تقارير سردیة: الأمن الهش والتقاليد تهبط بنسب النساء بمفوضية الانتخابات وتقصيهن عن المواقع القيادية

الأمن الهش والتقاليد تهبط بنسب النساء بمفوضية الانتخابات وتقصيهن عن المواقع القيادية

يفرض الأمن الهش والتقاليد المجتمعية قيودا كثيرة على النساء بضمنها منعهن من العمل في وظائف مختلفة وتصل أحيانا الى حد حرمانهن من حق التصويت في الانتخابات. ووفق أرقام رسمية تبلغ نسبة النساء اللواتي يعملن في مفوضية الانتخابات مقارنة بالمجموع الكلي للعاملين نحو 13%، وفيما ترتفع النسبة في إقليم كردستان الى نحو 20% فانها تصل الى…

علي أياد:

بارتباك واضح كانت تقف في الجزء الخلفي من قاعة الاقتراع بإحدى مراكز بغداد الانتخابية، وهي تنظر الى الساعة التي قاربت السابعة مساء، فيما تطالع عبر النافذة حركة المارة في الشارع العام، حين رن هاتفها، وما ان فتحته حتى سمعت صراخه “متى ستعودين؟.. هل تعرفين كم الساعة؟..ماذا سيقول الناس عنا؟.. عودي فورا”. تجيب بصوت خافت ومتقطع: “تمام بابا تمام”.

تقفل سارة ذات 26 عاما، خط الاتصال وهي تسير سريعا نحو مسؤول المركز، محاولة استعطافه للسماح لها بالخروج، لكنه يشدد على بقائها لنصف ساعة أخرى.

حين اقتربت من المنزل كانت عقارب الساعة تشير الى الثامنة، ووجدت والدها واقفا عند الباب مع ابن عمها. ما ان رآها حتى سحبها من شعرها وهو يجرها الى داخل المنزل ويوجه ضربات متتالية لها سقطت بإثرها على الأرض وارتطم رأسها بزاوية حادة تدفق منها خيط من الدماء غطى الجزء السفلي من وجهها.

لم يمنعه مشهد الدم المرعب وصمتها، من مواصلة لكمها على ظهرها وهو يلقي سيلا من الشتائم “ماذا أقول للناس؟ بسببك ساكون علكة بفمهم”.

تمرر سارة يدها على اثر جرح خفيف في حنكها خلفه فورة غضب والدها في ذلك المساء، بعد يوم عمل واحد كموظفة اقتراع. “مضى على ذلك نحو سبعة أعوام، لكن جرحه في روحي لم يندمل مازال معي بوجعه.. كدت أموت يومها غسلا للعار”.

تسكت وهي تضع كفها على رقبتها وتشد بأصابعها عليها وتردف “من السهل ان تنتهي حياتنا نحن النساء فهي مرهونة بعصبية العائلة، وكل ما نريده مُصادر مسبقا حتى قرارنا باختيار العمل او حقنا في التصويت، فكيف بالمشاركة السياسية؟”.

سارة واحدة من آلاف النساء اللواتي تمنعهن عوائلهن من العمل ولو لبضعة أيام في أي مركز انتخابي مقابل أجر مالي جيد، بحجة متطلبات العمل لساعات طويلة أو مخالطة الرجال.

كما يُحرمن من حق الاقتراع، ففاطمة ذات الـ 33 عاما والتي لم تكمل دراستها الثانوية بسبب رفض عائلتها لذلك، لم تذهب للانتخابات إلا مرة واحدة عندما رافقها والدها واجبرها على التصويت لشخص لا تعرفه أصلا، تقول “شعرت حينها بأن وجودي في الحياة شكلي ولا قيمة له، فأنا لا املك أي قرار”.

في كل انتخابات تمنع فاطمة من الخروج من المنزل للتصويت مع شقيقاتها الثلاثة وعندما يطلبن ذلك يكون الجواب :”ما يجي غير الحجي، اكعدوا … كلها محسومة”.

