر روسيا البيضاء وبولندا خلال العام الجاري “مثل هذه الاخبار تشجع المهاجرين على المحاولة بأي وسيلة ممكنة للوصول الى مينسك، وهذا يجعل آلاف الحالمين باللجوء الى أوربا يحاولون الوصول حتى لو تم ايقاف عمل شركات الطيران”.

ووفق أرقام رسمية اوربية، عبر من روسيا البيضاء الى ليتوانيا، منذ مطلع العام الحالي، أكثر من 4100 شخص، معظمهم عراقيون من اقليم كردستان.

المهاجرون يعرفون ما ينتظرهم

يعرف شفان وزملاؤه ما ينتظرهم في روسيا البيضاء، كما يعرف الآخرون الذين ينون الهجرة عبر “قوارب الموت” الى اليونان وايطاليا، او برا عبر غابات بلغاريا، حجم الخطر الذي سيواجههم، ويعرفون ان وعود مهربي البشر لا حقيقة لها وأن مصيرهم لا يهمهم بقدر المبالغ التي سيحصلون عليها.

فيديوهات مناشدات “مهاجرين عالقين” لانقاذهم من الموت برد وجوعا في الغابات الحدودية، وصوت أنين “ايمان دلير” المهاجرة التي فقدت شقيقها ووجدت نفسها وحيدة لا تعرف مصير زوجها وابنها ذي الاعوام الخمس، والذي تنقله مواقع خبرية كردية، يتردد في رؤوس شفان وزملائه القلقين من المصير الذي ينتظرهم في تلك الحدود الباردة المجهولة. يقول “علي” وهو أصغر افراد مجموعة شفان وبالكاد بلغ 23 عاما: “نحن نعرف ما ينتظرنا، لكننا لن نتراجع”.

ايمان بعد ساعات من عبورها الحدود البولندية مع عائلتها، اوقفت من قبل الشرطة وكانت مصابة في قدمها، وفقدت وعيها نتيجة الجوع والارهاق لتدخل لمستشفى بولندي وتستيقظ هناك وحيدة وتُنقل بعد يومين من العلاج الى غرفة صغيرة تضم ثمانية اشخاص في بناية حولت الى كمب مغلق تضم نحو 50 مهاجرا، فيما كان جميع افراد عائلتها قد اُبعدوا مجددا الى روسيا البيضاء ويفقد هناك شقيقها “كيلان” المصاب بالسكري حياته.

نقلت ايمان مثل عشرات اللاجئين، قصص معاناتهم مع الجوع والبرد طوال عشرة أيام وحتى الضرب في الدولة التي يؤكد “مهربو البشر” عبر اعلانات تنتشر على صفحات التواصل الإجتماعي “سهولة الوصول عبرها الى دول الاتحاد الأوربي”. تقول السيدة التي ربطت قدمها بعصابة ثخينة ولم تعد قادرة على المشي الا بصعوبة “قالوا لنا ان الطريق مفتوحة ويمتد لثلاث ساعات فقط .. كل ذلك كان كذباً .. لأربعة ايام كنا عالقين في غابة بلا غذاء وماء، كنا نشرب الماء الملوث”.

وصلت عائلة ايمان التي تضم ابنها وزجها وثلاثة من أشقائها الى بلاروسيا عبر دبي بالامارات في منتصف تشرين الاول اكتوبر وبقيت ليومين في روسيا البيضاء وقضت باقي ايامها على الحدود محاولة عبورها “في كل مرة كان الحرس البيلاروسي يدفعوننا للعبور والبولنديون يعيدوننا”.

تضيف السيدة التي صرفت عائلتها نحو 30 الف دولار كنفقات للسفر “كل ليلة كانوا يقومون بملء عدة شاحنات بالمهاجرين المتناثرين على نقاط قرب الحدود ثم يفتحون السياج في نقطة معينة ويدفعونهم لعبوره. انا عبرت مع اشقائي لكن زوجي لم يستطع. وصل اليه البوليس البولندي ومنعوه. منذ أيام لا أعرف شيئا عنه”.

يردد كاميران وهو مهاجر آخر من ضواحي اربيل باقليم كردستان وصل الى روسيا البيضاء نهاية ايلول سبتمبر، أن مكاتب سفر تشجع الرحلة الى مينسك والسلطات البيلاروسية تسهل لهم الحصول على تأشيرات دخول، فيما يؤكد أشخاص يقومون بتنظيم تلك الرحلات ان الطريق سالكة عبر الغابات الى بولندا ومنها الى المانيا “لكن ذلك لم يحصل، بل وقعنا في ما يشبه الكمين لانستطيع العودة ولا العبور، هناك اطفال في وضع سيء بعد تناولهم لمياه وسخة أجسادهم لا تتحمل ذلك”.

