إبراهيم صالح:
تزدحم اللافتات الانتخابية للمرشحين بأحجامها الكبيرة، في شوارع المنصور والساحات العامة في هذه المنطقة الحيوية التي تقع في قلب الدائرة الثانية عشرة إحدى أهم الدوائر الانتخابية للعاصمة بغداد، وتحديداً في جانب الكرخ منها وهو الحال نفسه في بقية شوارع مناطق الدائرة وساحاتها العامة.
هنا لا تبعد لافتة دعائية عن الثانية سوى بضعة أمتار، فيما تتزاحم صور المرشحين على واجهات بعض المحال التجارية، وهو ما يعكس حجم المنافسة في الدائرة التي تضم خمسة مقاعد (أحدها لكوتا النساء) من أصل تسعة وستين مقعداً هي المقاعد المخصصة للعاصمة بجانبيها الكرخ والرصافة.
أغلب صور المرشحين في هذه الدائرة تعود لشخصيات بارزة في كتل سياسية تسكن فعليا في مناطق تقع خارج الدائرة، وبعضها لمرشحين يقيمون خارج بغداد أو حتى خارج العراق.
يبدي المرشح المستقل وسام رشيد، وهو يتجول بسيارته المتواضعة في شارع تتلاصق فيه لافتات المرشحين وشعاراتهم الانتخابية، انزعاجه من طبيعة المنافسة بين أمثاله من مرشحين قرروا خوض الانتخابات لتمثيل أهالي منطقته الذين يعرفونهم وبين مرشحي الأحزاب السياسية القادمين من مناطق أخرى.
يقول رشيد وهو يشير الى لافتة عملاقة لمرشح من خارج دائرة المنصور: “لا نستطيع منافسة الحملات الانتخابية للأحزاب الكبيرة ومرشحيها من أصحاب الإمكانات المالية المخيفة.. هذا مستحيل..ربما لن يكفي ان تكون كفوءاً ومن أبناء المنطقة”.
ويضيف: “نظام الدوائر الانتخابية الجديد الذي يقسم المحافظة الى دوائر متعددة، ويعتمد على المناطقية كان الهدف منه القضاء على التحزب والطائفية والعشائرية، لكن هذا لن يتحقق”.
ويعتقد أن قراره خوض الانتخابات كان “مجازفة” نظراً لكثافة الحملات الانتخابية لمرشحي القوى السياسية الذين اقتحموا الدائرة الانتخابية بغية الفوز بأحد مقاعدها.
رغم الشكوك التي تراوده، يعوّل رشيد على أبناء المناطق وسكانها الحقيقيين في “اختيار مرشحيهم الذين لن يضحوا بسنوات عمرهم التي قضّوها بينهم مقابل أربع سنوات في مجلس النواب”.
الأمل في اختيار الناخبين
يتشارك المرشح عن الدائرة نفسها حيدر صبيح، المخاوف ذاتها مع رشيد، لكنه يبدي تفاؤلا أكبر، ويبدي ثقته بأصوات أهالي منطقته والمناطق المجاورة في دائرته الانتخابية ممن كانوا ينتظرون تغيير القانون الانتخابي لتتاح لهم فرصة اختيار مرشحين عن مناطقهم وليسوا من خارجها.
يقول صبيح، الذي يسكن في منطقة الوشاش، إن “التجربة الانتخابية الجديدة المتمثلة بالدوائر الصغيرة، والوعي الذي يبديه الناخبون لاسيما في المناطق الشعبية والراغبة في التغيير جعلتنا واثقين من أن مناطقنا ستختار أبناءها من المرشحين”.
ويضيف: “رغم الحملات الانتخابية الكبيرة لمرشحي الكتل السياسية واستغلالهم للمال السياسي ومقدرات أخرى، والمبالغة في الصرف المالي على الدعايات لكننا نعتقد أن التأثير سيكون محدوداً لأن أبناء المناطق يعرفون من سيختارون”.
تضم الدائرة الثانية عشرة مناطق حيوية في بغداد مثل المنصور والقادسية وحي الخضراء واليرموك وصولاً إلى حي التشريع والمنطقة الخضراء والتي يقطنها عدد كبير من المسؤولين والسياسيين العراقيين وهو ما جعل الترشح والمنافسة في تلك الدائرة كبيرة.