تقول سعاد حسن (40 عاما) التي كانت موظفة اقتراع في ثلاث دورات انتخابية سابقة، ان مئات النساء لا يستطعن العمل في المفوضية العليا للانتخابات رغم حاجتهن للمال “بسبب النظرة المجتمعية لطبيعة هذا العمل وغلبة العاملين الذكور فيه، وساعات العمل الطويلة، فضلا عن المحاصصة الحزبية التي تحرم النساء من الوظائف القيادية ما يجعل المتقدمات يواجهن في الغالب رجالا يفضلون بدورهم تعيين الذكور على الاناث”.

تضيف “كما ان هناك العديد من الفتيات لا يستطعن المشاركة في الاقتراع بسبب منعهن من قبل عوائلهن في ظل عادات مجتمعية ترفض خروج المرأة واختلاطها بالرجال”.

 

مراكز ودواوين ذكورية

ليلى كانت تجلس على رحلة مدرسية وتراجع رزمة اوراق تتضمن تعليمات خطوات عملية الاقتراع. هي المرأة الوحيدة التي تتواجد في تلك القاعة ضمن موظفي المفوضية في المركز الذي يضم أكثر من عشرين رجلا وثلاث نساء فقط، ذلك يجعل المركز بيئة غير مفضلة لعمل النساء كما تقول ليلى “احيانا يرمقني الناس بنظرات تشعرني بالخجل والقلق”.

“هناك نظرة مجتمعية سلبية على عمل المرأة في الأماكن المختلطة” تقول سارة وهي تلتفت حولها.حين رغبت بالعمل في المفوضية أخبرت والدها بذلك ووافق لكن سرعان ما تغير الوضع ووصل الى حد ضربها “كل ذلك لأن جارتنا قالت له كيف تترك ابنتك الى هذا الوقت وهي بالمركز المليء بالشرطة والشباب”.

تلك الكلمات كانت كافية ليس فقط ليغير رأيه بل ويشعر بالعار، ما دفعه سريعا لجمع اخوتها لتأديبها، تقول “شعرت ان نهايتي حلت، كان يريد قتلي”.

تعاني النساء في العراق من صورة نمطية تحدد طبيعة حياتهن والمهن المفضلة لهن والأماكن التي يمكنهن التقدم للعمل فيها دون غيرها. وتفرض التقاليد المجتمعية شروطا عديدة عليهن ليبقين بعيدات عن دائرة الانتقاد، هذا ما تراه ناشطات تواصلنا معهن، بسبب ذلك فان إمرأة واحدة فقط ترغب بالعمل لكل عشرة نساء في العراق، بحسب احصائيات حكومية.

تعمل في مفوضية الانتخابات نحو 437 امرأة من اصل 3416 موظف أي نحو 13% من مجموع العاملين في المفوضية في كل انحاء العراق.

تفسر الدكتورة رنا مولود، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بغداد، سبب قلة تلك النسبة، الى ان العراقيين “يرون ان العمل في المفوضية نوع من أنواع العمل السياسي او امتداد له، فهم لا ينظرون اليه كوظيفة اعتيادية، ولهذا يبتعدون عنه”.

ذات النسبة المتدنية للنساء تتكرر في مراكز المفوضية المخصصة لتسجيل الناخبين والتصويت في يوم الاقتراع بالمحافظات حيث تعمل أربعة نساء فقط في كل مائة مركز تسجيل، فبحسب توزيع المراكز في العام 2018 فان مجموع العاملات في مراكز التسجيل بلغ 288 امرأة فقط، في حين بلغ عدد العاملين نحو 1824 رجلا، وهذا يعني ان ثلاثة نساء يعملن في مراكز التسجيل مقابل كل عشرين رجلا.

في حين بلغ عدد النساء في مكاتب المفوضية بالمحافظات 149 امرأة موزعة على عشرين مكتبا من اصل 1355 موظفا، أي ان نسبة النساء اللواتي يعملن في تلك المكاتب تبلغ 11% من مجموع العاملين عموما، ما يعني ان امراة واحدة تعمل في مكاتب المفوضية لكل عشرة رجال.

