فريق نينوى الاستقصائي:
طالب برلمانيون رئاسة مجلس النواب العراقي بإحالة أمراء حشود عشائرية في نينوى ومحافظات أخرى إلى التحقيق بسبب إجبارهم منتسبين تحت إمرتهم على جمع أصوات لمرشحين في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في تشرين الاول أكتوبر 2021.
وتضمن الطلب الذي وقعه عشرون نائباً، رفع أيدي أربعة أمراء حشود متهمين باستقطاع مبالغ مالية من المنتسبين، لحين اكمال التحقيقات معهم في وزارة الدفاع. في وقت يتحدث ناخبون في نينوى والأنبار عن تعرض اقربائهم المنتمين لحشود عشائرية لضغوط مختلفة لاجبارهم على التصويت لأشخاص محددين.
وتنتشر ميليشيات الحشد العشائري في عموم أقضية ونواحي محافظة نينوى المحيطة بمركزها مدينة الموصل (405كم شمال بغداد) وقد أسسها شيوخ عشائر من العرب السنة وأعضاء في مجلس النواب العراقي وسياسيون قبيل حرب تحرير نينوى من داعش 2016 -2017، ومعظم هؤلاء موالون لقوى سياسية وفصائل شيعية.
وكانت الحشود العشائرية قد أبعدت عن نطاق نيران حرب تحرير الموصل ولم يسمح لها بالدخول أو الانتشار إلا بعد طرد داعش تماماً. وأسندت إليها مهمات ثانوية كإقامة حواجز تفتيش في مناطق محدودة داخل الموصل وبلدات في نينوى، في حين أن السيطرة الفعلية بقيت لفصائل الحشد الشعبي (الشيعي) وقوات الشرطة الاتحادية (الفرقة الخامسة والثالثة).
وبقيت هذه الحشود محافظة على تشكيلاتها حتى بعد مرور أربعة سنوات من طرد داعش وانتفاء السبب الرئيسي لإنشائها، فبقيت تمسك الأرض في مناطق حاضناتها العشائرية، مانحة أمرائها سلطات ونفوذا واسعين ليس فقط على المنتسبين بل حتى على سكان تلك المناطق.
جابر، (أسم مستعار) لمنتسب في الحشد العشائري في ناحية القيارة(65 كم جنوب الموصل)، قال بأن آمر الحشد الذي انتسب اليه سنة 2016، هدده بالفصل إن لم يجمع له أصوات خمسة أشخاص من أقربائه في الأقل ليرشحونه في الانتخابات البرلمانية.
وقال جابر بأن كل أمراء الحشود العشائرية يضغطون على منتسبيهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لانتخابهم أو انتخاب مرشحين آخرين قريبين منهم.
واستدرك: “ليس أمامنا خيار، إما أن ننتخبهم بقناعة أو تملقاً أو ننتخبهم مكرهين”.
وتابع مستهزءاً :”أية انتخابات هذه؟ وقادة الفصائل المسلحة يرشحون انفسهم ويجبرونك ان تصوت لهم.. بأي قانون ومنطق يسمح لهؤلاء الترشح؟ .. كل الأمور تجري بترتيبات مسبقة، والحكومة لا ترى ولا تسمع وتقول انها ستضمن نزاهة الانتخابات”.
مجلس النواب العرقي أحال طلب النواب الموقعين وكلهم من نينوى الى مجلس القضاء الأعلى- رئاسة الإدعاء العام بموجب الكتاب المرقم 7540 في 31 آب2021 والذي حمل توقيع الأمين العام لمجلس النواب د.سيروان عبد الله اسماعيل لفتح تحقيق عاجل وفوري.
وبدأت الحملات الانتخابية منذ اسابيع، لكنها ماتزال باردة وتقتصر على نشر بوسترات بعض الكيانات والمرشحين، وسط تشكيك معظم الناخبين بجدوى اللجوء الى صناديق الاقتراع لتغيير واقع البلاد في ظل انتشار السلاح والمليشيات واستغلال امكانات الدولة من قبل القوى النافذة.
علي حسين، وهو احد النشطاء الذين شاركوا في (حراك تشرين) وهو الاسم الذي أطلق على مظاهرات خرجت في بغداد ومدن أخرى في تشرين الأول 2019 ضد سياسات الحكومة العرقية.
يقول بأنه كان يناقش الى ما قبل اشهر امكانية ترشيح شباب يمثلونهم لخوض المنافسة الانتخابية “لا يمكن في هذه الانتخابات ان يحصل تغيير، القوى الكبيرة تسيطر على كل شيء، وتملك السلاح والمال وتستغل نفوذها في الدولة بكل امكاناتها لفرض مرشحيها، لذلك سنقاطع مع الأغلبية الساحقة هذه الانتخابات”.