بحسب تصريحات متقاطعة من مكاتب سفر، فان نحو 400 شاب هاجروا من منطقة سوران التابعة لأربيل خلال ثلاثة اشهر، وهناك ما بين 500 الى 600 شاب هاجروا من شيلادزي التابعة لدهوك، بينهم عشرات وصلوا الى المانيا عبر روسيا البيضاء في الاسابيع الاخيرة.

https://www.facebook.com/ZaxoRengenJiyane/videos/428252602163253

فيما تقدر مكاتب سياحية، المعدل اليومي للمهاجرين الكرد من محافظة دهوك الذين يصلون الى روسيا البيضاء بنحو 100 شخص، وهنالك نحو 30 مكتب سياحة وسفر تسهل لهم الحصول على تأشيرات السفر السياحية.

يشير (ح.ع) الذي يدير مكتبا للسفر ان تكلفة الرحلة الى روسيا البيضاء تبلغ نحو 5 آلاف دولار، بينما تكلف الرحلة منها الى المانيا عبر بولندا فتتراوح بين 4 الى 6 آلاف دولار. يضيف “كانت الرحلة سهلة واقل تكلفة الى ما قبل شهرين لكن نشر آلاف الجنود البولنديين على الحدود صعب الأمر” . وتقدر جمعيات معنية باللاجئين في اقليم كردستان ان نحو 2350  شخص من الاقليم وصلوا الى دول الاتحاد خلال شهرين، بينهم 1600 عبر روسيا البيضاء.

المتحدثة باسم حرس الحدود البولندي ئانا ميخاليسكا، شددت في تصريحات صحفية على منع دخول اللاجئين وبعد اعلان حالة الطوارئ: “وفق القانون الجديد سنعيد هؤلاء الى روسيا البيضاء، ولا يمكننا القبول بوجود اي لاجيء غير قانوني.. هناك مئات العالقين على حدود روسيا البيضاء ولن يسمح لهم بالدخول”.

وذكرت ميخاليسكا ان 26 الف حالة عبور الى بولندا سجلت خلال العام الحالي مقابل 40 حالة فقط خلال العام 2020، متهمة شرطة روسيا البيضاء بالقيام وبملابس مدنية بارسال اللاجئين الى بولندا هي احيانا تقدم لهم أدوات لتسهيل قطع الاسلاك الشائكة وحتى سلالم لعبور الحدود.

وتشير الى اعتقال 2000 لاجيء، بينهم 1200 عراقي، وتم وضع هؤلاء في مخيمات مغلقة، وبعضهم قدم طلبات لجوء والاجابة على طلباتهم ستتطلب نحو ستة أشهر وفي حال رفض طلباتهم سيتم ابعادهم الى الدولة التي جاؤوا منها.

الهروب الكبير

في آخر احصائية صدرت الشهر الحالي، ذكرت جمعية (کۆمەڵەی پەنابەرانی سەرتاسەریی هەرێمی کوردستان) التي تعنى باللاجئين في كردستان، أن أكثر من 28 ألف شخص هاجروا من الإقليم صوب أوروبا منذ بداية العام الجاري، فيما وقع 33 شخصا ضحية الهجرة بين ميت ومفقود.

وتذكر الجمعية ان نحو اربعة آلاف من العدد المذكور وخاصة من مناطق “زاخو وسوران ورابرين” سافروا عبر حدود روسيا البيضاء. اعتقل منهم أكثر من 800 شخص واعيدوا مرة اخرى.

فيما تكشف منظمة “لوتكه” المعنية بشؤون اللاجئين، أن أكثر من 193 الف شخص هاجروا العراق منذ العام 2018، غالبيتهم من مناطق اقليم كردستان. ويقول آري جلال مسؤول المنظمة، ان الأشهر العشر الأولى من العام 2021 سجلت هجرة أكثر من 37 الف شخص من العراق، معظمهم من اقليم كردستان.

ويقدر المتحدث باسم حكومة اقليم كردستان جووتیار عادل ان ما بين 16 الى 17 ألف شخص عالقون على الحدود بين روسيا البيضاء وجاراتها، بينهم نحو 8 آلاف من مواطني اقليم كردستان.

فيما قدر وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم النوري، أعداد المهاجرين على حدود روسيا البيضاء بما بين 3 إلى 4 آلاف، يشكل أبناء مناطق اقليم كردستان 80% منهم. وصل غالبية هؤلاء خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بتأشيرات دخول رسمية.

وكاجراء لوقف ذلك التدفق، قال النوري ان العراق أوقف الرحلات الجوية الى بيلاروسيا كرسالة حسن نية إلى الاتحاد الأوروبي، مُفسرا وصول تلك الاعداد الكبيرة من العراقيين الى هناك بوجود مهربين ينشطون في هذا المجال ويتاجرون بارواح وسلامة العراقيين. وأضاف ان “المشكلة بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا ربما دفعت الأخيرة الى تمهيد الارضية للمهربين باتجاه ليتوانيا وبولندا”.