يتنافس في هذه الدائرة مائة وستة وثلاثون مرشحاً، منهم اثنان وأربعون عن كوتا الأقليات، مع استبعاد أحد مرشحي الدائرة بقرار قضائي قبل يوم الاقتراع ببضعة أيام.
ودفعت أغلب الكتل السياسية بمرشحين عنها إلى هذه الدائرة، يتقدمها تحالفا “تقدم” و”عزم” من المكون السني، والتيار الصدري وتحالف الفتح ودولة القانون من المكون الشيعي، فضلاً عن عدد كبير من التيارات المدنية وتلك التي انبثقت عن الحركة الاحتجاجية بالإضافة إلى العديد من المرشحين المستقلين.
مخاوف المرشحين من أبناء تلك المناطق من امكانية سيطرة مرشحي الأحزاب السياسية على جل مقاعد الدائرة الانتخابية تبدو أكثر وضوحاً لدى أبناء المناطق ذاتها من الناخبين الذين يبدون غير متفائلين بما يحدث.
يقول نشوان عمر وهو من قاطني أحد أحياء منطقة المنصور: “طالبنا لسنوات طويلة بأن يتغير النظام الانتخابي من دائرة واحدة لكل محافظة إلى دوائر متعددة في المحافظة الواحدة أملاً في إحداث تغيير من خلال اختيار الأشخاص الذين يمثلون أبناء المناطق بحق لكي يسهل علينا محاسبتهم، لكن الأمور لا تسير وفق ما كنا نأمله”.
يتوقف للحظات حين تعالت أصوات أغاني صادرة من سيارات عابرة كانت تحمل صورة أحد المرشحين، قبل أن يكمل وهو يبتسم ويحرك يديه بطريقة تظهر عدم رضاه: “السيناريو نفسه سيتكرر مع الدوائر المتعددة لأن نفس الأشخاص الذين كانوا يفوزون بمقاعد العاصمة بغداد وفقاً للنظام السابق للدوائر الانتخابية سيفوزون اليوم في النظام الجديد بطرق ملتوية”.
من الطرق الملتوية التي يشخصها نشوان هي “استخدام مرشحي القوى السياسية الكبيرة للمال الهائل المتوفر لهم واستغلال مقدرات الدولة فضلاً عن إدخال أعداد كبيرة من جمهورها إلى المناطق التي ترشحوا عنها لضمان حصولهم على أكبر عدد من الأصوات التي تؤهلهم لخطف المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية”.
مقاطعون لصعوبة المنافسة
صعوبة مواجهة مرشحي الأحزاب الكبيرة بما يملكونه من امكانات كبيرة للدعاية واستقطاب اصوات الناخبين بشتى الطرق بما فيه استغلال مواقعهم الوظيفية في الدولة، هي الحجة التي يرفعها المنادون بمقاطعة العملية الانتخابية.
يرى فهد ناصر، وهو من سكنة منطقة العامرية في الدائرة الثانية عشرة، أن ما يسميه بـ”الفوضى الانتخابية” هي السبب الرئيسي الكامن وراء قراره هو وأهله بمقاطعة الانتخابات.
ويقول فهد، إن “وجود هذه الكمية من المرشحين من خارج الدائرة الانتخابية التي من المفترض أن تكون لأهل الدائرة نفسها جعلنا غير مهتمين بالمشاركة لأن النتيجة معروفة سلفاً”.
وينتقد قانون الانتخابات بما حمله من ثغرات، قائلا: “القانون لم يكن واضحاً في هذا الأمر وبالتالي فإن عدداً كبيراً من المرشحين تمكنوا من الترشيح في دوائر هي بعيدة كل البعد عن دوائرهم الأصلية وهذا أمر غير مقبول وغير مفهوم بالنسبة لنا”.
ويطالب فهد بتغيير القانون في الدورات المقبلة وبما يضمن “عدم ترشح أي شخص من خارج الدائرة الانتخابية الخاصة به، لتحقيق التمثيل الحقيقي لأهالي المناطق في كل دائرة انتخابية”.
وحدد قانون الانتخابات العراقي الضوابط التي يتم وفقها الترشح عن الدوائر الانتخابية من خلال اعتماد سكن المرشح الحالي كركيزة لاختيار المرشح للدائرة التي يريد الترشح فيها.
