حسن علي:
طوال خمسة أيام تابع علي كاكائي بشغف نتائج الدورة الخامسة لانتخابات البرلمان العراقي، بعد أن أظهرت النتائج الأولية فوز مرشحتين عن المكون الكاكائي بعضوية البرلمان وهو ما يحدث لأول مرة فقد خلت الدورات الماضية من ممثلين للمكون الذي تتوزع مناطق انتشاره بين نينوى وكركوك واربيل.
يقول علي (32 عاما) الذي يقيم في سهل نينوى، بينما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه “أخيرا سيكون لدينا أكثر من ممثل في مجلس النواب، حرمتنا قوانين الانتخابات السابقة من التمثيل، لكن القانون الحالي بدوائره الصغيرة منحنا فرصة المنافسة ضمن الأحزاب الكردية وصوت الكاكائيون لمرشحيهم بقوة ومكنوا مرشحتين من الفوز”.
والكاكائية مكون له هوية ثقافية ودينية متفردة ويمتد وجوده في العراق لآلاف السنوات، وهذا ما يجمع عليه معظم الباحثين العراقيين، ويؤكده الكاتب الكاكائي سامي رفعت، الذي يقول ان الكاكائية ديانة مستقلة بذاتها وليست طائفة اسلامية، وان تاريخها يعود الى اكثر من ثلاثة الاف عام وتعود جذورها الى الديانة المترائية التي تعتقد بوحدانية الله وتناسخ الارواح، وتم تجديدها على يد السلطان اسحق قبل اكثر من 800عام.
ترشح العديد من الكاكائيين خلال الدورات السابقة للبرلمان العراقي الا انهم كانوا يفشلون في الحصول على الأصوات الكافية التي تؤهلهم للوصول الى قبة البرلمان بسبب قلة أعدادهم والمقدرة بنحو 120 ألف شخص وانتشارهم بعدة محافظات، وفي ظل ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين الكرد، لكن الأمور سارت بشكل مغاير في ظل قانون انتخابي قسم المحافظات الى دوائر صغيرة.
تقدم للتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين من المكون الكاكائي فقد رشح الحزب الديمقراطي الكردستاني نجوى حميد محمد في الدائرة الانتخابية الثانية بمحافظة كركوك ففازت بمقعد هناك بعد ان جاءت بالترتيب الثالث من حيث عدد الأصوات بحصولها على (11887) الف صوت.
كما رشح الاتحاد الوطني الكردستاني الدكتورة أحلام رمضان فتاح في الدائرة الانتخابية الاولى بمحافظة نينوى وفازت بمقعد كوتا النساء بعد حصولها على (6188) صوتاً.
لكن المرشح هزار رشيد الكاكائي، والذي ترشح بدعم من الحزب الاشتراكي الكردستاني وفي الدائرة الانتخابية الثانية في كركوك التي تنافست فيها نجوى أيضا، لم يستطع الفوز بعد أن ذهبت أغلبية اصوات الكاكائية للمرشحة المنافسة.
وعبرت نجوى الكاكائي، التي تعمل كمشرفة تربوية، عن سعادتها بالفوز وامتنانها لمن صوتوا لها، قائلة: “هذا الفوز جاء نتيجة لجهود جماهير الحزب الديمقراطي الكردستاني والمكون الكاكائي في كركوك والذي بسببه نلت شرف الوصول الى البرلمان لتمثيلهم كأول كاكائية بعد اربع دورات انتخابية”.
وتعهدت بالدفاع عن حقوق المكون الكاكائي ومصالحه بمساندة بقية نواب الحزب الديمقراطي، ودعم مطالبه بما فيها تخصيص مقعد لكوتا الكاكائية أسوة ببقية المكونات من مسيحيين وايزيديين وشبك وفيلية وصابئة.
واستدركت “بعد ان حظيت بتصويت ناخبي دائرتي من جميع المكونات والطوائف وليس الكاكائية فقط فان من واجبي العمل من اجل جميع أبناء تلك المناطق، وأنا أعرف جيدا ما عانوه من ارهاب وتهجير وعنف ومشاكل”.
وواجه الكاكائيون خلال السنوات الممتدة بين 2003 و2018 العشرات من الهجمات الارهابية التي أودت بحياة نحو 300 من ابناء المكون المنتشرين في بلدات وقرى بعيدة عن مراكز المحافظات ما جعلهم أهدافا سهلة للتنظيمات التكفيرية المسلحة وهو ما ادى الى نزوح آلاف من أبناء تلك المناطق عن قراهم.
