اياد عباس/ ديالى
في شهر تموز بدأت الحملات الدعائية لانتخابات البرلمان العراقي في دورته الخامسة، لكن الحملات الانتخابية لم تشهد نشاطا الا في نهاية شهر ايلول سبتمبر حين تيقنت القوى والتيارات السياسية بحتمية اجراء الانتخابات في موعدها بالعاشر من تشرين الاول اكتوبر رغم دعوات وقرارات المقاطعة التي اتخذتها بعض القوى السياسية.
ومع دخول الحملات الدعائية اسبوعها الأخير بدأت الأحزاب والكتل والشخصيات تكثيف حملاتها معتمدة في الغالب على شعارات ترويجية لقوة القائمة وخطاب يُبشر بمحاربة الفساد وانهاء فوضى اللادولة في معظم مناطق البلاد الى جانب اطلاق اتهامات للآخر المنافس بالمسؤولية عن الخراب وحملات التسقيط المباشرة وغير المباشرة.
لكن المناطق المتنازع عليها بين حكومتي اربيل وبغداد شهدت الى جانب تلك الدعاية نوعا آخر من الخطاب تمثل في الكثير من جوانبه بهجمات قومية وطائفية مغلفة بخطاب كراهية.
ولم تخلو الحملات الانتخابية في المناطق المتنازع عليها وعلى رأسها كركوك وديالى، من خطابات تبث الكراهية، فالاحزاب والكتل السياسية للمكونات المختلفة، عمدت في هذا المجال الى تجنيد جيوشها الالكترونية خاصة عبر صفحات السوشيال ميديا “لبث خطاب عنصري ضد الآخر” وتحميله مسؤولية الفشل عن تقديم الخدمات لأبناء تلك المناطق، على أمل كسب أصوات بعض الناخبين.
يرى كامران خورشيد، وهو كردي من محافظة ديالى، ان الخطاب الذي روجت له القوى السياسية النافذة خاصة في صفحات السوشيال ميديا يثر القلق لدى الناس. ويتساءل إلى اين يمضي الوضع السياسي في محافظة لم تشهد الاستقرار منذ 2003.
ويشير خورشيد الى ان “الترويج لخطابات كراهية لأهداف انتخابية والضرب على الوتر الطائفي والقومي يؤزم الوضع في ديالى”، مبينا ان القوى المتنافسة “يبدو انها لا تملك غير تلك الوسيلة للترويج لنفسها بدل المنافسة القائمة على مبدأ العمل وخدمة مختلف شرائح المجتمع وبجميع أطيافه”.
وينتقد نشطاء لجوء القوى السياسية الى ذلك الخطاب الذي يعتمد على الترويج لمعلومات خاطئة او غير دقيقة، او استقطاع عبارة من تصريح او نص مكتوب يعرض لجملة حقائق في حدث معين والاغفال عن باقي التصريح لأهداف انتخابية ودون النظر الى نتائجه المستقبلية على استقرار المجتمع.
خطاب الكراهية
ويحذر الصحفي دلوفان برواري الذي أدار عدة مشاريع في مجال خطاب الكراهية، من ان الصراع بين الأحزاب الكردية والعربية في هذه المناطق ستكون له تداعيات سلبية على الجميع “مناطق ساخنة كديالى وكركوك لن تتحمل تأزيم الوضع فيها فيكفيها مالاقته من فواجع وتكبدته من خسائر”، مشيرا الى ان الجماعات الارهابية تستفيد من أجواء التأزييم لاعادة نشاطها.
ويضيف برواري “سيؤثر اي تصعيد على اساس قومي بين العرب والكرد او على اساس طائفي بين أبناء المكون نفسه، على الاستقرار الهش والتوازنات السياسية والمعادلات القائمة، في ظل الخطابات التصعيدية الموجهة للآخر والتي هدفها في الغالب تحقيق مكاسب سياسية او فرض مصالح حزبية، بما فيه الحديث المشحون عن المادة 140 والذي يتصاعد مع كل حملة انتخابية”.
