تحقيقات استقصائية: داعش والميليشيات ومؤسسات حكومية أشتركوا في تدميرها .. نينوى تفقد 90% من معالمها الأثرية

داعش والميليشيات ومؤسسات حكومية أشتركوا في تدميرها .. نينوى تفقد 90% من معالمها الأثرية

طوال قرون لم تستفد نينوى من آثار ممالكها العظيمة التي لا تقدر بثمن، والتي كانت يمكن ان تشكل قبلة للسياح. اليوم ونحن نبكي على أطلال كنوز لا يمكن استعادتها، يراودنا سؤال واحد: لماذا دمرت؟

نوزت شمدين/ آب أغسطس 2021:

صباح الرابع والعشرين من تموز 2014 فرض عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طوقاً أمنياً محكماً حول ما يعرف بـ(تل التوبة)المشيد فوقه جامع النبي يونس ، في الجانب الأيسر لمدينة الموصل، 405 كم شمال العاصمة العراقية بغداد.

أفرغوا المنازل الصغيرة في الجهة الخلفية من سكانها ومنعوا حركة مرور المركبات والمشاة في الشوارع المحيطة بالتل وساد المكان جوٌ ممزوج بالقلق والترقب. وقبيل انتصاف نهار ذلك اليوم، حول انفجارٌ مدوٍ بناية الجامع إلى كرة هائلة من الدخان والغبار، إنقشعت ببطء كاشفة عن ركام بناءٍ يمتد عمرُ بعض أجزائه لنحو ألف عام.

هكذا افتتح التنظيم عهد سيطرته على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، بحملة تدمير منظمة للمواقع الأثرية انتهت حصيلتها بحسب مفتشية الآثار والوقف السني في نينوى، بـتدمير(360) معلماً تاريخياً ودينياً أثرياً.

كانت تلك في الظاهر تدميرا لمواقع “ترتكب فيها الآثام ويجري التعبد فيها لغير الله” على حد زعم التنظيم في بياناته التي كان ينشرها، لكنها أخفت في الجوهر عمليات سرقة واسعة للآثار وبيعها عبر شبكات تهريب.

خلال فترة حكم داعش التي امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، تعرضت المئات من المواقع الأثرية للنبش من أصل (1600) موقعٍ غير مستظهر، وتم نهب ما فيها، فضلا عن سرقة نحو (1000) قطعة كانت موجودة في متحف الموصل الحضاري، وتدمير ما لم يكن قابلاً للنقل منها.

بعد أربع سنوات من إنهاء سيطرة داعش على الموصل، لم يتجاوز ما تم استعادته من قطع اثرية الـ(100) قطعة، فيما تجري خطوات ترميم البعض مما دمر من المعالم الأثرية ببطء شديد والأخرى اصبحت في طي النسيان بسبب الدمار الكامل لذي لحق بها. بينما تتواصل التجاوزات على آثار نينوى، وحتى عمليات السرقة وهذه المرة بعلم أجهزة الدولة الأمنية والمدنية على حد سواء.

يقول المتخصص بالقانون المدني د. منتصر غالب مراد ان قانون الآثار والتراث العراقي يتضمن مواداً تعاقب سراق الآثار والمتجاوزين عليها بعقوبات تتراوح بين عدة سنوات والى السجن المؤبد وفي بعض الحالات الاعدام.

ويضيف: “نحن نعرف أن مواطنين وفصائل مسلحة خارجة عن القانون وحتى جهات حكومية، متورطة بالتجاوز على آثار نينوى في ظل تراخي سلطة الدولة، وهم جميعا مشمولون بالعقوبات”.

المعبد الكبير في الحضر

قائمة طويلة من المواقع

شكل التنظيم عقب سيطرته على الموصل في 10 حزيران/يونيو 2014 لجاناً عبر ديوان (الركاز) لحصر أعداد المواقع الأثرية التاريخية أو الدينية للمسلمين المخالفين لمنهج داعش السلفي المتشدد أو للمسيحيين والإيزيديين والكاكائية، تمهيداً لتدميرها بذريعة عقائدية كان خطباء الجمعة التابعين والموالين له يرددونها في جوامع المدينة باستمرار “أنها شركية” أي تعود لحقب كانت تعبد فيه الأصنام أو فيها شبهة رمزية لعبادة غير الله.

ويرى الباحث والكاتب الصحفي عادل كمال، أن التنظيم استند في ذلك على قيام النبي محمد، بتدمير الأوثان التي كانت موجودة في مكة عقب سيطرة المسلمين عليها فيما عرف بـ(فتح مكة) في العام الثامن من الهجرة الموافق لـ 10 كانون الثاني/يناير 630م.

وذكر بأن حملة داعش بدأت في 19 حزيران/يوليو2014، وتم التمهيد لها برفع تمثال الشاعر( أبي تمام) وكان قائماً على الضفة اليمنى من نهر دجلة في قلب الموصل.

ومن ثم تمثال الملا عثمان الموصلي أشهر موسيقي وقارئ مقام في تاريخ المدينة 1854 – 1923 وكان قائما بالقرب من محطة القطار. بعدها رفعوا باقي تماثيل والنصب منها تماثيل السواس وفتاة الربيع.

وفي التاسع من حزيران أيضاً تم تجريف المرقد المعروف بأسم (قبر البنت)وكان ماثلاُ على الجزرة الوسطية للشارع العام في منطقة رأس الجادة في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، ويعود تأريخ هذا المرقد الذي هو في الأصل للمؤرخ الاسلامي أبن الأثير الى 1232 م.

كما شملت عمليات التدمير والتجريف جوامع فيها مراقد، كمرقد شيخ الشط (1168م) في منطقة الشهوان والشيخ فتحي (الفتح بن عثمان الآزدي- 835 م) بالقرب من الجسر الخامس على الضفة اليمنى لنهر دجلة.

وفجر عناصر التنظيم مرقد الأمام يحيى أبو القاسم 1240 م وكان موقعه في منطقة هي الشفاء. ويوم 23تموز/يونيو 2014 فجروا مقام النبي دانيال في منطقة حضيرة السادة وجامع النبي جرجيس في سوق الشعارين وجامع النبي شيت في الشارع الذي يحمل ذات الأسم.

وشمل التفجير مرقدي، الأمام عون الدين(1248م)في باب لكش بالجانب الأيمن للموصل. وقضيب البان الأزدي(1150م) في منطقة باب سنجار. ومقام السيدة زينب (1221م) في قضاء سنجار غرب الموصل فضلاً عن منارة المدينة الأثرية. والقلعة التاريخية في قضاء تلعفر غربي الموصل أيضا.

وآخر ما دمره التنظيم من معالم نينوى الأثرية كان جامع النوري أو كما يعرف بالجامع الكبير في الجهة اليمنى للموصل حيث منارة الحدباء الأثرية 1180م، وهو المكان ذاته الذي كان قد ظهر فيه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في شهر تموز/يوليو2014 معلناً قيام الدولة الاسلامية في المناطق التي سيطر عليها تنظيمه.

العقيدة أم المال ؟

خلال أشهر قليلة “أصبحت كل آثار نينوى سواءً الموجودة في المواقع الأثرية كالحضر والنمرود ونينوى وخورسباد فضلاً عن الموجودة في المتحف ودور العبادة هدفاً للتدمير حسب المعلن وللسرقة والتهريب كما خطط التنظيم الذي أعتمد وبنحو كبير في تلك الفترة على واردات تهريب الآثار وكذلك النفط من حقول نينوى الجنوبية والغربية”.