وترتفع نسبة عمل النساء بمكاتب ومراكز المفوضية في إقليم كردستان الى نحو ضعف نسبتهم في باقي محافظات العراق اذ تبلغ نحو 20% من مجموع العاملين في محافظات الاقليم الثلاثة، وهذا يعني ان هناك امرأتان تقريبا تعملان في أحد وظائف المفوضية بالاقليم لكل عشرة رجال. في حين بلغت النسبة بمحافظات العراق الأخرى نحو 12% ما يعني ان امرأة واحدة تعمل مقابل كل عشرة رجال.

 

وترجع الناشطة السياسية بان الياس، هذا التفاوت بنسة النساء بين الاقليم وباقي مناطق البلاد، بالانفتاح الذي يشهده اقليم كردستان منذ سنوات في مجال دعم حقوق المرأة وعملها في مختلف القطاعات.

وتنحفض نسبة العاملات في المفوضية بالمحافظات التي لم تكن مستقرة أمنيا والتي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الى 4% من من مجموع العاملين، ففي الأنبار هناك امرأتان تعملان لكل مائة رجل، ويبلغ العدد في صلاح الدين ثلاثة نساء لكل مائة رجل، أما في نينوى فهناك ستة نساء يعملن في أحد وظائف المفوضية لكل مائة رجل.

وترجع الدكتورة ساجدة الجبوري التدريسية في العلوم السياسية بجامعة الموصل، تدني تلك النسب الى الوضع الأمني السيء في تلك المحافظات وتهديدات الجماعات المسلحة باستهداف العاملين في المؤسسات الحكومية “هذه المدن عانت من سيطرة المجاميع المتطرفة التي استهدفت العاملين بمفوضية الانتخابات، ما انعكس سلبا على عمل النساء فيها”.

وتورد الجبوري سببا آخر، يرتبط بالعادات والتقاليد التي تحكم هذه المدن، مشيرة الى ان العادات الاجتماعية في نينوى “اقل تقييداً للمرأة ولهذا نرى ان نسب التوظيف فيها اعلى من المحافظات ذات الطابع العشائري والمضطربة امنيا في ذات الوقت”.

وطوال نحو عقد من الزمن كان موظفو مكاتب مفوضية الانتخابات في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين يتلقون تهديدات او يتعرضون للضغوط والملاحقات.

يقول محمد (اسم مستعار) وهو موظف حكومي عمل لسنوات كموظف اقتراع في المفوضية، ان فترة سيطرة تنظيم داعش على الموصل وقبلها تنظيم القاعدة “شهدت ملاحقة العشرات من موظفي المفوضية” ما اضطره للهرب الى تركيا وبقي فيها حتى استعادة الحكومة لمدينة الموصل.

وعامل تنظيم داعش موظفي المفوضية او حتى موظفي الاقتراع الذين عملوا ليوم واحد مقابل اجر مالي محدود، كمعاملتهم لمنتسبي القوات الأمنية حيث أجبرهم على ما أسماه اعلان التوبة ودفع غرامة مالية بين 100-200 دولار امريكي، ولم يكتفي بذلك فمع احكام سيطرة على نينوى قام التنظيم بملاحقتهم “باعتبارهم عملاء”.

ولا توجد ارقام لأعداد الذين غيبوا او قتلهم التنظيم. لكن مصدرا في المفوضية اشار الى تلقيهم طلبات عديدة من ذوي مفقودين ومغيبين يطلبون الحصول على تأييد بعملهم في المفوضية “ونحن نقوم بالتدقيق وتأييدها اذا كان الشخص قد عمل فعلا لدينا”.

https://infogram.com/annual-report-1h7z2l8xp9y5g6o?live

طوال شهر تواصلنا عبر سلسلة اتصالات تلفونية وايميلات مع اعلام مفوضية الانتخابات في بغداد، للحصول على أرقام ومعلومات بشأن ضحايا التنظيمات المسلحة من موظفي المفوضية والعاملين فيها، لكن المفوضية رفضت الرد.