كما تعرضت مراقد الكاكائية المقدسة للتدمير عندما سيطر تنظيم داعش على مناطقهم صيف العام 2014 قبل ان يتم استعادتها، الى جانب تكرر عمليات حرق المحاصيل الزراعية للكاكائية ما كبدهم خسائر مالية كبيرة.
تخصيص مقعد كوتا للمكون
يبدي الكاتب والصحفي نوزاد محمد الكاكائي، صاحب امتياز جريدة (دالاهو) التي تهتم بالشأن الكاكائي عن سروره بفوز مرشحتين من المكون الكاكائي ووصولهما الى البرلمان، معتبرا ان ذلك حدث مهم طال انتظاره لكي يكون لدى المكون ممثلون يدافعون عن حقوقه.
يضيف :”نتأمل خيرا في المرشحتين الفائزتين بعضوية البرلمان لتوصلا أصواتنا وتعملا على ضمان حقوقنا المشروعة، لكن هذا لن يكون بديلا عن حقنا في الحصول على الكوتا وتثبيت هويتنا كمكون مستقل واساسي ضمن مكونات المجتمع العراقي”.
يوافق الرأي محمد، الذي يعيش في داقوق ويعمل في مجال الزراعة، مشيرا الى ان التمثيل الحالي للكاكائية سيظل تمثيلا حزبيا فكل نائبة ستمثل حزبها مباشرة وليس المكون، مؤكدا أهمية ان يتم التعامل مع الكاكائية كمكون وليس كطائفة وان يتم تخصيص مقعدين في مناطق انتشاره أحدهما في كركوك والآخر في نينوى.
ويخصص البرلمان العراقي الذي يضم 329 نائبا، تسعة مقاعد نيابية للمكونات ضمن نظام الكوتا حيث يتم التنافس على تلك المقاعد ضمن دائرة واحدة في كل البلاد. خمسة من تلك المقاعد مخصصة للمكون المسيحي، ومقعد واحد لكل من الايزيديين والشبك والكرد الفيليين والصابئة المندائية.
غياب تاريخي عن التمثيل
ويسعى الكاكائيون منذ انشاء الدولة العراقية في أن يكون لهم تمثيل في البرلمانات المتعاقبة منذ العهد الملكي والتي ضمت شخصيات دينية و قبلية من جميع انحاء البلاد لكن دون ان يحظ الكاكائيون بأي تمثيل، وحتى بعد العام 2003 تم التعامل معهم كطائفة وليس كمكون ديني.
ولم يأت الدستور العراقي الجديد على ذكرهم ما أدى الى حرمانهم من حقوقهم كمكون شأن بقية المكونات، بما فيه حقهم في التمثيل بمقعد كوتا.
ويدعم المرشح هزار رشيد، والذي لم يحظ بالفوز في ظل المنافسة الشديدة في الدائرة الثانية بكركوك التي تنافس فيها مرشحون كرد وتركمان وعرب، تخصيص مقعد لكوتا الكاكائية.
يقول ان وجود أكثر من مرشح كاكائي في كل دورة انتخابية يؤثر سلبا على حظوظ الكاكائية بالتمثيل البرلماني، لان ذلك يقسم اصواتهم التي تحتاج الى أن تجتمع في مرشح واحد او اثنين لضمان فوزهم، مبينا أن غيابهم عن الدورات البرلمانية السابقة بالرغم من المشاركة الفعالة للمكون “يعود الى تشتت اصوات ناخبيهم بين محافظات نينوى وكركوك وحلبجة الى جانب ديالى”.
ويرى العديد من الباحثين ان اكبر العقبات التي تواجه الكاكائين، في طريق حصولهم على حقوقهم الدينية والسياسية كمكون هو تفرقهم وعدم توحد كلمتهم.
ويعزو الكاتب والصحفي هاشم عاصي الكاكائي ذلك الى “عدم وجود جهة تدعمهم وتوحد شملهم، او وجود هيئة حكومية ترعى مصالحهم وتدير شؤونهم”، مبينا أن “تفرق كلمتهم يرجع لأجندات سياسية ومصالح شخصية تضع العصي في عجلتهم”.