وينبه الباحث عادل كمال الى ان ديوان الركاز هو من تولى تلك المسؤولية وذلك يشكل دليلا على “اعتماد التنظيم على الآثار كمورد مالي، لأن الركاز نظام إسلامي يتعلق بكل ما هو مدفون تحت الارض وله قيمة من غير المعادن”.

ويشير إلى أن التنظيم قام وبنحو احتفالي بتفجير جامع النبي يونس، الذي ضم وفق ما يعتقد أهالي المدينة وعلى مدى قرون أنه مرقد(النبي يونس). واستند عناصره وكذريعة أيضاً لما قاموا به على أحاديث  للنبي محمد منع فيها دفن الموتى في الجوامع.

غير أن الأمر في حقيقته بحسب كمال وباحثين آخرين يرتبط “بوجود قصر أثري في الموقع يعود للملك الآشوري أسرحدون 680 – 669 قبل الميلاد، وبتفجير الجامع لإزالة المرقد المبني فوق تلة اثرية أزاح التنظيم عن نفسه تهمة هدم الجامع دون عذر شرعي، وصارت كنوز القصر غير المقدرة بثمن في حوزته”.

ويستدل عادل كمال في ذلك على أن التنظيم كان بوسعه فقط، أن يزيل المرقد دون حاجة لتفخيخ الجامع بالمتفجرات وتحويله إلى أنقاض !.

شهود عيان من المنطقة القريبة من جامع النبي يونس( الجماسة) ذكروا بأن التنظيم منع اقتراب المدنيين من الجامع ومحيطة طوال ذلك النهار، وفي الأيام للاحقة شهدوا اليات تابعه له تعمل في المنطقة التي عرفوا بعدها أنها كانت مدخل القصر الأثري.

يؤكد المتخصص في الأوقاف الدينية عبد الله الجبوري، ان الهدف المادي للتنظيم من وراء تدمير المعالم الأثرية في نينوى وقال بأن داعش عقب افراغه قصر اسرحدون من كل ما يمكن حمله من قطع أثرية عمد إلى تفجير جوامع الأنبياء (شيت، وجرجيس) وجعل من أرضيهما ساحتين لوقوف السيارات.

يتفق مع هذا، مصعب محمد جاسم مدير اثار وتراث نينوى السابق في فترة ما بعد تحريرها من داعش 2017. وقال بأن التنظيم حفر انفاقاً بعد تفجيره للجامع، بهدف الوصول الى ما ظهر انه تحت الجامع مباشرة وهو قصر اسرحدون وسرقة كل شيء قابل للنقل منه.

شبكة أنفاق جديدة

في منتصف تسعينيات القرن المنصرم جرت حملة توسيع لجامع النبي يونس ومحيطه، خلالها ظهر ممر يؤدي الى قصر اسرحدون، وبأوامر من رئاسة الجمهورية تم ردمه بالكونكريت، لكونه يمتد تحت جامع النبي يونس الذي يحمل قيمة دينة بالغة الأهمية تفوق أهمية القصر الآشوري لدى أهالي الموصل وآلاف منهم كانوا يزورونه أسبوعياً.

لكن اكتشاف قصر أسرحدون يعود لنحو قرن ونصف من ذلك التاريخ، حيث عثر عليه العالم الآثاري البريطاني أوستن هنري لايرد سنة 1845م، دون ان يستظهره بالكامل، فقد اكتفى باستظهار أطلال نينوى في تل قينجوق على بعد نصف كيلومتر من تل التوبة حيث جامع النبي يونس، ومن هناك قام بنقل مكتشفاته وأبرزها الثيران المجنحة الضخمة إلى لندن عبر نهر دجلة بواسطة طوّافات خاصة أعدّت لذلك الغرض.

الخبراء الآثاريون الذين تواصلنا معهم، وأكدوا حصول عمليات سرقة من الموقع، أشاروا الى أن الأنفاق التي احدثها لايرد خلال تنقيبه لم تكن تتجاوز الخمسة أمتار، بخلاف شبكة الانفاق التي ظهرت بعد استرداد المدينة من داعش، حيث أحدث التنظيم انفاق متشعبة بحثاً عن كنوز القصر الآشوري والتي تتجاوز اطوالها 800 متر.

وأجمع الخبراء، الذي فضلوا عدم الاشارة الى أسمائهم، بأن طبيعة الأنفاق المستحدثة لم تكن تنقيبية، أي لم تكن بهدف الاكتشاف وإنما السرقة.

الخبراء لم يبدو اهتماما كبيرا بما تم سرقته من القصر، بقدر اهتمامهم بنجاة ثورين مجنحين كبيرين في الموقع واللذين لم يصابا سوى بأضرار طفيفة. يبدو ان التنظيم عجز عن نقلهما.

توزعت على بوابات نينوى التاريخية وفي عدد من مواقعها الأثرية 17 ثوراً مجنحاً ظاهرا، جرى تدميرها جميعا من قبل داعش. لذا شكل اكتشاف اثنين سليمين بالنسبة للخبراء حدثا كبيرا وتعويضا جزئيا عما فقدته نينوى من ارث تاريخي.

محمد الشماع، المدير الأسبق للوقف السني في نينوى، وإمام وخطيب جامع النبي يونس قبل حزيران/يونيو 2014، يستبعد ان يكون هدف داعش من تدمير الجامع عقائديا. يقول “لا يوجد أصل تاريخي أو أثري أو ديني يقيني قطعي بوجود رفات النبي يونس في الجامع الذي فجره داعش”.

لكن الجامع، بحسب الشماع، شكل رمزاً للموصل واحتل على مدى قرون مكانة في قلوب المسلمين، دون ان يكون هناك تقديس للضريح الذي كان مقاماً في جزء من الجامع. وهو ما يجعله يعتقد أن هدف داعش من وراء تفجيره لم يكن عقائدياً مطلقاً.

وثائق تؤكد التنقيب

مصدرٌ في الأمن الوطني بمحافظة نينوى، أطلعنا على وثائق كان عناصر من دائرته قد ضبطوها في واحدة من أبنية جامعة الموصل بعد تحريرها من داعش، وهي عبارة عن كتب رسمية موجهة لديوان الركاز، حمل أحدها تاريخ (28 رجب 1436 ) أي 17/5/2015.

تضمن مايلي “تم بفضل الله تنقيب تل النبي يونس وفي موضعين من التل وتم العثور في الموضع الأول على قطع من الآجر الآشوري عليها كتابات مسمارية قديمة وفي الموضع الثاني تم اظهار ثور مجنح كبير الحجم”.

الوثائق حملت كذلك أسماء العناصر التي قامت بحفر الانفاق واستخرجت الآثار ونقلتها مع أرقام المركبات العائدة لديوان الركاز.

المصدر أكد العثور في ذات موقع تلك الوثائق على خمسين قطعة أثرية، عبارة عن بلاطات آجرية تحمل كتابات مسمارية وكسر فخارية متفاوتة الأحجام، يبدو انها كانت معدة للتهريب قبل تحرير الموصل.

بعض القطع كانت مسروقةً من متحف الموصل كونها حملت أرقاما منها قطعة مستطيلة منقوشة بخطوط متوازية عليها الرقم (143536 م 4) والأخرى رقم (86). وعدد آخر منها غير مرقمة، استظهرت من مناطق مجهولة.

ويعود الباحث عادل كمال ليؤكد: “لو كان الهدف هو تدميرها لما جرت عمليات التنقيب تلك ولما تم استخراجها، ولجرى تدميرها في ذات المكان”.