ثم تواصلنا تلفونيا والكترونيا مع مكتب مفوضية نينوى الذين بدورهم رفضوا اعطاء أي احصائيات، بينما سجلت الأنبار وصلاح الدين 12 حالة قتل لموظفين في المفوضية بينهم خمسة من صلاح الدين، في حين ان لوحة الشهداء في موقع المفوضية تحوي على 25 اسما ولم تضم اي اسم من ضحايا محافظة صلاح الدين الخمسة بينما ضمت اسمين فقط من الأنبار.وبين الأسماء الـ 25 المعلنة هناك ثلاث نساء، اثنين من بغداد وواحدة من كركوك.

تلك النسب المتدنية لمشاركة النساء في المحافظات التي سيطرت عليها في فترات تنظيمات ارهابية، لا تتكرر في المحافظات ذات الطابع “المدني والمستقرة امنياً” بحسب وصف نشطاء، فمعدل الموظفات في كركوك من الاناث يبلغ نحو 25% بينما في ديالى بلغت النسبة نحو 21% رغم انها ايضا تصنف كمنطقة غير مستقرة. لكن مناطق بالمحافظتين المذكورتين كانت خاضعة كليا او جزئيا لسيطرة الاحزاب الكردية. وتلي ديالى محافظة بابل بنسبة 20% من مجموع الموظفين وتتبعها محافظة بغداد بنفس النسبة.

في حين تنخفض بشكل محدود نسبة النساء العاملات في المفوضية في كربلاء والديوانية لتبلغ نحو 19% وتتراجع في باقي المحافظات الى ما دون 13% فتصل في محافظتي ميسان والنجف الى 4%. وترجع أستاذة العلوم السياسية الدكتورة رنا مولود الأمر الى الطابع “العشائري والديني” في المحافظتين حيث لا يسهل على المرأة العمل الا في قطاعات محدودة كالتعليم والصحة.

لكن أستاذة العلوم السياسية ساجدة الجبوري، تضيف سببا آخر يقف وراء قلة نسبة النساء العاملات بمكاتب المفوضية في العديد من محافظات البلاد، ويتمثل في ان المفوضية “لا تعلن عن وظائفها بشكل عام، بل يتم التوظيف غالبا بشكل سري وبمحاصصات حزبية وبالتالي فالاحزاب توظف النسبة التي تريدها بوالشكل الذي تريده”.

بالنتيجة المحافظات التي تحكمها أحزاب اسلامية تنخفض فيها نسبة النساء، لأن هذه الأحزاب تفضل توظيف الرجال.

 

لا قيادات نسوية في المفوضية

تدخل مروة ذات 35 عاما، التي عملت في مفوضية الانتخابات طوال ثمانية أعوام، قاعة الاجتماع في مركز التسجيل الذي تسلمت ادارته بمحافظة ديالى في العام 2017، بينما تطاردها مزيج من نظرات الاستغراب والاستهجان من موظفي المركز المجتمعين لبحث خطط العمل.

عندما بدأت بادارة جلسة الحوار، طرحت الكثير من الأسئلة التي بدت تشكيكية مع الكثير من التعليقات والحوارات الجانبية بين الموظفين. شعرت معها مروة بأن ادارتها للمركز أمر غير مرحب به “لاحقا اخبروني برفضهم لي. تقبلت الأمر فقد شعرت طوال فترة تسلمي للمنصب اني مهمشة ولا أمتلك الكلمة العليا، كانوا دائما يرجعون للإدارة العليا عندما أتخذ اجراء او قرارا”.

تسكت مروة لثوان ثم تكمل “انه مجتمع ذكوري لا يرضى بقيادة المرأة لأي مكان حتى لو كان في مناصب ادارية عادية”.

لم تستمر مروة في منصبها الإداري لفترة طويلة ففي عام 2018عادت كموظفة تسجيل مسلمة الإدارة لرجل. وقتها كان هناك خمسة نساء فقط يدرن 41 مركزا انتخابيا في عموم ديالى، لكن تراجع العدد اليوم الى ثلاثة نساء فقط، بحسب مروة التي تقول ان “التمثيل غير المتوازن في قيادات المفوضية ومجلس المفوضين جعلني اشعر بالضعف والتهميش، كنت أعلم ان ملاحظاتي ومطالبي لن تصل ولا اهمية لها خاصة في ظل عدم وجود مفوضات في المجلس حينها”.