من هم الكاكائيون
تعد الكاكائية من الديانات ذات الجذور القديمة، ويتركز انتشارها في المناطق الجبلية الحدودية بين العراق وايران، ويحرص اتباعها وغالبيتهم من الكرد، على عدم الحديث عن أسسها وتعاليمها وطقوسها مع تأكيدهم على كونها ديانة توحيدية، ويصرون على ابقاء نصوصها سرا في كتبهم وفي صدورهم، خاصة مع كونها ديانة مغلقة على معتنقيها.
كما يتجنبون الاعلان عن الأسس الفكرية والفلسفية لدينهم، خوفا من تعرضهم للاضطهاد، لكنهم يُجِلون الامام علي ابن ابي طالب، ويؤمنون بأزلية الروح وسرمديتها فهي تتجسد في اجساد مختلفة في ما يعرف بتناسخ الارواح.
ويرى مؤرخون ان جذور الكاكائية تعود للديانة اليزدانية القديمة التي كانت معتنقة من قِبل معظم الكرد قبل المد الإسلامي، لكن في القرون الاخيرة وخاصة مع ظهور سلطان إسحاق، الذي يعده البعض كمؤسس للجماعة ويراه آخروه كمجدد لها بادخاله مظاهر اسلامية على التعاليم القديمة، تداخلت تعاليم الديانات الأخرى مع الديانة القديمة فاصبحت تعاليمها مزيجا من المعتقدات والشعائر من عدة أديان.
ويؤكد الباحث في شؤون الأقليات عادل كمال، ان الكاكائية ديانة توحيدية، إلا أن الدستور العراقي لا يقر بذلك. وتبعاً لهذا، ليست لديهم مقاعد كوتا في مجلس النواب العراقي أو مجالس المحافظات التي يتواجدون فيها.
ويقول كمال بأن تسميات عدة تطلق على هذهِ الطائفة منها (أهل الحقيقة أو أهل السلسلة والفتوة) لكن أشهرها الـ(يارسانية) وهو أسم مركب من كلمتين (يار) وتعني بالكردية حبيب و(سان) تعني سلطان او خالق بالفارسية، أي احباب الخالق.
ويستدرك:”لكن الأسم الذي اشتهرت به في العراق هو الكاكائية، وتعني الأخوية إذا ترجمت حرفياً للعربية، لأن كلمة كاك باللغة الكردية تعني أخ”.
يعيش الكاكائيون “اليارسانيون” المعروفون بشواربهم الطويلة التي يحرمون حلاقتها، في غرب ايران وبالتحديد في محافظة كرمنشاه، الى جانب انتشارهم في سهل نينوى ومحافظات اربيل والسليمانية باقليم كردستان فضلا عن محافظتي كركوك وديالى في مدن كخانقين وبعقوبة ومندلي.
يقول رجب عاصي الكاكائي، الذي يترأس منظمة الميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية، ان الديانة الكاكائية “تعتمد على اربعة اركان رئيسية هي الطهارة والصدق والتسامح والتعاون”. ويضيف ان لهم كتابهم المقدس (سرانجام) ولهم طقوسهم الدينية الخاصة وأعيادهم.
ويضيف:”لدى الكاكائية العديد من المزارات في العراق كمزار الشاه ابراهيم في بغداد وامام احمد في كركوك وباوه محمود في خانقين وباوه شاسوار في كفري ومزارات في قرية هاوار في حلبجة وخمسة مزارات في الموصل” .
ويأمل الكاكائيون ان يساهم صعود مرشحتين الى البرلمان في الاعتراف بـ”الهوية الدينية الخاصة” بهم وتحسين الواقع الخدمي والأمني لبلدات وقرى انتشارهم التي تقع في مناطق ساخنة تتعرض لهجمات متكررة من التنظيمات الارهابية وعلى رأسها داعش.
يقول الشاب علي الكاكائي، وهو يدقق في الأصوات التي حصل عليها المرشحون الكاكائيون والتي حفظها في تلفونه الخاص :”هذه الأصوات تؤكد وجودنا القوي في خارطة هذه المناطق، رغم ان الكثيرين لم يشاركوا بسبب نزوحهم الى مدن بعيدة عن مناطقهم”.
ويعرب عن أمله في أن يسهم فوز مرشحين اثنين من المكون في “ضمان حقوقهم السياسية والدينية” والاعتراف بوجودهم رسميا من خلال تثبيت اسم المكون في الدستور العراقي”.
- أنجز التقرير ضمن برنامج تدريب حول تغطية الانتخابات العراقية نظمته “أوان” awanmedia.net وبدعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support.
المزيد عن تقارير سردیة
تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19358}" data-page="1" data-max-pages="1">