ورجح المصدر الأمني أن تكون هنالك الكثير من المواقع التي خبأ فيها التنظيم مسروقات من الآثار، لم يتمكن من تهريبها، لكن الأمر “يتطلب وقتا للعثور عليها” وفقاً لتعبير المصدر.

شكلت القطع التي تم العثور عليها مع الوثائق أولى أدلتنا على أن تنظيم داعش كان ينقب بالفعل عن الآثار ويجمعها وما كان ينشره من مقاطع فيديو لتدمير الاثار إنما كانت تغطية لعمليات سرقة وتهريب قام بها إبان سيطرته على الموصل.

لتتبع مصير الآثار المفقودة ومحاولة كشف ما تلف منها فعلا وما سرق، تواصلنا مع مفتشية الاثار ومرجعها وزارة الثقافة والسياحة والآثار وديوان الوقف السني وباحثين آثاريين ومسؤولين محليين، وقمنا بالتنقل ميدانياً لرصد المواقع الأثرية المعروفة وغير المستظهرة عياناً لتشكيل صورة كاملة عن ما آلت اليه منطقة احتضنت ثلاثة ممالك آشورية متتالية.

ما أعاق حصولنا على المعلومات من مفتشية آثار نينوى ومتحف الموصل الحضاري، أوامر صادرة إلى موظفيها تهددهم بالطرد في حال صرحوا بشيء لوسائل الإعلام والسبب في ذلك معلومات نسبت اليهم في قضايا جدلية تخص الآثار حسبما أخبرونا خلال تواصلنا معهم.

لذلك سنكتفي في هذا التحقييق بالإشارة فقط الى (مصدر) دون إيراد أسماء سواءً في تلك الدائرتين أو الدوائر الأخرى، حماية لمصادرنا من الملاحقات.

داعش أزال 90% من عاصمة الإمبراطورية الآشورية

يقطع الجهة الغربية لتل التوبة حيث جامع النبي يونس شارع رئيسي يفصله عن بداية تل آخر يُعرف بـ( تل قوينجق ) وهو تل ردم يقع تحته سور مدينة نينوى الأثرية، التي يرجع الآثاريون تاريخ أول استيطان فيه إلى 6000 سنة قبل الميلاد.

بحلول 2000 قبل الميلاد أصبحت المدينة مركزاً لعبادة الالهة عشتار ومن ثمة عاصمة للأمبراطورية الآشورية التي حكمت “الجهات الأربع”.

يمتد تل قوينجق في الاتجاه الغربي إلى حي المهندسين، ثم يتجه شرقاً حتى تقاطع جسر السكر ثم جنوباً ماراً بحي المثنى والنور ثم يصل إلى منطقة باب شمس ثم يستمر جنوباً حتى يجتاز منطقة نينوى الشرقية ثم جنوباً حتى يصل إلى حي المالية ثم ينتهي شمالاً في نقطة البداية عند تل التوبة، الذي يقع عند تقاطع النبي يونس.

رافقنا خلال تجوالنا حول السور الباحث والمتخصص في شؤون الآثار والتراث د. يونس سليم احمد، الذي أكد أن السور الأصلي لنينوى الأثرية مدفون تحت التل البارز ، طوله 12 كم يحيط بمساحة من الأرض كانت تضم عاصمة الدولة الآشورية ولم يتبق منها سوى أطلال مكتبة الملك الآشوري سنحاريب.

وذكر بان السور الظاهر في بعض الأجزاء أنشأ في مطلع ستينيات القرن المنصرم بواسطة شركة ايطالية متخصصة نقلت حجارة السور من مقلع في قضاء الشيخان (47كم) شمال الموصل، وهو ذات المكان الذي كان قد جلب منه الآشوريون حجارة السور الاصلي.

وقال باستياء بدى واضحا على محياه، ان عناصر التنظيم قاموا وقبل فترة وجيزة من بدء عمليات تحرير نينوى منتصف 2016، بحملة لهدم وجرف بوابات مدينة نينوى الأثرية التي يعود تاريخها الى (700 ق م). واستدرك “كانوا يعلمون بان البوابات أصلية، لذا جرفوها وتركوا أجزاء السور غير الأصلية سليمة”.

وراح يروي تفاصيل ما حدث بينما نحن نتنقل بين مواقع البوابات المزالة:”بدؤوا أولاً بهدم ببوابة (نركال) وهي التي سميت نسبة إلى الإله الأشوري (نركال). وكان في مدخلها ثوران مجنحان ضخمان، حطموهما بالمعاول قبل أن تتولى الجرافات هدم البوابة ومحيطها”.

“ثم انتقلوا إلى بوابة (ماشكي) والتي تعرف شعبياً ببوابة (المسقى)، وبعدها تم هدم بوابة (آدد) التي استمدت اسمها كذلك من الإله الأشوري آدد. ثم بوابة(شمش) في الجهة الشرقية من السور. قبل أن يختتموا حملة التخريب تلك بتدمير بوابة (هلسي)في الجزء الجنوبي من السور الشرقي لنينوى”.

وأشار إلى أن تلك البوابات الأثرية الأربع كانت متبقية من أصل خمسة عشر بوابة كان يضمها السور وهي بوابات: الخطيئة، كواي، الصحراء، مستودع الأسلحة، خندوري، آشور، هالزي، كار-ميليسا، موشلو، شيبانيبيا، هلاها.

وبحسب د. يونس فأن التنظيم قام بتنقيبات في مدينة نينوى الأثرية تحت حراسة أمنية مشددة. ونقل عن شهود عيان يعرفهم بأن الأعمال تركزت على منطقة (تل قينجوق) المقابلة للحي الزراعي في الجانب الايسر لمدينة الموصل.

وهي ذات المنطقة التي عثر فيها فريق تفتيش آثاري قبل أربعة عقود على مكتبة سنحاريب التي ضمت نحو (30) الف لوح مخطوط. مما شكل أقدم مكتبة أثرية يعثر عليها.

وبقي الموقع قابلاً لمزيد من التنقيب لكن وبسبب ظروف الحرب التي مر بها العراق في حينها ضد ايران(1980-1988) تم إرجاء الأمر. “غير أن داعش تولى ذلك أخيراً ليزيل نحو 90% من بقايا نينوى الأثرية” يقول د. يونس وهو ينظر الى بقايا ركام احدى البوابات.

 

تدمير النمرود الأثرية على ثلاثِ مراحل

في شهر نيسان 2015 نشر التنظيم مقطع فديو يظهر عناصره في مدينة النمرود الأثرية (30 كم جنوب شرق الموصل)وهم يقطعون رؤوس ثيران مجنحة ومنحوتات تعود للعصر الآشوري.

مستخدمين مناشير ومثاقب كهربائية ومطارق هدم كبيرة. وبعدها عمدوا إلى تفخيخ الموقع الذي كان ولما يقرب من قرن ونصف القرن عاصمة للدولة الآشورية ثم فجروه بالكامل بدعوى أنه موقع شركي بحسب ما ورد في ذلك المقطع.

والنمرود الأثرية أو كما تعرف بأسم (كلحو) اتخذها الملك آشور ناصربال الثاني مقراً ملكياً وعاصمة للدولة الآشورية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كانت مرشحة لأن تدرج على لائحة التراث العالمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو”.

عبر الآثاري ماجد سعيد وهو يقف وسط أكوام حجارة كانت تشكل معبداً، عن آماله أن يتم ترميم القصور والمعابد والزقورة بتعاون دولي لكي تدرج بالفعل ضمن لائحة التراث العالمي.