وتغييب النساء عن عموم الوظائف القيادية في المفوضية، ففي مجلس المفوضين بدورته الرابعة التي انتهت قبل اقل من عامين لم تكن هناك أي امرأة. كما لم تشغل أي امرأة منصب مدير بالمقر الرئيسي للمفوضية ، في حين لم تتجاوز نسبة النساء بأعلى منصب وظيفي وهو “نائب مدير” الـ12% وهي أعلى وظيفة قيادية حصلن عليها.

وبلغت نسبة النساء في الوظائف القيادية في مقر المفوضية 9.8% من مجموع وظائف المفوضية.

تقول الدكتورة ساجدة الجبوري ان وظائف المفوضية “تسيطر عليها الأحزاب والكتل ضمن المحاصصة الحزبية، لذا هي محصورة بينها وهي دائما تفضل اعطاء المواقع القيادية للرجال أنها تتعامل معها كمواقع سياسية”.

وخلال جميع دورات مجلس المفوضين السابقة كان هناك سبع نساء فقط ضمن المجلس، وهو ما يشكل نحو 13% من مجموع الأشخاص الذين شغلوا موقع مفوض. وسجلت الدورة الأولى للمفوضية أعلى حضور نسائي بثلاثة نساء من مجموع تسعة مفوضين وتلتها الدورة الثانية بإمرأتين، والثالثة بإمراة واحدة، في حين خلت الدورة الرابعة من النساء تماما، وسجلت الدورة الخامسة (العام 2020) حضور امرأة واحدة.

ترى كوشان كمال، العضو السابق بمجلس المفوضين، ان انخفاض نسب الوظائف القيادية في المفوضية يرجع الى “النظرة الدونية للمرأة واعتبار ترشيحها من قبل اي مكون نقطة ضعف، سواء كانت مرشحة لمنصب عالي أو موظفة بمركز قيادي”، مشيرة الى ان قرار اختيار الأشخاص للوظائف الادارية والقيادية عائد الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

 

وينبه غيث التميمي، عضو المكتب السياسي لحزب المواطنة، الى ان مفوضية الانتخابات وفق القانون العراقي هي هيئة مستقلة يتم اختيار موظفيها بحسب معايير مهنية رصينة، لكن على أرض الواقع هذا لا يحدث.

يستدرك “لو اعتمدت هذه المعايير لكان التمثيل النسوي اكبر، لكن وظائف المفوضية تخضع للمحاصصة الحزبية كحال مؤسسات الدولة الأخرى، والأحزاب النافذة على الساحة لا تؤمن بقدرات النساء وأدوارهن، فالقوى السياسية الحاكمة غالبيتها قوى دينية لا تسمح باعطاء ادوار قيادية للنساء”.

طوال ايام حاولنا التواصل مع مجلس المفوضين وبشكل خاص المفوضة أحلام الجابري بعد اطلاعنا على مشروع أطلقته يهدف وفق ما هو معلن “تحقيق التوازن الجندري”. لكن محاولات التواصل معها فشلت رغم تحدثنا هاتفيا ولمرات عديدة مع ادارة مكتبها وارسال رسائل واتساب لضمان الرد على اسئلتنا لكن دون اي استجابة.

 

النساء أفضل تعليما وكفاءة

مروة وبعد قرار اعفائها من ادارة المركز الانتخابي بديالى، قدمت شكوى الى ادارة مفوضية الانتخابات لبيان أسباب اقصائها وتكليف شخص آخر بادارة المركز، غير انها لم تتلق أي رد. تقول “توقعت ذلك، أنا اعرف مسبقا أن موقف النساء ضعيف داخل المفوضية”.

تضيف وهي تبدي أسفها: “الامر لا يتعلق بالكفاءة والقدرات وادارة المسؤوليات اطلاقا، النساء اكثر كفاءة وشعورا بالمسؤولية واداءً للواجب وفق القانون ومقتضيات المصلحة العامة، كما ان الاحصاءات تظهر ان النساء العاملات في المفوضية هن افضل تعليما من الرجال”.