وقررت وزارة الخارجية العراقية، يوم الجمعة 12 تشرين الثاني نوفمبر، سحب رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد بشكل مؤقت. وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف ان الخطوة جاءت “لحماية العراقيين من شبكات تهريب البشر عبر بيلاروسيا وبولندا”. وأضاف أن سفارة العراق في موسكو ووارشو تنسقان الجهود لعودة طوعية للعالقين هناك.

حياة المهاجرين سلاحا بيد مينسك

لنحو شهرين تواصل “فريق العمل” مع عشرات المهاجرين سواء الذين مازالوا متواجدين في المخيمات كـمخيم رودنينكاي وبابرادي في ليتوانيا، أو الذين نجحوا في اجتيازه ووصلوا إلى عمق الإتحاد الأوربي أو الذين أودعتهم روسيا البيضاء في ما يشبه المخيمات بأراضيها أو ممن كانوا بين العائدين برحلتين جويتين إلى بغداد يومي الثلاثاء والأربعاء 10-11آب/أغسطس2021.

غالبية هؤلاء أكدوا انهم عاشوا أياما عصيبة بلا غذاء واحيانا بلا ماء في ظروف جوية سيئة وسط غابات محاطة بالجنود ومسورة بالأسلاك الشائكة، الى جانب تلقيهم معاملة سيئة في الأماكن التي تواجدوا او احتجزوا داخلها سواءً في روسيا البيضاء أو حدود جاراتها الثلاث التي أرادوا إجتيازها(لتوانيا، بولندا، لاتفيا)، فضلا عن تعرض العديد منهم للضرب واجبارهم بقوة السلاح لعبور الحدود في مواقع خطرة.

وهو ما أكده كردي ثلاثيني من السليمانية، في فيديو بث على صفحات كردية بمواقع التواصل، قائلا “رجال الأمن البلاروسيين يجمعون المهاجرين المتفرقين العالقين قرب الحدود ويضعونهم في سيارات حمل ويدفعونهم الى نقاط حدودية معينة ويطلبون منهم قطع الاسلاك الشائكة وعبورها.. مجموعتنا فاقتيدت الى نهر واجبرنا على عبوره.. كان التيار قويا والمياه باردة، لم يستطع البعض النجاة”.

ويعيش المهاجرون العالقون على الحدود البولندية أوضاع صعبة جدا نتيجة قلة الغذاء والمياه ومع هبوط درجات الحرارة الى ما دون الصفر، وهو ما يهدد بموت العديد منهم. وتوفي في نهاية الاسبوع الماضي فتى في 14 من عمره في منطقة (گرۆدسینسکی)على الحدود البولندية البيلاروسية.

https://www.facebook.com/RebwarAhmad88/videos/1020663838787249

وقال ارسلان بكر مدير مستشفى بيلسك بولادسكي، ان الفتى مات تجمدا من البرد. وذكر نشطاء مدنيين ان عدد الوفيات على الحدود بلغ ثمانية اشخاص بينهم اربعة عراقيين، وانه مع الهبوط المتوقع في درجات الحرارة خلال الأيام القادمة فان اللاجئين سيكونون أمام مأساة انسانية.

وفي محاولة للفت انتباه العالم لهم نظم أطفال مظاهرة في الجانب البيلاروسي من الحدود احتجاجا على رفض الاتحاد الأوروبي منحهم المأوى، وحمل بعضهم لافتات كتب عليها: “أين حقوق الإنسان؟” و”نريد العبور” و”اريد الذهاب الى المدرسة”.

وبين مئات الأطفال العالقين على الحدود مع عوائلهم، ينتظر الطفل “ته من” الذي ولد بدون ساقين افتتاح الحدود ليتمكن من تلقي الرعاية والعودة للمدرسة. ويواجه الطفل صعوبة بالغة في المشي بساقين صناعيتين في الأرض الموحلة والباردة وسط اشجار الغابات. وتقول عائلته انها تضطر في كل عام مرتين على تغيير مقاسات ساقيه نتيجة تقدمه في العمر حتى يستطيع مواصلة المشي بهما، وهو يأمل اليوم أن توصلانه الى الجانب الآخر من الحدود بحثا عن حياة توفر له رعاية أفضل.

يعلق سكفان محمد، وهو صحفي مهتم بشؤون اللاجئين على ذلك بالقول “تتحدث التقارير عن خمس او ست حالات وفاة خلال الأشهر الثلاث الاخيرة، يقينا ان العدد أكبر، فكيف يمكن تأكيد نجاة او وفاة أشخاص تعرضوا للضرب وتفرقوا عن زملائهم وهم يفرون من حرس الحدود في غابات كثيفة او جرفهم مياه نهر”.