ولأسباب تتعلق بالعمل على سبيل المثال، وسهولة نقل السكن من منطقة إلى أخرى أو من محافظة إلى ثانية، فضلاً عن وضع الراغبين بالترشح من خارج العراق، أصبح الترشح عن دائرة انتخابية معينة أمراً يسيراً بالنسبة إلى الكثيرين.
يعلق الخبير القانوني علي التميمي، على ذلك بالقول، إن “المرشحين توزعوا حسب سكنهم الحالي بالاعتماد على البطاقة الوطنية وبطاقة السكن، وهذا الأمر محدد بضوابط الترشح في قانون الانتخابات”.
ويوضح: “هنالك بعض المرشحين الذين انتقلوا للسكن في هذه الدائرة أو تلك لخوض الانتخابات، كما أن إلغاء انتخابات الخارج منح حق الترشح للراغبين من خارج العراق في الدوائر الانتخابية حسب سكنهم، كما أن هنالك من يعمل خارج البلاد أو لديه ظرف مؤقت في الخارج لكنه يسكن في هذه المنطقة أو تلك فيحق له الترشح فيها”.
ولا يستبعد الخبير القانوني علي التميمي أن يكون هنالك “تغيير في قانون الانتخابات مستقبلاً في حال كانت هنالك رغبة شعبية في هذا الاتجاه على الرغم من كونه يرى أن هذا الأمر بعيد الحدوث فمن حق الشخص أن يترشح في المنطقة التي يريدها”.
لا ينفي ايوب أحمد، وهو احد المهتمين بمراقبة العملية الانتخابية، من أن دخول مرشحين من خارج الدوائر الانتخابية للترشح فيها أسهم في تراجع حظوظ بعض المرشحين من أهالي تلك المناطق كما قد يؤدي الى زيادة نسبة العزوف عن المشاركة في الانتخابات.
لكنه يرى أن على المرشحين من أبناء المناطق نفسها العمل لسنوات بشكل مكثف للتعريف بأنفسهم والدعاية السياسية والاجتماعية لبرامجهم وربما العمل على تشكيل تكتلات والترويج لها قبل التفكير في خوض المنافسة الانتخابية أمام أحزاب.
ويوضح أحمد الذي يراقب تحولات القانون الانتخابي والثغرات التي تظهر في كل مرة:”لا يمكنك لمجرد انك من أبناء المنطقة ان تدخل المعترك الانتخابي وتواجه الاحزاب الكبيرة التي تملك في كل مكان مرشحين وناخبين كثر”.
ويخلص أحمد الى القول:”علينا أن لا ننسى في الوقت نفسه، ان دخول مرشحين من مناطق أخرى خلق منافسة واسعة بين المرشحين من الطرفين، وهذا يعطي للناخب فرصة في اختيار المرشح الذي يراه مناسبا وإن كان من خارج منطقته”.
وتجري الانتخابات الحالية قبل موعدها بنحو عام، وجاءت نتيجة الضغط الذي احدثته الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مناطق وسط وجنوب البلاد في تشرين الاول اكتوبر 2019 للمطالبة بالاصلاح وانهاء الفساد، واستمرت الاحتجاجات لنحو عام قتل خلالها نحو 600 شخص لتتطور المطالب الى اجراء انتخابات مبكرة ونزيهة لتغيير الطبقة السياسية، غير أن بعض القوى التي انبثقت عن هذه التظاهرات لم تشارك في العملية الانتخابية وقررت مقاطعتها في ظل استمرار استهداف كوادرها من قبل جماعات مسلحة.
ويتنافس في الانتخابات 3249 مرشح (قبل استبعاد عدد بسيط منهم) على أصوات أكثر من 25 مليون مواطن عراقي يحق لهم التصويت في الانتخابات التي ستمهد الطريق لوصول 329 مرشحاً إلى عضوية المجلس النيابي المقبل من ضمنهن 83 امرأة و9 من ممثلي الأقليات
- أنجز التقرير ضمن برنامج تدريب حول تغطية الانتخابات العراقية نظمته “أوان” awanmedia.net وبدعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support
المزيد عن تقارير سردیة
تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19278}" data-page="1" data-max-pages="1">