ويتابع:”ليس في الحشود والأجهزة الأمنية فقط يتم جمع الأصوات بالتهديد، فالانتهاكات تحدث في كل مكان، والجميع يعرف كيف جرى التلاعب بالأصوات حتى في المفوضية، وكيف احرقت الصناديق، وكيف ارتفعت نسبة المشاركة الوهمية الى ما فوق الـ40%”.
صراع انتخابي واستغلال لموارد الدولة
المحامي وليد مقدام خضر يعتقد بأن طلب النواب للتحقيق مع آمري افواج، كان ينبغي احالته إلى وزارة الدفاع فقط وليس الى مجلس القضاء الأعلى وأن توجه عقوبات عسكرية مباشرة الى من تثبت ادانته. وليس كما يُفسرُ بعض النواب الأمر على أنه مجرد ” استغلال وظيفة لمنفعة خاصة”.
ويؤكد ضرورة تدخل مفوضية الانتخابات بنحو مباشر في التهم التي وجهها النواب الى قادة الحشود، لأنها اكثر جهة معنية بسلامة ونزاهة العملية الانتخابية.
فيما يشير الباحث المتخصص بالشأن السياسي العراقي أياد جميل عزت إلى أن مطالبات النواب بمحاسبة أمراء الحشود تبدو من الناحية النظرية لحماية العملة الانتخابية وضمان نزاهتها، لكنها في الحقيقة “مجرد صراع سياسي لا أكثر” فهؤلاء يدعمون مرشحين آخرين.
ويوضح: “معظم النواب الموقعين على طلب التحقيق مع أمراء الحشود هم بدورهم أمراء في حشود أخرى منافسة أو للأحزاب التي يمثلونها حشود عشائرية”.
ويتابع عزت، ان النائب أحمد الجبوري العضو في لجنة النزاهة البرلمانية، وورد أسمه بين الموقعين على الطلب، يقود حشداً عشائرياً في ناحية القيارة التابعة لمحافظة نينوى يطلق عليه (حشد فرسان الجبور).
النائب أحمد الجبوري عزا توقيعه على طلب التحقيق مع الأمراء إلى شكاوى تقدم بها منتسبون في عدد من الحشود دون أن يسميها، قالوا بأنهم يتعرضون الى ضغوط لانتخاب مرشحين بعينهم وسيتعرضون للفصل وعقوبات أخرى في حال رفضوا الإذعان.
وقال موجها كلامه الى المنتسبين المشتكين: “ماتتعرضون اليه جريمة يحاسب عليها القانون لاستغلال الموقع الوظيفي بالسجن ما لا يقل عن خمسة سنوات وقطعا لن يستطيع أي آمر أو مسؤول فصلكم او معاقبتكم طالما انتم ملتزمون بالدوام والواجبات”.
ودعا كل منتسب في الحشود العشائرية يتعرض إلى ضغط مشابهة للتواصل معه مباشرة لغرض مساعدتهم في تقديم الشكوى للادعاء العام ومكتب القائد العام للقوات المسلحة.
وبحسب المفوضية العليا للانتخابات في العراق فأن عدد المرشحين قد بلغ 3249 بينهم 951 امرأة. منهم ممثلون عن 167 حزباً تشكل منها 58 تحالفاً والبقية شخصيات مستقلة يتنافسون جميعاً لشغل 329 مقعداً إضافة الى تسع مقاعد للكوتا.
الكثير من هؤلاء المرشحين وبحسب الناشط السياسي حازم كاظم يقودون فصائل مسلحة وهم نواب حاليون أو سابقون أو سياسيون يدخلون المعترك الانتخابي مستغليين موارد الدولة لتعزيز حظوظهم، كتسخير من هم تحت امرتهم للتصويت أو جمع الأصوات لهم فضلا عن المشاركة في حملاتهم الدعائية من خلال نشر البوسترات والصور الخاصة بهم.
ويقول حازم بأن هنالك من يقوم بحملات دعائية تتمثل بتنظيف وتبليط شوارع وتزويد قرى بالمياه وغيرها من الأعمال باستخدام آليات الدولة والجهد الوظيفي الحكومي المتمثل بعمال البلدية وغيرها من الدوائر الحكومية.