وتكرر بلغة جازمة: “اطلاقا الأمر لا يتعلق بالكفاءة.. كل المراكز الانتخابية التي تديرها نساء أدت عملها وفق ما هو مطلوب، ولا مركز شكل عليه لجنة تحقيقية”.

وبحسب احصاءات المفوضية فان ثمانية نساء يملكن شهادة البكلوريوس فما فوق، من بين كل عشرة موظفات داخل المفوضية، بينما هناك سبعة رجال من بيل كل عشرة في نفس المستوى التعليمية.

وهناك فقط امرأة واحدة تمتلك شهادة الثانوية لكل مئة موظفة، بينما هناك ستة رجال يحملون نفس الشهادة لكل مئة موظف. تقول مروة “النساء اكثر تعليما وكفاءة لكن القيادة دائما للرجال، هذا التمييز نعاني منه جميعا”.

ذلك “التمييز” يمتد حتى الى فرص تطوير امكانات وكفاءة كوادر المفوضية، فهناك امرأة واحدة في المفوضية حظيت بالمشاركة في الدورات التأهيلية التي أقامتها في الداخل والخارج من بين كل عشر نساء، وهناك ثلاثة نساء فقط تلقين تدريبا خارج العراق من مجموع 27 شخصا تم تدريبهم، وهذا يمثل 11% من مجموع الذين حصلوا على فرص تدريب خارج العراق.

حظيت مروة خلال ثماني سنوات من عملها كموظفة في المفوضية، بفرصة تدريب وحيدة داخل العراق. تقول “المفوضية تريد تطوير الذكور فقط، وهذا الأمر يحبطني كثيرا”.

https://infogram.com/back-to-school-post-1h7k230v0x8dg2x?live

مشاركة متوازنة وتمثيل ضعيف

في آخر عملية انتخابية جرت في 2018 رصدت “جميلة” الفتاة الثلاثينية، من شباك غرفتها التي تطل على شارع عام تقع في نهايته مدرسة متوسطة، حركة المارة رجالا ونساءً وهم يمضون فرادا وجماعات ويشكل بعضهم عوائل كاملة. الجميع يومها كان يحث الخطى نحو المركز الانتخابي في المدرسة.

نهضت يومها مسرعة، واتجهت الى الصالة حيث والدها يشاهد التلفاز، طلبت منه بلغة متوسلة ان يسمح لها بالذهاب للاقتراع. أدار وجهه باتجاهها وبنصف ابتسامة قال “اجلسي لا حاجة لنا بالانتخابات”. وعاد ليشاهد التلفاز الذي كان يبث اعلانا يدعو الناخبين للاسراع في التصويت قبل اغلاق المراكز خلال ساعتين.

حاولت جميلة استعطافه “سأذهب مع جارتي واصوت للمرشح الذي تختاره”. لكنه لم يجبها، وأومأ بيده في اشارة للانصراف وهو يتمتم “كلها كلاوات.. يوزعون المقاعد بيناتهم”.

قضت جميلة بقيت اليوم في غرفتها، لم تكن لديها رغبة في التكلم مع أي شخص. تقول “شعرت يومها بحزن كبير، لأني لم استطع ممارسة حقي البسيط في التصويت.. نعم انا لا افهم بالسياسة ولم يكن لدي مرشح محدد، لكني كنت أرغب بالمشاركة مثل الآخرين”.

بحسب استبيان اجراه الباروميتر العربي، فان ستة من كل عشرة عراقيين يرون ان الانتخابات غير حرة وغير نزيهة. وترتفع نسبة الذكور الذين يشككون بنزاهة الانتخابات الى 66% مقابل 57% من الاناث. ذلك يعني ان اكثر من نصف الناخبين لا يؤمنون بشفافية الانتخابات ودقة نتائجها.

ويرى عراقي واحد من كل عشرة يحق لهم التصويت ان الانتخابات “حرة ونزيهة”، في حين ان نسبة الذين يرون ان النتائج فيها شبهات تزوير تصل الى 23%.

وفي آخر عملية انتخابية رصدت شبكة “شمس” لمراقبة الانتخابات الكثير من الخروقات للاجراءات الانتخابية، خاصة في المناطق النائية.