ويوضح ان ضحايا قادمين من عدة بلدان هشة وتشهد حروبا كالعراق وسوريا وافغانستان سيتحولون الى مجرد أرقام في قوائم المفقودين الى الأبد، مضيفا “يقينا ان بلاروسيا لن تهتم بانتهاك حقوق الانسان ولن تعلن العثور على جثث هنا وهناك وهي تخوض حربا قذرة على الاتحاد الأوربي باستخدام ورقة اللاجئين”.

لماذا روسيا البيضاء ؟

في نهاية حزيران يونيو 2021 استدعى الإتحاد الأوربي القائم بأعمال روسيا البيضاء في بروكسل ألكسندر ميكنيفيتش، واعلن حينها عن فرض عقوبات جديدة ضد شخصيات من بلادهِ المسنودة من روسيا وغير المنضوية في الإتحاد الأوربي بسبب سماحها بتدفق اللاجئين عبر أراضيها إلى جارتها ليتوانيا العضو في الإتحاد الأوربي والتحالف الأطلسي.

العداء بين الجارتين روسيا البيضاء وليتوانيا ليس وليد هذه الأزمة، بل بسبب تراكم المشاكل بينهما وآخرها اتهام الأولى لجارتها بإيوائها معارضين لها مثل سفيتلانا تيخانوفسكايا.

القصة بدأت في أواخر شهر أيار مايو2021 عندما أعلن رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو، ردا على عقوبات مشددة من الإتحاد الأوربي أن المهاجرين الواصلين إلى بلاده لن يُمنعوا من العبور إلى الإتحاد الأوربي. هكذا حول لوكاشينكو المهاجرين الى سلاح ضد دول الاتحاد.

https://www.facebook.com/puk975/videos/555881878810690

وكانت هذه بمثابة دعوة مفتوحة لكل من لديه رغبة في الهجرة غير الشرعية إلى أوربا، فتقاطر الآلاف من مختلف أنحاء بلدان أسيا وأفريقيا إلى العاصمة مينسك موجهين بوصلة رحلته التالية إلى الحدود الليتوانية.

الجارة الأخرى وهي بولندا التي تتنازع حدوديا مع روسيا البيضاء، كانت أكثر صرامة من ليتوانيا، إذ أعادت وبالقوة مئاتٍ المهاجرين إلى الجانب البيلاروسي وقام نحو 900 جندي تابع لجيشها بإقامة حواجز بارتفاع 2,5 متر على بعض من أجزاء الحدود بينهما والممتدة لـ414 كم.

ثم عادت السلطات البولندية في آب اغسطس لتعزيز أمن الحدود بارسال نحو ألف جندي، وأعلنت في الأول من أيلول سبتمبر حالة الطوارئ على الحدود ومنعت المنظمات الانسانية والصحفيين من الوصول الى هناك، لتزيد في نهاية تشرين الاول اكتوبر عدد الجنود الى عشرة آلاف فيما وافق البرلمان البولندي على بناء حائط بارتفاع 5.5 متر وبطول 200 كلم وبكلفة  400 ملیون دولار حيث سيزود بتقنيات المراقبة الذكية لمنع تسلل المهاجرين ومن المتوقع ان ينجز في الصيف المقبل.

هذا الإجراء الاحترازي فكرت فيه ليتوانيا أيضا ومنحت حكومتها عقداً لشركة محلية لبناء سور حاجز من الاسلاك الشائكة بطول 504 كم بينها وبين روسيا البيضاء وهي مستمرة ببنائه.

ذلك الصراع بين روسيا البيضاء وجاراتها، يهدد اليوم حياة أكثر من 10 ألف لاجيء، حيث يواصل لوكاشينكو ارسال المهاجرين الى حدود بلاده مع دول الاتحاد الاوربي فيما تصر تلك الدول ابقاء حدودها مغلقة في موقف “يضع قيمها الانسانية على المحك”.

يقول باحثون في مركز الإصلاح الأوروبي ببروكسل، إن الاتحاد الأوروبي عرض على بولندا المساعدة في حراسة حدوده  الى جانب ارسال موظفين مختصين بقضايا اللجوء للمساعدة في فحص المهاجرين والحكم على أهليتهم للحصول على اللجوء، الا ان بولندا رفضت ذلك وأصرت على إبقاء الحدود مغلقة فهي لاتريد أن تصبح الخطوة عامل إغراء أمام لوكاشينكو لإرسال المزيد من المهاجرين.