ويشير الى انه في ظل غياب الانجازات الخدمية والاقتصادية في هذه المناطق عموما تلجأ غالبية القوى الى التصريحات الهجومية ضد الآخر والى سلاح خطاب الكراهية لحشد المؤيدين من طائفته، مستدركا “لكن وعي المواطن بهذه اللعب السياسية أصبح أكبر بكثير وتلك الخطابات لم تعد تلقى الكثير من المؤيدين كما كان الحال قبل سنوات”.
ملا بختيار، احد قادة الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي زار قضاء خانقين ذو الغالبية الكردية والتابع لمحافظة ديالى، قال خلال خطاب تحشيدي، ان الاحزاب الكردية ان لم تحصل على تمثيل برلماني في هذه المناطق فان بعض الأحزاب الشوفينية والمعادية للكرد ستستغل ذلك وتحاول بكل قوة منع تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي وفق بنودها يتم تسوية مشكلة المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد والاقليم.
في المقابل تردد قوى عربية في حملاتها الترويجية، بأن تلك المادة لم يعد لها وجود وانها سقطت بمرور الزمن ولايمكن العمل بها، وان مرشحهيم سيرفضون حتى الحديث عنها.
ويتم استخدام موضوع المناطق المتنازع عليها في كل عملية انتخابية من قبل كل الأطراف المختلفة التي مع التطبيق او ضده، في حين ان المادة 140 لم يجر عمل حقيقي على تطبيقها من قبل الكرد ولم تقدم الأحزاب العربية في المقابل أي بديل يمكن ان يُسهم في تسوية مشاكل تلك المناطق المعلقة منذ 18 عاما.
ولا تكتفي القوى السياسية بفرض رؤيتها بشأن المادة 140 الدستورية، لكنها تحاول أن تلغي وجود الآخر وحقه في الشراكة بادارة المنطقة أيضا، فيظهر “أبو منتظر” الذي يترأس مكتب تنظيمات منظمة بدر في خانقين، في تجمع انتخابي وهو يَعِد مؤيديه من أهالي القضاء المختلط قوميا ومذهبيا، بمنحهم الحصة الأكبر من المناصب الادارية في القضاء بما فيه موقع قائممقامية خانقين، اذا فاز مرشحهم عن قائمة “الفتح” المدعومة من الحشد الشعبي.
السوشيال ميديا على خط الحرب
في ظل غياب الرقابة والمحاسبة تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، بصفحاتها الرسمية او تلك التي تستخدم عناوين مزورة، في كل انتخابات الى ساحة لبث خطابات الكراهية على مدى فترة الحملات الدعائية.
تلك الصفحات لا تكتفي بالترويج للمرشحين، بل تركز كثيرا على تسقيط المنافسين عبر اخبار محرفة او قديمة او غير دقيقة، الى جانب بث خطاب قومي او طائفي متشدد، او في الحد الأدنى خطاب متعالي واقصائي للآخر، من اجل كسب اصوات الناخبين واظهار هذا الطرف او ذاك كمدافع عن حقوقهم.
يقول عمر احمد، وهو محامي يقيم في السليمانية، ان ذلك الخطاب “يؤدي الى بث التفرقة وضرب الوحدة بين ابناء الشعب وتأزيم الهويات خاصة في المحافظات المختلطة قوميا ومذهبيا مثل ديالى، والنتيجة تكون سلبية على الجميع وأحيانا مدمرة وتجارب السنوات بين 2003 و2017 واضحة”، منبها “في النهاية تؤثر هذه الفواعل جميعها على الناخب والمجتمع”.
وكانت العديد من مناطق محافظة ديالى طوال 15 عاما ميدانا لصراع مذهبي وقومي دامي، راح ضحيته آلاف المدنيين سواء عبر معارك السيارات المفخخة او المواجهات المسلحة المباشرة او عمليات الاعتقال والخطف المتبادلة.