واردف وهو يشير الى الناحية الغربية: “هذه كانت من قاعات الجناح الملكي أو تأدية الطقوس الدينية وكانت مزينة بألواح مرمرية عليها مشاهد بالنحت البارز تمثل الملك أشور ناصر بال الثاني مرتدياً ملابسه الرسمية، ممسكأ بأحدى يديه كأس الماء المقدس وبالأخرى قوساً وعلى جانبيه ملاكان مجنحان اليد اليمنى لكل منهما مرفوعة يباركان الملك”.

ثم أشار إلى الناحية الشرقية حيثُ بقايا جدار: “على هذا الجدار كان هنالك نحت مرمري آخر لملاكين مجنحين برأسي صقر وعقاب، هشمه عناصر داعش بالمطارق كما فعلوا مع باقي الجداريات المنحوتة”.

لماذا كانوا يقطعونها بالمناشير؟

قرب سياج من الـ”بي آر سي” نصب حديثاً لمنع سرقة الطابوق من انقاض مدينة نمرود قال الآثاري ماجد بشيء من التوتر “كان هناك ثوران مجنحان يحرسان ذلك المدخل، ظهر عناصر داعش في الفيديو الذي نشر خلال سنة 2015 وهم ينشرون رأسيهما وباقي الأجزاء”.

ثم تسائل: “إذا كانوا يهدفون إلى تدمير التماثيل، فلم نشروها الى قطع مربعة، لماذا لم يدمروها بالمطارق الكبيرة كما فعلوا مع باقي الأجزاء؟”.

وعبر عن اعتقاده بأنهم قطعوا تلك الاجزاء بذلك النحو لكي تسهل عليهم عملية نقلها ومن ثم تهريبها لبيعها، بذات الطريقة التي قال بأنهم اعتمدوها مع القطع التي سرقوها من متحف الموصل وقصر اسرحدون ومدينة نينوى.

وتابع: “دمر داعش مدينة نمرود الاثرية بثلاث مراحل الأولى بدأت في 12 آذار 2015 واستهدفت الواجهة الأمامية للقصر وتم تجريفها مع جمع القطع الاثرية ونقلها بواسطة شاحنات لمكان مجهول. وفي المرحلة الثانية فجروا البوابة الاولى بالكامل”.

أما المرحلة الثالثة: “فاستخدم فيها التنظيم براميل متفجرة مستهدفاً كامل الموقع، وقد أحدث التفجير خرابا كبيراً”.

ثم أشار الى الموضع الذي يقف عليه: “على هذه المساحة كان هنالك منزل صغير قائم هنا، سكنته الروائية البريطانية أجاثا كريستي سنة 1930 خلال مرافقتها لزوجها العالم ماكس مالوان في استكشافاته الاثرية هنا مطلع القرن المنصرم”.

وواصل بعد لحظات صمت: “أزالته سلطات النظام العراقي السابق بما كان فيه من آثاث سنة 2000، وكان داعش سيفعل ذات الشيء بكل تأكيد لو كان قد حظي به!”.

مصعب محمد جاسم، مدير آثار وتراث نينوى السابق قال بأن 90% من مدينة النمرود دمر، وأن التنظيم  وبعد سرقة ما استطاع عناصره من حمله، وفق المعلومات التي حصلنا عليها، قام بتدمير قاعات المدينة وجدرانها الكبيرة بأدوات الهدم العادية ثم لجأ إلى تفجيرها.

محمود عبد الله (45 سنة) من سكان ناحية النمرود شرقي نينوى، التي استمدت اسمها من المدينة الأثرية ذاتها، قال بأن قرويين من سكان المنطقة ساهموا مع داعش بتدميرها تقربا من التنظيم أو جهلا، لكن معظم الأهالي كانوا منزعجين من ذلك الفعل دون ان يجرؤ احد على المجاهرة بذلك، متسائلا “لماذا يتم تدمير المكان؟ لمصلحة من فعلوا ذلك”.

وأوضح ان البعض وبعد تفجير داعش للموقع في 12 آذار 2015 “قاموا بجمع الطابوق الناجي بين الأنقاض وأكملوا به بناء غرف أو زرائب في قراهم، وآخرون جمعوا قطع من الحطام لاسيما ما تبقى من الجداريات المرمرية وأخفوها لغرض التصرف بها لاحقا”.

 

مملكة الحضر أكبر الناجين من الدمار

تقع مملكة الحضر جنوب غرب مدينة الموصل (80كم) ويطلق عليها أيضاً مملكة عربايا، لكونها تمثل أقدم الممالك العربية في العراق. ظهرت في القرن الثالث الميلادي وحكمها أربعة ملوك واستمر حكمهم قرابة المائة عام.

مصدر في مفتشية آثار نينوى، أفاد رداً على تساؤلنا بشأن الأضرار التي لحقت بالحضر، بأن تنظم داعش كان قد استخدم معابدها وقصورها كمعسكر لتدريب عناصره، وتماثيله شواخص للرماية غير أن الأضرار تعد طفيفة جداً مقارنة بما حدث للنمرود ولنينوى.

وذكر المصدر أن عملاً مشتركاً جرى بدعم من منظمة ALIPH الدولية وبالتعاون مع الجمعية العالمية للدراسات الشرق الاوسط واسيا (ISMEO) الايطالية لتأهيل مقرات ادارة موقع الحضر الاثري تمهيدا للبدء بأعمال الصيانة وإعادة التأهيل.

صحفيُ يعمل مراسلاً لوكالة أجنبية في الموصل وكان يغطي معارك استعادة نينوى، ذكر بأنه تلقى اتصالاً هاتفياً في نيسان/أبريل 2017 من الحشد الشعبي، لمرافقة قطعاته التي ستحرر المنطقة الاثرية في الحضر.

وقال بأن من وجه اليه ولزملائه الدعوة للذهاب الى الحضر كان قائد الحشد الشعبي في حينها أبو مهدي المهندس (قُتل أبو مهدي المهندس برفقة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الايراني وعدد من مرافقيهما في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار استهدفتهم لدى خروجهم من مطار بغداد الدولي في 3 يناير 2020).

يقول الصحفي الذي طلب عدم الإشارة إلى أسمه الصريح، بانه سمع المهندس يقول بعد تحرير المنطقة الاثرية أن سبب دعوته للصحفيين لتوثيق المكان “لكي لا يتم اتهام الحشد الشعبي بتدمير آثار نينوى كما حدث في مواقع أخرى خلال حرب التحرير من داعش”.

 

استعادة 10% من مفقودات متحف الموصل

قبل نهاية شباط سنة 2015، نشر التنظيم مقطع فيديو يظهر فيه عناصره وهم يحطمون تماثيلاً وقطعاً أثرية في متحف الموصل الحضاري وهو ثاني أقدم متاحف العراق بعد متحف العصمة بغداد، أسس سنة 1952.

بخلاف المرات السابقة التي عرض فيها التنظيم مقاطع مشابهة ظهر أحد عناصره من غير لثام وقال بأن “الدولة الاسلامية في العراق والشام تنفذ حكم الشريعة على الأصنام”.

مصدر أمني في نينوى أخبرنا بأن القوات الأمنية بعد تحرير الموصل سنة 2017، اعتقلت هذا الشخص ويدعى ياسر وهو من سكان شرقي مدينة الموصل، رافضا الادلاء بأي تصريحات بشأن اعترافاته.