كيف وصلوا الى هناك؟

في منتصف العام 2021 حمل الإتحاد الأوربي العراق مسؤولية تدفق “لاجئين” الى دول الاتحاد، كون العراقيين يشكلون غالبية المهاجرين غير الشرعيين الى ليتوانيا وبولندا ولاتفيا، والذين كانوا يصلون عبر رحلات جوية تنطلق من بغداد صوب العاصمة البيلاروسية مينسك.

وطالب وزير خارجية الاتحاد الأوربي، جوزيب يوريل، بغداد، بتقديم تفسير لزيادة معدل الرحلات الجوية إلى العاصمة البيلاروسية، بالتزامن مع ارتفاع حالات عبور عراقيين الحدود بشكل غير شرعي إلى دول الاتحاد الأوربي. وردت الخارجية العراقية على الانتقادات بتأكيدها أن العراقيين يسافرون إلى بيلاروسيا بتأشيرات سياحية أصولية.

مع تلك الانتقادات، اوقفت بغداد الرحلات المباشرة من مطاراتها الى مينسك في الخامس من آب اغسطس، وبعد سلسلة من اللقاءات والمباحثات بين الطرفين، أرسل العراق وفداً دبلوماسيا إلى روسيا البيضاء في آب أغسطس2021 بصلاحيات منح “جوازات عبور” للعراقيين الذين فقدوا جوازات سفرهم وتأمين العودة الطوعية  للراغبين منهم بذلك. لكن عدد العائدين كان قليلا جدا ورفض الغالبية الساحقة العودة.

المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف ذكر بأن الأمر يتعلق بـ”الهجرة غير الشرعية”، وأشار لوجود “اتجار بالبشر” من خلال تهريب عراقيين عبر دول أوربية.

وكانت هذه الإشارة الرسمية العراقية الأولى على وجود مهربين في تفاصيل قضية الهجرة غير الشرعية لعراقيين إلى دول الإتحاد الأوربي عبر روسيا البيضاء.

https://www.facebook.com/101067768151932/videos/3055086644776728

حتى ذلك الحين كانت الرحلات شبه اليومية تحمل مئات العراقيين الى مينسك وفق تاشيرات سياحية لكن كان خلفها مهربون وسماسرة مكاتب سفر مع دعايات كثيفة على صفحات التواصل الاجتماعي “تروج لسهولة الوصول الى دول الاتحاد عبر بلاروسيا في رحلة لا تتطلب الا ساعات او في أسوأ الحالات عدة أيام وعبر خطوط برية آمنة”.

تلك الرحلات التي وصفت بالسهلة والآمنة من قبل مروجيها، وبمتوسط تكلفة يبلغ للفرد وصولا الى دول الاتحاد الاوربي نحو 10 آلاف دولار، خلال نحو اربعة أشهر مكنت آلاف العراقيين من الوصول الى دول الاتحاد لكنها حولت آلاف آخرين بينهم أطفال الى ضحايا عالقين بمناطق حدودية نائية بلا طعام ولا ماء ولا خيم بين دول ترفض استقبالهم ودولة ترفض عودتهم.

يقول (ر.أ) أحد العالقين في غابة على الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا، وهو يشير الى عائلته التي تضم طفلين وهي تلتف حول نار ترتفع السنتها تحت ضرب ريح قوية، بينما بدا المطر قد بلل كل ملابسه “ارجوكم انجدونا، نحن عالقون منذ اسبوعين بين هذين السياجين الشائكين، بولندا ترفض دخولنا، وبلاروسيا ترفض عودتنا، البرد شديد ولا خيم لدينا وهناك مرضى، لو انطفأت هذه النيران فسنموت، هناك حراس بولنديون يساعدوننا، لكن الى متى يمكننا ان نحتمل؟”.

من خلال تتبعنا لخط سير هؤلاء المهاجرين، نجد في الإطار العام أنهم سافروا وبنحو شرعي وبرحلات جوية فردية أو عائلية من مطارات بغداد وأربيل والسليمانية أو من مطارات تركية ومصرية وأردنية وسورية والوجهة دائماً عاصمة روسيا البيضاء.

لكن من خلال ما تحصلنا عليهِ من وثائق وتصريحات، ظهر في خلفية الصورة “مهربون يروجون للممر البيلاروسي لتحقيق حلم الهجرة الى أوربا” وينظمون وجهة المهاجرين العراقيين الى هناك، ومنها الى نقاط حدودية معينة، مدعين أن لديهم “تنسيقا جيدا” مع جهات رسمية تمكنهم من تحقيق حلمهم، حسبما أفاد مهاجرون عائدون طوعاً، في دعاوى أقاموها ضد مهربين احتالوا عليهم بمبالغ كبيرة دون أن يوصلوهم إلى وجهاتهم الموعودة.

https://www.facebook.com/Peshrawmahdi1/videos/857763448243425

دعاوى قضائية ضد مهربين

محكمة دهوك في إقليم كردستان العراق، تنظر دعاوى أقامها سبعة أشخاص ضد مهرب أحتال عليهم بمبالغ عالية لإيصالهم إلى ألمانيا عبر روسيا البيضاء ومن ثم ليتوانيا. المحامي المكلف بدعواهم أكد بأن موكليهِ كانوا من بين العائدين الى العراق طواعية في شهر آب/أغسطس2021 وهم جميعاً من محافظة دهوك.