تقول هناء حمد منسقة الوسط للشبكة، ان الكثير من الانتهاكات حصلت والناخبون كانوا شهودا على العديد منها، بدءا بفترة الدعاية الانتخابية ومرورا بتفاصيل عملية الاقتراع، وهي لم تشمل يوم الاقتراع فقط بل تجاوزته الى ما بعد نقل الصناديق للمخازن حيث وقعت عمليات احراق للصناديق، وهذا كله يؤثر على رغبة الناخب بالمشاركة والتصويت، الى جانب التشويه الذي تقوم به بعض الجهات للعملية الانتخابية.

 

التصويت لمن يريده رب الأسرة

يمسك والدها قبضة باب المنزل، ويصيح  “حجية يالله… فاطمة وين صرتوا… تأخرنا”. تأتي فاطمة مسرعة مع والدتها لترافق اخواتها الثلاثة للمركز الانتخابي.

قرب المركز يتفترقون فالبنت وامهما يدخلون من ممر مخصص للنساء ويدخل الأب من الاتجاه الآخر، وما ان تجاوزوا النقاط الأمنية ودخلوا قاعة المركز حتى وقف والدها أمامهم قائلا: “اعطوني بطاقاتكم” وبعد اجراءات تدقيق الاسماء والهويات في السجل مضى بهم نحو كابينة التصويت وهناك أشر لرقم محدد على جميع البطاقات.

تقول فاطمة: “صوت باسمي لشخص لا اعرفه أصلا، ولا اعرف الى اي كتلة ينتمي، ولم اكن استطيع الاعتراض”.

“يحدث ذلك مع عشرات آلاف النساء في كل عملية انتخابية” بحسب ناشط عمل موظفا في عدة عمليات انتخابية. ويضيف “حتى نحن كموظفين لا نستطيع الاعتراض على ذلك التصويت الجماعي، لأن رب العائلة ربما يعتبرها تدخلا أو تجاوزا على الأعراف الاجتماعية”.

في آخر دورة انتخابية للبرلمان العراقي فازت 86 امرأة بمقاعد من أصل 329 مقعدا، أي ان 25% من مجموع الأعضاء هم نساء وهو ما يفرضه نظام الكوتا وفق الدستور العراقي.

ويرى ناشطون ان هذه النسبة تدل على المشاركة السلبية للمرأة في التصويت، فرغم ان نسبة المشاركة بين الرجل والمراة متقاربة في الانتخابات، الا ان نسبة التمثيل النيابي متفاوت، فالنساء يصوتن للمرشحين الرجال بارادتهن او رغمن عنهن.

وكانت نسبة تصويت النساء من المجموع الكلي للمصوتين في الانتخابات النيابية لسنة 2018 قد بلغت 49%. تعلق فاطمة على ذلك بالقول: “نحن النساء لا نصوت لمن نريد”.

يظهر استطلاع للباروميتر العربي ان سبعة اشخاص من كل عشرة يرون ان القرار الأخير فيما يخص شؤون العائلة يعود للرجل.

ففي العراق هناك سلطة ذكورية وتحجيم لرأي المرأة ودروها في الحياة، فالرجال في العوائل هم من يقررون في الغالب ويفرضون رأيهم على النساء، أو يؤثرون على نحو كبير في رأيهن داخل الأسرة.

“كما ان المجتمع يرى ان منصب نائب او اي موقع سياسي آخر، هي تناسب الرجال دون النساء، فالسياسي يجب ان يكون صوته مرتفعا ويناقش ويجادل وهذه ليست من صفات المرأة” هكذا فسرت هناء حمد، تفضيل المجتمع لانتخاب الرجال على النساء.

 

أصوات النساء بيد الرجال

وبحسب استطلاع اجراه الباروميتر العربي فان 72% من العراقيين يوافقون الرأي القائل بأن الرجل افضل من المرأة في القيادة السياسية. ومن يعارضون هذا الرأي كانوا 28% فقط.

ذلك يدل على وجود توجه عام نحو قيادة الرجل للمجتمع محكوما بالنظرة الذكورية. يقول عضو اللجنة السياسية بحزب المواطنة غيث التميمي “مازال العراق يعيش في ارشيف ما قبل 2003 فهناك توجه سياسي ومجتمعي لتهميش المرأة”.