لكن ما روج عن تدمير كل القطع الأثرية بالمتحف، لم يكن دقيقا. محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي (2009- 2014) أخبرنا بأن متحف الموصل الحضاري كان يضم الكثير من القطع الأثرية قبل الحرب التي أسقطت النظام السابق في نيسان/أبريل 2003، بيد أن السلطات نقلت قسما كبيرا منها إلى المتحف الوطني في العاصمة بغداد.

فعوض متحف الموصل بعضها بقطع جبسية مماثلة للأصلية المنقولة، وهي التي ظهر عناصر داعش وهم يدمرونها في الفيديو الذي عرضوه خلال سيطرتهم على الموصل.

قال النجيفي: “فقط قطعتان حقيقيتان دمراها، وهما تمثال لثور مجنح وأخرى لألهة الشمس، أما البقية كلها فقد كانت غير حقيقية، وهذ يعني بأنهم سرقوا الأخرى الحقيقية”.

موظف في متحف الموصل أكد ذلك، وقال بان التنظيم عرض فقط صوراً ومقاطع فيديو لتحطيم بعض التماثيل والقطع معظمها جبسية مقلدة، كانت دائرته قد صنعتها تعويضاً للتي نقلت الى بغداد أو التي فقدت خلال أعمال النهب التي رافقت سقوط النظام العراقي السابق سنة 2003.

وذكر بأن التنظيم نقل إلى جهة مجهولة موجودات المتحف من التماثيل متنوعة الاحجام والأشكال وكان عددها (173) قطعة إضافة الى مئات من القطع الفخارية والمخطوطات التي كانت مخزنة ، مشيراً إلى اعتقاده ن لتنظيم نقلها بهدف بيعها في خارج البلاد.

وأوضح بأن متحف الموصل الحضاري، نهبت موجوداته من قبل تنظيم داعش قبل أشهر من نشر مقطع الفيديو في شباط/فبراير2015. ورجح أن يكون تصوير الفديو  في شهر تموز/يوليو2014 أي في ذات الفترة التي دمر فيها الجوامع والمساجد الأثرية.

ويستدل على ذلك من خلال ثياب عناصر التنظيم الذين ظهروا في الفيديو وكانت صيفية، في حين أن الطقس في الموصل خلال شهر شباط يكون ماطراً ومائلا للبرودة.

وتابع:”كانوا ينشرون هذه المقاطع ليغطوا على تهريبهم الآثار الى خارج البلاد عبر سوريا، يؤكد ذلك إظهارهم للقطع المقلدة وحجبهم عشرات من القطع الأصلية مختلفة الاحجام والتي تمثل مختلف الحضارات التي سادت في نينوى خلال خمسة آلاف سنة مضت، ومن بينها آثار تعود للحضارة الإسلامية.. لا يعقل اطلاقا انهم دمروا الآثار الاسلامية فيه”.

مصدر مهتم بالآثار ذكر ان “المعنيين بالآثار لم يكن بامكانهم مراقبة او متابعة المواقع التي تضم آثارا للتحقق من مصيرها ونقلها، فمجرد ان تكون مهتما بالآثار شبهة كافية للادانة”. وتابع “من المستحيل متابعة ما كان يحدث وكل شيء كان مباحا لهم، والحدود كانت مفتوحة فقد ازال التنظيم الحدود مع سوريا، كان من السهل نقل أي شيء الى المدن المحاذية للحدود التركية ومن ثم تهريبها”.

ضم المتحف أربع قاعات كبيرة لعرض تحف أثرية يعود تاريخها لعصور وحضارات قديمة كالآشورية وآثارا من الحقبة الإسلامية، فضلا عن مكتبة عامة أحتوت مخطوطات وكتباً قديمة متنوعة.

واحتوى كذلك على تمثالين آشوريين بوجهين بشريين بارتفاع مترين ووزن بلغ أكثر من أربعة أطنان لكل واحد منهما وضم أيضاً قطعا أثرية من الحقبة الهيلينية التي سبقت المسيحية بثلاثة قرون، فضلا عن قطع صغيرة متنوعة عُثر عليها في القصور الملكية بمدينة نمرود الأثرية بجنوب شرقي الموصل، تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد.

موظف المتحف قال بأن مجموع ما تم استعادته من القطع المسروقة من المتحف لم يتجاوز 10%، إذ ضبطت القوات الأمنية منذ تحرير الموصل نحو 100 قطعة معظمها عائدة للمتحف. وأخرى كان عناصر التنظيم قد سرقوها من أماكن أخرى (يرجح انهم استظهروها خلال اعمال تنقيبهم عن الآثار). وأقر بعدم امتلاك دائرته الأموال اللازمة ليتم فرزها وتصنيفها.

تدمير ممنهج لـ300 جامع و30 كنيسة

خلال سيطرته تلك أيضاً، نشر التنظيم مقاطع فيديو للجوامع والمساجد والاضرحة والمزارات التي هدمها مع بيانٍ برر فيه ما قام به تضمن الإشارة إلى أحاديث نبوية نهت عن بناء القبور داخل المساجد.

وبحسب أبو بكر كنعان مدير الوقف السني في نينوى. فأن (300) معلم ديني أثري دمرها التنظيم أبرزها بعد جامع النبي يونس، جوامع الأنبياء شيت وجرجيس ودانيال، وكذلك الجامع النوري ومرقد الشيخ فتحي وأبن كثير أو ما عرف في الموصل بـ (قبر البنت).

وأشار كنعان إلى أن دائرته وضعت حجر الأساس لإعادة أعمار جامع النبي يونس سنة 2017، لكن السيولة المالية تقف حائلاً أمام بنائه على المدى القريب وهذا ينطبق على باقي المواقع الأثرية.

وبدوره يؤكد أن بيانات التدمير العقائدية كانت مجرد أغطية لعمليات نهب طالت موجودات تلك المواقع “إذ أن عناصر داعش كانوا يحيطونها بحراسة مشددة قبل وبعد تفجير كل منها ويمنعون الناس من الاقتراب لعدة أيام”.

وفي الجانب الأيمن لمدينة الموصل أيضاً، وتحديداً في سوق الشعارين بالمدينة القديمة، كانت تتجاور أربعة كنائس في مساحة صغيرة تعرف بـ(حوش البيعة) وهي للسريان الأرثدوكس وللأرمن الأرثدوكس، وإثنتان للسريان (الكاثوليك) تسميان كنيسة الطاهرة وسيدة الانتقال والأخيرة بنيت قبل ثمانية قرون بحسب القس رائد عماد مسؤول كنائس الارثدوكس في المدينة.

استغل التنظيم حوش البيعة عقب سيطرته على الموصل كمقر إداري وكسجن، قبل أن تتعرض إلى التدمير في معارك تحرير الموصل بين سنتي 2016 و 2017.

وبين أنقاض حوش البيعة ذاتها، أقام بابا الفتيكان فرانشيسكو قداساً في 7مارس/آذار 2021 خلال أول زيارة لحبر أعظم الى العراق. قبلها بأيام فقط، قامت الأجهزة الخدمية في الموصل، بتعبيد طريق بممر واحد مر عبر أنقاض المنطقة وصولاً الى مكان القداس.

الأمر الذي أثار موجة استياء محلية واسعة لكون الطريق مُد ضمن أجزاء من مساحة كانت تشغلها الكنائس الاربع المتجاورة (حوش البيعة) ما شكل تجاوزاً على مناطق تعد أثرية وذات قيمة دينة اعتبارية.