تلك الخطابات المتشنجة تلقي بتأثيراتها على الشارع لتثير الجدال بين اوساط المواطنين عموما والناخبين على نحو خاص مما يرغمهم أن على يختاروا بين القومية والمذهب بعيدا عن المواطنة، بل واختيار الصوت الأكثر تشددا في خطابه نتيجة الخوف من تهميشه من قبل الآخر.
الصراع يجب ان يظل سياسيا
يقول المحامي عمر احمد، ان الاشتباك بين مراكز القوى المختلفة قد يحصل “اذا لم يراجع الجميع أوراقهم ويتحملوا المسؤولية المشتركة في ادارة المحافظات المتنازع عليها عبر القبول بوجود الآخر وحقوقه وشراكته، بدل الانكار والتقصير في التعامل مع الأحداث، وهذا ربما يقضي مواجهة من يحاول فرض قانون لعبة جديد”.
ويرى أحمد ان اللعبة والصراعات السياسية يجب ان لا تتحول الى صراعات مجتمعية فالمناطق المتنازع عليها كديالى وكركوك ونينوى تواجه حاساسيات كثيرة وهي في قلب الأحداث وهناك تدخلات اقليمية واضحة “لذا فان تلك المناطق مفتوحة على كل الإحتمالات والتغييرات السياسية والتقلبات واردة في ظل تشكل تحالفات تغير من طبيعة المعادلات السياسية، وهنا على اللاعبين من مختلف القوى تقبل تبادل الأدوار بما تفرضه المعطيات لكن هذا يجب ان يظل ضمن اللعبة السياسية ولا يخرج الى الشارع من خلال خطابات الكراهية”.
ويتفق مع ذلك الرأي، الباحث السياسي أحمد خليل، داعياً الأحزاب والتيارات السياسية الى ترك الخطاب الطائفي الذي يسبق كل عملية انتخابية لإستقطاب اكبر عدد من الناخبين مستخدماً عناصر اثنية او دينية او قبلية، منبها الى ان “ذلك الخطاب خطير وقد يدفع الى تصادمات مجتمعية في ظل دولة ماتزال هشة وتفتقد المؤسسات الموحدة”.
ويأمل خليل، ان تنأى القوى السياسية بنفسها عن الخطاب الطائفي، الذي أدى الى حرب داخلية مدمرة قبل عشر سنوات مرت بعدة مراحل وادت لاحقا الى سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة البلاد قبل ان تنتهي، بعد خسائر هائلة دفعت كل المكونات العراقية ثمنها، معربا عن أمله “بإنتخابات ديمقراطية حرة تعبر عن إرادة الشعب وتحقق ولو جزءا من مطالب متظاهري تشرين وتعزز بنية الدولة والشراكة لاايجابية بين مكوناتها”.
لتحقيق ذلك الهدف يأمل صحفيون أن تقوم وسائل الاعلام بدور ايجابي في مواجهة خطاب الكراهية عبر الالتزام بالمعايير المهنية واخلاقيات العمل الصحفي.
يقول الاعلامي عباس محمد، ان لوسائل الاعلام “دور محوري في نقل والترويج لخطاب الكراهية من عدمه خاصة في وسائل الاعلام التابعة للأحزاب السياسية التي عادة ما تركز وتروج للخطابات ضد الخصوم والمنافسين الى حد التورط في التسقيط السياسي”.
لكن محمد يرى ان الجمهور اصبح أكثر وعياً من السابق ولم يعد ينقاد بسهولة باتجاه ذلك الخطاب الذي يدور في اطار التجمعات الانتخابية وداخل المكاتب السياسية ولا يصل غالبا بتأثيراته الى الشارع “جميع المكونات أخوة وشركاء على هذه الأرض، لقد تجاوزنا تلك المرحلة ولا أحد يريد ان تعود تلك السنوات الصعبة”
- أنجز التقرير ضمن برنامج تدريب حول تغطية الانتخابات العراقية نظمته “أوان” awanmedia.net وبدعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support
المزيد عن تقارير سردیة
تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19285}" data-page="1" data-max-pages="1">