وقال المحامي مفضلاً عدم الإشارة إلى أسمه أو أسماء موكليه أو المتهمين الرئيسيين لكون الدعاوى المقامة بموجب المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 نصب واحتيال- مازالت في طور التحقيق وأن هنالك أربعة أشخاص آخرين سيحركون دعاوى مماثلة ضد المتهم الرئيسي وهو من أهالي محافظة دهوك كذلك.

وحيثيات الدعاوى كما يشير المحامي، أن المهرب طلب من كل واحد من موكليه مبالغ تراوحت بين(12000 و 125000) دولار أمريكي مقابل أخذهم إلى روسيا البيضاء، مدعياً أن لديه اتفاقاً مع جهات حكومية هناك ستسهل نقلهم إلى ليتوانيا وبعدها إلى ألمانيا.

ويقول المحامي، أن المهرب تقاضى من كل واحد منهم وعلى سبيل المقدمة  2700 دولاراً وتم ايداع المبلغ المتبقي المتفق عليه في مكتب للصيرفة بمدينة دهوك على سبيل الأمانة على أن يأخذها من هناك حال وصولهم إلى مبتغاهم.

لكنه وبمجرد وصولهم إلى روسيا البيضاء أخذ من كل واحد 2500 دولار ومن ثم 1000 دولار و1500 وغيرها من المبالغ بذرائع منها دفعها لعناصر أمنية لقاء “تسهيل نقلهم الى الحدود اللتوانية ونفقات لسيارات الأجرة”.

وحتى أموالهم المودعة في مكتب الصيرفة أخذها خلسة، بعد ان أوهم صاحب المكتب أنه نفذ جانبه من الاتفاق وأنهم وصلوا إلى البلدان التي أرادوا اللجوء إليها.

موكلو المحامي والأربعة الآخرون سافروا إلى روسيا البيضاء أواخر آذار مارس2021، قضوا ليلتين في العاصمة مينسك ومن ثم توجهوا بإرشاد هاتفي من المهرب إلى الحدود الليتوانية وبعد سير مضنٍ في الغابات لأكثر من خمس ساعات ألقى عناصر من الجيش الليتواني القبض عليهم وأودعوهم في مركز توقيف.

المدعون السبع طالبوا المحكمة بتعويض عما أصابهم من أضرار مادية وجسدية ونفسية، إذ قالوا بأنهم تعرضوا للإذلال والإهانة والتجويع في السجن الليتواني الذي وصفوه بالقذر جداً،  ويفتقر إلى أبسط مقومات إقامة الإنسان فيه.

ووجهوا خصومتهم أيضاً ضد مترجم أسمه (حسن) وهو مواطن كردي من سوريا، قالوا للمحكمة أنه كان يستلم مبالغ مالية من ذويهم لكي يوصلها إليهم لكنه كان يستولي عليها. وأيضاً ضد شخص بيلاروسي أسمه (سيرجي) كان يفترض أنه منسق بينهم وبين جهات في بيلاروسيا تسهل مرورهم إلى لتوانيا.

ويبرز في هذه الدعاوى متهمان آخران هما، صاحب مكتب الصيرفة الذي تم تامين مبلغ المهرب لديه ومكتب سياحة وسفر في مدينة زاخو أقصى شمال كردستان، إذ ورد أسم صاحبه كمنسق مع جهات في  روسيا البيضاء.

ويروي المدعون بحسب ما ينقله وكيلهم المحامي مشاهداتهم للحدود بين روسيا البيضاء وليتوانيا، ويؤكدون بأن كثيرين عبروها ووصلوا إلى دول الاتحاد الاوربي كألمانيا وغيرها دون مهرب أو منسق أو أي شيء آخر وهو ما لم يتحقق لهم ولمئات آخرين من العراق وبلدان أخرى بعد أن القت عناصر الأمن الليتواني القبض عليهم.

وبينوا أيضاً، أن الذين يقدمون أنفسهم كمهربين سواء في العراق أو روسيا البيضاء ويتقاضون مبالغ مالية تتجاوز كثيراً ما دفعوه، إنما هم” نصابون ومحتالون”. وأنهم أدركوا ذلك بعد فوات الأوان.