القس رائد قال بأن 30 كنيسة أخرى كانت في الموصل ومعظمها أثري، تعرضت لنهب محتوياتها ولضرر جزئي أو تدمير كلي خلال حكم داعش للموصل ومنها كنيسة (مار أشعيا) في منطقة رأس الكور بالمدينة القديمة، بنيت قبل 1200 سنة. وكنيسة الشفاء في منطقة حي الشفاء عمرها نحو ألف سنة.

استولى عناصر داعش، على آلاف المخطوطات والكتب النادرة كانت تضمها مكتبات هذه الكنائس، فضلاً عن موجودات متحف تابع لكنيسة السريان في سهل نينوى. اختفت تلك الموجودات ولا أثر لها في الكنائس الباقية والمدمرة.

ضابط في شرطة نينوى المحلية برتبة عقيد، ذكر طالباً عدم إيراد اسمه، أن كنائس الموصل كانت تضم نفائس تراثية ودينية غاية في القدم، إستولى عليها عناصر داعش بعد حزيران/يونيو 2014 حين وضعوا خيارات ثلاثة لا رابعة لها أمام المسيحيين من السكان إما “الإسلام أو الجزية أو مغادرة المدينة دون أخذ شيء”.

هكذا فقد المسيحيون الذين كان يقدر عددهم وقتها بنحو خمسة آلاف كل ممتلكاتهم، والكنائس فقدت كل شيء قابل للنقل بداخلها.

عقيد الشرطة ذكر بأن عناصر تتبع مديريته ألقت القبض في ايلول/سبتمبر2020 على حارس مدرسة مجاورة لحوش البيعة، منتمٍ لداعش كان قد سرق منها (32) مخطوطاً تاريخياً ودينياً نادراً من حوش البيعة وأخفاها في منزله في منطقة باب الجديد بغية بيعها.

وأفاد بأن هذه المخطوطات هي المفقودات الوحيدة من الكنائس التي تم استعادتها، فيما يظل مصير البقية مجهولاً حتى بعد مرور أكثر من أربعة سنوات على تحرير الموصل.

تخطت الكنائس مصاعب الأزمنة الدموية المتلاحقة التي شهدها تاريخ مدينة الموصل على مدى 1770 سنة من الوجود المسيحي فيها إلى أن وقعت في نهاية الأمر بأيدي عناصر داعش، لتتحول الى محاكم شرعية للتنظيم أو سجون لمعارضيه بعد أن انتزعت منها الصلبان والرسوم والنقوش وتم تدمير أية إشارة توحي إلى أنها كانت كنائس ذات يوم. ثم جاءت حرب التحرير لتحيلها الى ركام.

بين المواقع المسيحية التي طالها الدمار كانت “كنيسة الساعة” أو أم الأعجوبة أو الآباء الدومنيكان، والتي تقع في الجانب الايمن للموصل افتتحت سنة 1873. ظل برجها الخارجي يحمل ساعة رباعية أهدتها الملكة أوجينة زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث للأباء الدومنيكان مكافأة لجهودهم التي بذلوها في تقديم العلاج وتوزيع الأدوية والأغذية لأهالي الموصل بعد ان فتك مرض التيفوئيد بالكثيرين منهم بين عامي (1879- 1880).

لكن عناصر داعش لم يستغرقهم أمر تحطيمها سوى ساعات قلائل فقط، محاولين بذلك محو رمزيتها التي طغت على المنطقة حتى عرفت بأسمها (منطقة الساعة). وذات الشيء فعلوه في المواقع والمدن الأثرية في عموم نينوى.

 (الحدباء) رمز الموصل لثمانية قرون

الجزء الأكثر ايلاما في قصة تدمير المعالم الأثرية بنينوى، بالنسبة للموصليين، حدث يوم أختتم التنظيم حفلاته التدميرية قبيل نزع سيطرته عن المدينة منتصف 2017 بتفجير منارة الجامع النوري أو الجامع الكبير وكانت مئذنته تحظى بشهرة كبيرة وتعرف بـ(منارة الحدباء)، وقد استمدت الموصل منها واحدة من أسمائها العديدة الأخرى فهي تعرف أيضاً بمدينة الحدباء.

وهذه المنارة التي كان يبلغ ارتفاعها 45 متراً ومائلة نحو الشرق بسبب المادة الجصية التي حشي جوفها بها، بناها (نور الدين زنكي) فترة تولي سيف الدين غازي الثاني بن مودود زمام الحكم في الموصل.(1170-1180 م).

هذا الميلان هو الذي منحها شهرتها حتى أصبحت رمزا للموصل مئات السنوات. أحدث تفجيرها صدمة كبيرة لدى الأهالي فاقت حتى مواجع فقدان آلاف منهم سواء بأيدي عناصر التنظيم أو بحرب استعادتها.

اليونسكو وضعت حجر الأساس لإعادة أعمار الجامع النوري ومئذنتها وفق خطة أطلق عليها (مبادرة إحياء روح الموصل) تمتد لأربع سنوات وبدعم من الأمارات العربية المتحدة بمبلغ 50 مليون دولار. ووضعت مسابقة لأفضل تصميم للجامع النوري ومنارة الحدباء.

فاز بها مشروع فريق جامعة الإسكندرية برئاسة الدكتور صلاح هريدي والذي حمل عنوان “حوار الأروقة”، وتم اختياره من بين 123 تصميماً تقدمت به فرق ومصممون من مختلف دول العالم.

المهندس الاستشاري راكان العلاف المدير التنفيذي لمشروع إعادة أعمار مجمع الجامع النوري قال بأن “الطابوق الأصلي سيستخدم في بناء منارة الحدباء ولاسيما أنه قد تم إنقاذ 50-70% من الطابوق الذي تناثر في المنطقة وقت تفجيرها في صيف ٢٠١٧ وذلك بعد تصنيفه وترقيمه بشكل علمي”.

وذكر بأن الطابوق المتبقي أي التكميلي سيتم تصنيعه ويفخر بطريقة تشابه الاصلي وبنفس مكوناته ونوعية التربة المستخدمة. وأن خطة الاعمار تقضي ببناء منارة الحدباء والمسجد النوري بنحو مطابق للأصل، أي بميلان ناحية الشرق “وهذا يمثل العمود الفقري للمشروع” وفقاً لتعبيره.

تجاوزات على الآثار بتصاريح رسمية !

بحسب مصادر دائرة الآثار والتراث في نينوى التي تحدثنا اليها، هنالك 1600 موقع أثري في عموم مناطق المحافظة، 1064 منها بلا حماية، فقط 536 موقعاً تحظى بحماية أمنية، ما يعني استمرار التجاوزات على آثار نينوى ولاسيما المناطق غير المستظهرة.

لم تتوقف التجاوزات على تلك الآثار مع نهاية سيطرة تنظيم داعش، بل استمرت في ظل وجود قوات الحشد الشعبي الشيعية التي استحوذت على الملف الأمني ومسكت الأرض في العديد من المناطق بعد انتهاء حرب التحرير من داعش 2017. ويؤكد مصدر بديوان الوقف السني في نينوى، وقوع تجاوزات عديدة على الآثار ومحرماتها بدعم مباشر أو غير مباشر من هذه القوات.

خلال عملية التقصي رصدنا تجاوزات عديدة على آثار نينوى، بعضها تجري بموافقات رسمية من جهات حكومية، ومفتشية آثار وتراث نينوى متورطة في بعضها.