وتفاوتت نسبة مشاركة النساء في التصويت بالمحافظات العراقية ففي محافظات ميسان وواسط وديالى تجاوزت نسب مشاركة النساء على الرجال، وسجلت في ميسان مشاركة ستة نساء لكل عشر مصوتين. وفي واسط وديالى كانت النسبة 50.4% و50.2% على التوالي.

ترجع هناء حمد، سبب التصويت العالي في تلك المحافظات رغم كونها محافظات غير منفتحة اجتماعيا: “هناك توجه حزبي وديني في تلك المناطق، لهذا يندفعون للتصويت وعادة بطلب من الرجال”.

وانخفضت نسبة النساء اللواتي شاركن في التصويت في المحافظات الشمالية المتمثلة بالسليمانية وأربيل ودهوك الى جانب نينوى، وبلغت 47% من مجموع المشاركين في التصويت، رغم ان هذه المحافظات تعد منفتحة اجتماعيا مقارنة بغيرها.

وفي كركوك والانبار وصلت نسبة النساء المصوتات الى 48% من مجموع المصوتين، أما في بغداد والنجف وباقي المحافظات العراقية فوصلت نسبة النساء المصوتات الى 49% من مجموع المصوتين.

 

فاطمة التي لم تشارك الا في عملية انتخابية واحدة، ذهب بها والدها في 2018 لتحديث بطاقتها الانتخابية. تقول “اخذنا والدي لنحدث البطاقات كونه سمع انها جزء من المستمكات المطلوبة لإكمال المعاملات في دوائر الدولة ولضمان استلام الراتب، لولا ذلك لما قام بتحديثها”.

ونشرت حينها أحزاب نافذة أخبارا بأن بطاقة الناخب البايومترية يجب جلبها في أي معاملة او عند استلام الراتب، من أجل دفع مؤيديهم لتحديث بطاقاتهم الانتخابية في ظل عزوف الناخبين عن تحديثها. وذلك يفسر جزئيا التفاوت بين عدد المصوتين في المحافظات واعداد الذين حدثوا بطاقاتهم الانتخابية، فدهوك واربيل اللتان كانتا الأكثر تحديثا للبطاقات الانتخابية بنسبة 51% من مجموع المحدثين، كانتا من اقل المحافظات اللواتي صوتت فيها النساء.

تأمل فاطمة أن تشارك في الانتخابات التشريعية التي تجري في شهر أكتوبر تشرين الاول من 2021 وأن تدلي بصوتها هذه المرة وفق قناعتها وليس اختيار والدها، في حين تسعى مروة لكسب شكواها التي رفعتها لادارة المفوضية من اجل اعادتها الى إدارة المركز الانتخابي الذي كانت تديره في الانتخابات السابقة.

قد لا تحقق جميلة وفاطمة ومروة ما يأملنه، لكن سارة تحدت عائلتها وانخرطت في العمل مع نساء أخريات يعملن في منظمات مجتمع مدني ويخططن للمساهمة عبر برامج توعوية في رفع نسب تمثيل المرأة في البرلمان وكسر القيود المجتمعية التي تمنع عن النساء حقوق العمل والتصويت وتقلد المناصب العليا.

تقول “الحادث الذي حصل لي شكل انعطافة في حياتي، لن أرضى بالخضوع لأحد ولن أكتفي بتغيير حياتي فقط، بل سأساعد الآخريات على ذلك”.

  • التحقيق من مخرجات ورشة “مختبر البيانات الجندرية” المنجز من قبل منظمة انترنيوز
مصادر البيانات:
  • واقع النوع الاجتماعي في وزارات ومؤسسات الدولة العراقية (وزارة التخطيط العراقية)
  • التحليل الشامل للعملية الانتخابية والسياسية في العراق بحسب النوع الاجتماعي 2019 (المؤسسة الدولية لتنظيم الانتخابات)
  • الباروميتر العربي الدورة الخامسة (العراق).

المزيد عن تقارير سردیة

تقارير سردیة","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19094}" data-page="1" data-max-pages="1">