وعن سبب إقامة الدعاوى بموجب المادة 456 من قانون العقوبات دون غيرها، يقول المحامي “ذلك لأن القانون العراقي لا يتضمن نصوصاً تتعلق بالاتجار بالبشر لذلك لم يكن أمامنا سوى إقامتها بموجب هذه المادة وإلا فالمتهمون يستحقون عقوبات أكبر”.

الدعاوى قيد النظر حالياً، وقد أفرج عن المهرب بكفالة ضامنة على ان يتم استدعاء صاحبي مكتب الصيرفة والسياحة لاحقا.

مئات آخرون تعرضوا للخداع، تقطعت السبل ببعضهم على الحدود البولدندية البلاروسية وانقطع تواصلهم مع مهربيهم بل وحتى مع عوائلهم، فيما لم يصل آخرون اصلا الى مينسك.

ففي السليمانية بإقليم كردستان كان العشرات من المتحمسين للهجرة ينتظرون بفارغ الصبر قدوم يوم الاثنين السادس عشر من آب/أغسطس2021 ليستقلوا طائرة حدد لهم موعد إقلاع في الساعة 16:25 دقيقة مساءً صوب مينسك.

كانوا قد أكملوا جميعهم فحوصات كوفيد19 في الساعة الثانية عشر من ظهيرة ذلك اليوم عندما نزل عليهم خبر إلغاء الرحلة كالصاعقة وحين توجهوا إلى منطقة بختياري قرب المعهد التقني بمركز مدينة السليمانية حيث مقر شركة (هارون كروب) التي تقاضت منهم أجور الرحلة، وجدوا أبوابها مغلقة ولا أثر لصاحبها المدعو (علي).

(شيروان) اسم مستعار لواحد من ضحايا جريمة النصب والاحتيال الجماعية التي تعرض لها العشرات في السليمانية، قال بأنه سبق وان تعرض من قبل إلى عملية نصب واحتيال عندما أراد الهجرة إلى أوربا قبل سنتين، لذا كان شديد الحذر عندما راجع مكتب شركة هارون كروب.

أخرج من جيب قميصه وصل قبض عليه توقيع مدير الشركة، مؤرخ في العاشر من آب/أغسطس2021، مدون فيه أسمه الكامل والمبلغ الذي دفعه ومقداره 2400 دولار، أجور رحلة سياحية بضمنها الطيران إلى روسيا البيضاء في 16/ب أغسطس 2021.

“لكنني لم أذهب أبداً!”. يقول شيروان بأسف، لقد أحكموا الخطة وانطلت علي خدعتهم رغم إجراءات الحذر التي أتبعتها” كان هنالك موظفان شقيقان ومديرهما علي من أهالي أربيل، ومكتب ووصولات”.

وبعد نوبة ضحك، عاد ليقول:”كنت أحاول أن أظهر نفسي نبيهاً قدر الإمكان، لذا إستجوبته، نعم فعلت ذلك، عرفت أنه من مواليد 1995، وعلمت منه أنه أسس هذه الشركة بعرق جبينه سنة 2020 لكنه لم يباشر العمل إلا في شهر حزيران الماضي ..”.

تأمل الوصل الذي كان ما يزال بين يديه وتابع بنبرة ساخرة “بدلاً من سفري أنا، سافر عليٌ النصاب إلى جهة مجهولة ومعه مالي وأموال مغفلين آخرين مثلي، خدعتهم فخامة مقر الشركة وكلمات موظفيها المعسولة”.

أشخاصٌ آخرون غير شيروان دفعوا لشركة هارون كروب مقابل الرحلة السياحية الوهمية  مبالغ أعلى وصلت إلى نحو 4000 دولار لكل عائلة، وعد جميع أفرادها بالنقل الآمن والمريح إلى أوربا.

من خلال عدد من الضحايا الذين تقدموا بشكاوى قضائية، تبين أن شركة هارون كروب وعدتهم بخطة سفر سياحية مدتها سبعة أيام إلى روسيا البيضاء، وان بوسعهم خلالها الاختفاء عن الأنظار والتسلل إلى الحدود الليتوانية بسهولة عبر “مرشدين وتطبيقات هاتفية”، فيما ستنفي الشركة علمها بما كانوا يخططون له.

الشرطة في السليمانية تفتش عن المدعى عليه، لكن لا أثر له. شيروان يقول بثقة تامة أنه يعرف مكانه: “لقد أخبرني يوم أخذ مني الـ2400 دولار، بأنه يفضل لبنان على كل دول أوربا، عليهم ان يفتشوا عنه في بيروت، سيجدونهم حتماً هناك!”.

https://www.facebook.com/kurdsatnews/videos/447791420105353

الترويج للهجرة لا يتوقف!