ففي الجهة المقابلة للشارع الموازي لجامع النبي يونس حيث محرمات أثرية وتحديداً القطعة المرقمة 3/41 مقاطعة نينوى الشمالية، التي كانت مسجلة باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية- المنحلة، تحولت الى إدارة ديوان الوقف الشيعي المدعوم من الحشد الشعبي.

وتم تأجير القطعة إلى المستأجر (عدي حسين محسن الأمارة) وخصّصت الأرض سوقاً لبيع الثياب المستعملة، وهي تكتظ اليوم بالبائعة والمتسوقين مع انها من المحرمات الأثرية.

وحصلت تجاوزات على ثلاثة تلال متجاورة تسمى (تلول مجارين) تقع على بعد نحو 20 كم غرب مدينة الموصل، وهي من المواقع الأثرية المعروفة التي توقفت فيها التنقيبات منذ عقود بسبب الحروب التي دخلتها البلاد وتداعياتها.

مواطنان من قرية تويم القريبة، ذكرا لنا بأن عناصر فصيل للحشد الوطني “قاموا وعلى مدى أيام بالتنقيب عن الآثار في المنطقة، بذريعة كشف ما يعرف حاليا “بطريق السبايا”، لكن في الحقيقة كانوا يسرقون الآثار في وضح النهار وبعلم الأجهزة الأمنية النظامية المرابطة قريباً من المنطقة”.

وتنشط في غربي نينوى، لجنة تعرف باسم (لجنة استكشاف طريق السبايا). وللطريق هذا علاقة بواقعة تاريخية يحيي الشيعة طقوسها سنوياً، تدعى واقعة (الطف) في كربلاء وهي معركة استمرت على مدى ثلاثة أيام في 12 تشرين الأول/أكتوبر 680م، وكانت بين الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة بنت النبي محمد، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.

مشروع لجنة استكشاف الطريق، يهدف وبحسب الوقف الشيعي إلى تحديد مناطق مرور القوافل قديماً، وهي في طريقها متوجهة إلى الشام، حيث المسار الذي سلكته قوات يزيد بن معاوية ومعها نساء من آل بيت الحسين اخذن كسبايا.

وفي قلب مدينة الموصل، رصدنا تجاوزات على محرمات مدينة نينوى الأثرية وبعضها بعلم وموافقة دوائر حكومية من بينها مفتشية آثار وتراث نينوى.

إذ استعاد الشقيقان (خير الدين وسعود حسن العمري) وبموجب حكم قضائي صدر عن محكمة البداءة في منطقة استئناف نينوى بتاريخ 31/12/2008 ملكية أرض لهما تقع على الشارع المار من الجهة الغربية لسور نينوى الاثري(نركال)، كان النظام العراقي السابق قد صادرها حسب ادعائهما الذي اقنعا به المحكمة. وحصلا منتصف 2021 على قرار قطعي باسترداد الارض لتقوم بلدية الموصل، بإنشاء شارع آخر ضمن محرمات السور الأثري مخالفة بذلك التعليمات الرسمية التي حددت محرمات الآثار بـ 30 متر.

الشقيقان سيزيلان الشارع القديم ويقتسمان حصتيهما من الأرض ويقطعانها إلى قطع تمهيداً لاستثمارها. وهذا ما عزز مخاوف مراقبين، من أن يؤدي استحداث أبنية في المكان إلى اخفاء معالم السور ما يتنافى مع تعليمات منظمة اليونسكو.

الخبير القانوني معتز عبد الله حسيب قال بأن محرمات الآثار في العراق تتقلص بحسب مصالح الساسة والمقربين منهم، موضحا أن القانون العراقي “كان يقضي بترك مسافة 750 متر بين الآثار وأي مشيدات عامة أو خاصة يتم استحداثها، لكنها تقلصت بقرار واجتهاد شخصي من وزير السياحة والآثار لواء سميسم في 2006 تعلق بمواقع دينية شيعية في النجف وكربلاء وسامراء لتبلغ 200 متراً”.

وأكد القانوني معتز بأن القانون لا يلغى إلا بقانون، وقرار الوزير استثنائي وغير عام تعلق بمناطق محدودة، إلا أن مفتشية آثار نينوى غلبته على القانون، ما يعني مخالفة صريحة من قبلها بل “وتورط واضح في التجاوزات على الآثار”.

التجاوز على سور نينوى، آثار غضباً عارماً بين الناشطين المدنيين الذين قاموا بحملة لرفض هذه التجاوزات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ونشروا صوراً أظهرت جرافات حكومية وهي تزيل جانباً من السور الأثري، مذكرين بصور مشابهة كان تنظيم داعش قد نشرها إبان سيطرته على الموصل، لجرافات وهي تزيل بوابات مدينة نينوى الأثرية.

النائب البرلماني جوزيف صليوه وصف في رسالة وجهها إلى وزير الثقافة والسياحة والآثار د.حسن ناظم، التجاوز على سور نينوى بـ “الجريمة البشعة بحق تاريخ العراق الحضاري”.

وقع ذلك التجاوز بموجب الكتاب المرقم 6196 الصادر من بلدية الموصل في 25/2/2021 والذي حمل توقيع (رضوان أحمد سليمن) مدير البلدية، الذي بموجبه منحت المحافظة الاذن بفتح الطريق الجديد ضمن محرمات السور الأثري.

ولم تمر سوى أيام قلائل على مشكلة الجهة الغربية للسور، حتى عم الغضب الموصل مجدداً، بعد الإعلان عن قرار لمفتشية آثار وتراث نينوى في 15 تموز يوليو2021 بإزالة 160 داراً مشيدة على محرمات الآثار بمحاذاة الجهة الشمالية لسور نينوى بالقرب من حي المثنى. ومنحت أصحابها أسبوعين لإخلائها.

فوضى ادارية

وعد ناشطون اجراء المفتشية بالمتأخر كثيراً، لأن حياً كاملاً قد بني أمام أنظار موظفيها ضمن آثار نينوى ومحرماتها وكان عليها أن تمنع البناء في الأصل. وهو ذات الشيء الذي كان قد حدث مع محرمات الجهة الشرقية للسور إذ كانت قد تحولت وعلى مدى سنوات الى سوق لبيع المفروشات.

السماح بتجاوزات وازالة أخرى، تظهر تخبطا وفوضى في مفتشية الآثار. مصدرنا في المفتشية قال بأن دائرته تعتمد على قرارات تصدر من وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وكانت بالفعل قد أطلقت يوم الثلاثاء 29 أيلول/سبتمبر2020 لإزالة تجاوزات سكنية عشوائية لنحو 40 منزلاً مشيدة على تل التوبة حيث بقايا جامع النبي يونس وقصر الملك الآشوري أسرحدون.

وأزالت كذلك 70 منزلاً كانت قد شيدت في منطقة الرحمانية داخل الارض المحرمة في نينوى الاثرية. خلال فترة سيطرة داعش على الموصل بين 2014 -2017.

ولم ينف مصدرنا في مفتشية الآثار وجود ضغوط من جهات متعددة تؤدي الى تلك التجاوزات. إذ أكد بأن هنالك برلمانيون ومسؤولون محليون ومتنفذون مدعومين من فصائل مسلحة يتدخلون في بعض الأحيان في أمور تخص الآثار ولاسيما إذا كانت تتعلق بأراضٍ ضمن محرماتها.