ويتابع “وهنا أيضاً نجد بأن أمراء الحشود من المرشحين للانتخابات هم من يقوم بهكذا أمور، مستغلين السلطات الأمنية التي يمتلكونها، فيكفي أن يرسل الواحد منهم مجموعة من عناصر الحشد التابع له إلى أي دائرة ويأخذ منها ما يريد”.
مصطفى ناصر، وهو صحفي ومحامٍ ورئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، يقول بأن الدستور العراقي يمنع في الأصل تشكيل مليشيات خارج إطار الدولة، وهذا ما ينطبق على الحشود العشائرية.
كما نبه إلى أن قانون الانتخابات العراقي يمنع مشاركة أي جهة سياسية لديها جناح مسلح في الانتخابات ” لكنهم يلتفون على القانون بحجة أن هذه الميليشيات تتبع هيئة الحشد الشعبي المشكلة بموجب القانون” .
وزير التخطيط العراقي خالد بتال قال في تصريح متلفز أن الحشد العشائري مستغل سياسياً وانتخابياً، مؤكداً بدوره وجود مرشحين يشغلون مناصب قيادية في الحشود يبتزون المنتسبين بتأمين عشر بطاقات انتخابية أو أكثر ثمناً نظير إبقائهم في تلك الحشود.
ولفت إلى أن استغلال بعض المرشحين لموارد الدولة في تغطية او مساندة حملات ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية أصبحت ظاهرة مرصودة “وقد تشخصت لدينا مؤخراً حالات تؤكد ذلك في الحشد العشائري التابع لهيئة الحشد الشعبي وبالأدلة الدامغة”.
(آ، ي) منتسب في حشد الغربية العشائري في قضاء القائم التابع لمحافظة الأنبار غربي العراق، ذكر بأن مرشحة للإنتخابات البرلمانية حضرت الى الفوج وطلبت من الآمر أرقام بطاقات المنتسبين الانتخابية لكي تضمن انتخابها.
غير أنه رفض طلبها فكانت النتيجة أن تم نقله بعد أيام إلى خارج قضاء القائم عقاباً لرفضه مطالب النائبة غير المشروعة، وفقاً لرواية المنتسب.
النائب عن محافظة نينوى محاسن حمدون الدلي، واحدة من الموقعين على الطلب البرلماني، قالت بأن معلومات أكيدة وردت بشأن قيام قادة حشود عشائرية في نينوى بجمع بطاقات المنتسبين الانتخابية مع أفراد عائلاتهم وتهديدهم بقطع الرواتب عن كل من يرفض ذلك.
وتشدد الدلي على ضرورة التحرك بشكل جدي وحازم “لايقاف مثل هكذا تجاوزات تمس نزاهة العملية الانتخابية في الصميم”.
وفي وقت ألتزمت فيه وزارة الدفاع الصمت حيال الرغبة البرلمانية في إجراء التحقيق مع قادة حشود تتبعها من الناحية الادارية. عدت مفوضية الانتخابات الأمر مجرد اتهامات لا يمكن لا يمكن اتخاذ قرارات بخصوصها إلا بعد إثباتها.
وقال ممثلٌ عن المفوضية، أنها لم تتلق أية شكوى بشان قيام قادة حشود بإجبار منتسبين على انتخاب مرشحين دون غيرهم، وقال أن إجراءات كثيرة اتخذت لمنع أي خروقات او تجاوزات على العملية الانتخابية.
ولا تقتصر الضغوط والاغراءات لشراء البطاقات الانتخابية على المناطق المحررة وفي الأجهزة الامنية، ففي جنوب البلاد ايضا يسعى مرشحون للحصول على تلك البطاقات وضمان اصواتها لصالحهم عبر توزيع “هدايا” وأموال. واتهم نواب بعض القوى والشخصيات برصد مبالغ طائلة لحملاتها حتى وصل سعر البطاقة الانتخابية الى 200 دولار، وعرضت سيارة مقابل ضمان بضعة مئات من الاصوات.
الصوت الانتخابي مقابل الوظيفة
ورغم توالي التصريحات والبيانات التي تتحدث عن حالات اجبار منتسبي الحشود للتصويت لشخصيات محددة، فان الجهات المعنية لم تتحرك، وهو ما يزيد الشكوك على كل العملية الانتخابية ويرفع احتمالات حصول مقاطعة كبيرة.
يقول عضو مجلس المحافظة السابق علي خضير، ان مسؤولاً عن الحشود العشائرية السنية في نينوى يدعى حيدر أبو كوثر يهدد منتسبي الحشود بفصلهم إذا لم ينتخبوا شخصيات حددها لهم.