طوال أشهر ظلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن عن الرحلات السياحية إلى روسيا البيضاء وطرق العبور من هناك إلى دول أخرى أكثرها ذكراً هي ألمانيا، منها حساب على الفيسبوك يحمل أسم (الهجرة من بيلاروسيا إلى أوربا) ينشر فيه وبنحو مستمر إعلانات مكاتب سياحية أغلبها سورية.

يضم الإعلان في العادة مدة الحصول على الفيزا إلى روسيا البيضاء مع وعد بأنها لن تستغرق أكثر من أسبوعين وخطة رحلة تستغرق أسبوعاً واحدا ورحلة الطائرة والاستقبال في المطار والحجز الفندقي لاسبوع وكل ذلك بمبلغ يتراوح بين 2000-2300 دولار للشخص الواحد.

شخص حمل حسابه على الفيسبوك اسم (طارق) قال بعد تواصلنا معه في منتصف تشرين الاول اكتوبر أنه سوري من دمشق، يقدم “عروض سفر لا يمكن منافستها” إلى روسيا البيضاء من بيروت وسوريا. وأن بوسعه تأمين تأشيرة سفر سياحية إلى مينسك مع التأمين الصحي وتذكرة السفر وفحص (pcr) وتوصيل إلى مطار بيروت واستقبال في مطار مينسك.

https://www.facebook.com/Peshrawmahdi1/videos/857763448243425

وأوضح أن الكثير من زبائنه في الشهرين الأخيرين عراقيون بعد توقف الرحلات الجوية من المطارات العراقية إلى بيلاروسيا. ومع علمه أن من يتعامل معهم إنما مهاجرون وليسوا سياحاً يقول طارق “أنا لا أفعل شيئاً مخالفاً للقانون، وكل شيء يجري بأوراق ومستمسكات أصولية بهدف السياحية ولست مسؤولاً عن نوايا زبائني”.

ويتداول أعضاء الكثير من الحسابات المتعلقة بالهجرة إلى بيلاروسيا في وسائل التواصل الإجتماعي، معلومات عن المطارات التي تنطلق منها رحلات إلى روسيا البيضاء ويعرض آخرون قاموا بالرحلة تجاربهم الفاشلة والناجحة على حد سواء.

بعد تعليقها لرحلات الطيران بينها وبين مينسك، قررت الحكومة العراقية في مطلع تشرين الثاني نوفمبر2021 غلق القنصلية الفخرية لروسيا البيضاء في بغداد وكذلك قنصليتها في أربيل لوقف منحهما تأشيرات سفر لعراقيين يرومون الهجرة.

كما قامت الحكومة بتخصيص 300 مليون دينار (نحو 200 ألف دولار) لتغطية تكاليف إعادة العراقيين الراغبين بالعودة من روسيا البيضاء.

https://www.facebook.com/MuhamadRauf76/videos/396549955496527

إجراءان يصفهما المراقبون بأنهما غير مجديين تماماً، لأن الراغبين بالهجرة يسافرون عبر مطارات دول أخرى، وإعادة بضع عشرات من اليائسين لا تمنع قيام آلاف آخرين من القيام بذات المغامرة خاصة أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق لا تغريهم بالبقاء فمعدلات الفقر تبلغ 26% والصراع السياسي على أشده وقد يعيق تشكيل الحكومة الجديدة لفترة طويلة.

بعيون دامعة تقول أم برهان، وعيونها معلقة على شاشات قناة كردية تتحدث عن تسجيل حالات وفيات جديدة على الحدود البولندية بسبب البرد، ان ابنها هاجر نهاية الشهر الماضي، وانه منذ يومين لم يتصل “لا نعرف أي شيء عنه.. هل يملك كسرة خبز؟.. هل اعتقلوه وضربوه وسرقوا تلفونه؟”.

باعت عائلة برهان (36 عاما) كل ما تملكه من مصوغات ذهبية لتجمع له المال الكافي لرحلته الى مينسك، رغم رفض والدته لذلك. تقول السيدة وهي تلتحف برداء سميك وتجلس في زاوية غرفة مظلمة محاطةً باثنين من أحفادها الصغار “كيف كان يمكن ان أقنعه بالبقاء ونحن لا نملك المال الكافي لشراء الوقود لهذا المنزل البارد!.. طوال عشرين عاما كنت أقول له أن الظروف ستتحسن لكن ذلك لم يحصل.. آه يا أبني ماذا حل بك؟”.

https://www.facebook.com/kurdi.swed/videos/1577949439236381/

  • شارك في انجاز التحقيق نخبة من صحفيي الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية: صلاح بابان، عبدالمهيمن باسل، ميسر الأداني.

المزيد عن تحقيقات استقصائية

Investigations

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19390}" data-page="1" data-max-pages="1">