سليم محسن (52 سنة) واحد من مالكي المنازل المشمولة بقرار الإزالة، سبق وأن أشترى قطعة أرض (بمساحة 200 متر مربع) ضمن مقاطعة 42 نينوى الشمالية، من جمعية الحدباء الإسكانية. وحصل على سند (ملك صرف) ليقوم بعدها بالحصول على موافقات رسمية من 18 دائرة حكومية لبناء منزله ومن بينها مفتشية آثار نينوى.

يقول بغضب “والآن تريد مفتشية الآثار أن تزيل منزلي الذي صرفت مدخرات عمري لبنائه”. وتسائل:” لماذا يحملوننا مسؤولية اخطائهم، من سيعوضنا الآن؟”.

ولم تكد تنتهي مهلة مفتشية آثار نينوى للمواطنين بإزالة منازلهم، حتى صدر قرار من محكمة تحقيق نينوى بالقبض على مديرها (علي الصميدعي) للتحقيق معه بتهمة تزوير أوراق عقارية تتعلق بمساكن جمعية الحدباء وتلقي رشوة.

بعد ساعات من توقيفه، وتحديداً في الثاني من آب/أغسطس2021 تعرض الصميدعي الى أزمة قلبية توفي على أثرها بحسب بيان من مفتشية آثار نينوى، ما فتح باباً واسعاً للتكهنات باحتمال أن تكون جهات نافذة قد قامت بتصفيته للتغطية على ما يشاع في الموصل بوجود عمليات تزوير كبيرة في عقارات الدولة.

ثمانية انواع من التدمير

خلال تقصينا عن آثار نينوى، رصدنا تعرضها الى ثمانية أنواع من التجاوزات الخطيرة، سواء بأيدي عناصر داعش أو الميليشات التابعة للحشد أو الأفراد المتجاوزين على الآثار بالتشييد أو بالتنقيب والسرقة، وتتمثل في:

تفجيرات أدت إلى دمار كلي أو جزئي قام بها داعش. وعمليات تجريف قام بها التنظيم وبلدية الموصل. وإحداث بناء لإخفاء معالم بناء قديم، كما فعل التنظيم حين فجر مرقد الامام يحيى بن القاسم في الموصل، وقام ببناء مسجد محله.

وتدمير لاستثمار الأرض، وهو ما فعله تنظيم داعش بتدمير جامعي النبيين شيت وجرجيس وأنشأ في مساحتي الارض ساحتين لوقوف السيارات وحصل على عائداتهما. وأيضاً فعل ديوان الوقف الشيعي ذات الشيء في الارض القريبة من جامع النبي يونس، وهي محرمات آثار استأجرها لباعة الثياب المستعملة وسواهم.

تدمير جزئي، باستهداف قبر في مرقد أو جامع أو كنيسة أو استهداف نقوش في جامع او كنيسة أو منزل أثري او تراثي. أو أجزاء من مناطق أثرية كانت تشغلها قوات عراقية قبل سيطرة داعش، وقام عناصر الاخير بتفجيرها كما حدث في قلعة تلعفر التاريخية غرب الموصل، ومن ثم دمرت معظم اجزاء القلعة خلال حرب التحرير من داعش.

تدمير بمواد كيمياوية، والهدف منها ازالة كل أثر للمنشأة أو المبنى، وقد تم استخدام ذلك من قبل داعش في مواقع عديدة منها معبد في مدينة الحضر. واستخدام عبوات ناسفة تسمى (مسطرية)، كما فعل لتنظيم في مدينة النمرود الاثرية ومازالت القوات الامنية تعثر على بعض منها.

والأخير تدمير بحفر أنفاق تحت معالم أثرية، كما فعل داعش في قصر اسرحدون تحت جامع النبي يونس، إما بغرض التنقيب عن الآثار أو للرصد والاختباء كما هو لحال في منطقة (تل الرسم) في قضاء مخمور شرق مدينة الموصل، إذ أحدث عناصره ما يشبه مدرجا على التل الاثري.

ضياع الى الأبد

يقدر خبراء المدة التي تتطلبها اعادة ترميم واعمار المناطق الأثرية المتبقية في نينوى بأكثر من عشر سنوات، هذا ان توفرت الأموال اللازمة كما حدث في حالة منارة الحدباء. ويشترطون لإنجاح ذلك تفعيل القوانين المتعلقة بالآثار وتطبيقها على الجميع دون استثناء.

لكن آخرين يرون ان المعالم الأثرية الأساسية في نينوى دمرت الى الأبد ولا يمكن استعادتها، وان الجزء القابل للترميم محدود ويتطلب اموالا طائلة وربما عقودا زمنية من العمل.

وتقر الجهات المعنية انها لا تملك معلومات عن وجهة الآثار المسروقة والمهربة من نينوى إلى خارج البلاد، فتنظيم داعش كان قد أزال الحدود مع سوريا ووصل نفوذه الى الحدود التركية، وكانت تحركاته تجري بشكل غير مركزي وهو ما يُعقد اي عملية متابعة للملف.

ويعلق موظف في الآثار، مبديا يأسه: “كأنك تبحث عن قطعة حجر في بحر. قُتل قادة التنظيم كما غالبية الأمراء، ومن بقي حيا اختفى في سوريا.. كيف يمكن الاجابة عن مصير القطع؟”.

رغم ذلك يأمل المختصون أن يكون قسم كبير منها مازال في داخل العراق ولم ينجح التنظيم في تهريبها كما حدث مع القطع التي عثر عليها في الموصل بعد تحريرها.

وفي ظل غياب رؤية واضحة لمصير الآثار المختفية وعدم وجود خطط للبحث عنها، تركز وزارة الثقافة والسياحة والآثار على ترميم بعض المدمر من الآثار بالاعتماد على الخبرة الدولية لليونسكو على سبيل المثال كما يجري الأمر في الجامع النوري ومنارة الحدباء في الوقت الراهن.

وعقدت الوزارة اتفاقية في حزيران يونيو الماضي لصيانة وترميم القطع الاثرية التي حطمها عناصر داعش في متحف الموصل، بتمويل من منظمة (أليف) الدولية وبمساعدة خبراء من متحف اللوفر في باريس، وبفريق يترأسه دانييل ابلت، وهو أحد أكبر مرممي الأحجار في العالم، استهل عمله بترميم منصة العرش للملك اشور ناصربال الثاني من مدينة نمرود.

وستشمل أعمال الصيانة والترميم الثيران المجنحة وأسد معبد عشتار والمسلة الصفراء و18 قطع أثرية اخرى مختلفة الاحجام والأنواع.

هذان الموقعان إضافة الى مدينة الحضر هي المتبقية من آرث نينوى التاريخي المكتشف، الذي تنشط فيهما بعض بعثات التنقيب العالمية، بينها بعثة المانية تعمل في قصر أسرحدون بتل التوبة لاستظهار ما بقي من كنوزه وربما تعويض جزء قليل من ما دمر.

يقول الباحث عادل كمال: “طوال قرون لم تستفد نينوى من آثار ممالكها العظيمة التي لا تقدر بثمن، والتي كانت يمكن ان تشكل قبلة للسياح. اليوم ونحن نبكي على أطلال كنوز لا يمكن استعادتها، يراودنا سؤال واحد: لماذا دمرت؟”.

 

  • انجز التحقيق بدعم صندوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمويل الأعمال الاستقصائية NAWA-IF

https://ar.nawamedia.org/nawa-investigative-fund/

المزيد عن تحقيقات استقصائية

تحقيقات استقصائية","field":"name"}],"number":"1","meta_query":[[]],"paged":1,"original_offset":0,"object_ids":19070}" data-page="1" data-max-pages="1">