ويضيف بأن هنالك آمرو أفواج حشود عشائرية قد قاموا بالفعل بجمع بطاقات المنتسبين الانتخابية وسجلوا أرقامها وأبلغوهم أنها ستعاد اليهم بعد الانتخابات ضماناً لانتخابهم مرشحين معينين.
ويبرر عادة قادة الحشود ما يقومون به أمام منتسبيهم بأنه يأتي لضمان أمن المنطقة عبر استمرار وجودهم فيها وايضا ضمان مصلحة المنتسبين وتأمين رواتبهم بشكل دائمي عبر منع تفكيك تلك الحشود مستقبلا.
حسن العلاف مرشح عن الحزب الاسلامي العراقي ويشغل منصب نائب محافظ نينوى، قال بأن أغلب رؤساء الحشود العشائرية برلمانيون وسياسيون بالتالي يملكون نفوذا في الحكومة، ومن المقلق لأي منتسب لجوء بعض هؤلاء الى تهديدهم بالطرد في حال لم يرشحوهم.
وذكر بأن وجود هكذا حالات تهدد العملية الانتخابية وينبغي إبعاد الحشود العشائرية عنها حفاظاً على استقلاليتها. وكان يفترض بحسب العلاف إلزام قادة هذه الحشود بالاستقالة كشرط لقبول ترشيحهم منعا من استغلالهم لمناصبهم في عملية الاقتراع.
مع انقشاع غبار حرب تحرير المحافظات السنية الأربع نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى من داعش، كان هنالك واحد وعشرون نائباً حالياً وسابقاً يقودون الحشود العشائرية أو على صلة مباشرة بها.
سبعة من هذه الحشود من محافظة نينوى، وهم الراحل حنين القدو (اللواء 30 حشد شبكي) وطالب المعماري وأحمد الجبوري (حشد فرسان الجبور)، ويونادم كنا (حشد سهل نينوى) وعبد الرحيم الشمري (حشد النوادر)، وفلاح الزيدان(حشد اللهيب)وعبد الرحمن اللويزي.
كلهم شاركوا في الانتخابات البرلمانية في أيار 2018، ويعودون للمشاركة في الانتخابات المبكرة التي ستجري في أكتوبر 2021 باستثناء حنين القدو الذي توفي في المانيا التي ذهب للعلاج فيها في 13 كانون الأول 2020.
خلفه في قيادة الحشد لفترة مؤقتة شقيقه وعد القدو الذي يحاول الآن أن يخلفه أيضاً في التواجد بمجلس النواب العراقي بترشيحه لنفسه، وقد تلقت قيادة الحشد الشعبي ايضا شكاوى بضغوط يمارسها أمراء أفواج كانوا تحت أمرته في سهل نينوى لجمع أصوات تضمن فوزه بالانتخابات.
وصدرت أوامر بنقل خمسة من هؤلاء الأمراء الذين يدينون للقدو بالولاء إلى أفواج أخرى في وسط وجنوب البلاد.
الباحث والصحفي عادل كمال، ذكر بأن نينوى التي جاوزت أعداد سكانها سقف الأربع ملايين نسمة تتسم بطابع عشائري، لذلك فأن الغالبية العظمى من أعضاء مجلسي المحافظة وممثلي نينوى في مجلس النواب كانوا شيوخاً ووجهاء عشائر.
وأضاف بأن هذا يحدث منذ أول انتخابات شهدتها نينوى في سنة 2005 ويرافق ذلك صراع حام بين هذه العشائر للظفر بالمناصب الحكومية المهمة كقيادة الشرطة. لأن ولاء مرشحيها سيكون لها، مما يعني حصول أفرادها على الوظائف والخدمات الاخرى التي تقدمها تلك الدوائر.
وبين كمال أن سيطرة داعش على نينوى والدمار الذي حل بها خلال تحريرها والخسائر البشرية التي تكبدتها جعلت المواطنين يفقدون ثقتهم بالطبقة السياسية لذلك يعمد المرشحون كقادة الحشود العشائرية إلى اجبار من هم تحت إمرتهم بجمع الأصوات الانتخابية لهم مع ادراكهم بمحدودية المشاركة وعدم وجود تأييد في الشارع لهم.
ويرى كمال أن غياب البرامج الانتخابية الحقيقية، فضلاً ظاهرة الفساد المستشرية في مختلف الأصعدة هي التي تدفع المرشحين إلى اتخاذ سبل غير شرعية للوصول الى الكرسي التشريعي. وأن نظام الدوائر المتعددة في الدورة الانتخابية الحالي تمنح العشائر سطوة في المناطق التي تتركز فيها أتباعها لذلك يرجح ان “تستحوذ العشائر” على نسبة أكبر من المناصب التشريعية والإدارية في العراق بعد انتخابات اكتوبر.
دعوات لإلغاء التصويت الخاص
في مقابل الأصوات التي تدعو إلى منع الخروقات في العملية الانتخابية داخل المؤسسات الأمنية، هنالك أصوات تتعالى مطالبة بإلغاء التصويت الخاص بقوى الأمن وبضمنها الحشد الشعبي، كما سبق وان تم إلغاء التصويت الخاص بالعراقيين في الخارج.
ومن هؤلاء النائب عن الجبهة العراقية محمد الخالدي الذي يؤمن بأن ذلك سيمنح العملية الانتخابية برمتها مدى واسعاً من النزاهة ويعزز الثقة بها.
ومثل الخالدي يرى كثيرون بأن قوى سياسية تشارك بالسلطة كانت قد استغلت نفوذها في المؤسسة العسكرية للحصول على مكاسب انتخابية وهو أمر يحدث في عموم البلاد.
إذ يؤكد العقيد (ن س) من صنف المشاة، أن أغلبية القادة في التشكيلات الأمنية يتبعون احزاباً والإطار العام لتوزيعهم لا يختلف عن المشهد السياسي العراقي المبني على المحاصصة القومية والطائفية.
ويقول ان هؤلاء القادة يقومون بأدوار لمساعدة مرشحي أحزابهم في الانتخابات البرلمانية من خلال استخدام ورقة المنتسبين في التشكيلات التي تحت امرتهم. لذا فالأمر لا يقتصر على الحشود العشائرية التي تعد صغيرة جداً مقارنة بالجيش النظامي أو قوى الأمن الداخلي، وفقا لما يراه العقيد.
يمضي (عبد الله، ث) عامه الخامس منتسباً لحشد عشائري في غربي نينوى، كان يعمل قبل ذلك عامل بناء. يبرر انتمائه للحشد بسبب البطالة التي عانى منها لعدم وجود فرص عمل في ناحية ربيعة حيث يسكن ولا سيما في الوقت الذي كان فيه نازحاً بسبب سيطرة داعش على المنطقة.
يقول: “بالنسبة لي إنه مجرد عمل لأضمن قوت عائلتي، وبالنسبة للقادة فنحن مصدر تمويل لأنهم يتقاضون امولاً لإدارة الحشد من كافة النواحي ونحن ايضاً أصوات انتخابية جاهزة للاستخدام”.
يقول عبد الله أنه تلقى تعليمات بمنح صوته وأصوات أفراد عائلته (ستة منهم يحق لهم الاقتراع) لقائد الحشد المرشح في الانتخابات البرلمانية دون أن يورد اسمه لكي لا يتم الاستدلال إليه فيفقد بذلك راتبه.
ويرد عبدالله على من يؤكدون عدم قدرة أحد على قطع راتب المنتسب وابعاده عن عمله مادام ملتزماً وفق القانون، بالقول “لا يوجد أسهل منها، يمكنهم ان يلفقوا تهمة لك، او في الحد الأدنى يتهمونك بالتقصير ويطردونك”.
وترجح مراكز معنية بالشأن الانتخابي ان تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ضعيفة، نتيجة غياب قوى منافسة جديدة وعدم ظهور أحزاب وشخصيات قيادية بارزة يمكن ان تقود التغيير، واستمرار سيطرة القوى السياسية المتهمة بالفساد على مفاصل الادارة وحتى التحكم باللعبة الانتخابية عبر موظفيها في مفوضية الانتخابات، الى جانب طبيعة القانون الانتخابي ذي الدوائر المتعددة حيث يمكن الفوز بمقاعد بمناطق مغلقة ببضع مئات من الاصوات ولا تحتاج الاحزاب النافذة هناك الى حشد عشرات آلاف الاصوات.
علي طاهر، مدير مركز البيان للابحاث والتخطيط، يقول في تصريحات صحفية، ان التوقعات والاستطلاعات الأولية تشير الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات ستتراوح بين 20% الى 30%، مشيرا الى عدم اهتمام غالبية الناخبين بالانتخابات، فبين 25 مليون ناخب عراقي هناك 19 مليون فقط (نحو 70%) لديهم بطاقاتهم بايومترية، في حين ان 6 ملايين لا يملكون تلك البطاقات ولا يستطيعون التصويت.وفي نينوى لم تزد نسبة من قاموا بتحديث بطاقاتهم الانتخابية عن 45%.
- انجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.